حيران وبلاء الزمان
بقلم: فلاح العيساوي
جلس الأب إلى أبنائه السبعة، بعد إن أعياه المرض، فقال: يا أبنائي الأعزاء إن الحرص آفة مهلكة، وبلاء ملازم لمن لا يجاهد في سبيل الخلاص منه، والقناعة كنز لا يفنى، وعليه فأني تركت لكم ما لا تحتاجون معه إلى سؤال الناس أو استعطافهم، واطلب منكم أن لا تقربوا الغرفة الأخيرة والتي جعلت عليها قفل، واطلبوا دوما القناعة والرضا بقضاء الله وقدره، وكونوا أخوان متعاضدين متحابين بالله والرحم ما حييتم، فالعصا إن كانت وحيدة تكسر وان كانت مع الجماعة عصيت على الكسر، والضالة فريسة الذئاب !!..
بعد أيام مات الأب، وتقاسم الأبناء الأملاك، وتركوا الغرفة ولم يدخلوها، وجلس الأخ الأكبر ( سالم ) يفكر في شأن الغرفة المقفلة وفي وصية أبيه الذي طلب منهم عدم الاقتراب منها، وقال في نفسه لعل في الغرفة كنزا ثمينا، أراد والدي إخفائه علينا خوفا من اختلافنا على قسمته، فجمع إخوته واخبرهم بما خطر على فكره وعزمه على فتح الغرفة وكشف سرها، فوافقه إخوته عدى الأخ الأصغر ( حامد ) وكان شديد الذكاء فطنا وذا عقل وحكمة ودراية، وقال أخوتي: الأعزاء إن كان أبونا قد حذرنا إن نقرب تلك الغرفة فهو جاد في تحذيره لنا، ولولا خوفه علينا لأطلعنا على ما تحتوي ولم يجعل على بابها قفل من الحديد، وانأ اعتقد إن هذا الباب الموصد هو باب البلاء والامتحان فلا تفتحوه على أنفسكم واتركوه وشأنه !!..
فقال سالم حديثك لا جدوى منه ولا طائل، ونحن عزمنا على كشف سر تلك الغرفة، فقاموا أليها وكسروا القفل ودخلوها ووجدوها خالية من الأثاث، سوى صندوق من الخشب مرصع بالعاج وبعض الياقوت الأحمر، فضنوا أنهم وجدوا ضالتهم، وفتح سالم الصندوق ووجد فيه لوحة صغيرة رسم عليها صورة (فتاة) رائعة الجمال، فهالهم العجب، وقالوا أهذا الذي منعنا عنه أبينا !!،، مجرد صندوق فارغ لا توجد فيه غير هذه الصورة التي لا نعرف من صاحبتها !!..
تفرق الإخوة، وجلس سالم يفكر مليا في تلك الغرفة الموصدة، وفي ذلك الصندوق الصغير، الذي حوي مجرد رسم لفتاة جميلة، ومن تلك الفتاة ؟، وما قصتها ؟، وخطر له أن يذهب إلى رجل حكيم كان صديقا لأبيه، وصاحب سره، وموضع أمانته، فحضر عنده وحدثه عن وصية أبيه والغرفة، وأعطاه الصندوق فشاهد الصورة وتحسر وتأفف، وقال: ولدي ارجع الصندوق إلى مكانه وأنسى أمره وعش حياتك برغد فأنت تملك ما يغنيك عن المتاعب والمخاطر !!..
