القِدْر . ( أقصوصة).ابراهيم ابويه .

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ابراهيم ابويه
    قاص وباحث لغوي
    مستشار أدبي
    • 14-11-2008
    • 200

    القِدْر . ( أقصوصة).ابراهيم ابويه .

    كانت الشمس تستعد للرحيل إلى بقعة أخرى من الأرض ، وكان الرجل النحيف مستلقيا على حصير قديم ، يداعب بأنامله ما تبقى من "كيف" (1) داخل القطعة الجلدية التي تبدو ك"بلغة" (2) صغيرة جدا .
    كنت أجلس أمامه على طرف صخرة ملساء ، وأذناي تلتقطان بصعوبة كلماته التي تخرج من فم أدرد لم يعد قادرا على الكلام ، وكأن الحكايات تعود به إلى زمانها الحقيقي ، فتؤثر فيه بشكل يجعل تجاعيده المحفورة في وجهه النحيل تبدو واضحة وتترجم ما تركته السنون في هذا الجسد الممدد على الحصير .
    - كيف يسرقون القدر ؟ من سولت له نفسه ؟ وكيف ؟ قال متنهدا بعمق حزين.
    سألته بفضول واضح : - كيف حدث ذلك ؟ وما قصة القدر ؟
    نظر إلي بعيون غائرة وقال :
    - داخل الضريح ، كان هناك قِدْر قديم جدا ، له ستة قرون وما يزيد ، وكان القدر كبيرا بحجم برميل ، وهو من النحاس والذهب الخالص كان أهداه أحد السلاطين لهذا الولي الصالح ليدعو له بالنصر على الأعداء ، وليُصنع فيه الطعام للمريدين الذين يأتون من كل فج عميق لطلب الفقه وحفظ كتاب الله داخل "الزاوية (3)/ الضريح " .
    بقي القدر في مكانه الزجاجي بين قطع أخرى أثرية داخل متحف الضريح الذي يقع في حجرة لا نوافذ فيها ، وبين عدة أبواب محكمة الاغلاق ، إضافة إلى أن الضريح لا يفرغ من رواده على مدار العام إلا مرة واحدة عندما تزوره لجنة وزارية تتفقد صندوقه الكبير وتتبرك مما يوجد بداخله . وفي أحد الأيام ، استفاق الناس على صراخ القيٌِم على الضريح وهو يطلب النجدة ويخبر الحشد أن القدر اختفى من مكانه ...
    في نفس اليوم ، حضرت فرقة أمن بزيها المدني رفقة رجال الدرك ، وجمعت أقول الحاضرين وصورت مكان القدر ورحلت دون أن تعود مرة أخرى .
    واسترسل قائلا : - لم يكن يظهر على الأبواب أثر الكسر أو العنف ، وكأن ساحرا مرق دون أن يراه أحد أو تمنعه الأبواب وحمل القدر واختفى ... تشكك الناس في قصة القدر ، وهم يعلمون أن حجمه الكبير لا يمكن أن يمر من باب الضريح خلسة دون أن يبصره أحد من رواد الضريح ، لذلك صمت الجميع وفي قلوبهم حسرة كبيرة على ضياع جزء من تاريخهم الذي ربما سيظهر يوما ما في متحف خارج الحدود .


    (1) كيِف :
    القنب وهو نبات طبيعي مخدر.
    (2) البلغة :
    الحذاء الاكثر شعبية و شهرة في المغرب توارتثه الاجيال على مر العصور فلا يكاد يخلو منه اي سوق.
    (3) الزاوية :
    مؤسسة دينية وعلمية واجتماعية تبلورت أنشطتها ووظائفها وتجدرت داخل الأمة الإسلامية بصفة عامة، وداخل المجتمع المغربي بصفة خاصة مما جعلها تساهم في مختلف اهتماماته المادية والمعنوية، بل والتعبير عنها بصدق وموضوعية،ولا شك أن من أهم تلك المهام وأنبلها ما قامت به الزاوية المغربية من تدعيم وترسيخ للثقافة الإسلامية الصحيحة والأصلية ونشرها ، سواء تعلق الأمر بالعقيدة أو بالفقه وأصوله أو بالتربية الصوفية ، ذلك انها في تلك المهام ظلت تستمد أصولها ومنابعها من الكتاب والسنة، وعمل السلف الصالح.
  • فارس رمضان
    أديب وكاتب
    • 13-06-2011
    • 749

    #2

    "القيم على الضريح"
    هذه الشخصية محورية والتي ربما كان الغوص في أعماقها يسعفنا في التعرف على مكنون هذه الشخصية والتثبت وإزالة الشك!
    "رجل نحيف مستلقي على حصير قديم، التجاعيد ملأت وجهه النحيل وفم أدرد، يهوى الكيف"
    كلها دلالات تشير إلى أن هذا الرجل طالت مكثته هناك، قابع على الحصير، حارس للضريح. لا ينتظر مقابل وكل ما يؤنسه في وحدته تلك الأوراق التي أعتدنا أن نرى أجدادنا يتلذذوا بضعوها ما بين الشفاه السفلى وأسنان الفك السفلي واللسان يضغط عليها تارة ويحركها أخرى.

