صراع الرغبات المكبوتة في نص الكاتبة المبدعة إيمان الدرع ( هل تغفر الروح .....؟)
نحن أمام نص رائع ،شدنا من البداية حتى النهاية ،تداعيات امرأة و، تساؤلات ملقاة من خلال السرد تتجاوز تركيبتنا النفسية والاجتماعية و شكل الإنتماء
لأنها تساؤلات عقلانية ، سبرت معالم النص فكنت ألتقط حسا إنسانيا ينبض بالحياة ،مشاعر مكبوتة ونزوات ملجمة ، خطت بقلم أديبة بارعة في التقاط نبض قلب امرأة مطوقة برغبات مكبوتة
هو تصوير بارع لحاجات المرأة السياكولوجية والبايلوجية ،
وهو انعكاس لواقع مرير تعيشه المرأة في مجتمع لايقدر تلك الحاجات حتى ولو كانت في ظروف غير طبيعية
الكاتبة لم تطرح حالة امرأة شاذة أو بغي همها أشباع رغباتها الجنسية الحيوانية ،
ولم تطرح دعوة للتمرد على القيم والتقاليد الأجتماعية والدينية ، بل طرحت حالة انسانية واقعية ،
وهي حالة يفرزها واقع وحال رغبة الرجل في الهجرة حبا بالمال وتحسينا لوضعه الاقتصادي
أو رغبة في الهروب إلى مباهج الحياة وما رسم في مخيلته من مزايا جمال للطبيعة والعمران وتوفر للجنس قد لايجده في بلده
لكن يبقى الدافع الأقتصادي هو الأهم في طموح المهاجر ، لأن بقية الدوافع مرهونة بالأكتفاء المادي
لذا جاء النص محملا بكل هذه الأفكار مع سؤال قد يفرض نفسه
( ما ذا عن مشاعر الزوجة ماذا عن حاجتها الجنسية وهي تنتظر زوجها الغائب سنينا طويلة ..؟)
النص جاء بتساؤل في العنوان وجاء في الخاتمة ايضا ،هل تغفر الرو ح ....؟
من ذا الذي يغفر ..؟ ، ومن الذي يغفر له ..؟ ، وأي ذنب يستدعي الغفران ..؟ ،
أب هائم في ديار الغربة ..! ، امرأة تعيش بين أربعة جدران تحن إلى دفء رجل كان يشاركها يوما سرير أحلامها ...!
، ولد يرى في أمه كيان بلا أحساس ولا شعور عليها أن تظل وفية لذكرى زوج غادرها سنوات طويلة لايمر عليها إلا طيفا ، اوصوتا مسموعا عبر أسلاك التلفون ..!
، أن ماطرحته الأستاذة إيمان حقا يستدعي منا وقفة تامل وتفكر جادة تقودنا إلى تساؤل مشروع
ماهي الخيانة
تعرف الخيانة بأنها إخلال بعقد مبرم بين اثنين فيه إضرار مادي أو نفسي لأحدهما و دون معرفة الشريك لما أقدم عليه الآخر سواء أكان ذلك في التعامل المادي أو العاطفي وسواء أكان ذلك عقدا مبرما أو تعاهدا شفويا أو عرفا اجتماعيا وتندرج تحت هذا الباب
(الخيانة الزوجية )
إن علماء الاجتماع أجمعوا على أن الرجل خلافا للمرأة يكون أكثر ميلا للتعددية وللخيانة الزوجية ،
في حين المرأة لا تمتلك هذه النزعة وتكاد تتفق الآراء على أن المرأة ميالة إلى اختيار شريكا واحدا كما إن المرأة بطبيعتها ميالة إلى عدم التنوع ،
وتنفر من هذا التنوع والتبدل
هذاإذا كانت الظروف طبيعية ولكن حين تكون الظروف غير اعتيادية
ونحن نعرف أن المرأة كما الرجل لها غرائز يجب أشباعها بشكل طبيعي وبشكل شرعي وقانوني
هنا
يبرز سؤال مهم
