أولا: تعريف المنهج التكاملي:
المنهج التكاملي: هو استخدام أكثر من منهج في البحث بحيث تتكامل ما بينها في وضع وتطبيق مستلزمات البحث.
مؤسس النقد التكاملي
فرانسيس بيكون" في أواخر القرن السادس للميلاد
وأبرز من تحدث من العرب عن النقد التكاملي
سيّد قطب، وأحمد كمال زكي، وشكري فيصل، وشوقي ضيف، وعبد المنعم خفاجي، وجورج طرابيشي،
ويوسف الشاروني، وعمر محمد الطالب وعبد القادر القط،وإبراهيم عبد الرحمن "
وينقسم المنهج التكاملي إلى قسمين، هما:
1 - المنهج التكاملي العام.
2 - المنهج التكاملي الخاص.
ويفرق بينهما في:
- أن المنهج التكاملي العام هو الذي يستخدم في علم من العلوم.
- والمنهج التكاملي الخاص هو الذي يستخدم في بحث مسألة أو قضية من علم ما.
وأسوق هنا بعض الأمثلة للمنهج التكاملي العام مرجئا التفصيل وذكر أمثلة المنهج التكاملي الخاص إلى مواضعها من الكتاب، وهي:
- في علم الكلام الذي يعتمد فيه - عادة - على المنهج العقلي، قد تعتمد بعض المدارس الكلامية أو الباحثين الكلاميين المنهج التكاملي المؤلف
النقد التكاملي وتطبيقه :
وهذا الاتجاه يجمع بين جميع الاتجاهات السابقة وينظر إلى النص نظرة شمولية لا تغلب فيها جانب على الجانب الآخر.
ويمتاز هذا الاتجاه بتوازنه الفني بين المحتوى والشكل ويحكم على النص أو العمل الأدبي بمقدار ما فيه من مضمونه من فن وفي هذا الاتجاه يتم تفسير العمل الأدبي في ضوء عصره وظروفه الحضارية والتاريخية والاجتماعية وفي ضوء ظروف صاحب النص والعمل الأدبي.
ومن أبرز المآخذ على هذا الاتجاه التكاملي:
خضوع كل ناقد للجانب الذي يجيده ويبرز فيه ولهذا يصعب عليه التعامل بنفس الكفاءة مع الجوانب الأخرى التي قد لا يكون يجيدها أو لا يعرفها.
وهناك مظاهر كثيرة في النقد الأدبي العربي فهناك:
نقد لفظي
وآخر معنوي
وثالث موضوعي ..
ومن النقد اللفظي ما هو لغوي أو نحوي أو عروضي أو بلاغي
ومن المعنوي ما يتصل بابتكار المعاني أو تعميقها أو توليدها أو أخذها ثم ما يتصل بالخيال وطرق تصويره للعاطفة ثم العاطفة الصادقة والمصطنعة.
ومن النقد الموضوعي ما يليق بكل مقام من المقال أو الفن الأدبي.
إشكاليات تطبيق النقد التكاملي على النص الأدبي
نّ المشكلة الأولى في بعض المناهج تكمن في انطلاق هذه الاتجاهات من النسق الفلسفي العام للناقد أو الباحث، بحيث يبدو المنهج تحقيقاً لمقولة فلسفية ناجزة سلفاً، وهوما يعني الإخلاص لتلك المقولة، لا للظاهرة المدروسة، بهدف » إثبات أن الفلسفة قد انتقلت من مرحلة التأمل النظري إلى مرحلة العلم «(11)، وهذا الرأي في الحقيقة فيه إجحاف وتقصير كبيرين من الناحية النظرية ،حيث نجد أنّ المدارس النقدية لا تغدو علمية إلا إذا انطلقت من الظواهر،لامن المنطلقات الفلسفية العامة ، إذ أن علمية المنهج تتأسس على وعي الظاهرة وعياً دقيقاً وشاملاً، ولا تتأسس على الاتساق مع النسق الفلسفي الناجز.
