[align=right]عندما زُفّ خبر حلول الضّيف الجديد على قسارية التّقدّم إستقبلني حشـد التّجّار والحرفيين بمـزيج من المشاعرالمُتأرجحة بين التّشجيع, والدّعاء لي بالرّزق الوفير, وبين الخوف والحسرة على مستقبلي, الّذي هم ادركوا أنه لـن يكون إلاّ شبيه نهاية الّذين سقطوا في فخ مظهر القسارية, والّذي يخفي موتاً متجدّداً عادةً مايحلّ بالقسارية وتجّـارها في العشر الأواخر من كل ّشهر, ثم لا يلبث أن ينقضّ على عديدٍ منهم, فيرحلون خاسـئين إذعاناً لأمـر- الديكتاتــور- صاحب القسارية : (خلّص أولاّ خوي)! كما يقول "المكّي" صاحب دكّان رقم 1 إصلاحـيّ الأجهزة الإلكترونيّة ؛ لـــم تبهرني تشجيعاتهم, ولم تثبّطني تخوّفاتهم ، فقد اعتدت على أمـورٍ مثل هذه وأخـطر من ان يتحمّلها إلاّ ذو كـــفاءةٍ عالية ٍفي التّحايل و " التّخلويض " ، واعتدت بحكم تجربتي الواسـعة, أن لا أنزعـج أو أتراجع لمجرّد أنّ كلّ مصائب الدّنيا تكالبت عليّ ، وكشّرت كلّ المواجع والموانع أنيابها في وجـهـي ؛ سرتُ في طريقٍ ما ، في زمن ما ، كـنت مضطرّاً فيه إلى السّير, دون أن أكلّف نفسي عـناء البحـث إلى أين؟ وقد كان من الطّبيعي أن يصحوَ ضـميري _إذا كنت ولدت به حقّاً_ من فترةٍ لأخرى ،لكن ، مع ضيق الأفق ، وقلّة حيلتي فـي ميدان الرّغيف وضـغوط صاحبـة جلالة بيتي الّتي تجيّش في وجهي كلّ يومٍ أفواه أبناءها الأربعة كلّما أرادت أن تقرّ قراراً أو تقدّم طلباً من طلـباتها المتجدّدة؛ ومع ضـغوط أصحاب الفخامـة جبـاة الكهـرباء والمـاء الصالح للشّرب وصاحب البيت الّذي أكتريه وصاحب الدّكّان الّذي أضفته إلى حملي والّذي لابدّ وأنه قاتلي ..مع كل هـذا لم يعد لضميري مايقدّمه لــــــي ... .
القـساريّة تتكوّن من عشرين دكّاناً ؛ إلى يمين المدخل الغربي: يوجد مرحاض كتب على بابه " خاص " عندما اختلف تجّار القساريّة على من يحرسه, تركوه مفتوحاً ، ومن لحـظة لأخرى تقوم حربٌ معلنــة ضـد ّزبــون أوعابـرٍ دخـل المرحاض أوعلى وشك الدّخول إليه : يصرخ "العربـي" في وجهه، ثم يهرع "الدّمناتي" و"بو شعيب" و"الحاجّة فاطنـة"و"موحاأبوكاض" دون أن يكـون هناك أيّ داعٍ لهذا التّدخّل ،حـيث يـغادر الخارق للقانـون الدّاخـلي لقسارية التّقـدّم سابّاً أوشاتماً وفي أحسن الأحوال : معتذراً . . أجلس على كرسيٍّ خشبيٍّ أمام دكاني ، أراقب عن كثب ما يحدث داخـل هذا الإصطبل ، كل الزمــــلاء أحبـّائي وأشقّائي في هذه القساريّة , يشفقون عليَّ, يدافعون عنّي, ويتدخّلون دفاعاً وذرءاً لأيّ هجـوم أتعرَّض لـه. "الدّمناتي" في خليط من والسّخريّة والجدّ :< معارك اللّيل أودتْ بشبابك يا إبراهيم ، إنّ لنفسـك عليك حقّاً.!..> هذا هو وجه الحقّ: ببنيتي النّحيلة والشيب الّذي بدأ اشتعاله في جنبات جمجمتي والتبغ الرّديء الّذي جعل صـدري قفص عصافير: لاأستطيع حتّى الدّفاع عن نفسي، فــماذا عن أن أهاجم أوأصرخ في وجـه أحد ؟ "المكّي" علـّق ورقة على باب المرحاض "مؤدّى عنه : درهم واحد " قال : نؤدّي به ثمن استهلاك الكهرباء والماء وما تبقّى نشربـه شاياً في جلستي الضّحى والعصــر.."اليعقوبي" و"الحــاج الطّاهر" و"الميلودي" ينكرون علـينا هذا الإسراف والتـبذير وأكـل أرزاق النّاس بغير حق؛ بعد شهر فقط لم تكن حسابات المكّي دقيقة : أدّينا من جيوبـنا . "الملاّلية وفي خطوةٍ مفاجئة ترفض الإشتراك والدّخول في دائرة "سياسة المكّي السّخيفة " أضافت وفي تحدّ صارخ للمكي_الّذي لا يستطيع أحدٌ منّا ولايتجرّأ على وطء بٌصاقه_: عْقْنا أُوفْقْنا. كان هناك احتمال وقوع حرب ,أوْ حصار, وقد وقع !: لايجالسها أحد ,ولاينظر إليها أحد ...المكّي الإلكترونيكي يصعّد المواجهة في الجبهة الأخرى: يعترض الزّبائن عند مدخـــل القسارية الغربي بينما في المدخل الشرقي كنت مجبرا على الإمتثال لأوامره ,قال :يجب أن تؤدّي الملالية الثمن غالياً....
