هكذا فالبعد أفضل !
منذ أن ذاقت الروحُ طعم الحياة
وعرف الشعور معينَ الحس
وذاق الفؤاد لذة الأنس حتى عرف الجمال طريقه لقلوبهم ...
يحترقون قرباً
ويزداد الولعُ احتراقاً حينما تغيب الكلمات عن مجراتها
وتذهب المعاني إلى أفلاكها
وتسكُن المفردات في أعماقها
يتفطر القلب من محاولات الوصول إلى مشبعاتِ الروحِ
وأنى له ذلك ! فالتعبير حتماً سيخرج باللسان ناطقاً بما تعلمناه من مفردات البيان , واصفاً أحواله وكونِهِ كإنسان ...
... يظل عاجزاً عن وصف خلجاتِ الروحِ كائناً من كان
لكنّا مع المعاني نسرح
وبالرشيقِ من الألفاظ نلهو ونمرح
وبما يطرب الآذان نغردُ ونصدح
ويبقى الشعورُ كبيراً عالياً سامياً فوق الجميع
يلتقطُهُ الذواق
ويتحسسه المشتاق
ويئِن للوعته من عانى الفِراق
ويتوارى المتسابقين خلف كلماتهم حتى يبدأ السباق
فيعدو من له نَفَسٌ طويل
ويتهادى مع الحِسِ إذا ما على من خيِلهِ صوتُ الصهيل
يتباطئ من أجل البقاء ....
... لا يرضى لحِسهِ بمغرياتِ الفناء
يؤجل العاجل للآجل
ويرسل رسائله على حمامٍ أبيضٍ زاجل
يصل لمحبوبه علانيه
يقرأه على رؤس الأشهاد هاؤمُ اقرؤا كتابيه
يظلُ مع المضمون سابِحْ
وللمدخرِ الثمينِ رابِحْ
يتغزلُ في المحسوس دون توريه
ويخاطبُ النفوس السامية
نراهُ يداعِبُ المكنون بشفافيه
من بعدِ ما ربِحَ الخيل الأصيل حتماً سيكون الفوز طريق نفسٍ راضيه .
يقتربُ أكثر.....
فإذا بالقرب حارق
وللذةِ الشوقِ من معطوفِهِ سارقْ
يتداعى لأجلِهِ الأنين
ويُعلن الوصل حالة التأبين
ويرفعُ الإحساس راياتٍ ورايات ...
...ترفرف بالروح من نزيفِ الآهات
ويعتلج الفؤاد مضطرماً بالخوفِ من الدقات
يسبح حد تسارعِ الأنفاس
فالعمق حقاً دفين
والغوص يحتاجُ لمهاراتٍ مُحَسَسَه
والقلبُ في حبِهِ صادق واحدٌ وليس بمؤسسه
تخلط الحس البخسَ بمن علا بالطُهرِ حِسُه .. فــــ
لله درُ القائل : " من علا في الشوقِ حِسُه تعالى للفوقِ أُنْسُه "
فيعودُ للبعد الجميل
فإذا بالبعد قرب
والبعد في الظاهر هجر ولكنه في الأصلِ .....
أصل الوصول
وبذورٍ تُرمى لانتظار المحصول
فيبقى في البعدِ قريباً بائناً عن مقصده
يقنَع الموصولُ منه بأقل القليل
وتعتمل المفردَةُ في روحه معمول قاموسٍ طويل
فيه من المرادفاتِ ما يُغني عن المعاجِمِ والمراجع
وفيه من العلاماتِ ما يصل للروحِ مع الجفنِ الدامع
تتهادى مع الاحاسيسِ الصادقة تلك النفوس المشفقة
ترتاحُ مع الأوصالِ من تلك الأحمال
وتتوارى مع المشجعينَ نفسٌ ترقبُ الخيل الأصيل
وتشجع عن قربِ قلبٍ ذاك الشعورُ النبيل
فإذا بالمبذورِ ينمو في حدائقه الغناء
وتترعرعُ الأوراق على عيدانٍ شماء
ترفع هامتها عاليةً صوبَ السماء
وتتنفسُ من هواءٍ نقيٍ عالجتهُ الأحاسيسُ من كلِ مرضٍ وداء
فإذا بالشجرةِ السامقة تقف على أرضٍ ثابتةٍ
تمتد جذورها في الأرض وترتفع الهامة تجاه العلياء ..
وكلما ابتعدت عن الأرض كلما علت نحو السماء
لله درها فالبعدُ حقاً أفضل
إنه البعد عن الأرض والجسد إنه القربُ من الروحِ لأجلِ تعارف السماء
تعليق