عقد نكاح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد الشرادي
    أديب وكاتب
    • 24-04-2013
    • 651

    عقد نكاح

    أنت في مقتبل العمر و تتمنى أن يكون لك زوجة و ولد، و لكن قل لي هل أنت الرجل الذي يحق له هذا التمني؟...أم أن تمنيك هذا ليس إلا شهوة حيوان أو خشية منفرد أو اضطراب من قام النزاع بينه و بين نفسه؟ نيتشه
    هكذا تكلم زرادشت



    في مهب الريح

    بعد منتصف الليل،جلس تحت ضوء عمود كهرباء،يلعق جراحة كقط خرج لتوه من معركة حامية الوطيس. بأصابعه المتورمة يحاول وقف نزيف الدماء من جروح أصابت مناطق متعددة من جسده الفتي.لم يصدق أنه نجا
    من محاولة اغتصاب.عليه أن يتوارى عن الأعين، و يجد لنفسه مكانا آمنا يقضي فيه ما تبقى من ليلته الأولى في الشارع. حاول النوم.لكن البرد، و الألم منعا الكرى عن جفونه.لا أحد يسأله، أو يهتم به. لم يضايقه الأمر، حتى في البيت، لم يظفر بالنوم إلا لماما،لانشغال والديه بحروبهما اليومية، التي تستمر عادة حتى ساعات متأخرة من الليل.كان يدفن رأسه تحت الوسادة،كي لا يسمع الألفاظ النابية، والاتهامات التي يندى لها الجبين. في المدرسة يخجل من النظر في عيون أصدقاء الحي.
    بحث في قلبَي ْوالديه عن واحة يتفيأ ظلالها،لم يجد غير صحراء قاحلة تاه بين كثبانها الرملية. فتش في قبو ذكرياته المظلم عن نقطة ضوء أنارت قلبه بالفرح،لم يجد سوى غبار المعارك. نظر إلى عيونهما بحثا عن معنى للأمومة الحاضنة،و الأبوة الحانية.لم ير سوى متصابيين عكرت الوحدة صفو حياتهما، و أثلج صقيع السرير جسميهما،فأقاما عقد نكاح على عجل، و عندما داهمتهما أولى ثماره أصيبا بالذعر، فصرفا خوفهما صراعات طاحنة. تبادلا خلالها الطعنات، فأصابته طعنة نجلاء أدمت قلبه و أصابت حاضره و مستقبله في مقتل.
    ذكريات بطعم الحنظل.لم يخرجه منها إلا طلائع النور التي أخذت تمسح الظلمة عن وجهه. انطلق مدشنا نهاره الأول في الشارع بنفسية مهزوزة، و بعينين طافحتين بالهواجس،و القلق، و الأسئلة تتناسل في ذهنه( أيستطيع هذا الحمل الوديع، الذي طوحت به الأقدار أن يتكيف و قيم هذه الغابة الذي وجد نفسه فيها على حين غرة؟ أيستوعب بالسرعة اللازمة قانون الاصطفاء الطبيعي المهيمن على أحراشها؟...أيستطيع أن يكون حربائيا يتفنن في اختلاق الأكاذيب، وابتكار أساليب التحايل لتحقيق مطامحه؟) في هذا الصباح المغاير لكل الصباحات التي عاشها، لا طموح له سوى الحصول على شيء يقمع جوعه. هذه المرة، سيكتفي بسلال النفايات. يصارع عليها الكلاب، و القطط المنبوذة مثله، لعله ينتزع من بين أنيابها، و مخالبها شيئا مما فاضت به موائد الأثرياء.