أعترض الزبائن بدوري , أوجّههم إلى الدّكاكين الأخرى وأحّذرهم أن لايقعواْ في فخّ الملاّلية بائعة الماكياج والملابس الدّاخلية. بعد نصف شهر غادرت الملاّلية دون رجعة .هذا المكان الّذي من الراجح أن يكون أصحابه تجّاراً وروّاده زبناء البيع والشّراء, اكتشفت لاحقاً أنَّ القسارية تحتوي على أحزاب كل ّحزب بما لديهم فرحون...عصابات يقتتلون , يتنافسون في الأسوأ , في ساعة الذروة المسائية: يتراهن "أوعمّي" و"إيبورك" على الزّبونة التي تدخل أوّلاً على "عائشة مزّيْن" الحلاّقة بدكّان رقم2 , ينضاف إليهما "أوغولياس" الّذي لايُعرف مثله على مستوى المدينة ,بارعا في فــنون القدح والهتك للأعراض والغيبة والنّميمة؛هناك جماعة تؤذّن للصّلاة, بينما أخرى تقيم حفلة شـاي على شرف زبـون حامواْ حوله وأنهكواْْ جيبه ,ثمّ يعوّضونه بكأس شاي ؛ عصابة تضحك ,تغمز,آخرون يحتجّون.."الحاج الطّاهر" يقول أنه بارع جدّاّ في الكشف, يحزر فجأةً : هذا جيبو خاوي, هذا عندو مايْجبْد,هذا حاجة أُو زيارة, أوهذاك زيارة بلا حاجة,وهكذا دواليك."الحسين أمدياز"طالب لفظته الجامعة أجيرعند صاحب دكان رقم15 بائع لوازم الدّيكور المنزلي ؛ لايجالس أحداً, يتقرفص داخل دكّانه: يقرأ جريدة أو يطالع كتابا ًاًو وفي أغلب الأحيان يطلق العنان لمذياعه بقوة,حتى لايسمع أحداً أويسمعه أحد؛لايصغي لتهديدات المكّي.الأخير: نحن نعرفه جيّدا :يقول ويفعل,وقد فعل؛ ذاتـ عصر, ضرب المكّي الحسين بلكمة هوى إثرها على الأرض كعصفور مدبوح ؛ شكاه الحسين إلى صاحب القسارية :< شغلكوم هذاك > ثم إلى باشا المدينة : < سوف نرى ما يمكن القيام به > . لم يحصـل شيء,العربي وهو مـن أذناب المكّي المخلصين, صاحب دكّان بيع الحنّاء والتمروالفواكه الجافة, طمأننا :< دعواْ,أمدياز, سوف يـــغرَق تدريجيّاً ويرحل كما رحل الآخرون...> بعد ذلك بشهور, لست الوحيد الّذي رأيت نهايتي وشيكة , كل زملائي التجّار والحرفييّن أصبحواْ قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس والغرق في وحل الدّيون المتراكمة تحت يافطة : "مايْصْبحْ حتى يْفتْحْ ", "الحسين أمدياز" لم يرحل , لمّا وهنت عزيمته وكلّت مقاومته أمام طغيان المكّـي وغطرسته : انضـمَّ إلـى "عصابة الحثالة" و "شرذمة السّفلة " كما كان يسمّينا سابقاً, جمعنا ذات صباح والمكّي يستمـع إليه,قال:سوف نطالب صاحب القسارية "الحاج حمّو" بخفض سومة الكراء من خمسمائة إلى ثلاثمائة درهــم,أو" لاخْلّْص وَلاَخْوِي".لكـنّ هذه لم تنطل على الحـاج حمّوصاحب القسارية.