أصر سالم على الرجل الحكيم بضرورة معرفة صاحبة الرسم، فقال: يا بني أن صاحبة الصورة هي الأميرة ( غدران ) ابنة ملكنا السعيد ( الغضنفر ) وقد وضعت الأميرة سؤالا صعبا على كل من تقدم لخطبتها !، ولم يستطع آي شاب من الذين تقدموا لخطبتها من الإجابة عليه ومن خرج في سبيل تحصيل الجواب لم يعد قط !، ومن أجاب فقد هلك !، فقال: وما هو سؤالها ايها الرجل الحكيم ؟، فقال: سؤالها هو ( ما قصة حيران بن زعلان وما تحت الفنجان ) ؟، فقال: ومن هو حيران بن زعلان ؟، وأي فنجان ؟، فقال: يا ولدي أما حيران بن زعلان فقد سمعت انه يسكن في قصر عبر البحار السبعة !، وأما الفنجان فقد وضع في آناء كبير مقلوبا على رأسه لا اعلم ما تحته !، فقال: وكيف السبيل في الذهاب إلى قصر حيران بن زعلان ؟، فقال: يا بني ينبغي أن تذهب إلى قمة جبل الأرجوان وتأخذ معك (جدي) تذبحه ليكون طعم لطائر العنقاء الكبير وتهيأ لك جراب تجلس داخله بالقرب من الذبيحة، وعند نزول العنقاء لأكل الجدي تقوم بربط الجراب في أحدى رجليها وبعدها تطير بك العنقاء فوق البحار السبعة وتنزلك فوق قصر حيران !!..
انطلق سالم بعد إخبار أخيه الذي يليه، وفعل كما اخبره الرجل الحكيم ونزلت به العنقاء فوق سطح قصر كبير وافلت الحبال من رجليها وطارت بعيدا، فنهض ونزل سلم القصر والوجل واضح على تقاطيع وجهه الشاحب بسبب التعب والخوف من العنقاء والمجهول، لكن جمال القصر وزخرفة جدرانه الكبيرة، سرعان ما خففت على كاهله القلق، فراح يسرح ويمرح في قاعات القصر الواسعة، ثم خرج من باب القاعة الكبيرة إلى الباحة المطلة على بستان القصر والمتصلة بساحل البحر الأزرق الجميل، وفي بستان القصر شاهد رجل جالس على فرشا منضدة ومتكأ على وسادة قماشها من الحرير الخالص، وبيده أنبوب الأرجيله (الغرشه) يسحب منها الدخان إلى فيه ويرسله إلى الهواء وكأنه جان يتصاعد إلى السماء، وهو لا يشعر بمن حوله، وإمامه أنواع من الفواكه اللذيذة والشراب العطر، وعلى جانبه الأيمن توجد امرأة بارعة الجمال موثقة إلى عمود من الحديد الصلد، ويوجد عبد اسود قائم على ساقيه إلى جانبه الأيسر ينتظر من سيده الإشارة للقيام بما يأمره، بعد لحظات من وقوف سالم ينظر إلى حيران بن زعلان والدهشة تعلو محياه، انتبه حيران إليه وأشار له بيده بالجلوس إلى جانبه الأيسر، وبدون تردد جلس سالم.
فقال حيران: هل تستحق هذه المرأة أن تجلد بالسوط ؟،، وأشار إلى المرأة الجميلة بيده !،،
فقال سالم: لا اعرف أن كانت تستحق العقاب !،،
فقال حيران: للعبد الأسود سعيد اذهب واجلد تلك السافلة عشرة سياط !،، فذهب سعيد إليها وجلدها عشرة سياط موجعة، فصاح سالم أرجوك ارحمها ولا تعذبها !،،
فأمر حيران العبد بأخذ سالم وربطه إلى شجرة وجلده عشر سياط !!.
