خواطر مرسلة عن ملتقى ( الإتحاف الأدبي الثالث)
بمدينة بسكرة ( الجزائر ) 1998 م
بمدينة بسكرة ( الجزائر ) 1998 م
كانت قاعة سينما الأطلس غارقة وسط غمامة من السّحر الأسطوريّ الذي ربّما صنعته الأضواء الخافتة وحناجر المبدعين المبحوحة التي تراقصت الكلمات في أفواهها نشوى..
ربّما سدّ ملتقى الإتحاف الأدبي جزءا من الثغرة العظيمة التي فتحها في أعماق قلوبنا غيّاب ملتقى محمّد العيد آل خليفة الشعريّ.
قلّة هم المبدعون الذين حضروا ولكنّه كثير هو الإبداع الذي أنعش الأرواح وخلخل سواكن المشاعر.. حتى أولئك الذين ظهر عليهم التعثّر والاضطراب ووحشة البداية..لم يحرمونا من متعة التّلذذ بخطى الطفولة تصارع الضّعف والجمود وتنشر في الكون حيويّة هائلة !
حكيمة جريبيع تعرف كيف تركب موجة القصّة وتتخذها معراجا نحو سماء الألق والبصر الحديد. شارف عامر هو دوما فارس الشعر الخليلي يطوّعه أنّى شاء ويتحدّى فوارس الخيول الهجينة ووحده يرغم الأيدي على التّصفيق طويلا، وكسر صمت القافلة الذي أوشك أن يتحوّل في بعض اللحظات إلى نعاس ووسَن!
ويؤازر أبا يوسف الفيروزي بحمحمته الصافية وإلقائه المدهش فهنيئا لـ " امخادمة " بفحلها المبرّز.
أمّا آل بوقرّة فلولا مزالق اللّغة الكثيرة لكنتنّ طوالع صبح نديّ..
لن تهرب من قدرك يا بدر الدّين بريبش[1] فالقلم هو عليك المكتوب..وعمّي مسعود وأطفال السجائر..وكلّها رؤى حالمة لمستقبل متفجّر بالإبداع والعطاء..لولا.. ! لولا الأيّام الشديدات ولقمة العيش العسرة.
ويبقى الشادلي قلّيل فارس الحلْبة الأوّل الّذي يرتجل الإبداع بين إلقاءات المبدعين.. صوته المتهدّج وكلماته العبقة بشذى الفنّ السلسبيل، لم يعكّر صفو ذلك غير تلك الدّخينة في شفتيه الأفوهين وأخشى أن تأكل من صدره لآلئه الثمينة.
بعض الأدباء والمبدعين يُشعرون الآخرين وبلا تحفّظ أنّهم محور الكون وقطب الرّحى؛ التي ينبغي أن يطوف بها الإبداع الأدبي في الجزائر.. ولا أدري إن كانت تلك نفحة ( متنبئيّة ) والمساحة المختلّة في قلب كلّ كاتب والتي تؤزّه على العطاء بالتحدّي والمصاولة أم هي نفحة كذّابة.. مثل فقاعات الصّابون سرعان ما تنفثئ ! ولا أسمّي أحدا فعلى الأصلع أن يتحسّس صلعته بأنامله المتيبّسة !
أيا جمال نصر الله لم أسمعك تلقي إبداعك لكنّني سمعتك تنشّط وسمعتك تتحدّث عن الالتزام والقصّة، فشدّتني كلماتك وأثارتني آراؤك الجريئة الواضحة دون أصباغ أو أقنعة..
" عَيشة " و" البحث عن دكتاتور " و" وزير الصّحة " هم بعض أبنائك؛ الذين أنجبتهم قريحتك عرفتهم وسعدت بمداعبة كلماتهم الرّنّانة ذات الدّلالات السّاكنة في ربوة الهمّ؛ الذي طوّق الأديب الجزائريّ !
لقاؤنا على هامش الملتقى أنعشني وبثّ فيّ من وحي شخصيّتك الكثير.. فهلاّ وصلت الحبل الذي مدّ بيننا ذات مساء في مقهى " الحريّة " !
" اللّيل السّامر " ضاعت في دهاليز نجومها الغائرة، وأسفَا على... !
ترى هل سيغدو ملتقى الاتحاف محجّا سنويّا للكلمة الشريدة، والحرف المطارد، والمواهب التائهة في ظلمات النسيان ! أم هي زوبعة عابرة سرعان ما ترجع الأرض بعدها قفرا يبابا، بعد مرورها الكاسح !
كم ذا أمضّتنا المحطّات المتدثّرة دوما جلباب السّفر الأبدي !
13 / محرّم 1419 هـ 10 ماي 1998 م
[1] - حقّا لم يهرب بدر الدّين بريبش من قدره وتوفي بعد ذلك بسنوات في حادث مرور مروّع ثاني أيّام عيد الفطر، رحمه الله رحمة واسعة.
تعليق