صباح ذات خميس, الحسين: الطّالب المتقاعد_قبل الأوان_وجدنـاه ُملقىً على الأرض مدرّجاً في دمائه قرب النَّافورة الّتي تتوسّط القساريّة, مغمىً عليه،أتت الحاجّـة "فاطنة" بقـارورة عطر نسائي رشّت به أنفه , فانتفض:سابّاً وشاتماً؛ أسعـفناه ,قال : {إنّ الديكتاتور الحاج حمّو حرّض عليّ ولديــه فأشبعوني ضرْبا ولكماً وسوف آخذ بثأْري في الزّمان المناسب وفي المكان المناسب.!}. . عائشة مْزّينْ أغرم بها المحفوظ بائع الملابس الدّاخليّة النّسائيّة , تردّده على دكّانها دون ايّ داع ٍ,حامت حوله الشّكوك, وتوشك شردمة المكّي أن تتّخذ خطوات ٍجادّة في هذا الإتّجاه.إشـارات بالأصابع واستفهامات وهمهمــات مكبوتة أحياناً...وكنت أخشى من عواقب مثل هذه المـعارك الغير المعلنة,وإن كنت أجد لذَةً ما_إذا أفلحت_في إشعال فتيل معركة تنشب في السّرّ أو في العلـن فجأةً , لكن عادةً ما أكون الضّحية إذا اكتُشفتْ خيوط اللّعبة القذرة, فأكـون فريسة اللّطم واللّكم من أوغـاد لا يحترمون بنيتي المتهدّمة أصلاً بالتّبغ الرّديء والمعارك اللّيليّة كما يقول الدّمناتـي ,قد يتدخَّل آخرون أو أعتذر فيخلى سبيلي بأقلّ خسائر ممكنة .في هذه لاأستطيع التّحديد , هل كانت شبهةً أم اتّهامـاً ملفقا أم أقرب إلى التّلفيق؟:ماجرى ذاك اليوم , لاأعرف مَنْ مِنَ الحثالة صاحب الصّفـقة المُشـينة ؟: قيل للمـحفوظ فيما قيل له: إنّ إبراهيم همس في أذن عائشة بشيء فيه رائحة الغدر, وأنَّ محفوظــاً إنمّا يتسلّى بك وقلت_إذا صحَّ منّي ذلك_لعائشة أنَّ محفوظاً قد خطــب أخرى< فيقي أو عيقي> . بـعد حفــلة الشّاي "العصرية", جاءت عائشة ، قالت إنّها تريد صدريّةً مناسبة , أشرت إلى طاولةٍ عليها ملابس داخلية متنوّعة,إختارتْ واحدة ,قالت : لابد أن أجربها أشرت ومن جديد إلى زاوية يسدل فيها ستار أسود (... ..... )؛ في لحظةٍ غائمةٍ وبسرعة (...........), كانت فيه يــدان حديديّتان تمدّان إليّ من خلفي ,يد تمسك بشعري , وأخرى تقبض بقبضةٍ إسمنتيّةٍ على رقبتي النّحيلة . من ؟؟ لم تكن اليد الحديديّة إلاَّ يد زوجتي ,لم تنبس بكلمة, كانت تلقّنني دائماً مقولةً تقليديّةً: وقت العمل لايجدي فيه القول نفـــعاً؛ وهكذا فعلتْ :صفعتني بقوَّة في وجهي يمنة تمّ بصفعةٍ مدوّية يسرةً ,ثمّ بضربةٍ قاضيةٍ على جبهتي, سقطت أرضـاً ؛ ولأنّي لاأستطيع مقاومة صاحبة جلالة بيتي لابالقول ولا بالفعل فقد خَتمتِ المعركة من جانبٍ واحدٍ ببصاق كثيف على وجهي, تحسّسته بلغ أسفل عنقي.صدّقوني:كانت مكيدة مدبّرةً. لكن كيف استطاع المحفوظ و عائشة أن يرتّبـا أوراق مهزلة كهذه؟ .
