بذور الصبر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • جلال داود
    نائب ملتقى فنون النثر
    • 06-02-2011
    • 3893

    بذور الصبر

    شظف العيش يغذي الروح بشفافية لا ينالها أولئك الغارقون في النعمة والرافلون في ترف الحياة ..
    ***

    لم يبك (عبد الجبار) على حليبه المسكوب، ولكنه وقف صامدا كجلمود الصخر.
    يمكنه أن يركض خلف جواميس البر ليحلبها، أخشوشن جلده من ضربات الأيام ونوازلها .
    آباره جفت، وأحتبس ماؤها هذا العام بعد أن نثر بذوره وأودعها باطن الأرض.
    قام ذات صباح فلم يجد قطيع ماشيته، وجد بقايا حبالها وروثها وآثار عربة كبيرة، لم يسمع صوتها ليلا فقد أجهده السهر مع زوجته التي كان فيح الحمى يجعلها تهذي باسم وحيدها المسافر بعيدا في غربته ..
    زوجته ترقد بقدم متورمة بعد أن داست على رأس ثعبان سام، يشك المساعد الطبي في مستوصف القرية بأنها بداية (الغرغرينا)..
    قرر أن يذهب بها باكرا إلى المستشفى رغم أنه غير واثق من أن يجد شيئا يوصله إلى هناك، فحتى حماره اقتادوه ضمن القطيع المسروق..
    أخرج ( كنبة ) ووضعها تحت ظل شجرة الجميز ..
    يقطع جوع صباحه بفتات كسرة خبز تغير لونها وطعمها يبتلعها بماء قراح ..
    حتى نسمة الهواء أبتْ أن تزوره في هذا الموسم البائس ..
    جلس محاصرا بكل هذا الكم من الهموم ..
    يهمهم ( لطفك يا رب .. فرجك يا الله ) ..
    رنا إلى الأفق البعيد، بنظرة لم تعرف الانكسار قط يوما ..
    لأول مرة ينتابه الخوف على أبنه ... أصابه قلق عميق لم يألفه قلبه.
    ومَضَ برق بعيد .. وكركر رعد ظل يقترب رويدا رويدا .. حتى أتاه هزيمُهُ ليبتعد مجددا .. مخلفا وراءه صدى يجعل قلب عبد الجبار ينبض بأمل بعيد ..
    أستبشر خيرا ..
    نادى على زوجته جزلا : الخير جايي يا حاجة سكينة.
    ران صمت عميق وطويل ..
    ولكن هاجسا جعل حواسه تتحفّز ..
    دخل بيته الطيني لاهثا ..
    وجدها جاحظة العينين تشخص نحو الباب وكأنها كانت تناديه لتودعه، تمسك في إحدى يديها ( مسبحة ) كانت لا تفارق يد وحيدها، المسبحة التي أعطاها إياها أبوها في آخر زيارة له ..
    عندما عاد من دفنها خائضا الطين والوحل ...
    كان قد قرر أن يذهب في الغد إلى السوق ليحاول أن يكلم وحيده بالخبر ويحثه على العودة نهائيا ..
    أحس بخواء روحه وبأن ظهره بات مكشوفا تماما ..
    وهناك تحت الأرض ..
    كانت البذور تعانق أول الغيث لتعيد لعبد الجبار بعضا من المسكوب ..
    وعبد الجبار سارح في سيرة زوجته التي ترقد في غور لا يبعد كثيرا عن بذوره التي نسيها تماما ..
    وأستسلم لنوم تتخلله الكوابيس ..
    ولأول مرة في حياته منذ أن تزوج سكينة لم يطفئ فتيل ( لمبة الجاز )، فقد تركها حتى الصباح .. تشاركه احتراق أسباب البقاء.
  • همس العامري
    أديب وكاتب
    • 01-01-2013
    • 909

    #2
    نعم أستاذ جلال

    شظف العيش يغذي الروح بشفافية لا ينالها أولئك الغارقون في النعمة والرافلون في ترف الحياة ..

    فقد تأثرت كثيرا بهذه القصة وشعرت فبها بكم مما يكابده الانسان في حياته في كل لحظه تمر به وفي النهايه لايُرسم له غير المكتوب وعليه أن يتحمل ليُكمل مسيرة حياته

    أشكرك أستاذ جلال
    تحياتي

    التعديل الأخير تم بواسطة همس العامري; الساعة 14-04-2013, 08:23.