في حقيقة الأمرأن من يتتبع تطبيقات النقد العربي الحديث في مناهجه المتعددة، ولا سيما مناهج الألسنيات على اختلافها يجد أن ثمة إحساساً يراوده أو يخلص إليه، مؤداه أنها تطبيقات أقرب إلى التجريب المنهجي منها إلى الالتزام المنهجي،كما يعدّ الإجراء النقدي نقل للمنهج من مستوى التنظير العام إلى مستوى التطبيق الخاص أو مستوى الممارسة وهذه الممارسة الإجرائية غالباً ما تختلف بين ناقد وآخر حتى في نطاق المنهج الواحد وفريق العمل الواحد، وإذا كنا نحسب أن المنهج كينونة محايدة وموضعية مطلقة خارج ممارسته، فذلك تصور مسبق أخرجناه من مجال الأيديولوجية إلى مجال المعرفة.
لقد تبين لنا حتى الآن أن من أهم سمات التكاملية الاعتراف بوجود الكثرة المتجاورة الساعية نحوالتفاهم والائتلاف والتلاحم بواسطة الحوار فالتعددية ضرورية ومفيدة للحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، و الدراسات النقدية المختلفة والمتناقضة القائمة لايمكنها تشكيل منهج،ولا تأسيس فهم متسق للظواهر، و عليه يتوجب إعادة النظر في مضمون الأدوات المعرفية، إذا ما أردنا أن نؤسس "للـنقد التكاملي".
فمادام هذا "النـقد" يقوم على التركيب فيما بين أدوات المناهج الأخرى، لا بد له من أن يعيد النظر في تلك الأدوات الإجرائية من جهة حتى لايقع في التناقض العلمي والمعرفي والمنهجي، ومن جهة ثانية فإن المدارس النقدية لا تتبلور بالتنظير فحسب بل إنها تتبلور أيضاً بالإجراء التطبيقي على الظواهر المعنية، لهذا نشير صراحة إلى أن الإجراء النقدي هو نقل المنهج من مستوى التنظير العام إلى مستوى التطبيق الخاص أومستوى الممارسة، وهذه الممارسة الإجرائية غالباً ما تختلف بين ناقد وآخر حتى في نطاق المنهج الواحد، فالتطبيق هو المحك الأول والأخير الذي يؤكد مصداقية التنظير أوعدمها، أو لنقل إن التطبيق قد يعدّل أو يغير أو يضيف أو يحذف أو يوسّع أو يضيّق ماقد طرحه التنظير، وإن عودة إلى تاريخ أي منهج نقدي.
2-1.إشكالية التنـظير للنقد التـكاملي: في الحقيقة إنّ الكلمة الفصل في موضوع المنهج النقدي المناسب لنقد الأعمال الأدبية العربية، هي أن هذه الأعمال تمثل أولا وأخيرا النبع الذي تنبجس منه مناهج دراستها والبوابة التي تمكن من النفاذ إلى جوهرها، وحسب ذلك لن يستطيع أي منهج نقدي بمفرده أن يوفي توظيفه معالجة شاملة ودقيقة لأي عمل أدبي عربي، لأن الناقد سينظر من خلاله إلى هذا العمل نظرة جزئية، في حين سيهمل الجوانب الأخرى، خاصة إذا استحضرنا في الأذهان ما للأدب العربي قديمه،وحديثه من امتداد في الزمن وسعة في المكان،وقد كان الباحث "نعيم اليافي" أوائل النقاد المنظرين للنقد التكاملي إذ حدد خمس مفاتيح إجرائية بنى عليها نظريته في النقد التكاملي قائلا: »بينت في دراستي السابقة أن للمنهج خمسة مفاتيح يتلامح فيها هي:الموسوعية والانتقائية والانفتاحية والتركيبية والنصية« (12) غير أن قضية التنظير للنقد التكاملي جعلت من آراء النقاد متباينة جدا أثناء الشروع في النقد التكاملي للظاهرة الأدبية(سردا أوشعرا أومسرحا) بل و معضلة حقيقية تحتاج منا إلى دعائم وركائز سليمة للخوض في هذه المسألة،إنّ أدوات النقد التكاملي غير معروفة،ولم تحدد من طرف المنظرين لهذا المنهج،على صعيد الآليات وحتى التطبيق الذي يشكل بداية أزمة حقيقية للناقد والنص الأدبي على السواء ،ومنه كانت حتى اتجاهات النقاد الإيديولوجية والفلسفية حجرعثرة أمام عملية التنظير الفعلية له،فلوعدنا إلى الأدوات التي يستعين بها الناقد في نقده كما حددها "نعيم اليافي" نجدها موزعة كالآتي:
*-الموسوعية: وهي المظهر الخلاق للتكاملية أوالتعددية، ومن دونها ليس لهما معنى.
