هواؤنا .. في الليل أبيض
مهداة للشاعر الفلسطيني الصديق / محمد مثقال الخضور
الشوارعُ تستدرجُ الموتَ
حتى آخرِ دمعةٍ ...في عينٍ
نسيها صاحبُها في ظلِّ جدارٍ ساخر
ضاجةً بليلٍ مُباغتٍ
أسقطَ عنها ألوانَها
ثم قلاها تحت سياطِ الحزنِ
و نباتاتِ الحيل ..
أرضٌ تأتي فجأةً
على قعقعاتِ البطونِ
حين يخدعُ أصحابها فجرُ ضلّ الطريقَ
بين ثلاثِ نخلاتٍ
ثلاثِ نحنحاتٍ
بين كذبٍ و كذبٍ
وعند ثالثةِ الأثافي
شبحوه عارٍ إلا من عماهم
كفؤوسٍ تشجُّ رأسَ البلاد
تطاردُ أحلامَها
كالواقعةِ .. أشدَ جرّا و انبطاحا
يأتي بآخرِ زجرِه كالموت
لتلعنَ البدورُ أبجديتها
ثم تعطي غضبَها
لجلاديها في الأرضِ و السماء
الليل عشٌّ مفخّخٌ بالرعاش
و انكساراتِ الظلِّ على مسابحِ الأنين
خدعةِ المباحِ و المتاح
يصولُ على جنبِه المطروحِ
كعُشبةٍ تلاقحُ ما تبقى من أعضائِها
فاتحًا الممالك و الأرضَ التي استعصتْ
و الليلُ حجابٌ معلقٌ بين الظلِّ و الجريمة
بين عششِ الفقراء ورجالِه النبلاء
لا يستوي الليلُ والنهارُ
لا يستوي الأعمى و البصيرُ
آيةُ النهارِ كافرةُ القيظ
الخلطُ يذكي التّرنحَ
الترنحُ زهرةٌ يانعةٌ
على ساعدِ الكذب
و الشوارعُ وعولٌ ظامئةٌ
لاكتشافِ جموحِها
لا الليلُ " يحمينا من خدعةِ السرابِ
وكثرةِ الجهات "*
و لا هو أعشى قلوبَنا في حظائره !
لا بأس عليك و" لا هم يحزنون "
فأولياؤك يسرقون الدفءَ
على عينِ الهواء الساقط في كوب العسل
يُفرغون قلبَ المدائن من أحلامِها
في كلِّ زاويةٍ تسرحُ عتماتُ أفئدتِهم
تخلعُ الأخضرَ
النُّورَ من عيونِ الحارات
ولو كان كبعوضةٍ هائمة
ثم تغلقُ الليلَ سرمدًا بعجزِها
وولدنةِ ذكائِها المصنوع !
لا أظنُ قواربَ النجاةِ غارقةً
ولا تتسعُ لأحلامِ الربيع !
فالشوارعُ تتناسلُ
حاراتٍ و زقاقاتِ قيظٍ
و نقما معتَّقةً تفكُّ تخثرَها
على جبينِ شمس لا يهزمُها الليلُ
و لا تملُّ المشاغبةَ بشرفاتِ الصاحينَ من موتِهم
لا فرق بين رصاصةٍ ورصاصة
إن سكنت قلبَ الشمسِ أم قلبَ الليل
صدرَ طفلةٍ
أم لحيةَ أفعى حمّلوها بالسموم ..
قبل أن تغادرَ الطائرةَ في ظلامِ المحنة !
"رئاتُنا خارجَ الأقفاص "
و لا نجدُ الهواءَ كافيا
لمصاحبتِنا الطريقَ إلي الفجر
لندعه ينتظرُ قليلا ..
ربما تصفحَ شتاتِ النَّكبةِ بما يكفي
لردمِ تلك الحفر
ما بين صلاةِ و حبِّ
ما بين ترتيلِ و غناء
بين رغيفِ و رصاصةِ يعدونها للسفر
في الصحفِ الكونية
لا عليك ..إن خضبَ الروحَ بقاني القلوبِ
لبسَ ثوبَ حطابٍ
يحصدُ فرحَ الشجر
انسيابَ الجداول بخاصرةِ النهر
كبرياءَ الفرسان بين ثنايا الوقت
التواريخَ التي تشكو انقطاعَ المطر
لا عليك ..
فسوف يخرجُ من بينَ أعجازِهم الخاوية
فارهًا في المدى
مشرقًا في الوجوه
وهواؤه في الليلِ أبيض !
تعليق