ومضت عدة أيام على غياب سالم فقلق عليه إخوته وقرر أخيه الذي يليه اللحاق به، فاسر إلى أخيه الذي يليه، وسافر في نفس الطريقة ووصل إلى قصر حيران وجلس معه والتمس العفو لسالم وسالم يشير برأسه لأخيه بعدم التماس العفو له، ولم يفهم أخيه الإشارة، فغضب حيران وفعل به كما فعل بسالم، وجاء الأخ الثالث ووقع في قبضة العبد سعيد بسبب التماس العذر وطلب العفو عن أخويه، وجاء الرابع والخامس والسادس ووقعوا جميعا في قبضة حيران بسبب التماسهم العفو عن بعضهم البعض !،،
وقلق حامد فلحق بأخوته وعند وصوله شاهد إخوته على تلك الحال المزرية، وطلب حيران منه الجلوس فجلس، وقال: ما بال تلك المرأة الجميلة الموثقة بالعمود ؟،، وما خبر هؤلاء الرجل الموثقين إلى تلك الأشجار ؟،،
فقال حيران: يا سعيد أجلد تلك السافلة عشرة سياط !،، ففعل سعيد وبقى حامد صامتا !،،
فقال حيران: لماذا لم ترحم تلك المرأة وتلتمس لها العفو ؟،،
قال حامد: ولماذا اطلب لها العفو وآنا لا اعرف ما هو جرمها الذي استحقت منك هذا العذاب !،، وقد سألتك عن خبرها وخبر هؤلاء الرجال فلم تخبرني !،،
فقال حيران: أراك تستعمل صمتك قبل كلامك وعقلك قبل عطفك !،،
قال حامد: يقول أهل الأمثال ( من تدخل في ما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه ) واضن أن هؤلاء الرجال لم يعملوا بهذا القول فوقعوا في غضبك ونالوا عذابك !،،
فقال حيران: إن قلبي قد انفتح لك، والأسرار مثل الجمار، تكوي القلوب وتحرقها، وعليه قررت إن أفضي لك بها، لعل قلبي يرتاح، أن هذه المرأة الجميلة زوجتي، وهي في الأصل ابنة عمي، وقد تزوجتها عن حب، وبعد زواجنا بمدة لم نرزق بأطفال، فقصدت زوجتي جارة لنا، لعلها تعرف وسيلة من أجل الحمل، وتلك المرأة كانت ساحرة ومشعوذة شريرة، سيطرة على زوجتي بحيلها الناعمة وأفكارها المسمومة والمخلوطة بالعسل، فعلمتها السحر والشعوذة والحيل والمكر الخبيث، وتحولت زوجتي إلى أخبث ساحرة بعد إن كانت أجمل امرأة بحسنها وطيبتها، وماتت تلك العجوز الشريرة، بعد إن ملكتها كل شيء كانت تملكه، ومن تلك الأشياء عصى سحرية عجيبة، وكل هذا وانأ في غفلة عنه، وبدون علمي ومعرفتي، وسببه غبائي وقلة عقلي، وبعد فترة من الزمن أحسست إن زوجتي المحبة والحبيبة قد تغيرت طباعها وأصبحت من اللين إلى الشدة ومن الهدوء إلى الغضب، ومن الطاعة إلى المعصية، وفي يوم من الأيام ونحن نيام في الليل قامت من الفراش بهدوء تام، وخرجت من البيت، فقمت ولحقت بها دون إن تلاحظني !، وعندما صارت خارج المدينة، التقت بنساء أخريات، سرن جمعيا، ووصلن إلى مكان فيه مجموعة من الأسطوانات على شكل تنور الطين، وجاءت امرأة راكبة على ظهر طائر كبير هبط على الأرض فنزلت ودخلت في الأسطوانة، ودخلت زوجتي والأخريات، فأسرعت ودخلت إلى إحدى الأسطوانات الفارغة، وبعد لحظات كأن الأرض انهارت من تحتنا وأبتلعتنا وصرنا في مكان عجيب وغريب فيه رجال لم أرى في حياتي مثلهم، فخرجت زوجتي وبقية النساء من الأسطوانات وجلسن مع الرجال على مائدة مختلفة الأصناف ومتعددة الشراب وصاروا يضحكون ويأكلون ويشربون الخمر وصرن يتمايلن من الخمر حتى وقع ما لم كنت أتوقعه من زوجتي العفيفة !،،