    الأرض لاتنسى جباه الساجدين
    والليل لاينسى دعاء العابدين


    اللهم برحمتك يا أرحم الراحمين
    ارحم جميع أموات المسلمين وأغفر لهم

    تعليق

    • أحمد على
      السهم المصري
      • 07-10-2011
      • 2980

      #3
      حياك الله أ. جلال داود

      عبرت قصتك عن الصبر على القضاء
      والرضى والقناعة وعن معادلة السعادة
      التي يلهث اللاهثون خلف حلها ...
      ارى الصبر منزلة الاتقياء في كل وقت وحين
      شعوبنا صبرت واصطبرت على الفاقة
      والقهر أجيالا من بعد أجيال

      قراءتها وكم كانت جميلة بسرديتها وواقعيتها ...
      محبتي ،،،

      تعليق

      • آسيا رحاحليه
        أديب وكاتب
        • 08-09-2009
        • 7182

        #4
        مشهد مؤلم حقا ..صوّر بحرفيّة .
        أعجبني العنوان ..
        فلعلّ البذور تنمو ليزهر الصبر ..
        تحياتي لك و دام نبض قلمك .
        يظن الناس بي خيرا و إنّي
        لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

        تعليق

        • رشيد الميموني
          مشرف في ملتقى القصة
          • 14-09-2008
          • 1533

          #5
          ما بين أحزان الذكريات والأمل في غد مشرق ينعش القلب والروح دفئا ، تتألق الكلمات منسابة في عفوية ودعة .
          كم هو ممتع نصك أخي الغالي جلال ، وكم هي محكمة هذه الحبكة القصصية ..
          كل تعابير الإعجاب والمودة .
          التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني; الساعة 15-04-2013, 10:00.

          تعليق

          • جلال داود
            نائب ملتقى فنون النثر
            • 06-02-2011
            • 3893

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة تمر حنه مشاهدة المشاركة
            نعم أستاذ جلال

            شظف العيش يغذي الروح بشفافية لا ينالها أولئك الغارقون في النعمة والرافلون في ترف الحياة ..

            فقد تأثرت كثيرا بهذه القصة وشعرت فبها بكم مما يكابده الانسان في حياته في كل لحظه تمر به وفي النهايه لايُرسم له غير المكتوب وعليه أن يتحمل ليُكمل مسيرة حياته

            أشكرك أستاذ جلال
            تحياتي

            شكرا على مرورك الأستاذة تمر حنة

            تعليق

            • جلال داود
              نائب ملتقى فنون النثر
              • 06-02-2011
              • 3893

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة أحمد على مشاهدة المشاركة
              حياك الله أ. جلال داود

              عبرت قصتك عن الصبر على القضاء
              والرضى والقناعة وعن معادلة السعادة
              التي يلهث اللاهثون خلف حلها ...
              ارى الصبر منزلة الاتقياء في كل وقت وحين
              شعوبنا صبرت واصطبرت على الفاقة
              والقهر أجيالا من بعد أجيال

              قراءتها وكم كانت جميلة بسرديتها وواقعيتها ...
              محبتي ،،،

              تحياتي لك أستاذنا أحمد علي
              مشكور على مرورك البهي
              وما أجمل الصبر وما أمرُّه

              تعليق

              • جلال داود
                نائب ملتقى فنون النثر
                • 06-02-2011
                • 3893

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
                مشهد مؤلم حقا ..صوّر بحرفيّة .
                أعجبني العنوان ..
                فلعلّ البذور تنمو ليزهر الصبر ..
                تحياتي لك و دام نبض قلمك .
                تحياتي لك أستاذتنا القديرة آسيا
                مشكورة على المرور الأنيق
                أما الصبر ، فيحتاج إلى صبر
                دمتم

                تعليق

                • جلال داود
                  نائب ملتقى فنون النثر
                  • 06-02-2011
                  • 3893

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة رشيد الميموني مشاهدة المشاركة
                  ما بين أحزان الذكريات والأمل في غد مشرق ينعش القلب والروح دفئا ، تتألق الكلمات منسابة في عفوية ودعة .
                  كم هو ممتع نصك أخي الغالي جلال ، وكم هي محكمة هذه الحبكة القصصية ..
                  كل تعابير الإعجاب والمودة .
                  تحياتي أستاذنا رشيد
                  ولك الشكر على المرور البهي

                  تعليق

                  • ريما ريماوي
                    عضو الملتقى
                    • 07-05-2011
                    • 8501

                    #10
                    مؤلم النص ومحزن...
                    مأ أصعب الفقد، لكن الإيمان...
                    والغيث ينبئ بالتفاؤل قعلا...
                    وستنبت بذور الصبر من جديد.
                    ولعل القادم أجمل...

                    ولا تقنطوا من رحمة الله..

                    النص مصاغ بقوة أحسسنا
                    فيه مع بطلنا بالغصة... ولربما
                    بسبب أن الكاتب نفسه عانى من
                    ألم الفقد...

                    شكرا لك، وبورك القلم... وصبرك الله..

                    تحيتي واحترامي وتقديري.


                    أنين ناي
                    يبث الحنين لأصله
                    غصن مورّق صغير.

