قصة قصيرة : سمير ...!!!
لطمها ذهول وهى تضع سماعة الهاتف ... طفرت من عينيها دمعتان .. مسحتهما بأطراف أناملها .. غير أنها لم تستطع أن تتماسك .. ارتمت على الفراش وتكوّرت كقنفد فقد أشواكه .. وأجهشت فى البكاء .. من أي مستودع انفجرت ينابيع دموعها .. عليها أن تتجه الى عمارتها القديمة .. عمارتها القديمة التى لازالت عالقة فى ذكراها وتطالعها فى أحلامها السحرية .. لازالت أقسامها موسومة فى ذاكرتها بالرغم من طول السنين .. الصالة الفسيحة والغرف الأربعة والشرفة المستديرة المطلة على المدى الأخضر .. ترابزين السلم وسمير يتزحلق عليه .. جارها الأسمر .. يلعبان معا .. يذهبان الى المدرسة معا .. يقتسمان الضحكة معا .. هاهى الليلة تعود .. مدخل البناية عتيق .. حين غادرته الى منزل الزوجية كان جزء منها سعيد وجزء آخر حزين .. توقفت فى رهبة .. نظرت فى شجن .. عوادى الزمن نالت من المدخل .. هل ضاق أم ضاقت نفوسنا .. ! تكسّرت درجات السلم أم تكسّرت قلوبنا .. تساقط طلاء الحوائط أم تساقطت أعمارنا .. غزته قبضة الزمن كما غزت أرواحنا .. أين وجهها الطفولي الناعم وهى تلهو مع سمير .. ؟ سمير ذو الشعر الأسود والسمرة الصافية .. راودتها رغبة أن تعود من حيث أتت .. لكنها تماسكت .. تجاهلت المصعد واختارت أن تصعد السلالم ببطء .. تحتاج وقتا كى تتمالك نفسها .. تحتاج أن تشاهد مسرح ذكرياتها القديمة .. ملعبها القديم .. آثار أقدامها .. رائحة ضفائرها .. تحتاج أن تجفف دموعها المنهمرة .. حين دهمها الخبر هاجمتها كل ذكريات الطفولة .. والدته وهى تطبع قبلة السكر فوق خدها .. وحين غادرت العمارة لم تكن تتصور أنها لن تراهم ثانية .. كثيرا تشغلنا الايام عن أشيائنا النفيسة .. عن كنوزنا المخبوءة .. انتهى الدرج كما تنتهى حياتنا .. باب سمير مفتوح على مصراعية .. أما فى الداخل فيعج بالنساء الملتحفات بالسواد .. بخطى متعثرة لمحت أم سمير .. هرمت .. كبرت .. تهدلت .. زادها الحزن أعواما أخرى .. أجهشت بالبكاء وهى تعانقها .. كل وجوه الجيران القدامى باهتة وحزينة .. جلست ذاهلة .. صوت المقرىء .. لون الملابس .. على هذا الخوان الصغير حفظت جدول الضرب .. هل مات سمير حقا ..؟ هى لم تره منذ عشرين عاما .. غير أن احساسها بفقده لم يدهمها إلا الآن .. أترانا ننكسر حين نفقد رفاق طفولتنا لأننا نفقد فى الوقت نفسه أعمارنا تاريخنا العابنا عرائسنا القديمة الزركشات التى صنعناها من قصاصات الرؤى والاحلام .. هل كل هؤلاء سقطوا من حياتنا ..؟ آه لماذا نكبر ..؟ لماذا نغادر مرحلة الطفولة ..؟ لماذا لايتوقف الزمن عن الدوران ..؟ لماذا لاتكف الأرض عن الحركة ..؟ لترحمنا .. وترحم قلوبنا الجريحة .
تعليق