استيقظ "فلحوس" ابن المعلم "شلضم" من سباته العميق، وهو مذهول من براعة الفكرة التي راودته بينما كان يغط في نومه. فجرى مسرعاً إلى أبيه كي يخبره بها فيحل بذلك معضلة كانت تؤرقه وأباه.
فعلى مدى ما مضى من عمره كان أبوه يذهب كل مساءٍ إلى "مستوقد" الفول المدمس، فيضع الفول في قدوره، ويغطيه بالماء ثم يشعل تحته النار بعد أن يكون قد جمع الحطب المتناثر حول بيت "أبي فجلة" الحطاب، وبقايا الخشب من منجرة "المعلم زينهم"، وما تركه "شملول أفندي" معلم المدرسة على بابه من الجرائد القديمة. وكان ينفخ في النار إلى أن تشتد، ويعمل على أن تصل إلى المستوى المطلوب حتى لا يحترق الفول. وكم من مرة احترق!!! وإن اشتكى من فوله أحد زبائنه كان جزاؤه تحريم بيع الفول له فضلاً عن ركلة أو صفعة أو كلمة بذيئة. المهم، كان ما أن ينتهي من النفخ حتى يكون الدخان قد سوَّد وجهه، وأزكم أنفه، وأخذ يسعل ويدور حول نفسه مثل "الفرخة الدايخة".
أما ملابسه فقد اكتست بمرور الزمن لوناً لا هو أسود ولا هو أزرق، ولكنها كانت تلمع من كثرة ما أصابها من "الهباب". وكم من مرة اشتعلت فيها النار ولم يجد غير ماء الفول يطفئ به نفسه.
ورغم ما كان يبدو عليه من بؤس وشقاء إلا أنه كان لديه "صبيان" يعملون لحسابه ويجتمعون حوله كحلقة الزار وهو ينفخ ويسعل، وهم ينفخون معه. أما ابنه "فلحوس" فهو على ما كان به من تناحة وخمول عقل إلا أن "شلضم" أسند إليه مهاماً عظاماً في ميدان بيع الفول المدمس. واعتبر فلحوس أن هذا شرف ما بعد شرف. فأقسم لأبيه على السمع والطاعة، وأخذ يفكر في طريقة يريح بها أباه الذي كثرت شكواه من كثرة العمل. فما أن أتته تلك الفكرة حتى هب من نومه وهرول في انفعال شديد إلى أبيه بالمستوقد كي يخبره بالحل الذي هداه تفكيره إليه، فوجده هناك وحوله صبيانه الذين لم يكونوا يقلون عنه بؤساً. فقال:
- أبي، أبي ... وجدتها! وجدتها!
فالتفت إليه أبوه وصبيانه في تلهف لاستماع ما توصل إليه حلاً للمشكلة. فقال:
- أرى أن ننظم أنفسنا، ونقسم العمل بيننا، ويقوم كل منا بدور ليخفف عن الآخرين، فيرتاح ويرتاحون. وفكرتي هي أن يكون هناك رئيس ونائب رئيس ومستشارون. فتكون أنت الرئيس، وأنا نائبك وبقية الصبيان مستشارون. فما رأيكم؟
هلل الصبيان لفكرة فلحوس العبقرية التي تفتق عنها ذهنه، وقالوا:
- نعم الحل! واللهِ هذا البغل من ذاك الحمار! هذا التيس من ذاك الخروف! ما أسعدك بفلحوس يا معلم شلضم. ونحن معكما فيما تريدان.
فقال المعلم شلضم في سرور بالغ:
- نعم الرأي رأيك يا بني. هيا جميعاً إلى العمل.
فذهب شلضم لجمع الحطب من حول بيت أبي فجلة الحطَّاب، وبقايا الخشب من منجرة أبي زينهم، والجرائد القديمة من أمام بيت شملول أفندي، وجرَّها خلفة كثور الساقية على عادته كل يوم إلى المستوقد، فوجد هناك فلحوس والصبيان في انتظاره. فلما رأوه أخذوا يهللون له كعادتهم كل مساء.