حالةٌ من الهستيريا والفوضى مع بزوغ فجر كل يوم في قساريّة التّقدّم ؛ الحاجّة فاطنة ترشّ أمام دكّانها بالماء ؛ المكّي يصرّ على أنّ ما تبلّل به الحاجّة واجهة دكّانها ليس ماءً فقط !.. ذاقه وأمرنا بفعل المثل.السّائل مزيج من الماء و الفاسوخ والشّانوج وأشياء أخرى.احتجّ المكّي على الحاجّة فاطنة فطردته : دّيها فسوق راسك !! . . في اليوم التّالي المكّي يرشّ أمام دكّانه بنفس السّائل , قال : إنّ زوجته للاّزبيدة , إكتشفت فيه سحراً : يجلـب الزّبون ويدفع العْـكْس والتَّابْعَة والعين..!الجميع حذوْا حذْو المكّي في الأيّام التّالية تباعاً . زوجتي أصرّت على فـعل المثل وأعدّتْ لي بعناية دلواً مملوءاً من نفس السّائل قالتْ : سوف أعدّ لك كلّ يومٍ دلواً مماثلاً .. تردّدتُ حـيناً .ولأنّ الأمّة لا تجتمع على باطلٍ إمتثلتُ قبل أن يجرفني بحر القساريّة المالح..!! . "
القساريّة مسكونة ."هكذا قال المكّي ودعانا إلى إضرابٍ عامّ , وقادنا في مسيرةٍ "سلميّةٍ " إلى منزل الحــاج حمّو قطعنا الشَّارع الكبير إلى وسط المدينة, حتّى بلغنا منزل الحاجّ, أطلّت زوجته من النّافذة : " نريد الحاجّ حــالاً" صرخ في وجهها المكّي . دقيقتين وانفرج الباب عن ابتسامةٍ عريضة للحاج. تقدّم المكّي بينما تراجعنا قليلاّ إلى الوراء نراقب الموقف عن كثب . الحاجّة فاطنة والعربي يُنَعِّمان على أقوال المكّي الصّاروخيّة : " كلمتان لاثالثة لهـما : أن تخفض سومة الكراء إلى ثلاثمائة درهم , نلتزم بدفعها دون تأخيرمتمّ كلّ شهر أو: لاخْلّصْ لاَ خْوي "...؟ ضــحك الحاجّ حتّى كاد يسقط على قفاهُ واستجمع قوّته وقال في سخريّة :" كلمتان خفيفتان على اللّسان ثقــيلتان في الميزان" صدق اللّه العظيم.. حينها هتف الحسين أمدياز من وراء الموكب: آ سّي الحاج هذا حديث نبوي وليس قرآناً.. وليكن.. عقّب عليه الحاجّ . وفي رمشة عين هوى بصفعةٍ مدوّية , تردّد صداها في الزّقاق على وجـه المكّي فسقط الأخـير يترنّح كدجاجة مدبوحة !! " والحاج ..سبحان اللّه.. لعن الشّيطان آلحاج ..." هل وقفتُ أحتجّ ؟ هل غامرتُ فتقدّمـت كي أفضّ الإشتباك ؟ لا..معاذ اللّه.!! إنطلقتُ كالًصّاروخ..!! ماذا لوْ كانت الصّفعة الحاجّية من نصيبي ؟؟
إستمرّ الحال يتدهور بسرعة. رحل الحسين وعائشة مزّين والدّمناتي وآخرون ,دفعوا المفاتيح لصاحب القساريّة بعد أن أدّواْ كلّ ما عليهم . غادروا ,بقيت أنا والمكّي والحاجّة فاطنة والعربي . مجموع العشرين دكّاناً لم يبق منها إلاّ أربعة دكاكين تفتح أبوابها باستمرار. بعد شهرين ,غادرنا العربي والحاجّة فاطنة. المكّي يعلن عن" الضّربة القاضية "!!
أفواجُ من السّائلين والرّاغبين في كراء دكّان يتقاطرون على القساريّة يوميّاً وكنّا أنا والمـكّي نعترض سبيلهم: شوفو أو حلّو عينكم , هاذ المحلات كانوأ عامرين, أودابا مّاليها هربوا لا ربح ,لا راس المال !! هذه جزء من بـعض الأساليب الّتي كان يلقّنها لي المكّي صباح كلّ يوم أستعداداً للمبارة النّهائية .
عندما تحدّثت مع المكّي في أمر رحيلٍ بات وشيكاً وضروريّاً , صرخ في وجهي :" لن أستسلم .." أدّينا من رأسمالنا سومة كراء شهرٍ إضافيٍّ. أوّل بوادر الغرق ظهر في مُحيّا الحاج حمّوعند زيارة مفاجئة قام بها ذات صباحٍ للقساريّة,أطلّ على الدّكاكين وهي خاويةٌ على عروشها ,قال : لا يمكن الرّضوخ والقبول بهذا الأمر الواقع !؟ بكـى وكنت أسمع نحيبه عن قرب .
