قراءة من قراءاتي النقدية الشعرية وقد نشرتها في زاويتي الأسبوعية " الفجر " في جريدة الصباح
الفجرقراءة لمسافات الأشواق «عرس النجمات»
فجر عبدالله
عرس النجمات قصيدة تتمايل غبطة وزهوا من روعة القوافي التي نسجت منهاعباءة الشعرية التي ترتديها هذه الوارفة للشاعرة السعودية د. هند. باخشوين ..عرس النجمات عرس أسطوري تشهده سماوات الإبداع الشعري.. وتتراقص له فرحا أنوار القمر الذي يطل بخجل على صفوف النجمات وهي تهيئ لهذا العرس.. بدأت الشاعرة قصيدتها بكلمة «املأ» وكانت بداية في أرقى غايات الصنعة الشعرية الرومانسية:
املأ يا أنت صباحاتي
وأطلَّ بصفحة مرآتي
وفديتك ذوِّب لي شوقًا
في شوق جنون صباباتي
وتعال نوثِّقها شعرًا
يا أشهى، أعذب أبياتي
املأ.. مفتاح حدائق معلقة ما بين السماء والأرض.. املأ.. لقمة من غذاء ملكة النحل تطعم جوع المسافات.. املأ أرجوحة تهدهد الأشواق في كفّ عرس أقامته النجمات .. كانت كلمة «املأ» التي من جنس وعالم فعل الأمر بوابة للولوج إلى مهرجان شعري يقام على شرف الأشواق.. الأشواق التي كررتها الشاعرة أربعة مرات «أشتاقك» إضافة لكلمتين هما شوقا، شوق.. لنطل من نافذة هذه الأشواق على قوافل القوافي وهي تسير في موكب جنوني شعري إلى سماء فوق سماوات العشق.. سماء يقام فيها عرس النجمات.. نقلتنا الشاعرة د. هند من أسطورة عرس على أرض الثرى إلى أسطورة عرس يقام في الثريا.. يقام هناك في سماء فوق سماوات الأشواق.. لوحة سريالية رسمتها الدكتورة هند في هذه المقطوعة التي عزفتها بأوتاره - بطل القصيدة - وبنغامتها هي فهي تحب - بطلة القصيدة - نغمات جنون.. لكن ليس أي جنون.. فالجنون فنون عند الشاعرة المبدعة هند.. نجد الشاعرة في الأبيات الثلاثة الأولى تخاطب - بطل القصيدة، الحبيب - بأفعال الأمر.. «املأ، ذوّب، أطلّ، تعال» لنستنشق في هذا الفعل الأمري شذى الاستسلام لأول وهلة جنون.. جنون الشوق.. فهي لا تأمره بمعنى الأمر بقدر ما تتوسل.. هي تتوسل إليه أن يملأ فراغ شوقها بأكسجين اللقاء لتتنفس رئتاها هواء الحياة وطعم الشعر.. «يا أشهى أبياتي» هي جائعة للقاء وجائعة للشعر.. وليس أي شعر.. إنه شعر موثق بين قافيتين.. شعر يمرر عبر مسامات قوافيه هواء الأشواق لتتناقل بينه وبينها ويصلا إلى عرس النجمات..
ثم تتابع د. هند عزفها بنغمات جنون الشعر والشوق لكن في الأبيات «5 - 6 - 7 - 8» تخفف من سرعة دفقات شعورها الشعري والجنوني لتدخل في مرحلة الغفوة والسكون.. لكن سكون فيه إعصار ما بعد الشوق.. فيه شوق الأعماق وهذه الأعماق قد تلاطم موجها وتكسّر على شواطئ الجفون.. هي الآن - بطلة القصيدة - في موانئ عيونه.. موانئ تستسلم لها قواب الشوق «للبطلة» لترسو فيها بجنون أكثر وأكبر..
فهي تريد من عيونه أن تدعوها وتسألها وتحملها وتهزمها.. مراحل معركة أسطورية بين عيونه وأشواقها.. هي كانت تأمره «املأ، أطل ّ، ذوّب، تعال» لكن هو تريد منه أن يطلب أن يسأل أن يهزم أن يحمل..