    "القدر"
    يحمل قيمة مادية ومعنوية.وتختلف الأهمية حسب المعيار الذي يستخدمه الشخص أو الدولة في تحديد تلك القيمة.

    "اللجنة والفرقة"
    وتلك الفقرة التي صغتها بمهارة والتي يكمن فيها حل اللغز، والجملة التي ربما تزيل الشك وتبعد الريبة عن القيم.
    وتلقيها على عاتق اللجنة والفرقة التي أراها لاتختلف عن اللجنة.
    والتي تجعل من التساؤلات التي طرحها والدهشة التي انتابته منطقية.

    ليس عجيبا أن ترحل تلك الفرقة بلا عودة،
    لكن العجيب أن سارق تراث الأمة أبناء الأمة...!!
    ويرحل القدر إلى الأبد و يرحل معه حضارة وطن ويُقام عليه حضارة وطن آخر في أرض أخرى على أنقاض وطن سابق.

    أعجبني النص
    وأعجبتني تلك العلاقة التي أقمتها بين القيم على الضريح وبين الضريح المكان.
    وبين القيم على الضريح وبين صاحب الضريح.
    ومقارنتها بالعلاقة بين السلطة وبين ما في القدر.
    وبين السلطة و بين القدر.


    استمتعت بالنص وجمال اللغة أستاذنا
    دمت مبدا متألقا
    تحيتي

    تعليق

    • مصطفى الصالح
      لمسة شفق
      • 08-12-2009
      • 6443

      #3
      لجنة وزارية تتفقد صندوقه الكبير وتتبرك مما يوجد بداخله

      حاميها حراميها كما يقول المثل ، هو اتفاق دبر بليل ونفذ أثناء الزيارة.. ربما

      الضريح لا يفرغ من رواده على مدار العام إلا مرة واحدة
      وفي أحد الأيام ، استفاق الناس على صراخ القيٌِم على الضريح وهو يطلب النجدة ويخبر الحشد أن القدر اختفى من مكانه

      إذا كان الضريح لا يفرغ من الزوار فكيف استفاقوا على صوته؟ هل كانوا نائمين؟ وهل كان القيم نائما أيضا فسرق الزوار القدر في نومه؟ هناك خلل ما..

      حضرت فرقة أمن بزيها المدني رفقة رجال الدرك.. هل هي برفقة أم رفقة بدون باء الاستعانة؟

      أقصوصة جميلة معبرة

      نعم كل آثارنا وثرواتنا في متاحف وبنوك الغرب.. مأساة كبرى بهذه الأنظمة الجشعة الظالمة

      بوركت

      تحية وتقدير
      [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

      ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
      لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

      رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

      حديث الشمس
      مصطفى الصالح[/align]

      تعليق

      • ابراهيم ابويه
        قاص وباحث لغوي
        مستشار أدبي
        • 14-11-2008
        • 200

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة فارس رمضان مشاهدة المشاركة

        "القيم على الضريح"
        هذه الشخصية محورية والتي ربما كان الغوص في أعماقها يسعفنا في التعرف على مكنون هذه الشخصية والتثبت وإزالة الشك!
        "رجل نحيف مستلقي على حصير قديم، التجاعيد ملأت وجهه النحيل وفم أدرد، يهوى الكيف"
        كلها دلالات تشير إلى أن هذا الرجل طالت مكثته هناك، قابع على الحصير، حارس للضريح. لا ينتظر مقابل وكل ما يؤنسه في وحدته تلك الأوراق التي أعتدنا أن نرى أجدادنا يتلذذوا بضعوها ما بين الشفاه السفلى وأسنان الفك السفلي واللسان يضغط عليها تارة ويحركها أخرى.

        "القدر"
        يحمل قيمة مادية ومعنوية.وتختلف الأهمية حسب المعيار الذي يستخدمه الشخص أو الدولة في تحديد تلك القيمة.

        "اللجنة والفرقة"
        وتلك الفقرة التي صغتها بمهارة والتي يكمن فيها حل اللغز، والجملة التي ربما تزيل الشك وتبعد الريبة عن القيم.
        وتلقيها على عاتق اللجنة والفرقة التي أراها لاتختلف عن اللجنة.
        والتي تجعل من التساؤلات التي طرحها والدهشة التي انتابته منطقية.