مساء ذات خميس وقد إقترب موعـد إغلاقنا القساريّة, فاجئنا الحاجّ يتقدَّم جمــاعة من الفقهاء والطّلبة ؛ فرشت القساريّة عن آخرها وأوتي بمواقد انفجرت أدخنةً كثيفة, وأوتي بالشّاي وأطباق من الحلوى , ثمّ بدأت التّراتيل والتّعاويذ والجدب, وتهاطلت على الحاج أمطار من الأدعية والدّعـوات , بينما كان يمطر الدّاعين له بوابـل من الأوراق المالية المختلفة الألوان وبكمّياتٍ متفاوتة , أثناء ذلك همس لي المكّي بخبث :ما نبـغ ؟, هذه أموالنا رُدّت إلينا.. !!؟ ثم بـعد اختتام " السّْلْكَة "أوتي بأطباقٍ وموائد الكسكس وأطباق من الفواكه المختلفة الأنواع والأشكال .. قال المــكّي هامساً في أذني وهو يضع آخـر لقمةٍ كسكس في فمه :" هذه نهاية بداية , وبداية نهاية قســـاريــة التّـــقـدم../
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ[/align]
القصّة بنكهة مغربيّة خالصة
القساريّة متل ما يسمّى بالبزار ، وهو سوق يومي : مجموعة دكاكين تتجمّع فيها معظم الحرف الشّعبية على العموم . وتعود ملكيّتها للخواصّ ...
القـساريّة تتكوّن من عشرين دكّاناً ؛ إلى يمين المدخل الغربي: يوجد مرحاض كتب على بابه " خاص " عندما اختلف تجّار القساريّة على من يحرسه, تركوه مفتوحاً ، ومن لحـظة لأخرى تقوم حربٌ معلنــة ضـد ّزبــون أوعابـرٍ دخـل المرحاض أوعلى وشك الدّخول إليه : يصرخ "العربـي" في وجهه، ثم يهرع "الدّمناتي" و"بو شعيب" و"الحاجّة فاطنـة"و"موحاأبوكاض" دون أن يكـون هناك أيّ داعٍ لهذا التّدخّل ،حـيث يـغادر الخارق للقانـون الدّاخـلي لقسارية التّقـدّم سابّاً أوشاتماً وفي أحسن الأحوال : معتذراً . . أجلس على كرسيٍّ خشبيٍّ أمام دكاني ، أراقب عن كثب ما يحدث داخـل هذا الإصطبل ، كل الزمــــلاء أحبـّائي وأشقّائي في هذه القساريّة , يشفقون عليَّ, يدافعون عنّي, ويتدخّلون دفاعاً وذرءاً لأيّ هجـوم أتعرَّض لـه. "الدّمناتي" في خليط من والسّخريّة والجدّ :< معارك اللّيل أودتْ بشبابك يا إبراهيم ، إنّ لنفسـك عليك حقّاً.!..> هذا هو وجه الحقّ: ببنيتي النّحيلة والشيب الّذي بدأ اشتعاله في جنبات جمجمتي والتبغ الرّديء الّذي جعل صـدري قفص عصافير: لاأستطيع حتّى الدّفاع عن نفسي، فــماذا عن أن أهاجم أوأصرخ في وجـه أحد ؟ "المكّي" علـّق ورقة على باب المرحاض "مؤدّى عنه : درهم واحد " قال : نؤدّي به ثمن استهلاك الكهرباء والماء وما تبقّى نشربـه شاياً في جلستي الضّحى والعصــر.."اليعقوبي" و"الحــاج الطّاهر" و"الميلودي" ينكرون علـينا هذا الإسراف والتـبذير وأكـل أرزاق النّاس بغير حق؛ بعد شهر فقط لم تكن حسابات المكّي دقيقة : أدّينا من جيوبـنا . "الملاّلية وفي خطوةٍ مفاجئة ترفض الإشتراك والدّخول في دائرة "سياسة المكّي السّخيفة " أضافت وفي تحدّ صارخ للمكي_الّذي لا يستطيع أحدٌ منّا ولايتجرّأ على وطء بٌصاقه_: عْقْنا أُوفْقْنا. كان هناك احتمال وقوع حرب ,أوْ حصار, وقد وقع !: لايجالسها أحد ,ولاينظر إليها أحد ...المكّي الإلكترونيكي يصعّد المواجهة في الجبهة الأخرى: يعترض الزّبائن عند مدخـــل القسارية الغربي بينما في المدخل الشرقي كنت مجبرا على الإمتثال لأوامره ,قال :يجب أن تؤدّي الملالية الثمن غالياً....
