امرأة الصقيع
كانت امرأة الصّقيع !!فقد تحولت مشاعرها في ظل الظروف الحياتيّة القاسيّة الباردة إلى جبالٍ جليدية تجاه شخصها، كان لها تلك القدرة العجيبة في نفي ذاتها وجلدها، ثم مواصلة الروتين المُقدّر بمذاقٍ طبيعي غريب، يتخلله الملل وفقدان الشغف تجاه أي شي... وكل شيء. كانت قد اعتنقت مع الأيام ودون ادراكٍ منها: مذهب السّاديّة، تُمارس فنونه كتابعٍ وفيٍّ مُخلص مع كل تنفس صُبحٍ وعسعسة ليل ، تستدمي قلبها لتسعد ،وكلما كان الإدماء أشد كانت السعادة الغامرة لها والمؤلمة أكثر فأكثر ،لم تكن سعادتها إلا وجهاً آخر للتعاسة ولكن بثغرٍ باسم، بملامح وجهٍ مُتعبة مُتألمة مُختبأة خلف قناعٍ ضاحك. منذ زمنٍ، توقف قلبها عن الخفقان إلا أنها بالرغم من ذلك كانت توقد ما تستطيع من بقاياه ناراً، لِتُدفىء بها أطفالها الخمسة وأصابعها العشرة، لتغزل من ضُمَم الصُّوف المُلونة بِضع قُبعات و سُترٍ صوفية تقي أطفالها برد الخارج والناس.
كانت إمراة كهفية ذات أساليب حربيّة وقتالية همجية شرسة!! ربما تعود إلى القرون الاولى من صنع هذه الأرض. كان قتالها العنيف بتّاراً لمشاعرها الخاصة و،أيضا، ذِكراه التي كانت تَأنُّ كثيرا في صوامع النفس المُنكسرة. منذ رحل، طمرت ذكراه بأكوامٍ من: تكتمٍ وألمٍ وخوف وشوق ، فقد كانت تخشى من أن ينكشف للناس: ضعفها وأكثر من ذلك شوقها.
حينما رحل اغتسلت بماءٍ قُطبي الخواص ، فقد كانت تظن حينها أن برودة الماء ستُطفىء جمر قلبها ،إلا ان النتيجة فاقت توقعاتها غير المحسوبة، فقد تجمدت مشاعرها إلى حد الدّهشة المُصِمة لصوت القلب والعقل معاً. حينما رحل ، كانت تَودُ لو أن تحظى بفرصةٍ أخيرة للعتاب ،عتابه!! كانت تحفظ مُعلقاتٍ من مَلامة ، من استصراخ ، من بُكاء ومن أسبابٍ دفعتها لتعتنق مذهب الجليد تجاهه ، لكنه رحل !! أدار لها ظهره ورحل!! لم يمنحها الفرصة ، أهداها كاتم صوتٍ وابتعد ، تحول كاتم الصوت مع الأيام إلى كاتمٍ للحياة ،للسلام الداخلي وراحة البال . مع مرور الوقت، صار الليل ثقيلاً ، أدخلته في دفاتر تصنيفات الضيوف غير المُرحب بهم ،فقد ولت تلك الليالي التي كانت تُسند رأسها إلى وسادتها لتنام مُخدّرة بأريج حبه ، منذ رحيله أصبحت ذاتُ الوسادة مُستودع أسرارها وشاهدٌ أبكم على بُكائها المُر على فراقه ، منذ ذاك الوقت أدركت أن للوسائد استعمالات أخرى غير تلك الإعتيادية والمُسّلم بها في دفتر إعدادات صناعتها. فللوسائد أرواح – تُنفخ فيها- حينما تُرسل إليها وحدها برقيات الترقب والإنتظار والألم واللهفة، تلك التي يبرُقها الناس لها حينما يُهمين السكوت ويضرب بيدٍ من بطء، أولئك الذين يخاصم النوم عيونهم المُتعبة اللاهثة وراء إغفاءة تنتحر على أعتابها لعنات التفكير. لا عجب، إذ تساوى الصامتون والمثرثرون في ذلك، فكلٌ لديه برقياته الخاصة والخاصة جدا.