*-الانفتاح: نجده يتعلق بذهن الناقد وحالته النفسية بغية انفتاح النص على قبول الإجراء النقدي، وانفتاح الناقد نفسه على قبول مختلف التقنيات النقدية.
*-الانتقائية:هي ضريبة الموسوعية حين تكون ذات معرفة موسوعية فلا بدّ لك أن تنتقي.
*-التركيب: فإنه يعني بناء مجموعة من العناصر منتقاة وفق خطة متصورة ومرسومة لا تتم كيفما اتفق ،إن التركيب صهر للعناصر أو تذويب لإنتاج حالة ثالثة جديدة.
*-النصية:احترام هوية النص والنقد القائم علية دون إفراط ولاتفريط.
وجميع تلك الأدوات عقيمة أمام الظاهرة الأدبية، وحتى الناقد الذي نجده يتجاوزها أو حتى لا يأخذ بها أثناء الممارسة الفعلية للنقد التكاملي لعدم فهمها من جهة ، ونمطية تلك الآليات من جهة ثانية،في حين نجد فريقا آخر يبحث عن أدوات خاصة به للتفرد بها والتميز عن غيره من النقاد المشتغلين في حقل النقد التكاملي ممّا يجعل التكامل بينهم غير ممكن على أرض الواقع النقدي العربي، ناهيك عن التهرب من هذا المنهج وعدم وضوح الرؤية فيه وضبابية مفاهيمه ومصطلحاته التي لم تمكن النقاد من الخوض فيه بيسر وسهولة تامة ،مما دفع بالنقد التكاملي إلى الانزواء والتأزم أمام المناهج النقدية الأخرى التي تفرض نفسها بشكل ملفت للانتباه خاصة أمام وجود بعض النقاد الذين يطربون لها ويمجدونها في كلّ دراسة نقدية أومؤتمر علمي على الصعيدين النظري والتطبيقي،ليتشكل عندهم نوع من الشوفينية المنهجية والنقدية نحوها تدريجيا على حساب النص العربي.
2-2. إشكالية الآليات الإجرائية للنقد التكاملي:
تعدّ إشكالية البحث في الأدوات الإجرائية للنقد الأدبي أزمة معقدة خاصة في النقد التكاملي الذي تختلف فيه الآليات، ولا تتوضح للنقاد المتمرسين في حقل التكاملية رغم بداية هذا النقد في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي مما يجعلنا أمام حيرة علمية ونقدية أثناء "التطبيق والتنظير" له من جديد،وعليه يندمج المستويان معا ليشكلا لنا أزمة نقدية عويصة يستحيل الخروج منها ، أمام معضلات منهجية ونقدية في تناولنا للمناهج الغربية التي تبقى غريبة عن ثقافتنا وعن أدبنا وإبداعاتنا جملة وتفصيلا، في غياب المدارس النقدية العربية وعلاقة ذلك بالنقد التكاملي الذي يبحث عن هوية التأصيل،مع هذا الانحسار النقدي المفروض علينا،ومن هنا نجد أنّ جميع المناهج » قابلة للفاعلية المتفردة، على أن يكون النص الإبداعي الأول هو المنوط به تحديد المنهج القرائي وفي ما تقع عليه شفراته، مع تجاوز تقنية الإحالات في كل منهج على حدة واعتبار الأصل القرائي الأول هو فك الدوال عن مدلولاتها« (13)، وهذا لا ينفي جهود بعض النقاد المحدثين الذين حاولوا إيجاد حلول نقدية آنية في تلك الفترة، إذ طوّروا خطابا نقديا عربيا حديثا-النقد التكاملي- الذي يعتمد على التركيب المتجانس بين التيارات النقدية المختلفة، ومن ثم محاولة دمجها في "التكاملية النقدية" بطرق تعسفية أحيانا دون مراعاة خصوصية تلك الاتجاهات النقدية وآلياتها التي تختلف من مدرسة لأخرى.