وضع المعلم شلضم حملَه وأوقد فيه النار، وأخذ ينفخ وصبيانه يهللون!!!!
فعلى مدى ما مضى من عمره كان أبوه يذهب كل مساءٍ إلى "مستوقد" الفول المدمس، فيضع الفول في قدوره، ويغطيه بالماء ثم يشعل تحته النار بعد أن يكون قد جمع الحطب المتناثر حول بيت "أبي فجلة" الحطاب، وبقايا الخشب من منجرة "المعلم زينهم"، وما تركه "شملول أفندي" معلم المدرسة على بابه من الجرائد القديمة. وكان ينفخ في النار إلى أن تشتد، ويعمل على أن تصل إلى المستوى المطلوب حتى لا يحترق الفول. وكم من مرة احترق!!! وإن اشتكى من فوله أحد زبائنه كان جزاؤه تحريم بيع الفول له فضلاً عن ركلة أو صفعة أو كلمة بذيئة. المهم، كان ما أن ينتهي من النفخ حتى يكون الدخان قد سوَّد وجهه، وأزكم أنفه، وأخذ يسعل ويدور حول نفسه مثل "الفرخة الدايخة".
أما ملابسه فقد اكتست بمرور الزمن لوناً لا هو أسود ولا هو أزرق، ولكنها كانت تلمع من كثرة ما أصابها من "الهباب". وكم من مرة اشتعلت فيها النار ولم يجد غير ماء الفول يطفئ به نفسه.
ورغم ما كان يبدو عليه من بؤس وشقاء إلا أنه كان لديه "صبيان" يعملون لحسابه ويجتمعون حوله كحلقة الزار وهو ينفخ ويسعل، وهم ينفخون معه. أما ابنه "فلحوس" فهو على ما كان به من تناحة وخمول عقل إلا أن "شلضم" أسند إليه مهاماً عظاماً في ميدان بيع الفول المدمس. واعتبر فلحوس أن هذا شرف ما بعد شرف. فأقسم لأبيه على السمع والطاعة، وأخذ يفكر في طريقة يريح بها أباه الذي كثرت شكواه من كثرة العمل. فما أن أتته تلك الفكرة حتى هب من نومه وهرول في انفعال شديد إلى أبيه بالمستوقد كي يخبره بالحل الذي هداه تفكيره إليه، فوجده هناك وحوله صبيانه الذين لم يكونوا يقلون عنه بؤساً. فقال:
- أبي، أبي ... وجدتها! وجدتها!
فالتفت إليه أبوه وصبيانه في تلهف لاستماع ما توصل إليه حلاً للمشكلة. فقال:
- أرى أن ننظم أنفسنا، ونقسم العمل بيننا، ويقوم كل منا بدور ليخفف عن الآخرين، فيرتاح ويرتاحون. وفكرتي هي أن يكون هناك رئيس ونائب رئيس ومستشارون. فتكون أنت الرئيس، وأنا نائبك وبقية الصبيان مستشارون. فما رأيكم؟
هلل الصبيان لفكرة فلحوس العبقرية التي تفتق عنها ذهنه، وقالوا:
- نعم الحل! واللهِ هذا البغل من ذاك الحمار! هذا التيس من ذاك الخروف! ما أسعدك بفلحوس يا معلم شلضم. ونحن معكما فيما تريدان.
فقال المعلم شلضم في سرور بالغ:
- نعم الرأي رأيك يا بني. هيا جميعاً إلى العمل.
فذهب شلضم لجمع الحطب من حول بيت أبي فجلة الحطَّاب، وبقايا الخشب من منجرة أبي زينهم، والجرائد القديمة من أمام بيت شملول أفندي، وجرَّها خلفة كثور الساقية على عادته كل يوم إلى المستوقد، فوجد هناك فلحوس والصبيان في انتظاره. فلما رأوه أخذوا يهللون له كعادتهم كل مساء.
وضع المعلم شلضم حملَه وأوقد فيه النار، وأخذ ينفخ وصبيانه يهللون!!!!
تعليق