حكاية رجل كالطود

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد المهدي السقال
    مستشار أدبي
    • 07-03-2008
    • 340

    حكاية رجل كالطود

    قصة قصيرة :
    حكاية رجل كالطَّوْد
    (1)
    محمد المهدي السقال
    في غرفة عمي ذات خريف :


    لا تخفي عيناه كلّما تحسَّستا ظِلَّ صاعدٍ إليه ، ما يُضمرُهُ بسبب التناوُب عليه في تفَقّدِ أحواله بين الساعة والساعة ، في مواجهة تساؤل أصحابي عن اعتكافه الذي طال أكثر من عشر سنوات ،لا أجد أشبهَ بِعمِّي المعتزل في غرفة السطح ، غير أبي العلاء المعري رهين المحبسين ، أقتربُ من العتبة دون افتعال تلك الكحّة المتقطعة إيذاناً بوصولي، قال لي في المرة الثانية : صرتُ أعرفك من رائحة خطواتك .
    ظلّتْ أمّي عنيدةً في مُصالحته لآخر لحظةٍ في حياتها، غير أنّها لم تذكُرْهُ أمامنا بسوءٍ يُكَرِّهنا فيه، سمعتُها تنتفضُ في وجه أبي مُتوسِّلاً إليها برحمة عزيز قوم ذُلّ : كيف يكون ذليلاً واسمُه على كل ألسنة المدينة إلى الأطراف ؟ لا أدري إن كانتْ تعيِّرهُ في خُلْوة الليل، بما صار يظهر عليه من تراجُع عن الحلم بالتغيير الذي عهدناه مُتعلّقا به.
    دعاني ذلك المساء إلى جانبه ، بعدما كنت أتَّخِذ الركن تحت النافذة مُقْـتََعَداً لمُجالَسته ، سألتُه يوماً عن توجيهي إلى ذلك الموقع بالذات، رغم تسلّل المطر من بين شقوق الإطار، صمتَ كثيراً ثم قال : من خلال صوتك أتلمّس خيوط الضوء في العتمة، كثيرة هي عباراتُه التي لم أفهمْها إلا بعد رحيله .
    - طال صمتُكَ يا عمّي ، متى تخرج للناس ؟
    أطرقَ برأسهِ وهو يتلفّظ حروفاً لم أستبِنْها ، يفهم أنّي قصدتُ استفزازه للعودة إلى حكْي ظروف إخْلاءِ سبيله بعد الذي صار.
    أسرّ لأبي أن أنه وقع على محضر بخط اليد ، يلتزم فيه بعدم التفكير في كتابة مذكراته ، ناهيك عن الانتقال إلى التعبير ، حلّفوهُ على المصحف و سجّلوا عليه تصريحاتٍ بالشّرف و نذوراً بتحريم أبنائه عليه ، إن هو تجرّأ على تدوين سيرته،
    في حوار بينهما ، سمعتُ أبي يحكم ببطلان القسم و التصريح بالشرف والنذور، ما دامت عهوداً تحت الضغط والإكراه ، لكن عمّي ظلّ منسجماً مع ما وعد نفسه به، إلى حدود ذلك المساء .
    - سأحكي لك ، وأنت تتولّى صياغة الكتابة، ألستَ تقول بأنك مفلح في السرد ؟ اُكتبْ ، وكرّرها للمرة الرابعة حين عمّ سكون يعكس تردّدي ، بينما أخذتْ تتكوّم بجبيني قطرات أستبق مذاقها المالح كعادتها حين تنساب بين شفتيّ .
    - اُكتبْ ، فزمانه قد ولّـى.
    ثم استدرك مُتوجساً ما يمكن أن أفكّر فيه:
    - رغم أن الكفر ملة واحدة.
    كان ضمير الغائب عائداً دوماً على الراحل إلى حيث نرحل في نهاية المطاف ، لم أجرُؤْ على مساءلة عمّي، كيف يرفض مثل أبي تصديق حكاية التحول فجأة من زمن الرصاص إلى زمن الممكن ؟
    اعتذرت عن الكتابة اليوم ، بدعوى حاجتي للنوم باكراً ، جال مبتسما بعينيه المطفأتين في مساحة سقف الغرفة ، ثم استلقى على ظهره دون تعقيب ، قبّلْتُ يدَه اليُسرى قبل الانسحاب ، لم يُمانعْ مثل أبي الذي كان يدفع لي بيمينه خوفاً من الشيطان .
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد المهدي السقال; الساعة 25-05-2008, 20:17.