حينما قابلته وعدها بسريرٍ من وردٍ تنام عليه في قلبه ، من حُلة حبٍ يهديها إياها كلما بهت لون الحلة الأولى، من قُبلة أمان يطبعها على جبينها اذ شعرت هي بالوحدة والخوف ، من غد وافرٍ به وبصحبته، من أطفال تكون قرابينه لها ، من مظلة تقيها الدنيا ،من مدفأة شعورية تدفئها حين البرد والشتاء.
كان كثير الوعد، قليل الوفاء ، كثير الكلام، قليل العمل وللإنصاف حقق لها بعض الوعود، فقد أهداها قرابين خمسة من الأطفال ورحل! ...فبهتت حلة الحب، وتلاطمتها الدنيا واجتاحها برد الشتاء وباتت كصحراء سيبيريا قاحلة من كل شيء الا الجليد والثلج.
في زاوية الغرفة تجلس على كُرسيها ،تغزل من الصوف قبعةً حمراء لصغيرتها ، تبتغي أن تهديها إيّاها حينما تغدو صبيّة حُلوة، لتعمي ولتصد عيون المُحبين عنها ، همست للخيوط الصوفية بكثيرٍ من تعاويذ لتحمي تلك الصغيرة من الوقوع في فتنة الحب حين تغدو كبيرة . في الزاوية المقابلة ناداها :" نازك ...متى تذوبين؟ متى تعودين؟!!"، التفتت نحو الصوت بَصَرتهُ طويلاً، كانت الفرصة قد لاحت أخيراً: فرصة الملامة ...لامته طويلاً ، رمت عند أعتاب نفسه كل معلقاتها الحزينة، أنّبته ،عنَّفته بصمتٍ جليدي ثم أشاحت بوجهها عنه، روحها عنه، مرةً وإلى الأبد وهمست للحُب وللماضي" أنها لن تعود ...حتماً لن تعود".
كانت امرأة الصّقيع !!فقد تحولت مشاعرها في ظل الظروف الحياتيّة القاسيّة الباردة إلى جبالٍ جليدية تجاه شخصها، كان لها تلك القدرة العجيبة في نفي ذاتها وجلدها، ثم مواصلة الروتين المُقدّر بمذاقٍ طبيعي غريب، يتخلله الملل وفقدان الشغف تجاه أي شي... وكل شيء. كانت قد اعتنقت مع الأيام ودون ادراكٍ منها: مذهب السّاديّة، تُمارس فنونه كتابعٍ وفيٍّ مُخلص مع كل تنفس صُبحٍ وعسعسة ليل ، تستدمي قلبها لتسعد ،وكلما كان الإدماء أشد كانت السعادة الغامرة لها والمؤلمة أكثر فأكثر ،لم تكن سعادتها إلا وجهاً آخر للتعاسة ولكن بثغرٍ باسم، بملامح وجهٍ مُتعبة مُتألمة مُختبأة خلف قناعٍ ضاحك. منذ زمنٍ، توقف قلبها عن الخفقان إلا أنها بالرغم من ذلك كانت توقد ما تستطيع من بقاياه ناراً، لِتُدفىء بها أطفالها الخمسة وأصابعها العشرة، لتغزل من ضُمَم الصُّوف المُلونة بِضع قُبعات و سُترٍ صوفية تقي أطفالها برد الخارج والناس.
كانت إمراة كهفية ذات أساليب حربيّة وقتالية همجية شرسة!! ربما تعود إلى القرون الاولى من صنع هذه الأرض. كان قتالها العنيف بتّاراً لمشاعرها الخاصة و،أيضا، ذِكراه التي كانت تَأنُّ كثيرا في صوامع النفس المُنكسرة. منذ رحل، طمرت ذكراه بأكوامٍ من: تكتمٍ وألمٍ وخوف وشوق ، فقد كانت تخشى من أن ينكشف للناس: ضعفها وأكثر من ذلك شوقها.