    عجيّ ( العجي من ماتت أمه )
    عندما طلق أبوه أمه، أحس براحة كبيرة.على الأقل سيستريح من ضجيج المعارك.لكنها تزوجت بسرعة كبيرة. و وجدت ضالتها مع الرجل الجديد.صار كعلقة في حنجرة زوج أمه. يطَّير به في كل حادث.لا يمكنه أن ينظر إليه دون أن يبصق على الأرض. يوم قرر طرده من المنزل ، لم تبد أمه أية مقاومة. اكتفت بأن وضعت دريهمات قليلة في جيبه، ودخلت غرفة النوم موصدة الباب خلفها، وخلف حياته كلها.
    لطيم ( اللطيم من مات أبويه )
    أخذ الليل يحكم قبضته على المدينة،و يشهر سيف الظلام في وجهه.كيف يحمي نفسه مما يخبئه سواده؟انزوى في مكان معتم لعله يجد فيه الملاذ الآمن.رفع رأسه إلى السماء. بدا له القمر شاحبا. رأى فيه وجه أبيه. لم تتغير نظراته الباردة حتى بعد غيابه الطويل. يوم الفراق، اكتفى بأن غادر البيت. لم يعرّج على غرفته ليراه، و يقبله. تلاشى وقع حذائه خلف الباب،فتلاشت في قلبه صورة الأب الذي كان...
    في جوف الليل
    فجأة هب واقفا. أصاخ السمع جيدا. كان آذان الفجر يرتفع في جوف الليل من صومعة بعيدة. اهتز صدره اهتزازا قويا. لقد شغلته مأساته عن صلواته. جرى نحو المسجد، بقلب متعب، وعقل مشوش.انتبه الإمام بعد الصلاة لاضطراب الفتى. ربت على كتفه مستفسرا عن سر اكتئابه. حكى الطفل مصيبته. تدفقت مجاري الدمع في عينيه.حفرت أخاديد عميقة على خديه إلى فيه. خاطبه الإمام:
    - من حقك أن تبكي والدين خانا الأمانة.و لكن أليس لك أحباب يهبون لنجدتك؟
    نكس أعلام عينيه تعبيرا عن خيبة آماله. اتكأ على أقاربه من أبويه. لم يصادف من الجميع سوى الخذلان. فسح له الإمام المجال لكي يتوجه إلى الله بالدعاء. لكن الفتى خاطبه:
    - تاهت دعواتي، و ضلت طريقها. صرت كمن انقطعت به السبل في جزيزة معزولة، فأرسل طلب نجدة في قنينة، و جلس ينتظر السراب.
    ربت الفقيه على كتفه، و أطلق زفرة حارة قبل أن يخاطبه:
    - أجل بني، أفقدتك الطعنات التوازن. أخاف أن تظل طريقك،و تتيه كحمل وديع في غابة مليئة بالذئاب الجائعة. أعلم أنك تريد...
    أمسك الولد بيد الفقيه مقاطعا إياه:
    - أنا لم أعد أطمع إلا في شيئين:أن أتكئ على جدار لا ينهار، و أن أصلي جهة قبلة تعرفني.
  • حسن لختام
    أديب وكاتب
    • 26-08-2011
    • 2603

