كانت الساحة بالبلاد تَشْهدُ غليانا و اضطرابا قويا آنذاك تحت ضغط أحزاب المعارضة. وكان من الطبيعي أن يطال هذا الحراك السياسي الْحَرَمْ الجامعي و يتخطى أسواره.
كنت في بداياتي الأولى من التعليم العالي، وكنت متوجّها إلى أحد مدرّجات الكلّية حين استوقفني طَالبٌ يقول: أيّها الرفيق، التحق بالْحَلَقَة وسط الساحة، سنقاطع الدروس هذا اليوم، و ربما لأيام و أسابيع، فلائحة مطالبنا طويلة و لا شيء منها قد تحقق !
كان لي عِلْمٌ بالحلقات في المرحلة الثانوية، لكن متطلباتنا لم تكن تتجاوز سقف مؤسستنا المتواضعة. أخذتُ مكانا بالحلقة و ألقيتُ السمع للعرض الذي كان يقدّمه أحد الطلبة المدعو الرفيق" مصطفى ". كان متحدثا بليغا يجيد فنّ الخطابة و يَفهمُ كل شيء في السياسة. كان كلما تناول موضوعا ما، أتقنه درسا و تحليلا و كأنّه أستاذ باحث. عندما كان يأخذ الكلمة أو يردّ على أسئلة الحاضرين يشدّ آذان السامعين و تَظَلُّ له رقابنا خاضعة! حتى أننا لم نعد نخشى على أنفسنا من هراوات الفرق الأمنية و رَفْسِها و رَكْلِها لفكِّ الاعتصام الذي كان يُقرّره الرفيق " مصطفى" و يُجنّدنا إليه، كلما دَعَتِ الحاجة لذلك ! لقد أحببنا كلمات الرفيق " مصطفى"أكثر من الوجبة البائسة التي كانت تُقدّم لنا بثمن رمزي و كنّا نُسكتُ بها جوعنا و نَسدُّ بها رمقنا.
كانت سنة سوداء و كان يلوح في الأفق شبح السنة البيضاء من قلة ما أصبناه من العِلْمِ و من فَرْطِ الكدمات التي أثثت أجسامنا و الكسور التي تناثرت على عظامنا.
لم يكن أمام السلطة من خيار آخر، تمَّ اعتقال الرفيق " مصطفى" و أقربمعاونيه ! خيّم الحزن على محيط الجامعة و ساد الصمت المكان. و لم تمض سوى أيام قليلة حتى عاودتِ السلطة الكرة و أجهزتْ على كل الأيادي الخفية التي كانت تحرّك خيوط اللعبة من وراء الستار، فقطعت بذلك رؤوس التنين الهائج.
مرّت الأيام و بدأ الطلبة المعتقلين يظهرون واحدا تلو الأخر أو دُفعة دُفعة. كانوا يحكون ما ذاقوه من سوء العذاب في غياهب الجُبِّ وكنّا نُنْصِتُ إليهم في ذهول و إعجاب . منهم من قضى رهن الاعتقال أسبوعين،شهر،...، سنة. كل حسب التُّهْمَة الموجهة إليه و قدرة تحمّله. لكن ظل الرفيق " مصطفى" مختفيا عن الأنظار ولم يُعْثَر له على أثر أو يُعرف له سبيل، ظنناه لقي حتفه و دفع دمه ثمنا و فداءا لأفكاره. نصّبناه شكي فارا نتغنى بمبادئه و نروي بطولاته، أسكناه في قلوبنا و أحييناه في ذواتنا و لم يَفلْ نجمه بيننا.
مرّت سنين طويلة...، ذات يوم، كنت أتابع حوارا تلفزيا حول المشهد السياسي بالبلاد الذي بقي على حاله منذ ذلك الوقت، إذ طلع علينا الدكتور الرفيق" مصطفى " الأستاذ الباحث في إحدى الجامعات و الخبير في العلوم السياسية يترافع عن الحصيلة الإيجابية للنظام، يعدّ محاسنه و يردّ على أحزاب المعارضة !