وقريب الفجر وبعد ذلك الفجور القبيح، عادة النساء وزوجتي إلى تلك الأسطوانات وصرن بها جميعا وارتفعت بنا إلى سطح الأرض، فنزلن وجاء ذلك الطائر الكبير وصعدت تلك المرأة على ظهره وطار، وتفرقت النساء وذهبن إلى بيوتهن، وعادة زوجتي إلى البيت ولحقتها، فدخلت ولم تجدني ودخلت خلفها وفاجأتها، وقالت: أين كنت ؟، فقلت ودموعي تسيل: كنت أشاهد تلك القبائح والخيانة !، وهذا ما لم أتوقعه في حياتي منك أبدا !، وما أنهيت كلامي حتى أسرعت وأخذت العصا السحرية وقالت: تحول إلى صخرة على جادة الطريق !، وتحولت بسحرها إلى صخرة !، وبقيت أيام وأنا أشاهد الناس يمرون على جادة الطريق، وفي احد الأيام مر رجل ومعه زوجته، فوقفت المرأة أمام الصخرة وغطت وجهها وقالت: إن هذه الصخرة رجلا مسحورا !، فقال زوجها: وكيف ذلك ؟، فقالت: سوف ترى، فأخرجت عصا وأشارت بها نحوي وتمتمت بكلمات تحولت بعدها إلى طبيعتي، فشكرتها وزوجها كثيرا، وأخذوني معهما إلى بيتهما، وطلبا مني إن أقص عليهما حكايتي، فقصصتها وبكت المرأة وقالت: يا لك من رجل مسكين مبتلى، وماذا سوف تفعل مع زوجتك الشريرة الخائنة ؟، فقلت: لا اعرف، فقالت: انك مسكين وتستحق المساعدة وسوف أدلك على طريقة تنتصر عليها، لكن يجب إن تكون على حذر شديد، وعليك إن تحفظ هذه الكلمات المكتوبة في هذه الورقة وبعدها تحرقها، ثم عليك إن تخدع زوجتك وتعتذر، وتظهر الندم والطاعة لها، وعندما تجد الفرصة فبادر في أخذ عصاها السحرية، واقرءا الكلمات وأسحرها !،،
فشكرت الساحرة الطيبة، وعملت بنصيحتها، وأخذت العصا وتمتمت بالكلمات !، لكن كانت زوجتي أسرع مني فقالت: تحول إلى كلب !، فتحولت إلى كلب وذهبت إلى دار الساحرة الطيبة، وقمت بالنباح أمام باب بيتها، فخرج زوجتها وقام بطردي من أمام باب دارهم، وسرعان ما خرجت وعرفتني وقالت لزوجها انه المسكين حيران !، وذهبت وسترت رأسها وأدخلني زوجها وجاءت وحولتني إلى طبيعتي مرة أخرى، وقالت: يبدو انك لم تنجح بالمهمة ؟، فقلت لها: للأسف كانت زوجتي أسرع مني، فقالت: عاود الكرة عسى أن تفلح هذه المرة !،،
وذهبت إلى داري، وتوسلت إليها طالبا منها السماح في العفو عني وعن جرمي معها، وأنني لا استطيع مفارقتها، فرق قلبها ولان عركها، ورضيت عني، وحانت لي فرصة فأخذت العصا وتمتمت بالكلمات لكن كانت أسرع مني فحولتني إلى سمكة في قلب البحر، وضننت هذه المرة أنني سوف اهلك في خضم هذا البحر المتلاطم، لكن شاء القدر بعد أيام طالت علي ساعاتها، ولم أحصيها أن أقع في شباك صياد، أخذني إلى السوق للبيع مع بقية الأسماك، وشاءت الأقدار فجاء زوج الساحرة الطيبة واشتراني من الصياد، وذهب بي إلى منزله، ورأتني الساحرة فعرفتني وحولتني إلى طبيعتي، وقالت لي: اسمع يا حيران يجب عليك شكر الله تعالى كثيرا فلولا رحمته ورأفته، لما وقعت في شبكة الصياد ثم بيد زوجي، ولكنت الآن طعاما طيبا على أحدى موائد الناس، وعليك الآن أن تجد طريقة أخرى في القضاء على تلك الخائنة، فما عدت قادرا على استعطافها وخداعها مطلقا !،،
فجلست أيام مع نفسي وحيدا فريدا أجول بفكري وخاطري لعلي أجد الوسيلة الناجعة في القضاء على تلك الخبيثة، حتى خطرت لي فكرة، فأسرعت وكمنت قرب داري خلف جدار حتى الليل، وخرجت زوجتي وذهبت إلى مخدع الخيانة والفحش، ودخلت إلى الدار وأخذت العصا السحرية، وانتظرتها حتى عادة قريب الفجر، وهي تترنح وتخط بقدميها غير متماسكة من شدة السكر، ودخلت غرفتها واستلقت على وجهها، فأشرت عليها بالعصا وقلت تلك الكلمات بسرعة، فكبلت بالسلاسل والأصفاد، وذهب عنها سحرها فما عادة قادرة على إضرار إي إنسان، وقد وضعتها منذ أكثر من سنة على هذا الحال الذي تراه، ولكي أنسى همومي وغمي وحظي التعيس، جلست هنا مع هذه الأرجيلة، ومع سعيد خادمي الوفي الذي لا يعصي لي أمرا !،،