يطلب المبارزة بين عيونه وأشواقها.. ويسألها عن سلاح المبارزة ثم تطلب منه أن يهزمها.. وهنا الدهشة الشعرية والفكرية والإنسانية والجنونية لعشق يستسلم دون معركة.. كيف تطلب منه أن يهزمها في الوقت الذي هي تستسلم فيه وتسلّم راياتها دون مواجهة.. هي لا تريد معركة فقد انتهت قبل أن تبدأ.. انهتها بالاستسلام ورفع الراية دون أن تراق دماء التمنع والكبرياء.. هي تستسلم عن طواعية.. « لأسلم كل الرايات « هاهي تستسلم وتسلم رايتها لعيون حبيبها.. بكل سهولة وبساطة ودون معركة جنونية.. الجنون عندها هو الاستسلام لكن جنون لذيذ لذة اللقاء عند البطلة.. ومفتاح نهاية المعركة هي كليْمات منه.. ليست كلمات بل تريد كليمات صغيرات قليلات.. لكنها كلمات توازي المسافة ما بين مكان عرس النجمات «السماء فوق سماوات» والثرى الذي ينبت فيه الشوق بنور تلكم النجمات في عرسها الأسطوري الذي يتساقط كما المزن على أرضها القاحلة العطشى.. هي عطشى للنور ينير تراب عشقها لينمو اللقاء.. لا بالماء لكن بالنور بدليل أنه عرس نجمات وليس عرس غيمات.. وبما أنه عرس أسطوري له المكان الذي أقيم فيه «السماء» لابد أن يكون له زمان لتقام حفلة العرس وما بين المكان والزمان تلتقي أنوار العشق لتضيء سماوات الجنون الشعري وأرض الأشواق.. الزمان في هذه المقطوعة الرائعة يتنفس الضدية والعكسية والتناقض.. إذ نجد أن الشاعرة تودّ أن يكون - بطل القصيدة - فجرها ينير حياتها ينشر الضياء ليقتل ظلمة الوحدة وسواد البعد.. وفي زاوية أخرى - حيث الجنون الشعري - نجدها تريد عرس نجمات يكون لها وحدها.. تريد ليلا «أشتاق عيونك تدعوني... وحدي في عرس النجمات»
الدكتورة هند لم تقل «تدعوني لعرس النجمات» بل قالت : «تدعوني في عرس النجمات» وما بين اللام وحرف الجر في.. مسافات بسنين ضوئية كما المسافة ما بين فجر وليل هذه القصيدة.. لكن هند ببراعة واتقان استطاعت أن تجمع النور والظلام - الفجر، الليل - لينسجما ويذوبا في قارورة واحدة هي قارورة الشعر ليكون العطر أشواق جنونية.. كان زمان القصيدة عذبا كما عذوبة نسيم الليل والعرس مقام فيه على شرف الأشواق ترقص نجماته فرحا ليمتد الفرح إلى الفجر فتنير أضواء اللقاء كما ينير الفجر عمر الأيام.. وهنا نجد مدى عبقرية هند إذ استطاعت أن تلبس النور للظلمة وتغشي الظلمة للنور ليمتزجا ويكونا نورا كليهما في سماوات وأرض العشق والشوق والشعر.. عرس أسطوري أقيم على موائد الشعر وتزين بزينة الأشواق وأضاءت نجماته عمر القوافي.
فجر عبد الله
الفجرقراءة لمسافات الأشواق «عرس النجمات»
فجر عبدالله
عرس النجمات قصيدة تتمايل غبطة وزهوا من روعة القوافي التي نسجت منهاعباءة الشعرية التي ترتديها هذه الوارفة للشاعرة السعودية د. هند. باخشوين ..عرس النجمات عرس أسطوري تشهده سماوات الإبداع الشعري.. وتتراقص له فرحا أنوار القمر الذي يطل بخجل على صفوف النجمات وهي تهيئ لهذا العرس.. بدأت الشاعرة قصيدتها بكلمة «املأ» وكانت بداية في أرقى غايات الصنعة الشعرية الرومانسية:
املأ يا أنت صباحاتي
وأطلَّ بصفحة مرآتي
وفديتك ذوِّب لي شوقًا
في شوق جنون صباباتي
وتعال نوثِّقها شعرًا
يا أشهى، أعذب أبياتي
املأ.. مفتاح حدائق معلقة ما بين السماء والأرض.. املأ.. لقمة من غذاء ملكة النحل تطعم جوع المسافات.. املأ أرجوحة تهدهد الأشواق في كفّ عرس أقامته النجمات .. كانت كلمة «املأ» التي من جنس وعالم فعل الأمر بوابة للولوج إلى مهرجان شعري يقام على شرف الأشواق.. الأشواق التي كررتها الشاعرة أربعة مرات «أشتاقك» إضافة لكلمتين هما شوقا، شوق.. لنطل من نافذة هذه الأشواق على قوافل القوافي وهي تسير في موكب جنوني شعري إلى سماء فوق سماوات العشق.. سماء يقام فيها عرس النجمات.. نقلتنا الشاعرة د. هند من أسطورة عرس على أرض الثرى إلى أسطورة عرس يقام في الثريا.. يقام هناك في سماء فوق سماوات الأشواق.. لوحة سريالية رسمتها الدكتورة هند في هذه المقطوعة التي عزفتها بأوتاره - بطل القصيدة - وبنغامتها هي فهي تحب - بطلة القصيدة - نغمات جنون.. لكن ليس أي جنون.. فالجنون فنون عند الشاعرة المبدعة هند.. نجد الشاعرة في الأبيات الثلاثة الأولى تخاطب - بطل القصيدة، الحبيب - بأفعال الأمر.. «املأ، ذوّب، أطلّ، تعال» لنستنشق في هذا الفعل الأمري شذى الاستسلام لأول وهلة جنون.. جنون الشوق.. فهي لا تأمره بمعنى الأمر بقدر ما تتوسل.. هي تتوسل إليه أن يملأ فراغ شوقها بأكسجين اللقاء لتتنفس رئتاها هواء الحياة وطعم الشعر.. «يا أشهى أبياتي» هي جائعة للقاء وجائعة للشعر.. وليس أي شعر.. إنه شعر موثق بين قافيتين.. شعر يمرر عبر مسامات قوافيه هواء الأشواق لتتناقل بينه وبينها ويصلا إلى عرس النجمات..
