كانت الشمس تستعد للرحيل إلى بقعة أخرى من الأرض ، وكان الرجل النحيف مستلقيا على حصير قديم ، يداعب بأنامله ما تبقى من "كيف" (1) داخل القطعة الجلدية التي تبدو ك"بلغة" (2) صغيرة جدا .
كنت أجلس أمامه على طرف صخرة ملساء ، وأذناي تلتقطان بصعوبة كلماته التي تخرج من فم أدرد لم يعد قادرا على الكلام ، وكأن الحكايات تعود به إلى زمانها الحقيقي ، فتؤثر فيه بشكل يجعل تجاعيده المحفورة في وجهه النحيل تبدو واضحة وتترجم ما تركته السنون في هذا الجسد الممدد على الحصير .
- كيف يسرقون القدر ؟ من سولت له نفسه ؟ وكيف ؟ قال متنهدا بعمق حزين.
سألته بفضول واضح : - كيف حدث ذلك ؟ وما قصة القدر ؟
نظر إلي بعيون غائرة وقال :
- داخل الضريح ، كان هناك قِدْر قديم جدا ، له ستة قرون وما يزيد ، وكان القدر كبيرا بحجم برميل ، وهو من النحاس والذهب الخالص كان أهداه أحد السلاطين لهذا الولي الصالح ليدعو له بالنصر على الأعداء ، وليُصنع فيه الطعام للمريدين الذين يأتون من كل فج عميق لطلب الفقه وحفظ كتاب الله داخل "الزاوية (3)/ الضريح " .
بقي القدر في مكانه الزجاجي بين قطع أخرى أثرية داخل متحف الضريح الذي يقع في حجرة لا نوافذ فيها ، وبين عدة أبواب محكمة الاغلاق ، إضافة إلى أن الضريح لا يفرغ من رواده على مدار العام إلا مرة واحدة عندما تزوره لجنة وزارية تتفقد صندوقه الكبير وتتبرك مما يوجد بداخله . وفي أحد الأيام ، استفاق الناس على صراخ القيٌِم على الضريح وهو يطلب النجدة ويخبر الحشد أن القدر اختفى من مكانه ...
في نفس اليوم ، حضرت فرقة أمن بزيها المدني رفقة رجال الدرك ، وجمعت أقول الحاضرين وصورت مكان القدر ورحلت دون أن تعود مرة أخرى .
واسترسل قائلا : - لم يكن يظهر على الأبواب أثر الكسر أو العنف ، وكأن ساحرا مرق دون أن يراه أحد أو تمنعه الأبواب وحمل القدر واختفى ... تشكك الناس في قصة القدر ، وهم يعلمون أن حجمه الكبير لا يمكن أن يمر من باب الضريح خلسة دون أن يبصره أحد من رواد الضريح ، لذلك صمت الجميع وفي قلوبهم حسرة كبيرة على ضياع جزء من تاريخهم الذي ربما سيظهر يوما ما في متحف خارج الحدود .
(1) كيِف : القنب وهو نبات طبيعي مخدر.
(2) البلغة : الحذاء الاكثر شعبية و شهرة في المغرب توارتثه الاجيال على مر العصور فلا يكاد يخلو منه اي سوق.
(3) الزاوية : مؤسسة دينية وعلمية واجتماعية تبلورت أنشطتها ووظائفها وتجدرت داخل الأمة الإسلامية بصفة عامة، وداخل المجتمع المغربي بصفة خاصة مما جعلها تساهم في مختلف اهتماماته المادية والمعنوية، بل والتعبير عنها بصدق وموضوعية،ولا شك أن من أهم تلك المهام وأنبلها ما قامت به الزاوية المغربية من تدعيم وترسيخ للثقافة الإسلامية الصحيحة والأصلية ونشرها ، سواء تعلق الأمر بالعقيدة أو بالفقه وأصوله أو بالتربية الصوفية ، ذلك انها في تلك المهام ظلت تستمد أصولها ومنابعها من الكتاب والسنة، وعمل السلف الصالح.
كنت أجلس أمامه على طرف صخرة ملساء ، وأذناي تلتقطان بصعوبة كلماته التي تخرج من فم أدرد لم يعد قادرا على الكلام ، وكأن الحكايات تعود به إلى زمانها الحقيقي ، فتؤثر فيه بشكل يجعل تجاعيده المحفورة في وجهه النحيل تبدو واضحة وتترجم ما تركته السنون في هذا الجسد الممدد على الحصير .
- كيف يسرقون القدر ؟ من سولت له نفسه ؟ وكيف ؟ قال متنهدا بعمق حزين.
سألته بفضول واضح : - كيف حدث ذلك ؟ وما قصة القدر ؟
نظر إلي بعيون غائرة وقال :
- داخل الضريح ، كان هناك قِدْر قديم جدا ، له ستة قرون وما يزيد ، وكان القدر كبيرا بحجم برميل ، وهو من النحاس والذهب الخالص كان أهداه أحد السلاطين لهذا الولي الصالح ليدعو له بالنصر على الأعداء ، وليُصنع فيه الطعام للمريدين الذين يأتون من كل فج عميق لطلب الفقه وحفظ كتاب الله داخل "الزاوية (3)/ الضريح " .
بقي القدر في مكانه الزجاجي بين قطع أخرى أثرية داخل متحف الضريح الذي يقع في حجرة لا نوافذ فيها ، وبين عدة أبواب محكمة الاغلاق ، إضافة إلى أن الضريح لا يفرغ من رواده على مدار العام إلا مرة واحدة عندما تزوره لجنة وزارية تتفقد صندوقه الكبير وتتبرك مما يوجد بداخله . وفي أحد الأيام ، استفاق الناس على صراخ القيٌِم على الضريح وهو يطلب النجدة ويخبر الحشد أن القدر اختفى من مكانه ...
في نفس اليوم ، حضرت فرقة أمن بزيها المدني رفقة رجال الدرك ، وجمعت أقول الحاضرين وصورت مكان القدر ورحلت دون أن تعود مرة أخرى .
واسترسل قائلا : - لم يكن يظهر على الأبواب أثر الكسر أو العنف ، وكأن ساحرا مرق دون أن يراه أحد أو تمنعه الأبواب وحمل القدر واختفى ... تشكك الناس في قصة القدر ، وهم يعلمون أن حجمه الكبير لا يمكن أن يمر من باب الضريح خلسة دون أن يبصره أحد من رواد الضريح ، لذلك صمت الجميع وفي قلوبهم حسرة كبيرة على ضياع جزء من تاريخهم الذي ربما سيظهر يوما ما في متحف خارج الحدود .
(1) كيِف : القنب وهو نبات طبيعي مخدر.
(2) البلغة : الحذاء الاكثر شعبية و شهرة في المغرب توارتثه الاجيال على مر العصور فلا يكاد يخلو منه اي سوق.
(3) الزاوية : مؤسسة دينية وعلمية واجتماعية تبلورت أنشطتها ووظائفها وتجدرت داخل الأمة الإسلامية بصفة عامة، وداخل المجتمع المغربي بصفة خاصة مما جعلها تساهم في مختلف اهتماماته المادية والمعنوية، بل والتعبير عنها بصدق وموضوعية،ولا شك أن من أهم تلك المهام وأنبلها ما قامت به الزاوية المغربية من تدعيم وترسيخ للثقافة الإسلامية الصحيحة والأصلية ونشرها ، سواء تعلق الأمر بالعقيدة أو بالفقه وأصوله أو بالتربية الصوفية ، ذلك انها في تلك المهام ظلت تستمد أصولها ومنابعها من الكتاب والسنة، وعمل السلف الصالح.
تعليق