أ- على مستوى المنهج(التنظير):
يواجه "النقد التكاملي" حاليا مشكلة تعدد المفاهيم النقدية لهذا المنهج السياقي ومن ثم نجد ّ تباين الخلفيات المنهجية والمنطلقات النظرية خاصة لدى النقاد المشتغلين في حقل هذا المنهج، ومنه تؤدي هذه الاضطرابات المعرفية الفكرية حتما إلى حجب الرؤية الصحيحة والعميقة عن ذهن المتلقي ، والإبحار المتميز في صلب الثقافة النقدية العربية خاصة لنؤكّد على أنّ "النقد التكاملي" حتى يحقق نوعا من الشمولية عليه المرور بمرحلتين أساسيتين هما:
*-المرحلة الأولى:هي مرحلة القراءة الواعية، وهي قراءة تختلف عن قراءة النقاد العادية بانفتاحها الدائم على جلّ الاتجاهات النقدية والاستفادة منها،و يرجع هذا الانفتاح إلى عدة أسباب أهمها أن النص يختلف في تحليليه ونتائج دراسته من نقد لآخر.
*-المرحلة الثانية:هي مرحلة الانتقال من التنظيرإلى مرحلة الدراسة،والتحليل التي تؤسس لرؤية التحليل والمكاشفة الفعلية للنقد المؤسس،والمهم من كل هذا أن النظرية النقدية العربية أصبحت لها أوجه متعددة تجعلها تبحث عن التأسيس لها من خلال المحاولات الجادة على صعيد التنظير للمفاهيم والرؤى المنهجية والفكرية.
ب- على مستوى الأدوات الإجرائية: عملية النقد السليم، هوأن لا يتم إخضاع أي خطاب أدبي اعتباطا وبالإكراه لسلطة الأداة النقدية، وأن لا نترك الخطاب الأدبي يهيمن على المنهجية النقدية التي سيعتمدها في ممارسته النقدية، وذلك محاولة منه لإقامة حوار نقدي إبداعي بين العمل الأدبي ومنهج الدراسة والتحليل، باعتبار أن العمل الأدبي كائن لغوي حي، له ظروف معينة وخصائص محددة، ثم إنه تجربة مفتوحة باستمرار من أجل القراءة، والمطلوب هو استكشاف ما يزخر به من حياة داخلية وإبراز فاعليته، وكذا تعدد الأدوات النقدية المترجمة من المصطلحات الغربية وتعريبها مباشرة دون إخضاعها للهوية الثقافية النقدية العربية، وقابلية النص الأدبي العربي لها أو لا ، مما يزيد في غموض الأدوات الإجرائية التي تبقى عصية مبهمة على الناقد، والمتلقي معا أضف إلى ذلك الفهم الصحيح المؤسس للكيفية السليمة لتطبيق تنلك الآليات على النصوص دون تمييز إذن فكيف لهم بتطبيقها على نصوص عربية تعكس رؤى فكرية معينة، وفلسفات معرفية ما.
المراجع والمصادر
1- مقالة الأستاذ الباحث : عامر رضا بعنوان النقـد التّكاملـي وإشكالية تطبيـــقه على الدِّراسات الأدبيّة
2- أصول البحث للدكتور عبدالهادي الفضلي
المنهج التكاملي: هو استخدام أكثر من منهج في البحث بحيث تتكامل ما بينها في وضع وتطبيق مستلزمات البحث.
