حين انحنيت بسيارتى ممتطيا الطريق الترابى المؤدى الى مزرعتى ‘ طالعت وجهها.
غير مألوف لى على الرغم من مرورى اليومى على هذا الطريق..
أعرف كل مرتاديه. وان كنت لا أعرف أسماءهم..
إلا هذه الواقفة على جانبه ،تنوء بحمل ثقيل فوق رأسها الصغير..
أمعن النظر لعلى أقارب بين ملامحها وملامح من أراهم على هذا الطريق..
هاتان العينان الضيقتان وذاك البريق وتلك الوجنتان المتغضنتان..
لم أراهما هنا من قبل.. لكن هذه الملامح مرت على من قبل!
شرعت أقلب صفحات باهتة فى ذاكرتى عن تلك الملامح.
وأنا أتوقف لتركب الى جوارى
.. أسألها عن اسمها
- إيه عبد الباسط..
وقبل أن تكمل .أكملت أنا
- عبد الباسط أحمد عبد الباسط..
أومأت بالإيجاب.. أطبقت يدى على مقود السيارة التى انطلقت دون تدخل منى .. و عدت بذاكرتى للوراء .
تداعت الصفحات أمامى واضحة كالشمس رغم مرور عقود طويلة تزاحمت فيها الذكريات ومحت بعضها الاخرى..
بدت لى الأحدث والشخوص واضحة تتحرك كأنها حدثت بالأمس.
غير مألوف لى على الرغم من مرورى اليومى على هذا الطريق..
أعرف كل مرتاديه. وان كنت لا أعرف أسماءهم..
إلا هذه الواقفة على جانبه ،تنوء بحمل ثقيل فوق رأسها الصغير..
أمعن النظر لعلى أقارب بين ملامحها وملامح من أراهم على هذا الطريق..
هاتان العينان الضيقتان وذاك البريق وتلك الوجنتان المتغضنتان..
لم أراهما هنا من قبل.. لكن هذه الملامح مرت على من قبل!
شرعت أقلب صفحات باهتة فى ذاكرتى عن تلك الملامح.
وأنا أتوقف لتركب الى جوارى
.. أسألها عن اسمها
- إيه عبد الباسط..
وقبل أن تكمل .أكملت أنا
- عبد الباسط أحمد عبد الباسط..
أومأت بالإيجاب.. أطبقت يدى على مقود السيارة التى انطلقت دون تدخل منى .. و عدت بذاكرتى للوراء .
تداعت الصفحات أمامى واضحة كالشمس رغم مرور عقود طويلة تزاحمت فيها الذكريات ومحت بعضها الاخرى..
بدت لى الأحدث والشخوص واضحة تتحرك كأنها حدثت بالأمس.
. حين كنا صغار
فى فصل رابعة أول بسبورة كالحة اللون مثل أرضيته .
رطوبة تسرى فى حوائطه. تنخر أسفلها . تخلف قطع من الطين الرطب . تنبعث منها رائحة عطنة ألفتها أنوفنا الصغيرة.
يجلس عبد الباسط الى جوارى. يقرأ موضوع الملاك الطاهر..
دائما هو الذى يقرأ وكلنا يردد خلفة.
دائماهو الذى يحيى العلم
بذلك الصوت الملائكى الذى اقترن فى مسامعى
بصوت الشيخ عبدالباسط عبد الصمد
والذى كان صوته يملأ جنبات قريتنا الصغيرة مساء كل سبت..
يرتفع صوت عبد الباسط بالقراءة ..
ينفتح باب الفصل بأزيزه المميز.لتمتد يدا من خارجه لتغلق الباب.
انها يد ناظر المدرسه .نعرفها جيدا.يفعل ذلك كثيرا.
ربما لا يريد أن يقطع علينا استيعابنا للدرس .
أو حتى لا يطغى صوت عبد الباسط على أصوات المدرسين
فى الفصول الأخرى .
فهو يتخذ من صالة المدرسة مكتبا له.
يتابع ما يحدث داخل الفصول بدقة
فى فصل رابعة أول بسبورة كالحة اللون مثل أرضيته .
رطوبة تسرى فى حوائطه. تنخر أسفلها . تخلف قطع من الطين الرطب . تنبعث منها رائحة عطنة ألفتها أنوفنا الصغيرة.
يجلس عبد الباسط الى جوارى. يقرأ موضوع الملاك الطاهر..
دائما هو الذى يقرأ وكلنا يردد خلفة.
دائماهو الذى يحيى العلم
بذلك الصوت الملائكى الذى اقترن فى مسامعى
بصوت الشيخ عبدالباسط عبد الصمد
والذى كان صوته يملأ جنبات قريتنا الصغيرة مساء كل سبت..
