شاء الله كينونة الوجود,لتتجسّد في مكوّنات عناصرها, عظمته وقدرته وشأنه ووحدانيّته, فكان الوجود منتظما ونابضا بالحياة, وعلى أحسنوأفضل وأكمل وأبدع الخلق والصّنع... وهيّأ الله الأرض كاملة المكوّنات بحكمتهوعدالته التي وسعت كلّ شيء, لتكون للخلق البشريّ حياة لأجل مُسمّى, ضمانة عادلةلإستمرار الإنسان لزمن مُحدّد, يتزواج ويتكاثر بالحقّ وفق شرائع السّماء,المُنزّلة في كتب مُقدّسة إلى المُصطفين من الرّسل والأنبياء, هِداية ورشادا ونفعاللنّاس, حتّى يُعرف الله ويُوحّد ويُعبد حقّ عبادته, وتعمُرُ الأرضَ لمرضاته تعالى...خلق الله آدم على صورةإنسان, وخلق له من نسيجه حوّاء, ليركن إليها ويسكن ويطمئنّ, ويتكاثرا بذرّيّةمؤمنة واعية عارفة ناضجة وصالحة, وعلّم الله آدم الأوّل وزوجته حوّاء الأسماءكُلّها, وأسرار إستمراريّة العيش في حياة الأرض, وأوحى لهما الوعي والمعرفةوالعلوم والفنون, بما ينفعهما ويُسهّل عليهما مسيرة العيش والحياة...منذ البدء, وقبل الكتابة,وبحكم الفطرة التي فُطرَ عليها, وعى آدم الإنسان فعل الفنون, التي هي أقرب له, بمايتمثّل له في بدائع صنع الله في مشهديّات الطّبيعة من حوله, ومارسها كلغة تواصل معحوّائه, فكوّنا نسيجا أوّليّا لأسرتهما الأولى...مع حركات فعل التّكاثر بفعلالإنجاب, إشتدّت الحاجة لإستخدام الفنون, كسمة من سمات فعل التّواصل بين الإنسانوالإنسان, وهو ما دفع بهذا الإنسان لتطوير وتحديث حركة فعل الفنون, لتتواكب معإستمراريّة مساراته في حياته...الأديان السّماويّةوالمنزّلة من لدن الله تعالى, وعبر وسائط بشريّة مختارة من أكمل النّاس روحا وخلقاومسلكا, أتت متكاملة التّشريع للنّواميس والسّنن والقوانين والأنظمة, التي تحكموتضبط ممارسات الإنسان, ضمانا له بحياة متكاملة وسعيدة وفيها طمأنينة وإستقرار,وكانت الإلتفاتات للفنون في مضامين نصوص الكتب السّماويّة المقدّسة, إمّا عبر صورومشهديّات وقصص هادفة في حروف وكلمات نصّيّة, محكمة ومتشابهة, وناسخة ومنسخوة,تكتنز بها البشارات والآيات والإيحاءات والسّور, وإمّا ذات إشارات ترميزيّةوتعبيريّة وتجريديّة وسورياليّة وغير تفصيليّة, تأتي في سياق إبداعيّ فريد ومميّز,شاءه صاحب الوحي مغمورا, ليأتي من هم راسخون في العلم ويجتهدون في تفسيره...الأديان رسالات السّماءالمقدّسة لبني الإنسان, شاءها الله له للهدي والرّشاد عبر الرّسل والأنبياء,وشرائع وسنن الأديان هذه, لم ولن ولا تقف الموقف السّلبي أو الرّافض أو المعارضللفنون, لأنّ الفنون سمة من سمات التّواصل الحضاري بين بني الإنسان, وسمة مميّزةمن سمات الحضارة الإنسانيّة عبر حقب الزّمن التّاريخي, تعكس مستوى ومنسوب حضارةالوعي والمعرفة والعلم, وحركة فعل الخلق والإبداع, ومدى تقنيّة الصّنع والإبتكارعند الأمم والشّعوب...