هل يمكن للمراة ان تصمد سنوات طويلة وزوجها غائب عنها أمام قوة جارفة من دوافع غرائزها الجنسية ..؟
وهل المرأة قادرة على كبت مشاعرها أمام رجل غير قادر على أشباعها غريزيا ،للحفاظ على حصانتها وصون نفسها من الوقوع في براثن الخيانة ..؟
وفي النص يتجلى مثل هذا الصراع
صراع أقطابه الثلاثة أم وابن وزوج ،
الأم تعيش حالة من التعويض النفسي لاالجسدي هذا مارسمته لنا الكاتبة لتخفف من وقع الخيانة على انفسنا
الرافضة لهذه العلاقة خصوصا إذا جاءت من امرأة متزوجة وأما لولد وهي طبيعة غريزية واكتساب عرفي اجتماعي ،
بالمقابل هناك رادع نفسي يرفض مثل هكذا أعمال بالنسبة لامرأة عاشت طويلا وهي تحتفظ بذكريات حلوة عن زوجها الغائب أ
ولهما عاطفة الأمومة التي تجبرها على ألا تمارس شيئا يشوه صورة تلك الأمومة المقدسة لديها
وثانيهما إنها زوجة وعليها أن تكون وفية لزوجها وهذا منطق العقل والدين والعرف الاجتماعي
، ولكن هناك دوافع خفية قد تكون أقوى من كل هذه الروادع ، تحركها غريزتها كامرأة لها أحساس
وعندها طاقات يجب أن تخرج بالشكل الطبيعي وإلا أن أي ممارسات شاذة ستلحق بها أذى نفسي قد يقودها إلى امراض عضوية ونفسية استبدالية حسب علم النفس
البطلة بحاجة إلى رجل يوقظ مشاعر الأنوثة النائمة لديها ،
يدفء جدران أربعة لازالت باردة منذ هجرها زوجها أرادت أن تسمع صوت رجل فقط
لذا فأنها ما أن سمعت منه كلاما لايتلائم وطببيعتها المحافظة ،
كلام راح يتعدى حدود تلك الرغبة حتى تجاوزت السؤال الذي طرحه والذي أراد منها أخباره بماكانت تلبسه ،
أن القاصة ترى في المرأة كيان واحساس وليس مجرد أثاث في بيت تهجره دفء الكلمات وحرارة المشاعر ،
لذا فصورت لنا امرأة سوية محبة لزوجها محبة لبيتها وولدها الوحيد ، رافضة لمثل تلك العلاقات الشاذة في قرارة نفسها ،
نابع ذلك من طبيعتها كامرأة ، يجب الا يتملك مشاعرها وجسدها أكثر من رجل ،
لذا بررت تصرفها الذي يلاقي رفضا في داخلها من قبل الضمير لأقناع الأنا من خلال السارد الذي تكلم بلسان حالها محاولا إيجاد تفسيرا منطقيا لما حدث ،
(لم تكن تقصد الخيانة ، بقدر ما كانت تقصد دواء لروحها التي تماوتتْ قسرا)
أما الأبن فقد رسم لأمه صورة مثالية مقدسة لايمكن أن تدنس حتى ولو من خلال مكالمة عابرة مع رجل ما ،
الغيرة هي التي حركت مشاعره وولدت لديه الاحباط نتيجة صدمة ماكان يتوقع حدوثها ، تحركه احاسيس مزدوجة
إذ يجب أن يكون هو البديل للأب بحمايتها بعد غيابه ، والحفاظ على سمعتها وسمعة أبيه ،
أن غريزة الرجولة عنده والتي أيقظتها تلك المكالمة قد هدت كل تلك الصروح من النقاء والعفة التي كان قد بناها لشخص أمه ،
وهو بذات الوقت أحساس بعجزه لعدم قدرته على حفظ الأمانة التي تركها أبوه في عنقه
وهذا مايعارض رجولته وما يتملكه من حب غريزي لأبيه يشعره بالغيرة على أمه ،