أعترض الزبائن بدوري , أوجّههم إلى الدّكاكين الأخرى وأحّذرهم أن لايقعواْ في فخّ الملاّلية بائعة الماكياج والملابس الدّاخلية. بعد نصف شهر غادرت الملاّلية دون رجعة .هذا المكان الّذي من الراجح أن يكون أصحابه تجّاراً وروّاده زبناء البيع والشّراء, اكتشفت لاحقاً أنَّ القسارية تحتوي على أحزاب كل ّحزب بما لديهم فرحون...عصابات يقتتلون , يتنافسون في الأسوأ , في ساعة الذروة المسائية: يتراهن "أوعمّي" و"إيبورك" على الزّبونة التي تدخل أوّلاً على "عائشة مزّيْن" الحلاّقة بدكّان رقم2 , ينضاف إليهما "أوغولياس" الّذي لايُعرف مثله على مستوى المدينة ,بارعا في فــنون القدح والهتك للأعراض والغيبة والنّميمة؛هناك جماعة تؤذّن للصّلاة, بينما أخرى تقيم حفلة شـاي على شرف زبـون حامواْ حوله وأنهكواْْ جيبه ,ثمّ يعوّضونه بكأس شاي ؛ عصابة تضحك ,تغمز,آخرون يحتجّون.."الحاج الطّاهر" يقول أنه بارع جدّاّ في الكشف, يحزر فجأةً : هذا جيبو خاوي, هذا عندو مايْجبْد,هذا حاجة أُو زيارة, أوهذاك زيارة بلا حاجة,وهكذا دواليك."الحسين أمدياز"طالب لفظته الجامعة أجيرعند صاحب دكان رقم15 بائع لوازم الدّيكور المنزلي ؛ لايجالس أحداً, يتقرفص داخل دكّانه: يقرأ جريدة أو يطالع كتابا ًاًو وفي أغلب الأحيان يطلق العنان لمذياعه بقوة,حتى لايسمع أحداً أويسمعه أحد؛لايصغي لتهديدات المكّي.الأخير: نحن نعرفه جيّدا :يقول ويفعل,وقد فعل؛ ذاتـ عصر, ضرب المكّي الحسين بلكمة هوى إثرها على الأرض كعصفور مدبوح ؛ شكاه الحسين إلى صاحب القسارية :< شغلكوم هذاك > ثم إلى باشا المدينة : < سوف نرى ما يمكن القيام به > . لم يحصـل شيء,العربي وهو مـن أذناب المكّي المخلصين, صاحب دكّان بيع الحنّاء والتمروالفواكه الجافة, طمأننا :< دعواْ,أمدياز, سوف يـــغرَق تدريجيّاً ويرحل كما رحل الآخرون...> بعد ذلك بشهور, لست الوحيد الّذي رأيت نهايتي وشيكة , كل زملائي التجّار والحرفييّن أصبحواْ قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس والغرق في وحل الدّيون المتراكمة تحت يافطة : "مايْصْبحْ حتى يْفتْحْ ", "الحسين أمدياز" لم يرحل , لمّا وهنت عزيمته وكلّت مقاومته أمام طغيان المكّـي وغطرسته : انضـمَّ إلـى "عصابة الحثالة" و "شرذمة السّفلة " كما كان يسمّينا سابقاً, جمعنا ذات صباح والمكّي يستمـع إليه,قال:سوف نطالب صاحب القسارية "الحاج حمّو" بخفض سومة الكراء من خمسمائة إلى ثلاثمائة درهــم,أو" لاخْلّْص وَلاَخْوِي".لكـنّ هذه لم تنطل على الحـاج حمّوصاحب القسارية.