مؤسس النقد التكاملي
فرانسيس بيكون" في أواخر القرن السادس للميلاد
وأبرز من تحدث من العرب عن النقد التكاملي
سيّد قطب، وأحمد كمال زكي، وشكري فيصل، وشوقي ضيف، وعبد المنعم خفاجي، وجورج طرابيشي،
ويوسف الشاروني، وعمر محمد الطالب وعبد القادر القط،وإبراهيم عبد الرحمن "
وينقسم المنهج التكاملي إلى قسمين، هما:
1 - المنهج التكاملي العام.
2 - المنهج التكاملي الخاص.
ويفرق بينهما في:
- أن المنهج التكاملي العام هو الذي يستخدم في علم من العلوم.
- والمنهج التكاملي الخاص هو الذي يستخدم في بحث مسألة أو قضية من علم ما.
وأسوق هنا بعض الأمثلة للمنهج التكاملي العام مرجئا التفصيل وذكر أمثلة المنهج التكاملي الخاص إلى مواضعها من الكتاب، وهي:
- في علم الكلام الذي يعتمد فيه - عادة - على المنهج العقلي، قد تعتمد بعض المدارس الكلامية أو الباحثين الكلاميين المنهج التكاملي المؤلف
النقد التكاملي وتطبيقه :
وهذا الاتجاه يجمع بين جميع الاتجاهات السابقة وينظر إلى النص نظرة شمولية لا تغلب فيها جانب على الجانب الآخر.
ويمتاز هذا الاتجاه بتوازنه الفني بين المحتوى والشكل ويحكم على النص أو العمل الأدبي بمقدار ما فيه من مضمونه من فن وفي هذا الاتجاه يتم تفسير العمل الأدبي في ضوء عصره وظروفه الحضارية والتاريخية والاجتماعية وفي ضوء ظروف صاحب النص والعمل الأدبي.
ومن أبرز المآخذ على هذا الاتجاه التكاملي:
خضوع كل ناقد للجانب الذي يجيده ويبرز فيه ولهذا يصعب عليه التعامل بنفس الكفاءة مع الجوانب الأخرى التي قد لا يكون يجيدها أو لا يعرفها.
وهناك مظاهر كثيرة في النقد الأدبي العربي فهناك:
نقد لفظي
وآخر معنوي
وثالث موضوعي ..
ومن النقد اللفظي ما هو لغوي أو نحوي أو عروضي أو بلاغي
ومن المعنوي ما يتصل بابتكار المعاني أو تعميقها أو توليدها أو أخذها ثم ما يتصل بالخيال وطرق تصويره للعاطفة ثم العاطفة الصادقة والمصطنعة.
ومن النقد الموضوعي ما يليق بكل مقام من المقال أو الفن الأدبي.
إشكاليات تطبيق النقد التكاملي على النص الأدبي
نّ المشكلة الأولى في بعض المناهج تكمن في انطلاق هذه الاتجاهات من النسق الفلسفي العام للناقد أو الباحث، بحيث يبدو المنهج تحقيقاً لمقولة فلسفية ناجزة سلفاً، وهوما يعني الإخلاص لتلك المقولة، لا للظاهرة المدروسة، بهدف » إثبات أن الفلسفة قد انتقلت من مرحلة التأمل النظري إلى مرحلة العلم «(11)، وهذا الرأي في الحقيقة فيه إجحاف وتقصير كبيرين من الناحية النظرية ،حيث نجد أنّ المدارس النقدية لا تغدو علمية إلا إذا انطلقت من الظواهر،لامن المنطلقات الفلسفية العامة ، إذ أن علمية المنهج تتأسس على وعي الظاهرة وعياً دقيقاً وشاملاً، ولا تتأسس على الاتساق مع النسق الفلسفي الناجز.