هذا الصراع المركب جعله يحاول الهرب لأنه غير قادر على المواجهة ولأن الصدمة كانت قوية ،
وفي الجانب الآخر يقف الأب وبعيدا عن كل هذه الصراعات بعيدا عن المعاناة وهو يعيش عالم آخر تتوفر فيه كل حاجات الأشباع الجسدي والتعويض النفسي نراه سادرا في حياته الخاصة التي رسمها لنفسه وتآلف معها ناسيا أن له امرأة تشتاق إلى دفء أنفاسه
متجاهلا كل دعواتها بالعودة همه هو جمع المال ليباهي به اقرانه وأصدقائه ،
دون مراعاة لمشاعرها أو حاجتها إليه قد يجد مبررا لهذا السفر وهذه الغربة قد يقنع نفسه بما ركنإليه من وهم
( و هو إن الاكتفاء المادي قد يغنيهما عن أي عوز آخر )
ولكن بالنسبة لها يدور في ذهنها سؤال بدا يؤرقها قد تجد فيه مبررا لكل أعمالها
( إيهما أهم عندها المال أم الزوج )
خبرت ذلك الضياع وهذا التداعي في صراعاتها مع ذاتها وجدت ما يبرر لها السير بهذا الطريق الذي
ما أردت أن تلجه لولا ذلك الصمم الذي اصاب سمعه بالحاحها والعمى الذي اصاب بصيرته بأن هذا الغياب قد يسلبها القدرة على البقاء وفية له
كم شدّته إلى أضلاعها كي لا يرحل من جديد..؟؟
أن تستبقيه رجل حياتها الأوحد ، ما ذنبها إذا كان أصمّ ،أعمى ؟
البطلة تمارس ملهاة للتعويض عن حاجات النفس العاطفية
انها لاتشكل حالة خاصة إنها قصة قد تحياها اكثر من امرأة عشق زوجها الغربة وفاضت نفسها اشتياقا له وأمام الرغبات والدوافع الجنسية وممارسة الخيانة تجد جملة من العقبات تقف بطريقها
هناك روادع للمرأة تحول دون الخيانة سواء أكانت عاطفية أم جنسية قد تجسدت في تصرفات البطلة وصراعاتها الداخلية
ومن خلال دراسة لي عن الخيانة الزوجية رأيت إن هناك عدد من الروادع التي تحول دون أن تمارس المرأة الخيانة
1.الرادع الذاتي
يعتبر الرادع الذاتي المتمثل بالضمير والذي يؤدي دور الرقيب على تصرفات الفرد والمحاسب لأنا الشخص من أهم العوامل التي تحد من هذه الظاهرة ، علما أن الرادع الذاتي يأتي تعبيرا عن مجموع الروادع الفاعلة ، ويندرج تحت هذا الباب الحب الذي يربط الرجل والمرأة والذي يعمل كصمام أمان وعامل مساعد للحيلولة دون السقوط في براثن الخيانة
وكذلك الأمومة فهي وازع قوي للحيلولة دون ارتكاب لتلك الخيانة
2.الرادع الاجتماعي
المجتمع والعائلة على حد سواء يتحملون قسط وافر في التحكم في سلوكيات الأفراد السوية وذلك عبر بث ثقافة عقلانية ونفسية تعمل على النفور من العلاقات المتعددة والتي تبيح الممارسات الجنسية الشاذة والمسماة بالخيانة
3.الرادع الديني
يعتبر الرادع الديني هو الأكثر تأثيرا وهو بمثابة الفيصل للامتثال إلى أوامر الله أ ونواهيه
وبما إن الله حرم الزنا لذا فالابتعاد عنه تعد من الطاعات المفروض على كل مسلم ومسلمة وإن الإخلال بها يعد من المعاصي
4 الرادع القانوني