يرتفع صوت عبد الباسط بالقراءة ..
ينفتح باب الفصل بأزيزه المميز.لتمتد يدا من خارجه لتغلق الباب.
انها يد ناظر المدرسه .نعرفها جيدا.يفعل ذلك كثيرا.
ربما لا يريد أن يقطع علينا استيعابنا للدرس .
أو حتى لا يطغى صوت عبد الباسط على أصوات المدرسين
فى الفصول الأخرى .
فهو يتخذ من صالة المدرسة مكتبا له.
يتابع ما يحدث داخل الفصول بدقة
عبد الباسط قارب على الانتهاء من القراءة..
(وأخذه ابوه الى عين الماء ليريه صورة الملاك الطاهر)
(وأخذه ابوه الى عين الماء ليريه صورة الملاك الطاهر)
لنسمع طرقات سريعة على باب الفصل.
يتوقف عبد الباسط عن القراءة..
قبل أن يهم مدرسنا بفتح الباب ..
نرى يد الناظر تمتد هذه المرة لفتح الباب..
يدخل وفى اثره رجل قصير القامة ..
واهن الجسد تغطى رأسه الصغيرة طاقية مهترئة الحافة
تكاد تحجب عينينه الصغيرتين
يلف وسطه بذيل جلباب متهالك . حافى القدمين.
يحاول جاهدا أن يمنع تساقط الدموع من عينه برفع وارتعاد وجنتيه
يتوقف عبد الباسط عن القراءة..
قبل أن يهم مدرسنا بفتح الباب ..
نرى يد الناظر تمتد هذه المرة لفتح الباب..
يدخل وفى اثره رجل قصير القامة ..
واهن الجسد تغطى رأسه الصغيرة طاقية مهترئة الحافة
تكاد تحجب عينينه الصغيرتين
يلف وسطه بذيل جلباب متهالك . حافى القدمين.
يحاول جاهدا أن يمنع تساقط الدموع من عينه برفع وارتعاد وجنتيه
..أحداقنا الصغيرة ترقب الرجل والناظر الذى أشار لنا بالجلوس ونحن نصف قيام ...
يقترب من عبد الباسط الذى ظل واقفا ليربت على كتفه
ويشير له أن يجمع حاجياته.
ليصحبه مع الرجل الى خارج الفصل..
يقترب من عبد الباسط الذى ظل واقفا ليربت على كتفه
ويشير له أن يجمع حاجياته.
ليصحبه مع الرجل الى خارج الفصل..
يشر لى المدرس باكمال القراءة وكأن شىء لم يحدث
شرعت أكمل القراءة بلسانى وذهنى مشغول بعبد الباسط
شرعت أكمل القراءة بلسانى وذهنى مشغول بعبد الباسط
هل أصبح عبد الباسط لا يذاكر دروسه ولا يرتب ملابسه
ولا يساعد المحتاجين ولا يحترم الكبير ولا يذهب الى مدرسته مبكر.
وأخذه أبوه الى بئر الماء ليريه الملاك الطاهر .كما فهمنا من الدرس
ولا يساعد المحتاجين ولا يحترم الكبير ولا يذهب الى مدرسته مبكر.
وأخذه أبوه الى بئر الماء ليريه الملاك الطاهر .كما فهمنا من الدرس
هل سينظر عبد الباسط فى البئر ليرى صورته
صورة الملاك الطاهر الذى كان مثالا للتفوق والنظام والنظافة....
هكذا صورت لى عقلى الصغيرة فى ذاك الوقت
صورة الملاك الطاهر الذى كان مثالا للتفوق والنظام والنظافة....
هكذا صورت لى عقلى الصغيرة فى ذاك الوقت
..فى خارج المدرسة..أصوات ترتفع ..زحام.. سيارات تزمجر..
غبار يملأ الشارع المجاور.يتدافع من شباك فصلنا
ليلف رؤوسنا الصغغيرة
غبار يملأ الشارع المجاور.يتدافع من شباك فصلنا
ليلف رؤوسنا الصغغيرة
دقات جرس الفسحة.ترتفع لترتفع أصواتنا ونحن نتدافع للخروج .
لمتابعة ما يحدث .حدث غريب ...
سيارات بالقرية!
يلتف الجميع حولها .الا انا.أبحث عن صديقى
أستند بظهرى الى حائط المدرسة.أجول بعينى
أتفحص صناديق السيارات المكتظة بالأطفال والنساء
وأدوات معيشتهم من أغطية وأوانى بل وحيوانت صغير وطيور.