في حقيقة الأمرأن من يتتبع تطبيقات النقد العربي الحديث في مناهجه المتعددة، ولا سيما مناهج الألسنيات على اختلافها يجد أن ثمة إحساساً يراوده أو يخلص إليه، مؤداه أنها تطبيقات أقرب إلى التجريب المنهجي منها إلى الالتزام المنهجي،كما يعدّ الإجراء النقدي نقل للمنهج من مستوى التنظير العام إلى مستوى التطبيق الخاص أو مستوى الممارسة وهذه الممارسة الإجرائية غالباً ما تختلف بين ناقد وآخر حتى في نطاق المنهج الواحد وفريق العمل الواحد، وإذا كنا نحسب أن المنهج كينونة محايدة وموضعية مطلقة خارج ممارسته، فذلك تصور مسبق أخرجناه من مجال الأيديولوجية إلى مجال المعرفة.
لقد تبين لنا حتى الآن أن من أهم سمات التكاملية الاعتراف بوجود الكثرة المتجاورة الساعية نحوالتفاهم والائتلاف والتلاحم بواسطة الحوار فالتعددية ضرورية ومفيدة للحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، و الدراسات النقدية المختلفة والمتناقضة القائمة لايمكنها تشكيل منهج،ولا تأسيس فهم متسق للظواهر، و عليه يتوجب إعادة النظر في مضمون الأدوات المعرفية، إذا ما أردنا أن نؤسس "للـنقد التكاملي".
فمادام هذا "النـقد" يقوم على التركيب فيما بين أدوات المناهج الأخرى، لا بد له من أن يعيد النظر في تلك الأدوات الإجرائية من جهة حتى لايقع في التناقض العلمي والمعرفي والمنهجي، ومن جهة ثانية فإن المدارس النقدية لا تتبلور بالتنظير فحسب بل إنها تتبلور أيضاً بالإجراء التطبيقي على الظواهر المعنية، لهذا نشير صراحة إلى أن الإجراء النقدي هو نقل المنهج من مستوى التنظير العام إلى مستوى التطبيق الخاص أومستوى الممارسة، وهذه الممارسة الإجرائية غالباً ما تختلف بين ناقد وآخر حتى في نطاق المنهج الواحد، فالتطبيق هو المحك الأول والأخير الذي يؤكد مصداقية التنظير أوعدمها، أو لنقل إن التطبيق قد يعدّل أو يغير أو يضيف أو يحذف أو يوسّع أو يضيّق ماقد طرحه التنظير، وإن عودة إلى تاريخ أي منهج نقدي.
2-1.إشكالية التنـظير للنقد التـكاملي: في الحقيقة إنّ الكلمة الفصل في موضوع المنهج النقدي المناسب لنقد الأعمال الأدبية العربية، هي أن هذه الأعمال تمثل أولا وأخيرا النبع الذي تنبجس منه مناهج دراستها والبوابة التي تمكن من النفاذ إلى جوهرها، وحسب ذلك لن يستطيع أي منهج نقدي بمفرده أن يوفي توظيفه معالجة شاملة ودقيقة لأي عمل أدبي عربي، لأن الناقد سينظر من خلاله إلى هذا العمل نظرة جزئية، في حين سيهمل الجوانب الأخرى، خاصة إذا استحضرنا في الأذهان ما للأدب العربي قديمه،وحديثه من امتداد في الزمن وسعة في المكان،وقد كان الباحث "نعيم اليافي" أوائل النقاد المنظرين للنقد التكاملي إذ حدد خمس مفاتيح إجرائية بنى عليها نظريته في النقد التكاملي قائلا: »بينت في دراستي السابقة أن للمنهج خمسة مفاتيح يتلامح فيها هي:الموسوعية والانتقائية والانفتاحية والتركيبية والنصية« (12) غير أن قضية التنظير للنقد التكاملي جعلت من آراء النقاد متباينة جدا أثناء الشروع في النقد التكاملي للظاهرة الأدبية(سردا أوشعرا أومسرحا) بل و معضلة حقيقية تحتاج منا إلى دعائم وركائز سليمة للخوض في هذه المسألة،إنّ أدوات النقد التكاملي غير معروفة،ولم تحدد من طرف المنظرين لهذا المنهج،على صعيد الآليات وحتى التطبيق الذي يشكل بداية أزمة حقيقية للناقد والنص الأدبي على السواء ،ومنه كانت حتى اتجاهات النقاد الإيديولوجية والفلسفية حجرعثرة أمام عملية التنظير الفعلية له،فلوعدنا إلى الأدوات التي يستعين بها الناقد في نقده كما حددها "نعيم اليافي" نجدها موزعة كالآتي:
*-الموسوعية: وهي المظهر الخلاق للتكاملية أوالتعددية، ومن دونها ليس لهما معنى.