صباح ذات خميس, الحسين: الطّالب المتقاعد_قبل الأوان_وجدنـاه ُملقىً على الأرض مدرّجاً في دمائه قرب النَّافورة الّتي تتوسّط القساريّة, مغمىً عليه،أتت الحاجّـة "فاطنة" بقـارورة عطر نسائي رشّت به أنفه , فانتفض:سابّاً وشاتماً؛ أسعـفناه ,قال : {إنّ الديكتاتور الحاج حمّو حرّض عليّ ولديــه فأشبعوني ضرْبا ولكماً وسوف آخذ بثأْري في الزّمان المناسب وفي المكان المناسب.!}. . عائشة مْزّينْ أغرم بها المحفوظ بائع الملابس الدّاخليّة النّسائيّة , تردّده على دكّانها دون ايّ داع ٍ,حامت حوله الشّكوك, وتوشك شردمة المكّي أن تتّخذ خطوات ٍجادّة في هذا الإتّجاه.إشـارات بالأصابع واستفهامات وهمهمــات مكبوتة أحياناً...وكنت أخشى من عواقب مثل هذه المـعارك الغير المعلنة,وإن كنت أجد لذَةً ما_إذا أفلحت_في إشعال فتيل معركة تنشب في السّرّ أو في العلـن فجأةً , لكن عادةً ما أكون الضّحية إذا اكتُشفتْ خيوط اللّعبة القذرة, فأكـون فريسة اللّطم واللّكم من أوغـاد لا يحترمون بنيتي المتهدّمة أصلاً بالتّبغ الرّديء والمعارك اللّيليّة كما يقول الدّمناتـي ,قد يتدخَّل آخرون أو أعتذر فيخلى سبيلي بأقلّ خسائر ممكنة .في هذه لاأستطيع التّحديد , هل كانت شبهةً أم اتّهامـاً ملفقا أم أقرب إلى التّلفيق؟:ماجرى ذاك اليوم , لاأعرف مَنْ مِنَ الحثالة صاحب الصّفـقة المُشـينة ؟: قيل للمـحفوظ فيما قيل له: إنّ إبراهيم همس في أذن عائشة بشيء فيه رائحة الغدر, وأنَّ محفوظــاً إنمّا يتسلّى بك وقلت_إذا صحَّ منّي ذلك_لعائشة أنَّ محفوظاً قد خطــب أخرى< فيقي أو عيقي> . بـعد حفــلة الشّاي "العصرية", جاءت عائشة ، قالت إنّها تريد صدريّةً مناسبة , أشرت إلى طاولةٍ عليها ملابس داخلية متنوّعة,إختارتْ واحدة ,قالت : لابد أن أجربها أشرت ومن جديد إلى زاوية يسدل فيها ستار أسود (... ..... )؛ في لحظةٍ غائمةٍ وبسرعة (...........), كانت فيه يــدان حديديّتان تمدّان إليّ من خلفي ,يد تمسك بشعري , وأخرى تقبض بقبضةٍ إسمنتيّةٍ على رقبتي النّحيلة . من ؟؟ لم تكن اليد الحديديّة إلاَّ يد زوجتي ,لم تنبس بكلمة, كانت تلقّنني دائماً مقولةً تقليديّةً: وقت العمل لايجدي فيه القول نفـــعاً؛ وهكذا فعلتْ :صفعتني بقوَّة في وجهي يمنة تمّ بصفعةٍ مدوّية يسرةً ,ثمّ بضربةٍ قاضيةٍ على جبهتي, سقطت أرضـاً ؛ ولأنّي لاأستطيع مقاومة صاحبة جلالة بيتي لابالقول ولا بالفعل فقد خَتمتِ المعركة من جانبٍ واحدٍ ببصاق كثيف على وجهي, تحسّسته بلغ أسفل عنقي.صدّقوني:كانت مكيدة مدبّرةً. لكن كيف استطاع المحفوظ و عائشة أن يرتّبـا أوراق مهزلة كهذه؟ .
حالةٌ من الهستيريا والفوضى مع بزوغ فجر كل يوم في قساريّة التّقدّم ؛ الحاجّة فاطنة ترشّ أمام دكّانها بالماء ؛ المكّي يصرّ على أنّ ما تبلّل به الحاجّة واجهة دكّانها ليس ماءً فقط !.. ذاقه وأمرنا بفعل المثل.السّائل مزيج من الماء و الفاسوخ والشّانوج وأشياء أخرى.احتجّ المكّي على الحاجّة فاطنة فطردته : دّيها فسوق راسك !! . . في اليوم التّالي المكّي يرشّ أمام دكّانه بنفس السّائل , قال : إنّ زوجته للاّزبيدة , إكتشفت فيه سحراً : يجلـب الزّبون ويدفع العْـكْس والتَّابْعَة والعين..!الجميع حذوْا حذْو المكّي في الأيّام التّالية تباعاً . زوجتي أصرّت على فـعل المثل وأعدّتْ لي بعناية دلواً مملوءاً من نفس السّائل قالتْ : سوف أعدّ لك كلّ يومٍ دلواً مماثلاً .. تردّدتُ حـيناً .ولأنّ الأمّة لا تجتمع على باطلٍ إمتثلتُ قبل أن يجرفني بحر القساريّة المالح..!! . "