    " مُـجَـرَّدُ كَـلاَمِ عَـجُـوزٍ لَـمْ يُـدْرِكْـهُ الْـبُـلُـوغ "
  • جوتيار تمر
    شاعر وناقد
    • 24-06-2007
    • 1374

    #2
    السقال المبدع...
    لغتك السردية موحية، دائما اجدها تتشظى إلى معان وارفة وظلال دلالية أكثر عمقا ، كأني بك احيانا تكتب القصة لذاتك ،ولتعبر عن دفقات فكرية ، تلازمها اخرى شعورية متدفقة كمطر آذار ، يخلق الدهشة في ربوعنا ، حيث نراه يغير لونه في اللحظة اكثر من مرة ، أرى ان النص متعدي التركيب ومتشعب الدلالات واللغة مربوطة بخيط ما يجذبها إلى الواقعية الحياتية ، من حيث منظورها المعيشي اليومي ، ومستلزمات هذا التكوين الاجتماعي ، ومن ثم يتعدى الى مكونات تاريخية دلالية ذا مغزى عميق جدا ، ويتحول بنا الى افاق لاتغور في مطبات الزمكانية ، ثم يحيلنا الى افاق اقرب مشهديا ، من خلال ملامسات سياسية فكرية قسرية ، ضمن اطر تعيرنا تشريعات الاكراه ، هي لغة متحركة تسطو ، وتحرك الملكات الذهنية وفق معطيات اراها هنا لايمكن ان تتوقف عند حد ، او رؤية واحدة ، فالنص يحمل صور عديدة هي في النهاية تشكل لوحة مختصرة اجتماعية بتفاصيلها وسياسية وفكرية برؤاها ، ولعل اليد اليمنى للوالد ، واليسرى للعم ، تشكل منطعفا فكريا ذا ابعاد لامتناهية في النص.

    دمت بالف خير
    محبتي
    جوتيار

    تعليق

    • محمد المهدي السقال
      مستشار أدبي
      • 07-03-2008
      • 340

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة جوتيار تمر مشاهدة المشاركة
      السقال المبدع...
      لغتك السردية موحية، دائما اجدها تتشظى إلى معان وارفة وظلال دلالية أكثر عمقا ، كأني بك احيانا تكتب القصة لذاتك ،ولتعبر عن دفقات فكرية ، تلازمها اخرى شعورية متدفقة كمطر آذار ، يخلق الدهشة في ربوعنا ، حيث نراه يغير لونه في اللحظة اكثر من مرة ، أرى ان النص متعدي التركيب ومتشعب الدلالات واللغة مربوطة بخيط ما يجذبها إلى الواقعية الحياتية ، من حيث منظورها المعيشي اليومي ، ومستلزمات هذا التكوين الاجتماعي ، ومن ثم يتعدى الى مكونات تاريخية دلالية ذا مغزى عميق جدا ، ويتحول بنا الى افاق لاتغور في مطبات الزمكانية ، ثم يحيلنا الى افاق اقرب مشهديا ، من خلال ملامسات سياسية فكرية قسرية ، ضمن اطر تعيرنا تشريعات الاكراه ، هي لغة متحركة تسطو ، وتحرك الملكات الذهنية وفق معطيات اراها هنا لايمكن ان تتوقف عند حد ، او رؤية واحدة ، فالنص يحمل صور عديدة هي في النهاية تشكل لوحة مختصرة اجتماعية بتفاصيلها وسياسية وفكرية برؤاها ، ولعل اليد اليمنى للوالد ، واليسرى للعم ، تشكل منطعفا فكريا ذا ابعاد لامتناهية في النص.

      دمت بالف خير
      محبتي
      جوتيار
      أجمع تعليقاتك أخي جوتيار تمر ، لأنها صارت عندي بوصلة تضيئ لي كثيرا من الإيحاءات التي تتوصل إليها ، فتغني قراءتي المتجددة للنص ، بعدما قطعت معه كل صلة ، ممتن جدا لاهتمامك بأبعاد ودلالات نصوصي ضمن تجريبي السردي .
      تحية صدق

      " مُـجَـرَّدُ كَـلاَمِ عَـجُـوزٍ لَـمْ يُـدْرِكْـهُ الْـبُـلُـوغ "

      تعليق

      • محمود عادل بادنجكي.
        أديب وكاتب
        • 22-02-2008
        • 1021

        #4
        الأخ محمد
        قصّة تأخذك في تلبّس الحالة، فتتردّد بين الموافقة، والمعارضة، حال الأخذ والردّ بين الواجب، والممكن، وحسابات الرّبح والخسارة، لنربح في النهاية نصّأً، يبقى في الذاكرة لوقت غير قصير.
        تحيّاتي الطيّبات
        ستبقـى حروفنــــا.. ونذهـــــبُ
        مدوّنتي
        http://mahmoudadelbadinjki.ektob.com/
        تفضـّلوا بزيارة صفحتي على فيسس بوك
        www.facebook.com/badenjki1
        sigpic
        إهداء من الفنّان العالميّ "سامي برهان"

        تعليق

        • محمد المهدي السقال
          مستشار أدبي
          • 07-03-2008
          • 340

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة محمود عادل بادنجكي مشاهدة المشاركة
          الأخ محمد
          قصّة تأخذك في تلبّس الحالة، فتتردّد بين الموافقة، والمعارضة، حال الأخذ والردّ بين الواجب، والممكن، وحسابات الرّبح والخسارة، لنربح في النهاية نصّأً، يبقى في الذاكرة لوقت غير قصير.
          تحيّاتي الطيّبات
          و هل يراهن النص على أجمل من تلبس الحالة إيهاما بواقعيتها ؟ تعليق ينم عن تواصل عميق مع أبعاد النص اخي عادل.
          امتناني الصادق

          " مُـجَـرَّدُ كَـلاَمِ عَـجُـوزٍ لَـمْ يُـدْرِكْـهُ الْـبُـلُـوغ "

          تعليق

          يعمل...
          X