صراعات ....من كتابات المدينة والفضيلة
صِرَاعات
i
في الحاناتِ الكثيرةِ على شرفةِ الرمالِ
اللّيلُ قاتم
هناكَ لمْ يُحرّم اللهُ خمرا
وحوّاءُ لكلِّ الرجالِ
توزِّعُ أوراقَ العنبِ والتفّاحَ ، ضِحكةً ضِحكةً
في زحامِ الهزائم
هناكَ – في أخر الليلِ الطويلِ - عندَ إطلالةِ السؤالِ
لا فجرَ قادم
في خشوعِ الحُفّاظِ قالوا : " لا إلهَ إلا ..." وسيفٌ
وَأَرْدُوا صورَ الخيالِ قتيلةً ، تحتَ جُنحِ المراسم
عندَ بابِ المدينةِ ، تناسلوا وتكاثروا
(( تَوَاْصَوْاْ بِالْحَقِّ )) ، وتعاهدوا
وبينَ الجدرانِ في ثنايا الدفءِ، تبارزوا على لذةِ المكان
وَأَدُوا الترابَ بتهمةِ المشاعِ ، والهواءَ ، والضياءَ ، والسماء
منْ شقوقِ الخرابِ لنْ ترى شيئا
كانَ المشاعُ الوحيدُ ، حزنا كالدخان
قد يأخذُ سوادُ الحزنِ قاتلا ، أحيانا
لأنَّ الحزنَ رفيقُ دربِهِ الأمين
كلبُ الحراسةِ من قتلاهُ
من أحلامِهم الجميلةِ أو الكوابيس
وقد يأخذُ بياضُ الفرحِ قاتلا ، أحيانا
لأنَّ الفرحَ رفيقُ رؤاهُ الوحيد
كلبُ الحراسةِ لأحلامهِ الجميلةِ
للبياضِ
من أعدائهِ والكوابيسِ
لا القتيلُ يبكي
ولا القاتلُ يتقنُ تفاصيلَ الرواية
لا القاتلُ يحبسُ أنفاسَهُ ، عن شهوةِ القتلِ
ولا القتيلُ يروي القصص
بعيدانِ عن نشوةِ انتصارٍ أو مرارةِ الهزيمة
ولهما للقاتلِ والقتيلِ في حكايا البعيدينَ تفاصيلُ كثيرة
ولهما للقاتلِ والقتيلِ أهازيجُ خصوصيّةٌ ، عن البطولةِ والفضيلة
يقولُ القاتلُ :
وطني ، ولأجلهِ طلقاتُ بندقيّتي
ويقولُ القتيلُ :
وطني ، ولو كنتُ شهيدا
هكذا يتساوى الناسُ ، كلُّ الناسِ
في رتابةِ الأزياءِ ، وانطباعاتهم عن زرقةِ السماءِ
وعن أزقةِ المدينة
يحملُ الأنبياءُ شرائعهَم ، والفلاسفةُ ويرحلون
الفضيلةُ ، بنتُ الطبيعةِ وأمّها
يقولُ ( سفوكول ) ، وهو يلقي بهمومهِ عنهُ
عزاءً لملكِ المسرحيّة .
ii
وتتكّد سُ خلَفَ عمائِه رذيلةٌ ورذيلة :
على المسارحِ ، الحياةُ محبّرةٌ
وفي الكواليسِ
يتعثّرُ المؤلفُ من اصفرارِ لغةٍ هزيلة
على المسارحِ ، كلامٌ من حياة
وفي الكواليسِ
ناقدٌ ، على كنبةٍ وثيرة
على المسارحِ ، حياتنا مخمّرةٌ
وفي الكواليسِ
للخمرِ والخِمارِ ، حكاياهما الطويلة
على المسارحِ
قد (( يلجُ الجملُ من سمِّ الخياط ))
وفي الكواليسِ
يلملمُ المؤلفُ أوراقهُ
ولا يفرّقُ بين كسرةِ الخبزِ والقصيدة
من كثرةِ المساءِ في المساء
على المسارحِ وفي القصيدة
بينَ الاحتراقِ واحتراقِ الفَراشِ
عاشقٌ ، يتحسّسُ الشعرَ في العتمةِ
أو شاعرٌ ، يتحسّسُ الكلامَ في الضياء
على المسارحِ
كتبَ النسّاكُ والوعّاظُ ، نهاياتٍ حزينة
على المسارحِ
كتبَ الأنبياءُ والشعراءُ ، بداياتٍ جديدة
على المسارحِ
ينتصرُ الحاضرُ : القاتلُ والقتيلُ
ويُهزمُ الغائبُ : اللغةُ الضحيّة
على المسارحِ
تنتصرُ المدينة
على المسارحِ
تنتصرُ الفضيلة
على المسارحِ
نموتُ وحيدينَ
لأن الأضواءَ ، على الكواليسِ الكثيرة .