حينما رحل اغتسلت بماءٍ قُطبي الخواص ، فقد كانت تظن حينها أن برودة الماء ستُطفىء جمر قلبها ،إلا ان النتيجة فاقت توقعاتها غير المحسوبة، فقد تجمدت مشاعرها إلى حد الدّهشة المُصِمة لصوت القلب والعقل معاً. حينما رحل ، كانت تَودُ لو أن تحظى بفرصةٍ أخيرة للعتاب ،عتابه!! كانت تحفظ مُعلقاتٍ من مَلامة ، من استصراخ ، من بُكاء ومن أسبابٍ دفعتها لتعتنق مذهب الجليد تجاهه ، لكنه رحل !! أدار لها ظهره ورحل!! لم يمنحها الفرصة ، أهداها كاتم صوتٍ وابتعد ، تحول كاتم الصوت مع الأيام إلى كاتمٍ للحياة ،للسلام الداخلي وراحة البال . مع مرور الوقت، صار الليل ثقيلاً ، أدخلته في دفاتر تصنيفات الضيوف غير المُرحب بهم ،فقد ولت تلك الليالي التي كانت تُسند رأسها إلى وسادتها لتنام مُخدّرة بأريج حبه ، منذ رحيله أصبحت ذاتُ الوسادة مُستودع أسرارها وشاهدٌ أبكم على بُكائها المُر على فراقه ، منذ ذاك الوقت أدركت أن للوسائد استعمالات أخرى غير تلك الإعتيادية والمُسّلم بها في دفتر إعدادات صناعتها. فللوسائد أرواح – تُنفخ فيها- حينما تُرسل إليها وحدها برقيات الترقب والإنتظار والألم واللهفة، تلك التي يبرُقها الناس لها حينما يُهمين السكوت ويضرب بيدٍ من بطء، أولئك الذين يخاصم النوم عيونهم المُتعبة اللاهثة وراء إغفاءة تنتحر على أعتابها لعنات التفكير. لا عجب، إذ تساوى الصامتون والمثرثرون في ذلك، فكلٌ لديه برقياته الخاصة والخاصة جدا.
حينما قابلته وعدها بسريرٍ من وردٍ تنام عليه في قلبه ، من حُلة حبٍ يهديها إياها كلما بهت لون الحلة الأولى، من قُبلة أمان يطبعها على جبينها اذ شعرت هي بالوحدة والخوف ، من غد وافرٍ به وبصحبته، من أطفال تكون قرابينه لها ، من مظلة تقيها الدنيا ،من مدفأة شعورية تدفئها حين البرد والشتاء.
كان كثير الوعد، قليل الوفاء ، كثير الكلام، قليل العمل وللإنصاف حقق لها بعض الوعود، فقد أهداها قرابين خمسة من الأطفال ورحل! ...فبهتت حلة الحب، وتلاطمتها الدنيا واجتاحها برد الشتاء وباتت كصحراء سيبيريا قاحلة من كل شيء الا الجليد والثلج.
في زاوية الغرفة تجلس على كُرسيها ،تغزل من الصوف قبعةً حمراء لصغيرتها ، تبتغي أن تهديها إيّاها حينما تغدو صبيّة حُلوة، لتعمي ولتصد عيون المُحبين عنها ، همست للخيوط الصوفية بكثيرٍ من تعاويذ لتحمي تلك الصغيرة من الوقوع في فتنة الحب حين تغدو كبيرة . في الزاوية المقابلة ناداها :" نازك ...متى تذوبين؟ متى تعودين؟!!"، التفتت نحو الصوت بَصَرتهُ طويلاً، كانت الفرصة قد لاحت أخيراً: فرصة الملامة ...لامته طويلاً ، رمت عند أعتاب نفسه كل معلقاتها الحزينة، أنّبته ،عنَّفته بصمتٍ جليدي ثم أشاحت بوجهها عنه، روحها عنه، مرةً وإلى الأبد وهمست للحُب وللماضي" أنها لن تعود ...حتماً لن تعود".
تعليق