القساريّة مسكونة ."هكذا قال المكّي ودعانا إلى إضرابٍ عامّ , وقادنا في مسيرةٍ "سلميّةٍ " إلى منزل الحــاج حمّو قطعنا الشَّارع الكبير إلى وسط المدينة, حتّى بلغنا منزل الحاجّ, أطلّت زوجته من النّافذة : " نريد الحاجّ حــالاً" صرخ في وجهها المكّي . دقيقتين وانفرج الباب عن ابتسامةٍ عريضة للحاج. تقدّم المكّي بينما تراجعنا قليلاّ إلى الوراء نراقب الموقف عن كثب . الحاجّة فاطنة والعربي يُنَعِّمان على أقوال المكّي الصّاروخيّة : " كلمتان لاثالثة لهـما : أن تخفض سومة الكراء إلى ثلاثمائة درهم , نلتزم بدفعها دون تأخيرمتمّ كلّ شهر أو: لاخْلّصْ لاَ خْوي "...؟ ضــحك الحاجّ حتّى كاد يسقط على قفاهُ واستجمع قوّته وقال في سخريّة :" كلمتان خفيفتان على اللّسان ثقــيلتان في الميزان" صدق اللّه العظيم.. حينها هتف الحسين أمدياز من وراء الموكب: آ سّي الحاج هذا حديث نبوي وليس قرآناً.. وليكن.. عقّب عليه الحاجّ . وفي رمشة عين هوى بصفعةٍ مدوّية , تردّد صداها في الزّقاق على وجـه المكّي فسقط الأخـير يترنّح كدجاجة مدبوحة !! " والحاج ..سبحان اللّه.. لعن الشّيطان آلحاج ..." هل وقفتُ أحتجّ ؟ هل غامرتُ فتقدّمـت كي أفضّ الإشتباك ؟ لا..معاذ اللّه.!! إنطلقتُ كالًصّاروخ..!! ماذا لوْ كانت الصّفعة الحاجّية من نصيبي ؟؟
إستمرّ الحال يتدهور بسرعة. رحل الحسين وعائشة مزّين والدّمناتي وآخرون ,دفعوا المفاتيح لصاحب القساريّة بعد أن أدّواْ كلّ ما عليهم . غادروا ,بقيت أنا والمكّي والحاجّة فاطنة والعربي . مجموع العشرين دكّاناً لم يبق منها إلاّ أربعة دكاكين تفتح أبوابها باستمرار. بعد شهرين ,غادرنا العربي والحاجّة فاطنة. المكّي يعلن عن" الضّربة القاضية "!!
أفواجُ من السّائلين والرّاغبين في كراء دكّان يتقاطرون على القساريّة يوميّاً وكنّا أنا والمـكّي نعترض سبيلهم: شوفو أو حلّو عينكم , هاذ المحلات كانوأ عامرين, أودابا مّاليها هربوا لا ربح ,لا راس المال !! هذه جزء من بـعض الأساليب الّتي كان يلقّنها لي المكّي صباح كلّ يوم أستعداداً للمبارة النّهائية .
عندما تحدّثت مع المكّي في أمر رحيلٍ بات وشيكاً وضروريّاً , صرخ في وجهي :" لن أستسلم .." أدّينا من رأسمالنا سومة كراء شهرٍ إضافيٍّ. أوّل بوادر الغرق ظهر في مُحيّا الحاج حمّوعند زيارة مفاجئة قام بها ذات صباحٍ للقساريّة,أطلّ على الدّكاكين وهي خاويةٌ على عروشها ,قال : لا يمكن الرّضوخ والقبول بهذا الأمر الواقع !؟ بكـى وكنت أسمع نحيبه عن قرب .
مساء ذات خميس وقد إقترب موعـد إغلاقنا القساريّة, فاجئنا الحاجّ يتقدَّم جمــاعة من الفقهاء والطّلبة ؛ فرشت القساريّة عن آخرها وأوتي بمواقد انفجرت أدخنةً كثيفة, وأوتي بالشّاي وأطباق من الحلوى , ثمّ بدأت التّراتيل والتّعاويذ والجدب, وتهاطلت على الحاج أمطار من الأدعية والدّعـوات , بينما كان يمطر الدّاعين له بوابـل من الأوراق المالية المختلفة الألوان وبكمّياتٍ متفاوتة , أثناء ذلك همس لي المكّي بخبث :ما نبـغ ؟, هذه أموالنا رُدّت إلينا.. !!؟ ثم بـعد اختتام " السّْلْكَة "أوتي بأطباقٍ وموائد الكسكس وأطباق من الفواكه المختلفة الأنواع والأشكال .. قال المــكّي هامساً في أذني وهو يضع آخـر لقمةٍ كسكس في فمه :" هذه نهاية بداية , وبداية نهاية قســـاريــة التّـــقـدم../
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ[/align]
القصّة بنكهة مغربيّة خالصة
القساريّة متل ما يسمّى بالبزار ، وهو سوق يومي : مجموعة دكاكين تتجمّع فيها معظم الحرف الشّعبية على العموم . وتعود ملكيّتها للخواصّ ...
تعليق