*-الانفتاح: نجده يتعلق بذهن الناقد وحالته النفسية بغية انفتاح النص على قبول الإجراء النقدي، وانفتاح الناقد نفسه على قبول مختلف التقنيات النقدية.
*-الانتقائية:هي ضريبة الموسوعية حين تكون ذات معرفة موسوعية فلا بدّ لك أن تنتقي.
*-التركيب: فإنه يعني بناء مجموعة من العناصر منتقاة وفق خطة متصورة ومرسومة لا تتم كيفما اتفق ،إن التركيب صهر للعناصر أو تذويب لإنتاج حالة ثالثة جديدة.
*-النصية:احترام هوية النص والنقد القائم علية دون إفراط ولاتفريط.
وجميع تلك الأدوات عقيمة أمام الظاهرة الأدبية، وحتى الناقد الذي نجده يتجاوزها أو حتى لا يأخذ بها أثناء الممارسة الفعلية للنقد التكاملي لعدم فهمها من جهة ، ونمطية تلك الآليات من جهة ثانية،في حين نجد فريقا آخر يبحث عن أدوات خاصة به للتفرد بها والتميز عن غيره من النقاد المشتغلين في حقل النقد التكاملي ممّا يجعل التكامل بينهم غير ممكن على أرض الواقع النقدي العربي، ناهيك عن التهرب من هذا المنهج وعدم وضوح الرؤية فيه وضبابية مفاهيمه ومصطلحاته التي لم تمكن النقاد من الخوض فيه بيسر وسهولة تامة ،مما دفع بالنقد التكاملي إلى الانزواء والتأزم أمام المناهج النقدية الأخرى التي تفرض نفسها بشكل ملفت للانتباه خاصة أمام وجود بعض النقاد الذين يطربون لها ويمجدونها في كلّ دراسة نقدية أومؤتمر علمي على الصعيدين النظري والتطبيقي،ليتشكل عندهم نوع من الشوفينية المنهجية والنقدية نحوها تدريجيا على حساب النص العربي.
2-2. إشكالية الآليات الإجرائية للنقد التكاملي:
تعدّ إشكالية البحث في الأدوات الإجرائية للنقد الأدبي أزمة معقدة خاصة في النقد التكاملي الذي تختلف فيه الآليات، ولا تتوضح للنقاد المتمرسين في حقل التكاملية رغم بداية هذا النقد في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي مما يجعلنا أمام حيرة علمية ونقدية أثناء "التطبيق والتنظير" له من جديد،وعليه يندمج المستويان معا ليشكلا لنا أزمة نقدية عويصة يستحيل الخروج منها ، أمام معضلات منهجية ونقدية في تناولنا للمناهج الغربية التي تبقى غريبة عن ثقافتنا وعن أدبنا وإبداعاتنا جملة وتفصيلا، في غياب المدارس النقدية العربية وعلاقة ذلك بالنقد التكاملي الذي يبحث عن هوية التأصيل،مع هذا الانحسار النقدي المفروض علينا،ومن هنا نجد أنّ جميع المناهج » قابلة للفاعلية المتفردة، على أن يكون النص الإبداعي الأول هو المنوط به تحديد المنهج القرائي وفي ما تقع عليه شفراته، مع تجاوز تقنية الإحالات في كل منهج على حدة واعتبار الأصل القرائي الأول هو فك الدوال عن مدلولاتها« (13)، وهذا لا ينفي جهود بعض النقاد المحدثين الذين حاولوا إيجاد حلول نقدية آنية في تلك الفترة، إذ طوّروا خطابا نقديا عربيا حديثا-النقد التكاملي- الذي يعتمد على التركيب المتجانس بين التيارات النقدية المختلفة، ومن ثم محاولة دمجها في "التكاملية النقدية" بطرق تعسفية أحيانا دون مراعاة خصوصية تلك الاتجاهات النقدية وآلياتها التي تختلف من مدرسة لأخرى.