    #2
    هكذا، بسبب عقد نكاح، يلقى بأطفال بريئين في هذا العالم البئيس والميئوس منه..ثم يتركون يصارعون مصائرهم المجهولة..قصة مؤلمة موازية لواقع مأزوم، بكل شروره وآثامه
    محبتي وتقديري، صديقي الجميل الشرادي

    تعليق

    • فارس رمضان
      أديب وكاتب
      • 13-06-2011
      • 749

      #3




      عقد نكاح وعقد طلاق وعقد زواج آخر

      وبينهم طفل..!
      ربما وجب عليه أن يتعلم كيف يصبح جدار نفسه
      وأن يعرف قبلته لتحتضنه.
      ودفاتر الحياة مليئة استاذنا
      حكاية مؤلمة بسرد ماتع سريع الإيقاع
      أهلا بك أخي محمد هنا مرة أخري
      تحياتي

      تعليق

      • محمد الشرادي
        أديب وكاتب
        • 24-04-2013
        • 651

        #4
        أخ حسن
        بعض الناس يدخلون القفص الذهبي على حين غرة و لا يعرفون لماذا فعلوا ذلك مما يكون السبب فس الكثير من النكسات
        تحياتي

        تعليق

        • عبد الاله اغتامي
          نسيم غربي
          • 12-05-2013
          • 1191

          #5
          نص رائع في بناءه وجميل بأفكاره ،ورسالة إلى كل العابثين بطهارة البراءة، تنبههم إلى زلاتهم ليعرفوا قيمة المسؤولية التي تنتظرهم قبل الشروع في عقد نكاح قد يفشل مشروعه منذ البداية. مودتي وتقديري أخي الشرادي على هذا الإبداع الراقي...تحياتي...
          sigpic
          طرب الصبا وأطل صبح أجمل*** بصفائه وزها الشباب الأكمل
          متلهفا لقطاف ورد عاطر ***عشق الندى وسقاه ماء سلسل
          عزف الهوى لربيعه فاستسلمت*** لعبيره قطرات طل تهطل
          سعد اليمام بقربه مستلهما ****لنشيده نغمات وجد تهدل

          تعليق

          • محمد الشرادي
            أديب وكاتب
            • 24-04-2013
            • 651

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة فارس رمضان مشاهدة المشاركة




            عقد نكاح وعقد طلاق وعقد زواج آخر


            وبينهم طفل..!

            ربما وجب عليه أن يتعلم كيف يصبح جدار نفسه
            وأن يعرف قبلته لتحتضنه.
            ودفاتر الحياة مليئة استاذنا
            حكاية مؤلمة بسرد ماتع سريع الإيقاع
            أهلا بك أخي محمد هنا مرة أخري
            تحياتي

            أهلا أخي فارس
            شكرا على المرور الجميل و الترحيب
            تحياتي

            تعليق

            • محمود عودة
              أديب وكاتب
              • 04-12-2013
              • 398

              #7
              الله استاذنا محمد الشرادي نص رائع عقد نكاح وقطعا المشكلة ليست في عقد النكاح ولقد ابرزت المشكلة جيدا في من وقعا عقد النكاح فلم يحترما ما بينهما من ميثاق غليظ فجنيا على ثمرة النكاح البريئة ..
              مودتي وتحياتي

              تعليق

              • وسام دبليز
                همس الياسمين
                • 03-07-2010
                • 687

                #8
                كثيرون هم من يقبعون على ارصفة الطرقات يلوكون طعما مريرا للحياة يشربو العلقم ولما؟؟؟؟؟لانهم كانو ثمرة بريئة لزواج فاشل
                ومع انتهاء هذا الزواج انقطع رابط الامومة التي تربط الام بفلذة كبدها
                نص جميل ممتلئ بالحزن منتقى من الواقع
                تقبل مروري

                تعليق

                • سلمان الجاسم
                  أديب وكاتب
                  • 07-02-2011
                  • 122

                  #9
                  الاستاذ / محمد الشرادي
                  كم أنت رائع !!!
                  تبحر بنا في سفينتك ، تقودنا الى حيث تريد !
                  قصة رائعة وسرد وتصوير أروع !!!!
                  لا مفر من العودة الى الله ... وفي بيته تطيب النفوس .
                  حققت هدفك ووصلت رسالتك .... كم من المآسي التي يرتكبها الآباء بحق الأبناء ؟!
                  أحييك وأشد على يدك أيها المبدع ... دعائي لك بالتوفيق .

                  تعليق

                  • عائده محمد نادر
                    عضو الملتقى
                    • 18-10-2008
                    • 12843

                    #10
                    نص أوجع قلبي الموجوع وأثار بي رعب
                    الزميل القدير
                    محمد الشرادي
                    هذا نص أعطيه خمس نجوم لأنه يحكي قصة ألوف الفتيات والفتيان على دروب الضياع
                    كم هو قبيح وجه الحياة بكل هذه المرارة والعذاب
                    اي روح تمتلكتك وأنت تكتب هذا النص وكلي يقين أنك تأثرت وربما أعمت الدمعات عيونك
                    جربتها مع نصوصي المؤلمة
                    ربما جاء سهوا( عن نقطة ضوء أنارت قلبه بالفرح، لم يجد ) وأرى الصواب ( تنير ) لأن مابعدها لم يجد وهذا نفي لوجود النور، وكلمة (أنارت ) معناها أنها قامت بفعل النور.
                    وأيضا الغابة ( الذي ) وهنا المفروض ( التي) لأن الغابة مؤنث
                    ويبقى النص برائحة الوجع يحكي قصة تحدث وحدثت وستبقى
                    ومضة النهاية كانت سليمة جدا وأيضا رحمانية
                    اشكرك على هذه الجميلة زميلي
                    كن بخير عزيزي