                    تعليق

                    • أمنية نعيم
                      عضو أساسي
                      • 03-03-2011
                      • 5791

                      #11
                      أبدعت أستاذنا
                      ولكن المترفون لديهم من الحس الكثير أيضاً " فلا تظلمهم "
                      أعجبني جداً نبض التفاؤل الذي مشى بالقصة نحو البذور والفتيل المشتعل
                      في التفاصيل روعة الوصف ودقة المعلومات التي ترافق حياة الفلاح البسيط
                      ربما تترافق الظروف السيئة مع ركب الكثيرين أستاذنا
                      ولكن يظل باب الله مشرع للدعاء
                      لك كل التقدير لروعة ما كان هنا ...تحياتي واحترامي .
                      [SIGPIC][/SIGPIC]

                      تعليق

                      • د.نجلاء نصير
                        رئيس تحرير صحيفة مواجهات
                        • 16-07-2010
                        • 4931

                        #12
                        يالها من مرارة تجرعتها معك أستاذي وانا أسترسل في قراءة هذه القصة التي لامست شغاف قلبي فأبكتني
                        الحاجة والفاقة والمرض مثلث الموت الذي يخيم على أناس لم يتمنوا من الحياة إلا العيش الكريم حفرت بقلمك وسبرت أغوار هذا الرجل المسكين الذي لا حول له ولا قوة وما أصعب الخاتمة التي تماهت مع احتراق فتيل الجاز
                        رائع السرد جزل اللفظ وقوي المعنى
                        نص يستحق القراءة وهو من النصوص التي تعلق بالذاكرة
                        تحياتي
                        sigpic

                        تعليق

                        • أمين خيرالدين
                          عضـو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
                          • 04-04-2008
                          • 554

                          #13
                          بذور الصبر
                          بجمال الصبر كان جمال النص والعنوان والسرد والقفلة الجميلة
                          وبنشوة النصر كانت قسوة المعركة
                          معركة مع السارقين ومع الافعى والمرض والجفاف
                          سلاح المعركة "الصبر" كان ماضيا وفتح بوابة الفرج
                          ومع السيرة الحسنة للزوجة ، والوفاء كان بعث البذور
                          وكان البعث ثوابا لمن تحلىى بالصبر
                          نص ممتعة قراءته
                          تحياتي
                          [frame="11 98"]
                          لأني أحبُّ شعبي أحببت شعوب الأرض

                          لكني لم أستطع أن أحب ظالما
                          [/frame]

                          تعليق

                          • جلال داود
                            نائب ملتقى فنون النثر
                            • 06-02-2011
                            • 3893

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
                            مؤلم النص ومحزن...
                            مأ أصعب الفقد، لكن الإيمان...
                            والغيث ينبئ بالتفاؤل قعلا...
                            وستنبت بذور الصبر من جديد.
                            ولعل القادم أجمل...

                            ولا تقنطوا من رحمة الله..

                            النص مصاغ بقوة أحسسنا
                            فيه مع بطلنا بالغصة... ولربما
                            بسبب أن الكاتب نفسه عانى من
                            ألم الفقد...

                            شكرا لك، وبورك القلم... وصبرك الله..

                            تحيتي واحترامي وتقديري.
                            الأستاذة ريما ريماوي
                            تحياتي
                            أشكرك على المرور الباذخ البهي.
                            أجمل وأعمق تعليق هو ما جاء في ردك :
                            بسبب أن الكاتب نفسه عانى من ألم الفقد.

                            نعم يا أستاذة ريما ، غصة الفقد هي بوصلتي
                            دمتم

                            تعليق

                            • جلال داود
                              نائب ملتقى فنون النثر
                              • 06-02-2011
                              • 3893

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة أمنيه نعيم مشاهدة المشاركة
                              أبدعت أستاذنا
                              ولكن المترفون لديهم من الحس الكثير أيضاً " فلا تظلمهم "
                              أعجبني جداً نبض التفاؤل الذي مشى بالقصة نحو البذور والفتيل المشتعل
                              في التفاصيل روعة الوصف ودقة المعلومات التي ترافق حياة الفلاح البسيط
                              ربما تترافق الظروف السيئة مع ركب الكثيرين أستاذنا
                              ولكن يظل باب الله مشرع للدعاء
                              لك كل التقدير لروعة ما كان هنا ...تحياتي واحترامي .
                              الأستاذة أمنية تحياتي
                              لك الشكر على المرور البهي

                              ***

                              ولكن المترفون لديهم من الحس الكثير أيضاً " فلا تظلمهم "

                              نعم ، أوافقك الرأي بأن لهم من الحس الكثير
                              ولكن :
                              في زحمة الترف وما يصاحبها من إنغماس في مبهجات الدنيا ونعيمها فإن المترفون بمجابهتهم لمجريات أحداث تتعلق مباشرة بأمور حسية فإنهم لا يتعمقون في صُلْب إعتلاجات النفوس ومعاناتها وشذرات الروح التي تتولد منها التجارب
                              ( خذوا الحكمة من أفواه البسطاء ).

                              دمتم

                              تعليق

                              يعمل...
                              X