وقد عاهدة نفسي أن أعذبها كلما اشتهيت ذلك، وأقسمت أن أعذب إي إنسان يشفع لها عندي، وهؤلاء الرجال قد شفعوا لها فنالوا غضبي وعقابي !،،
فقال حامد: وهل عرفت من تلك المرأة التي كانت تأتي على ظهر ذلك الطائر الكبير ؟،،
قال حيران: نعم عرفت ذلك، فقد أخبرتني هذه الخائنة إن تلك المرأة هي الأميرة غدران بنت الملك الطيب المخدوع الغضنفر، وأخبرتني أيضا بقصتها وسؤالها للخطاب، وسرها الدفين تحت الفنجان !،،
قال حامد: وما هذا السر الدفين التي تخفيه الأميرة غدران تحت الفنجان ؟،،
قال حيران: مسكين ذلك الأمير بدر الذي أحبها وأراد الزواج بها، لكنه بالصدفة اكتشف سرها وأراد فضحها عند أبيها، فحولته لعبة صغيرة !،،
قال حامد: أتمنى أن تقبل شفاعتي بهؤلاء الرجال، على أن أكون معك صديقا ونديما لا افارقك أبدا فقد أحببتك وأحببت البقاء عندك، وأرجو من سعيد أن يجلد هذه الخائنة عشر سياط مني انتقاما منها لك !،،
فرح حيران وقال: اجلدها يا سعيد عشرين سوطا مني عشرة ومن حامد عشرة، فذهب سعيد وجلدها، فصاحت وحيران يضحك وضحك حامد محاباة له، فقال حيران: انك رجلا طيبا وتستحق أن تكون شفيعا لهؤلاء الرجال وعليه يا سعيد قم وفك قيودهم، فقام بفك قيود أخوت حامد، وأسرع حامد إليهم وأشار لهم بالرحيل بسرعة من قصر حيران، وانه سوف يلحق بهم عندما يجد فرصة للهروب من حيران، فصعد أخوت حامد إلى سطح القصر ودخلوا في الأكياس وذبح حامد شاة وجاءت العنقاء وربط إخوة حامد أنفسهم في قدمي العنقاء وحملتهم إلى ارض الوطن !،،
أما حامد فبقى ينتظر الفرصة للهروب من حيران وبعد تحضير سبل نجاته أخذ العصا السحرية وانطلق بسرعة إلى السطح، وربط نفسه بقدم العنقاء وطارت به نحو الوطن، واخرج رأسه من الكيس وصاح يا حيران لا تكن ظالما للناس، وأن كنت مظلوما، فغضب حيران وعرف أن قصته سوف تكون على كل لسان، فأسرع وقتل زوجته خوفا من العار !،،
وصل حامد سالما غانما إلى وطنه، وقرر أن يكشف سر الأميرة غدران، وينتقم للشباب الذين قتلوا بسبب خداعها ومكرها، وينقذ الأمير بدر، فذهب إلى قصر الملك، وكانت عادة الأميرة غدران عند سؤال من يتقدم لخطبتها، استقباله في قاعة لا يحضرها سواها وأبيها الملك، وكانت لا تحضر معها عصاها السحرية، لعدم جلب الانتباه، أما حامد فقد احضر معه العصا، وتقدم أمام الملك وعرف عن نفسه وطلب خطبة الأميرة غدران، فطرحت عليه سؤالها المعتاد، فقال: أما قصة حيران بن زعلان فذاك المسكين البائس الذي خانته زوجته والتي كنت معها في ذلك الوقت، وأما ما تحت الفنجان فهو الأمير المسحور بدر، الذي كشف سرك وأراد فضحك عند أبيك الملك فقمتي بسحره إلى لعبة صغيرة !!،،
تعجب الملك الغضنفر من كلام حامد، واستشاط غضبا، وقال ما هذه الخزعبلات والترهات التي تفوهت بها ايها الشاب ؟،،،
فأسرع حامد نحو الفنجان فقلبه وأخذ اللعبة ووضعها على الأرض وأشار عليها بالعصا السحرية وتمتم بالكلمات، فعاد الأمير بدر إلى طبيعته، وقال: ايها الملك أن ابنتك غدران قد لوثت شرفك وهي عار لابد من غسله، فعرف الملك صدق الشاب بعد أن رأى بعينية تحول الأمير بدر، وسمع كلامه وشهادته على ابنته الفاسدة، فأسرع إليها شاهرا سيفه، وبضربة واحدة صرعها وأزهق روحها الشريرة، وطلب من حامد والأمير بدر أن يكتمون سر ابنته مادام حيا.