iii
الأضواءُ مهنةُ النقّادِ والمتحذلقينَ وجنونُ الفَراشِ
شريعةُ الغاب :
قد نصدّقُ ( الفارابي ) لو أخذنا الزقاقُ إلى الهتافِ
وإفراغِ الغضبِ بالشتائم
وسنُكذّبُ وضوح الهزيمةِ
على المنصّاتِ ، في غرفِ النوم ، وأروقةِ المعابد
جامحٌ ذلك الضوءُ وشارد
كانت الغزلانُ تشربُ الماءَ منَ البحيرةِ على مهلٍ
والصيّادونَ – على مهلٍ – يرقصون
للطبيعةِ مفرداتها الواضحة :
حمامٌ أبيضُ ، سماءٌ زرقاءُ ، وقوسُ قزحٍ ملون
لكنّ الإنسانَ أسودُ الطباعِ ، جامحُ الضوءِ وشارد
للطبيعة مفرداتها الغامضة :
حمامٌ يتحايلُ ، سماءٌ رماديّةٌ ، وقوسُ قزحٍ مهجّنٌ
لم يُرتّبوا رُزمَ السحابِ كما تشتهي نعمةُ المطرِ
فكانَ الكلامُ هو المطرُ ، والبكاءُ ، والضبابُ
كانَ الكلامُ عن السحابِ ، هو السحابُ:
قد أخسرُ عَقدا مُبرما ، مع (( ثغرها المتبسّمِ ))]
وقد أحمي الكلامَ ، من لسانيَ المهندم
لا أنثني عن وُجهتي
[والعودُ من حلاوة اللسانِ ، في ثغرها لا ينثني
البردُ في مفاصلِ السنينِ يهذي ، فنهذي
ويحلّقُ بأرواحنا الهذيانُ
نطيرُ ، ونطيرُ خلفَ سوادِ الأفقِ المهيبِ
لا موتَ أبعدَ ، ولا حياةَ أقرب
للحياةِ ملمسٌ ناعمٌ
وللموتِ ملمسٌ أبيض
يقطرُ الشعرُ من تعرّقِ أرواحنا المحمومة
لأن للكلماتِ ، نسيمها الباردُ
نطيرُ من سرابٍ على سرابِ
نحطُّ على بُقعِ السرابِ
نمتصُّ رحيقَ الدفءِ ، بكلّ ألوانِ الهيامِ
نرحلُ بعيدا في غربةَ الروحِ
حتى تصيرَ الروحُ هي الترحالُ
الشكُّ هناك ، هو اليقينُ
واليقينُ هو المحالُ
والهواءُ قصةُ الضوءِ المبّلل
قد يمرض الهواءُ من كثافةِ الماءِ في السحابِ
وقد يتسربُ الضوءُ من ثقبِ ثانويٍ ، في انقشاعِ الضبابِ
قد نعلم ما نقولُ للغمامةِ
وقد يُعلّمُنا الغمامُ
منطقَ المطرِ في الكلامِ .
iv
لأصواتِ المطرِ على ذراعِ الريحِ
أغنياتُ الراحلينَ
وفي حضنِ الترابِ
رائحةُ المكانِ من ندى
يرحلون
ويحفرونَ الأرضَ على وقعِ التسابيحِ
صوتُ السماءِ ورائحةُ الترابِ :
صلاةٌ وبخور
ويرحلون
يفتّشونَ بينَ الضجيجِ عن غدٍ ، لا يأتي غدا
وعن ماضٍ بعيد
يصحو الفلاسفةُ على أزيزِ الرصاصِ
والسياسيونَ – أيضا – يستيقظون
من غوغاءِ الطوابيرِ على المخابزِ
ويرحلون
يفتشونَ عن آلهة ، ليعلنوا انتصارَهم في احتفالٍ مهيبٍ
فرحا بالهزيمة
يفتشونَ عن آلهةِ الخيرِ والشرّ ، ليعلنوا :
إنَّ الحياةَ والموتَ ليسا جريمة
أرفيوس : للغناءِ
باخوس : للمساءِ
بوسيدون : للسفر
فينوسُ : للسهر
أثينا : للحرب على ضوء القمر
هاديسُ : لخطايا البشر
والله : لكلّ المواقف .