إن الرادع القانوني ليس بالقوة الفاعلة والقادرة على الحد من ظاهرة الخيانة الزوجية فالقاضي يحكم بروح القانون وليس هناك إي عقوبات رادعة يمكنها أن تكون بمستوى الجرم ، وعادة ما يميل القاضي إلى تسوية القضية بالتراضي
إذا ما كان الزوج هو المتهم وعدم إطالة القضية ، ألا بما يضمن الحقوق القانونية والشرعية للزوجة
هنا نرى ازدواجية الحكم القانوني والشرعي والعرفي المطبق بحق المرأة دون الرجل
فالمرأة يجب أن تظل وفية للزوج طيلة حياتها حتى لوأن الزوج تجاهل حاجاتها النفسية والجسدية
حتى لوكان غائبا لسنوات في غربة لامبرر لها فيما لاتتخذ هذه المعايير بحق الزوج
(هو رجل يمكنه أن ينشأ من العلاقات مايشاء ماملكت أيمانه دون وازع من ضمير أو عرف أوقانون بل
العكس أن الرجل تجده يفاخر بتلك العلاقات مع أصحابه حتى لوكان محبا لزوجه وحتى وإن كانت تعطيه كافة حقوقه )
هذا ما أرادت أن توصله الكاتبة لنا صرخة واعية ومدركة لهذا الأجحاف بحق المرأة
يستمر الشحن الدرامي في النص
وكانت ماتريده البطلة أن يفهم ابنها أنها لم تشأ خيانة والده ، لكن كل تلك القيود التي تحيط بها وتكبل رغباتها يمكن أن تقد ،
قد تفقد السيطرة على قدرتها على الصمود أمام رغباتها وتلك التيارات الجارفة من الطاقات النفسية والجسدية والغير موظفة ،
مادام الزوج بعيدا ، أنها تعاني الوحدة والفراغ القاتل ، فما دام الزوج غير آبه لتلك الرغبات فقد تجد لنفسها الدوافع المبررة لفعلها
أما ولدها فتجد نفسها عاجزة عن أعطاءه مبررا واحدا لتلك الخيانة كان احساسا بالذنب لأنها
قد تفقد أعز شيئا في الكون ولدها قد تفقده في لحظة لاتستطيع أن تلجم غريزتها ،
لذا كان عقابا لهاجس فعل قد ترتكبه في لحظة ضعف ولم يكن فعلا حقيقيا لذا أرادت أن
تبقي تلك الصورة الناصعة البياض مرسومة لها في عيون أبنها لم ترغب في قتل امومتها في داخله
ولم ترغب الكاتبة في قتل صورة المرأة الغفيفة في ذهن المتلقي ،
لذا أقدمت على الأنتحار أعطت لنفسها الحق بأن تعاقب نفسها على ذنب لم يكن ذنبها ووجدت الحل لتخلصها من كل عذاباتها
هنا يتصاعد النص دراميا بل يتسامى وجدانيا تجدنا متعاطفين مع الأم توقظ في داخلنا سؤال لا أجابة حاضرة في نفوسنا عليه
(هو هل للمرأة حق في أن تمارس حقها الإنساني في ظل ظروف غيرطبيعية ..؟)
عودة الأبن هو غفران لها لكن هل تغفر هي لروحها هذه النزوة ، ،
تفهمه للوضع وقناعته بأن أمه بحاجة لمن يعوضها عن جوعها العاطفي والجسدي قد جعله يعود إليها
فلم يعطها حلا مبتذلا بأن يعطيها تلك الحرية بممارسة ماتريد ، لقد وجد مفتاح الحل هو عودة الأب
أو إعطائها مفاتيح اطلاق سراحها من هذا السجن الذي طال مكوثها فيه لتجد حياتها مع رجل آخر
ولكن هذا التفهم من قبل الأبن هل يقابله قناعة من قبل الأم بفعلها لوكانت تملك مثل تلك القناعة لما أنهت النص بسؤال موجها لنفسها
هل تغفر الروح ....؟
رائع جدا ماكتبت ياسيدتي
تعليق