                    نحن والنصوص القصصية/ وحديث اليوم


                    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                    تعليق

                    • محمد الشرادي
                      أديب وكاتب
                      • 24-04-2013
                      • 651

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة عبد الاله اغتامي مشاهدة المشاركة
                      نص رائع في بناءه وجميل بأفكاره ،ورسالة إلى كل العابثين بطهارة البراءة، تنبههم إلى زلاتهم ليعرفوا قيمة المسؤولية التي تنتظرهم قبل الشروع في عقد نكاح قد يفشل مشروعه منذ البداية. مودتي وتقديري أخي الشرادي على هذا الإبداع الراقي...تحياتي...
                      أهلا أخي عبد الإله
                      بعض الأزواج يدخلون القفص دون وعي بالمسؤولية فيقترفون الجرائم في حق فلذات أكبادهم
                      شكرا أخي على مرورك الجميل
                      تحياتي

                      تعليق

                      • محمد الشرادي
                        أديب وكاتب
                        • 24-04-2013
                        • 651

                        #12
                        البعض يعتقد الزواج لعب أطفال...و لكنه مسؤولية كبيرة.
                        إذا غاب الوعي بهذه المسؤولية وقعت المصائب و يكون الأولاد الضحية الكبرى
                        تحياتي

                        تعليق

                        • صبيحة شبر
                          أديبة وكاتبة
                          • 24-06-2007
                          • 361

                          #13
                          قصة واقعية تعبر عن اب لايحترم الابوة
                          وأم لاتقدر نعمة الله بالأمومة
                          ويظل الطفل ثمرة الزواج محروما من الحنان غريبا
                          يجد ضالته في بيوت الله
                          وما احرانا ان نجد بغيتنا في هذه البيوت

                          تعليق

                          • محمد الشرادي
                            أديب وكاتب
                            • 24-04-2013
                            • 651

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة وسام دبليز مشاهدة المشاركة
                            كثيرون هم من يقبعون على ارصفة الطرقات يلوكون طعما مريرا للحياة يشربو العلقم ولما؟؟؟؟؟لانهم كانو ثمرة بريئة لزواج فاشل
                            ومع انتهاء هذا الزواج انقطع رابط الامومة التي تربط الام بفلذة كبدها
                            نص جميل ممتلئ بالحزن منتقى من الواقع
                            تقبل مروري
                            أطفالنا سلعة بخسة حنى بالنسبة لآبائهم. ليت الجميع يدرك أن الأولاد مسؤولية.
                            تحياتي

                            تعليق

                            • محمد الشرادي
                              أديب وكاتب
                              • 24-04-2013
                              • 651

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة سلمان الجاسم مشاهدة المشاركة
                              الاستاذ / محمد الشرادي
                              كم أنت رائع !!!
                              تبحر بنا في سفينتك ، تقودنا الى حيث تريد !
                              قصة رائعة وسرد وتصوير أروع !!!!
                              لا مفر من العودة الى الله ... وفي بيته تطيب النفوس .
                              حققت هدفك ووصلت رسالتك .... كم من المآسي التي يرتكبها الآباء بحق الأبناء ؟!
                              أحييك وأشد على يدك أيها المبدع ... دعائي لك بالتوفيق .
                              أهلا اخي سلمان
                              أشكرك على تحفيزك المستمر، و على مرورك البهي.
                              تحياتي
                              التعديل الأخير تم بواسطة محمد الشرادي; الساعة 26-12-2013, 15:16.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X