وكأنهم راحلون عن القرية.
لمتابعة ما يحدث .حدث غريب ...
سيارات بالقرية!
يلتف الجميع حولها .الا انا.أبحث عن صديقى
أستند بظهرى الى حائط المدرسة.أجول بعينى
أتفحص صناديق السيارات المكتظة بالأطفال والنساء
وأدوات معيشتهم من أغطية وأوانى بل وحيوانت صغير وطيور.
وكأنهم راحلون عن القرية.
أبحث عنه..أخشى أن يكون بين هؤلاء..
تتحرك السيارات..مخلفة غبارها ..
الأولى .. الثانيه....الأخيره تمر من أمامى ..
تتحرك السيارات..مخلفة غبارها ..
الأولى .. الثانيه....الأخيره تمر من أمامى ..
من بين ذرات الغبار أرى الطاقية المهترئة
ووجه عبد الباسط وقد أحاطه أبوه بذراعيه .
خطان متربان قد انسابا فوق وجنتيه المنتفختين .
.نظراته الحزينة تغمرنى بهالة من السواد والغبار
تجعلنى أغمض عينى ..
وأتابع بأذنى كلمات الحفاه العائدين من توديعهم....
أكل العيش مر.....بلاد بعيده فيها شغل ..
يمكن تحلا لهم العيشه هناك..
ووجه عبد الباسط وقد أحاطه أبوه بذراعيه .
خطان متربان قد انسابا فوق وجنتيه المنتفختين .
.نظراته الحزينة تغمرنى بهالة من السواد والغبار
تجعلنى أغمض عينى ..
وأتابع بأذنى كلمات الحفاه العائدين من توديعهم....
أكل العيش مر.....بلاد بعيده فيها شغل ..
يمكن تحلا لهم العيشه هناك..
اليوميه هناك أحسن من هنا...هو هنا لاقين شغل؟
...صعبان علي العيال اللى طلعوهم من المدرسه...
بيقولوا هناك مدارس...يا راجل أنت مصدق؟ ...
يشتغلوا فى الفاعل هم وأولادهم
عشان يعيشوا
عشان يعيشوا
أسدل جفناى بقوة على صورة الملاك الطاهر بين ذراعى والده
بعيناه الدامعتان ..تلك الصورة التى ظلت قابعة بذاكرتى ..
أرهق عقلى الصغير بأسئلة كثيرة
لا تقنعنى اجابات والدى وأساتذتى عنها
وأصدق تخيلاتى بأن أبوه قد أخذه الى البئر ليريه صورته
صورة الملاك الطاهر
ويعود.......
.....
ولم يعد الملاك الطاهر
الى أن رأيت ملامحه تكاد تطل من وجه ابنته أيه الجالسة الى جوارى
والتى تشير لى بالتوقف .
لأجدنى أمام نفس العينين الغائرتين
لرجل ترك الزمان على جبهته وحول فمه الصغير خطوط متعرجة....
برزت عظمتا الوجنتين ليزداد غور العينين ..
الا أنهما لازلتا تحملان ذاك البريق.
يلف رأسه بعمامة مغبرة ..
ويلف وسطه بذيل جلباب يزينه وحل الأرض
لا تقنعنى اجابات والدى وأساتذتى عنها
وأصدق تخيلاتى بأن أبوه قد أخذه الى البئر ليريه صورته
صورة الملاك الطاهر
ويعود.......
.....
ولم يعد الملاك الطاهر
الى أن رأيت ملامحه تكاد تطل من وجه ابنته أيه الجالسة الى جوارى
والتى تشير لى بالتوقف .
لأجدنى أمام نفس العينين الغائرتين
لرجل ترك الزمان على جبهته وحول فمه الصغير خطوط متعرجة....
برزت عظمتا الوجنتين ليزداد غور العينين ..
الا أنهما لازلتا تحملان ذاك البريق.
يلف رأسه بعمامة مغبرة ..
ويلف وسطه بذيل جلباب يزينه وحل الأرض
يقترب من باب سيارتى
ويفتحها ويعانقنى عناق حاار كنت فى شوق اليه
يخبرنى أننى أمر عليه يوميا من هنا
رغم شوقه لى
لم يحادثنى ظننا منه أننى لن أتذكره
فهو حارس هذه المزرعة التى تجاور مزرعتى !!
ويفتحها ويعانقنى عناق حاار كنت فى شوق اليه
يخبرنى أننى أمر عليه يوميا من هنا
رغم شوقه لى
لم يحادثنى ظننا منه أننى لن أتذكره
فهو حارس هذه المزرعة التى تجاور مزرعتى !!
تعليق