ثم تتابع د. هند عزفها بنغمات جنون الشعر والشوق لكن في الأبيات «5 - 6 - 7 - 8» تخفف من سرعة دفقات شعورها الشعري والجنوني لتدخل في مرحلة الغفوة والسكون.. لكن سكون فيه إعصار ما بعد الشوق.. فيه شوق الأعماق وهذه الأعماق قد تلاطم موجها وتكسّر على شواطئ الجفون.. هي الآن - بطلة القصيدة - في موانئ عيونه.. موانئ تستسلم لها قواب الشوق «للبطلة» لترسو فيها بجنون أكثر وأكبر..
فهي تريد من عيونه أن تدعوها وتسألها وتحملها وتهزمها.. مراحل معركة أسطورية بين عيونه وأشواقها.. هي كانت تأمره «املأ، أطل ّ، ذوّب، تعال» لكن هو تريد منه أن يطلب أن يسأل أن يهزم أن يحمل..
يطلب المبارزة بين عيونه وأشواقها.. ويسألها عن سلاح المبارزة ثم تطلب منه أن يهزمها.. وهنا الدهشة الشعرية والفكرية والإنسانية والجنونية لعشق يستسلم دون معركة.. كيف تطلب منه أن يهزمها في الوقت الذي هي تستسلم فيه وتسلّم راياتها دون مواجهة.. هي لا تريد معركة فقد انتهت قبل أن تبدأ.. انهتها بالاستسلام ورفع الراية دون أن تراق دماء التمنع والكبرياء.. هي تستسلم عن طواعية.. « لأسلم كل الرايات « هاهي تستسلم وتسلم رايتها لعيون حبيبها.. بكل سهولة وبساطة ودون معركة جنونية.. الجنون عندها هو الاستسلام لكن جنون لذيذ لذة اللقاء عند البطلة.. ومفتاح نهاية المعركة هي كليْمات منه.. ليست كلمات بل تريد كليمات صغيرات قليلات.. لكنها كلمات توازي المسافة ما بين مكان عرس النجمات «السماء فوق سماوات» والثرى الذي ينبت فيه الشوق بنور تلكم النجمات في عرسها الأسطوري الذي يتساقط كما المزن على أرضها القاحلة العطشى.. هي عطشى للنور ينير تراب عشقها لينمو اللقاء.. لا بالماء لكن بالنور بدليل أنه عرس نجمات وليس عرس غيمات.. وبما أنه عرس أسطوري له المكان الذي أقيم فيه «السماء» لابد أن يكون له زمان لتقام حفلة العرس وما بين المكان والزمان تلتقي أنوار العشق لتضيء سماوات الجنون الشعري وأرض الأشواق.. الزمان في هذه المقطوعة الرائعة يتنفس الضدية والعكسية والتناقض.. إذ نجد أن الشاعرة تودّ أن يكون - بطل القصيدة - فجرها ينير حياتها ينشر الضياء ليقتل ظلمة الوحدة وسواد البعد.. وفي زاوية أخرى - حيث الجنون الشعري - نجدها تريد عرس نجمات يكون لها وحدها.. تريد ليلا «أشتاق عيونك تدعوني... وحدي في عرس النجمات»
الدكتورة هند لم تقل «تدعوني لعرس النجمات» بل قالت : «تدعوني في عرس النجمات» وما بين اللام وحرف الجر في.. مسافات بسنين ضوئية كما المسافة ما بين فجر وليل هذه القصيدة.. لكن هند ببراعة واتقان استطاعت أن تجمع النور والظلام - الفجر، الليل - لينسجما ويذوبا في قارورة واحدة هي قارورة الشعر ليكون العطر أشواق جنونية.. كان زمان القصيدة عذبا كما عذوبة نسيم الليل والعرس مقام فيه على شرف الأشواق ترقص نجماته فرحا ليمتد الفرح إلى الفجر فتنير أضواء اللقاء كما ينير الفجر عمر الأيام.. وهنا نجد مدى عبقرية هند إذ استطاعت أن تلبس النور للظلمة وتغشي الظلمة للنور ليمتزجا ويكونا نورا كليهما في سماوات وأرض العشق والشوق والشعر.. عرس أسطوري أقيم على موائد الشعر وتزين بزينة الأشواق وأضاءت نجماته عمر القوافي.
فجر عبد الله