ويرحلون
تنبّهوا أنَّ السماءَ ، ربما تبكي كثيرا من خطيئة الإنسانِ
فتُغرقُ الناسَ وتذهب
ربما لا ترسلُ عليهم ظلالا في السنواتِ الحارقة
وربما (( يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٍّ فَلا تَنْتَصِران))
تنبّهوا أنَّ الفضيلةَ والرذيلةَ صنوانُ
يتبادلانِ الأدوارَ
والحياةُ ، خطوتنا اللاحقة
ويرحلون
قال العلماء والفلاسفة : الحياةُ قادمة
قال المؤرخون : الحياة ذاهبة
وقال الآخرون : الحياة فانية
ويرحلون
يقول طفلٌ جائعٌ :
قُتلَ إخوتي وأبي وأمي في وطني الذي لا أعرفه
فصرتُ أنا ، لحظتي الحاضرة
تقول فتاةٌ مراهقةٌ :
لم أعرف الحبَّ ولا سحر العيونِ الساهمة
فصرتُ أنا ، تجربتي القادمة
ويردُّ المسنّ المجرّبُ :
أما أنا ، فغافلتُ الموتَ وانتصرتُ
لم أعد حيّا ولا متُّ
فصرتُ أنا ، سنيني الفائتة
ويرحلون
كتبوا بحروفٍ رقميّةٍ نافرة
لو كانَ ( هولاكو ) معدّلا جينيا
لكانَ المغولُ أمةً ثائرة .
v
لو ثارَ المغولُ ، لكتبوا تفاصيلَ حضاريّة
وتغيّرت اللهجاتُ العاميّةُ ، والشعرُ ، والأمثالُ ، وحكمةُ الفلاسفة
ربما سنقولُ :
عاشَ هولاكو الثائرُ
أو ، نصرَ اللهُ مغوليّا ضحيّة
ولو كان هولاكو طائفيا
لكانت شرائعُه مدينةً فاضلةً أو مدينةَ الرذيلة
وتبارزَ المنتخَبونَ على تقسيمِ الهوية
ولو كان التاريخُ طائفيا
لماتت الثورة ، وانتصرت الدولةُ / الطائفةُ
وتغيّرت اللهجاتُ العاميّةُ ، والشعرُ ، والأمثالُ ، وحكمةُ الفلاسفة
سنقول : جهنّمُ للثورةِ ، والجنّةُ للطائفة
شِعار الشِعرِ ، والشِعرُ الشِعار
تلك أغنياتهم القادمة
واستعاراتٌ باذخةُ اللزوجةِ للزمنِ المستعار
تلك أغنياتنا الثائرة
سنبني زنازينَ حديثةً للكلام
نصدّقُ مرايا الرصيفِ ، على الإسفلتِ المهشّم
ونضيءُ للمتعبينَ شظايا الطريقِ
رغيفُ الخبزِ قمرٌ
ودماء الشهيدِ للبعيد
قَدّني من عينيكَ سهرٌ
وعلا الحدادُ ، صوتَ النشيد
تكسّر على الأرضِ قمرٌ
وفي عينيك ما زلال البعيد
والبعيدُ يغري المتعبينَ
بأحلامٍ عبثيّة الرائحة
أنثويّةً ورديّةً مرةً
ومرّةً أخرى ، حمراءَ طازجة
عندَ بابِ المدينةِ أو بينَ جدرانها الفاضحة
عند الفضيلة الفادحة ، ورذيلةِ المراسم
في الحانات الكثيرة ، على شرفةِ الرمالِ
كان ليلُ المدينةِ أسودُ فاحم.
هيثم
تعليق