كنت في بداياتي الأولى من التعليم العالي، وكنت متوجّها إلى أحد مدرّجات الكلّية حين استوقفني طَالبٌ يقول: أيّها الرفيق، التحق بالْحَلَقَة وسط الساحة، سنقاطع الدروس هذا اليوم، و ربما لأيام و أسابيع، فلائحة مطالبنا طويلة و لا شيء منها قد تحقق !
كان لي عِلْمٌ بالحلقات في المرحلة الثانوية، لكن متطلباتنا لم تكن تتجاوز سقف مؤسستنا المتواضعة. أخذتُ مكانا بالحلقة و ألقيتُ السمع للعرض الذي كان يقدّمه أحد الطلبة المدعو الرفيق" مصطفى ". كان متحدثا بليغا يجيد فنّ الخطابة و يَفهمُ كل شيء في السياسة. كان كلما تناول موضوعا ما، أتقنه درسا و تحليلا و كأنّه أستاذ باحث. عندما كان يأخذ الكلمة أو يردّ على أسئلة الحاضرين يشدّ آذان السامعين و تَظَلُّ له رقابنا خاضعة! حتى أننا لم نعد نخشى على أنفسنا من هراوات الفرق الأمنية و رَفْسِها و رَكْلِها لفكِّ الاعتصام الذي كان يُقرّره الرفيق " مصطفى" و يُجنّدنا إليه، كلما دَعَتِ الحاجة لذلك ! لقد أحببنا كلمات الرفيق " مصطفى"أكثر من الوجبة البائسة التي كانت تُقدّم لنا بثمن رمزي و كنّا نُسكتُ بها جوعنا و نَسدُّ بها رمقنا.
كانت سنة سوداء و كان يلوح في الأفق شبح السنة البيضاء من قلة ما أصبناه من العِلْمِ و من فَرْطِ الكدمات التي أثثت أجسامنا و الكسور التي تناثرت على عظامنا.
لم يكن أمام السلطة من خيار آخر، تمَّ اعتقال الرفيق " مصطفى" و أقربمعاونيه ! خيّم الحزن على محيط الجامعة و ساد الصمت المكان. و لم تمض سوى أيام قليلة حتى عاودتِ السلطة الكرة و أجهزتْ على كل الأيادي الخفية التي كانت تحرّك خيوط اللعبة من وراء الستار، فقطعت بذلك رؤوس التنين الهائج.
مرّت الأيام و بدأ الطلبة المعتقلين يظهرون واحدا تلو الأخر أو دُفعة دُفعة. كانوا يحكون ما ذاقوه من سوء العذاب في غياهب الجُبِّ وكنّا نُنْصِتُ إليهم في ذهول و إعجاب . منهم من قضى رهن الاعتقال أسبوعين،شهر،...، سنة. كل حسب التُّهْمَة الموجهة إليه و قدرة تحمّله. لكن ظل الرفيق " مصطفى" مختفيا عن الأنظار ولم يُعْثَر له على أثر أو يُعرف له سبيل، ظنناه لقي حتفه و دفع دمه ثمنا و فداءا لأفكاره. نصّبناه شكي فارا نتغنى بمبادئه و نروي بطولاته، أسكناه في قلوبنا و أحييناه في ذواتنا و لم يَفلْ نجمه بيننا.
مرّت سنين طويلة...، ذات يوم، كنت أتابع حوارا تلفزيا حول المشهد السياسي بالبلاد الذي بقي على حاله منذ ذلك الوقت، إذ طلع علينا الدكتور الرفيق" مصطفى " الأستاذ الباحث في إحدى الجامعات و الخبير في العلوم السياسية يترافع عن الحصيلة الإيجابية للنظام، يعدّ محاسنه و يردّ على أحزاب المعارضة !
تعليق