أ- على مستوى المنهج(التنظير):
يواجه "النقد التكاملي" حاليا مشكلة تعدد المفاهيم النقدية لهذا المنهج السياقي ومن ثم نجد ّ تباين الخلفيات المنهجية والمنطلقات النظرية خاصة لدى النقاد المشتغلين في حقل هذا المنهج، ومنه تؤدي هذه الاضطرابات المعرفية الفكرية حتما إلى حجب الرؤية الصحيحة والعميقة عن ذهن المتلقي ، والإبحار المتميز في صلب الثقافة النقدية العربية خاصة لنؤكّد على أنّ "النقد التكاملي" حتى يحقق نوعا من الشمولية عليه المرور بمرحلتين أساسيتين هما:
*-المرحلة الأولى:هي مرحلة القراءة الواعية، وهي قراءة تختلف عن قراءة النقاد العادية بانفتاحها الدائم على جلّ الاتجاهات النقدية والاستفادة منها،و يرجع هذا الانفتاح إلى عدة أسباب أهمها أن النص يختلف في تحليليه ونتائج دراسته من نقد لآخر.
*-المرحلة الثانية:هي مرحلة الانتقال من التنظيرإلى مرحلة الدراسة،والتحليل التي تؤسس لرؤية التحليل والمكاشفة الفعلية للنقد المؤسس،والمهم من كل هذا أن النظرية النقدية العربية أصبحت لها أوجه متعددة تجعلها تبحث عن التأسيس لها من خلال المحاولات الجادة على صعيد التنظير للمفاهيم والرؤى المنهجية والفكرية.
ب- على مستوى الأدوات الإجرائية: عملية النقد السليم، هوأن لا يتم إخضاع أي خطاب أدبي اعتباطا وبالإكراه لسلطة الأداة النقدية، وأن لا نترك الخطاب الأدبي يهيمن على المنهجية النقدية التي سيعتمدها في ممارسته النقدية، وذلك محاولة منه لإقامة حوار نقدي إبداعي بين العمل الأدبي ومنهج الدراسة والتحليل، باعتبار أن العمل الأدبي كائن لغوي حي، له ظروف معينة وخصائص محددة، ثم إنه تجربة مفتوحة باستمرار من أجل القراءة، والمطلوب هو استكشاف ما يزخر به من حياة داخلية وإبراز فاعليته، وكذا تعدد الأدوات النقدية المترجمة من المصطلحات الغربية وتعريبها مباشرة دون إخضاعها للهوية الثقافية النقدية العربية، وقابلية النص الأدبي العربي لها أو لا ، مما يزيد في غموض الأدوات الإجرائية التي تبقى عصية مبهمة على الناقد، والمتلقي معا أضف إلى ذلك الفهم الصحيح المؤسس للكيفية السليمة لتطبيق تنلك الآليات على النصوص دون تمييز إذن فكيف لهم بتطبيقها على نصوص عربية تعكس رؤى فكرية معينة، وفلسفات معرفية ما.
المراجع والمصادر
1- مقالة الأستاذ الباحث : عامر رضا بعنوان النقـد التّكاملـي وإشكالية تطبيـــقه على الدِّراسات الأدبيّة
2- أصول البحث للدكتور عبدالهادي الفضلي