والفنون أوحى بها الخالقلمخلوقاته البشريّة, ليستخدمونها في شؤونهم الحياتيّة, بحكمة ودراية ورضى وتقوىالخالق, بما ينفعهم وليس بما يضرّهم... وخُلقت الفنون منذ البدء لخدمة هذا الإنسانفي شتّى النّواحي التي يُمكن تطبيقها, بحيث يُمكن توظيفها وإستخدامها في شتّى شؤونالحياة...والإسلام كدين سماوي مُقدّسومنزّل من لدن الباري, أتى متكاملا من جميع النّواحي النّظريّة والتّطبيقيّة,فأولى الشّؤون الأساسيّة, لمتطلّبات شؤون الحياة البشريّة أهمّيّة, بالشّروحاتوالتّفاصيل والتّصريح, وإستخدم التّرميز والتّعبير والمصطلحات في الشّؤونالأخرى...والفنون بكافّة فروعهاالتّشكيليّة والأدبيّة والأدائيّة والتّطبيقيّة وغيرها... ما هي إلاّ جزء لايتجزّأ من وحدة تكامل كينونة الدّين الإسلامي, وهي سمة بارزة وأصيلة من سماتمكوّنات ثقافة وحضارة المجتمع الإسلامي, لا تنفصم عراها عن عرى الفكر الإسلامي,ولا تبتعد في مساراتها عن مسارات مفاهيم العقيدة الإسلاميّة, ولا تنحرف في توجّهاتهاعن توجّهات منظومة المسارات الفكريّة الإسلاميّة, وهي ميزة رفيعة وحضاريّة لبيئةالأمّة الإسلاميّة, إذا ما تمّ تطبيقها بحكمة ودراية وإنتباه وحذر وتقنيّة, بمايتوافق ويتطابق مع عقائد الدّين الإسلامي وفروعه ونظريّاته وعباداته ومعاملاته...الإسلام هو دين الحقّوالحقيقة, دين التّصوّر الجمالي لفعل الخلق والإبداع في الصّنع الإلهي, الذي تنتعشبه الأرواح قبل أن ترفل له الأبصار في الأجساد, وهو الذي تتفاعل قناعة معه الأفكارفي العقول قبل أن يتجسّد في الواقع, وهو الذي يتشكّل في البصيرة وعيا باطنيّاوعرفانا ذاتيّا, فيتقلبن به العقل ويتعقلن به القلب, لأنّ الفنون في حقيقتهاالمجرّدة, مُكمّلة للحقّ ومُجسّدة للحقيقة, تعكس الجمال الأفعل والأكمل, الذييتراءى نابعا وهّاجا من جمال بدائع صنع الله في كينونة الوجود, ومنها الأرض وماتحتويه والتي سخّرها لنا الله للحياة في أرجائها والموت فيها والعودة لنسيجناالرّوحيّ بعد فناء أجسادنا... ومن هنا يُمكننا التّفكّر والتّعمّق في تفكيرنا,ورسم وتشكيل رؤى فلسفتنا, وترجمة رؤانا في هذا الإتّجاه, على أسس من الوعيالباطني, والعرفان الذّاتي, وتجلّيات الإيمان الخالص, للتّبحّر في الدّين الإسلامي,والقرآن المجيد, وما وصلنا من أحاديث عن النّبيّ والرّجال الأوائل, ومن المجتهدينوالمفسّرين وغيرهم, والعمل على التّمحيص والتّحليل, للإجتهاد ولإستنباط وتكوينالمفهوم الصّحيح, للفنون كافّة, سيّما الفنون التّشكيليّة, وفنون الرّسم, وفنون العمارة,وفنون النّحت, وفنون الزّخرفة, وفنون تشييد وزخرفة المساجد ومناراتها ومآذنها,وفنون طباعة القرآن, وفنون التّصوّر الإسلامي والقرآني, وفنون العصور السّالفةواللاحقة, والفنون الحديثة, بمدارسها ومذاهبها ومشتقّاتها وفروعها ومساراتها... منالمنطلق الفكري الإسلامي الملتزم والحضاري...