        ليس عجيبا أن ترحل تلك الفرقة بلا عودة،
        لكن العجيب أن سارق تراث الأمة أبناء الأمة...!!
        ويرحل القدر إلى الأبد و يرحل معه حضارة وطن ويُقام عليه حضارة وطن آخر في أرض أخرى على أنقاض وطن سابق.

        أعجبني النص
        وأعجبتني تلك العلاقة التي أقمتها بين القيم على الضريح وبين الضريح المكان.
        وبين القيم على الضريح وبين صاحب الضريح.
        ومقارنتها بالعلاقة بين السلطة وبين ما في القدر.
        وبين السلطة و بين القدر.


        استمتعت بالنص وجمال اللغة أستاذنا
        دمت مبدا متألقا
        تحيتي


        الأستاذ القدير فارس رمضان ، تحية طيبة .

        تحليل جميل لعناصر النص جعلتني أراه مرة أخرى بشكل أكثر جرأة وتمحيصا .

        لك التقدير والمحبة والشكر.

        تعليق

        • ابراهيم ابويه
          قاص وباحث لغوي
          مستشار أدبي
          • 14-11-2008
          • 200

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة مصطفى الصالح مشاهدة المشاركة
          لجنة وزارية تتفقد صندوقه الكبير وتتبرك مما يوجد بداخله

          حاميها حراميها كما يقول المثل ، هو اتفاق دبر بليل ونفذ أثناء الزيارة.. ربما

          الضريح لا يفرغ من رواده على مدار العام إلا مرة واحدة
          وفي أحد الأيام ، استفاق الناس على صراخ القيٌِم على الضريح وهو يطلب النجدة ويخبر الحشد أن القدر اختفى من مكانه

          إذا كان الضريح لا يفرغ من الزوار فكيف استفاقوا على صوته؟ هل كانوا نائمين؟ وهل كان القيم نائما أيضا فسرق الزوار القدر في نومه؟ هناك خلل ما..

          حضرت فرقة أمن بزيها المدني رفقة رجال الدرك.. هل هي برفقة أم رفقة بدون باء الاستعانة؟

          أقصوصة جميلة معبرة

          نعم كل آثارنا وثرواتنا في متاحف وبنوك الغرب.. مأساة كبرى بهذه الأنظمة الجشعة الظالمة

          بوركت

          تحية وتقدير

          الأستاذ مصطفى الصالح ، تحية طيبة .

          بداية أشكرك على هذا التأمل الذي يعيد صياغة الأسئلة المنطقية التي تصنع توازن النص الداخلي . بالنسبة للصدق المنطقي في قضية القيم على الضريح ، هناك فراغ تعمدت تركه للقارئ ، ويتعلق بتفاصيل خروج القيم خارج الضريح ، فمعظم الموجودين بداخله أناس غير طبيعيين ولا يهمه القدر أصلا ، لذلك كان الخروج الى الناس أمرا حتميا لنشر الخبر . فرقة أمن بمعنى فريق أمن رفقة ، أي مع أو صحبة ...
          شكرا لمرورك المعزز بالفهم .
          تقديري وتحيتي.

          تعليق

          • مصطفى الصالح
            لمسة شفق
            • 08-12-2009
            • 6443

            #6
            أشكرك أستاذي العزيز

            لعلي لم أوضح القصد من تساؤلي اللغوي في جملة حضرت فرقة أمن بزيها المدني رفقة رجال الدرك..

            أقول أنه يجب استخدام باء المعية قبل كلمة رفقة لتصبح الجملة : حضرت فرقة أمن بزيها المدني برفقة رجال الدرك.. وهنا باء المعية .. ولا تصح الكلمة بحالتها تلك لانها غير مربوطة ولا مرتبطة

            لنرى المثال التالي

            حضر محمد بصحبة أحمد ، حصر محمد يصحبه أحمد

            حضر محمد برفقة أحمد ، حضر محمد يرافقه أحمد

            هذا هو التنسيق التركيبي للعبارة الصحيحة لغويا كي تعطي المعنى المطلوب

            وقد وجدت بعض الزملاء يهملون هذا ، لا أدري ما السبب..

            تحية وتقدير
            [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

            ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
            لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

            رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

            حديث الشمس
            مصطفى الصالح[/align]

            تعليق

            • وفاء الدوسري
              عضو الملتقى
              • 04-09-2008
              • 6136

              #7
              أقصوصة أكثر من رائعة
              الاستاذ:ابراهيم
              تقبل خالص الود والتقدير

              تعليق

              يعمل...
              X