ولرسم منهج الفنّ الإسلامي,لا بُدّ لنا من التّفريق بين الفنون التي تتحدّث عن الإسلام, والفنون التي ترسمأسرار كينونة الوجود ومعالمها ومطاويها وتفاصيل مشهديّاتها, من زواية التّصوّرالإسلامي لهذا الوجود... ليتسنّى لنا رسم هيكليّة جليّة وواضحة للتّعبير الجميل والحقيقي عن روائع الإبداعوالخلق وبدائع الصّنع الإلهي, للكون والحياة والإنسان، من خلال التّصوّر الفنّيالحقيقي الإسلامي الملتزم, لحقائق الكون وأسرار الحياة وبديع تكوين الإنسان... تلكالنّسائج لكينونة الوجود والتي تعكس بما لا يقبل الشّكّ, عظمة الخالق التي تتجلّىفي عظمة بدائع صنع مخلوقاته, وتتراءى وحدة الخالق في وحدانيّة وفرادة مخلوقاته...الفنون الإسلاميّة,هي الفنون التي يتجلّى في أبجديّات ومكوّنات تفاصيلها, ما يُهيّء اللقاء الفريد والمتكامل,ما بين لمسات الجمال الأصيل, التي منحها لنا الله في خلقه, ومعالم الحقّ المطلقوالقويم, فالجمال تكمن في نسيج ومضاته, حقيقة دامغة في كينونة هذا الوجود, والحقّ تتجلّىفي كنهه معالم ذروة الجمال... فإذا تمّ اللقاء التّكاملي بين الجمال والحقّ, فيقمّة الخلق والإبداع, المُتفتّق من بين الأنامل الحانية الدّفء, عند الفنّانينالتّشكيليين والرّسّامين الفنّانيني, بإستخداماتهم لجميع أبجديّات وأدوات وخاماتالرّسم والفنون, عندها تلتقي في نتاجاتهم الفنّيّة, جميع الحقائق التي تدلّ علىالخالق, وعظمته ووحدانيّته اللتان تتجلّيان في أسرار كينونة هذا الوجود...ومن خصائص الفنون الإسلاميّة, يجب أن تكون صادقة وأمينة على نقل أو محاكاةأو إيصال أسمى وأفضل, القيم والأفكار والمشاعر والأحاسيس إلى اللآخرين, من خلالفنون التّشكيل وفنون الرّسم وفنون الزّخرفة وفنون العمارة وفنون النّحت وفنونالإداء وفنون الكلمة, بأسلوب جميل لافت وفاعل ومؤثّر, يُوفّر للمتلقّين والمشاهدينوالمتتبّعين, عنصر المتعة والتّشويق, إضافة إلى التّأثير في سلوكهم, وإرشادهم إلىالصّراط المستقيم...والفنون في أشكالها المختلفة, ما هي إلاّ محاولة وتجريب من قبل الإنسان, لتصويرالإيقاع الذي يتلقاه في أحاسيسه ووجدانه وخيالاته المتناهية له من البعد الآخر,أيّ من أبعاد حقائق الوجود, أو من إمتدادات تصوّره لمطاوي حقائق الوجود, لتشكيلهافي مشهديّة أو صورة جميلة ومُؤثّرة...وهنا نستطيع البوح جهرا, بأنّ الفنون الإسلاميّة, القديمة والمعاصرة, التيأرسى قواعدها ثُلّة من الرّوّاد المسلمين الأوائل, والقادمة على أجنحة الأمالالمرتجاة مع ثُلّة من الفنّانين النّاشطين, ما هي إلاّ ذلك التّعبير الجميل عنخالق الوجود, والوجود وحقائق الوجود, من زاوية التّصوّر الفنّي الحقيقي الملتزمللخالق والوجود المخلوق...