بقلم: فلاح العيساوي
جلس الأب إلى أبنائه السبعة، بعد إن أعياه المرض، فقال: يا أبنائي الأعزاء إن الحرص آفة مهلكة، وبلاء ملازم لمن لا يجاهد في سبيل الخلاص منه، والقناعة كنز لا يفنى، وعليه فأني تركت لكم ما لا تحتاجون معه إلى سؤال الناس أو استعطافهم، واطلب منكم أن لا تقربوا الغرفة الأخيرة والتي جعلت عليها قفل، واطلبوا دوما القناعة والرضا بقضاء الله وقدره، وكونوا أخوان متعاضدين متحابين بالله والرحم ما حييتم، فالعصا إن كانت وحيدة تكسر وان كانت مع الجماعة عصيت على الكسر، والضالة فريسة الذئاب !!..
بعد أيام مات الأب، وتقاسم الأبناء الأملاك، وتركوا الغرفة ولم يدخلوها، وجلس الأخ الأكبر ( سالم ) يفكر في شأن الغرفة المقفلة وفي وصية أبيه الذي طلب منهم عدم الاقتراب منها، وقال في نفسه لعل في الغرفة كنزا ثمينا، أراد والدي إخفائه علينا خوفا من اختلافنا على قسمته، فجمع إخوته واخبرهم بما خطر على فكره وعزمه على فتح الغرفة وكشف سرها، فوافقه إخوته عدى الأخ الأصغر ( حامد ) وكان شديد الذكاء فطنا وذا عقل وحكمة ودراية، وقال أخوتي: الأعزاء إن كان أبونا قد حذرنا إن نقرب تلك الغرفة فهو جاد في تحذيره لنا، ولولا خوفه علينا لأطلعنا على ما تحتوي ولم يجعل على بابها قفل من الحديد، وانأ اعتقد إن هذا الباب الموصد هو باب البلاء والامتحان فلا تفتحوه على أنفسكم واتركوه وشأنه !!..
فقال سالم حديثك لا جدوى منه ولا طائل، ونحن عزمنا على كشف سر تلك الغرفة، فقاموا أليها وكسروا القفل ودخلوها ووجدوها خالية من الأثاث، سوى صندوق من الخشب مرصع بالعاج وبعض الياقوت الأحمر، فضنوا أنهم وجدوا ضالتهم، وفتح سالم الصندوق ووجد فيه لوحة صغيرة رسم عليها صورة (فتاة) رائعة الجمال، فهالهم العجب، وقالوا أهذا الذي منعنا عنه أبينا !!،، مجرد صندوق فارغ لا توجد فيه غير هذه الصورة التي لا نعرف من صاحبتها !!..
تفرق الإخوة، وجلس سالم يفكر مليا في تلك الغرفة الموصدة، وفي ذلك الصندوق الصغير، الذي حوي مجرد رسم لفتاة جميلة، ومن تلك الفتاة ؟، وما قصتها ؟، وخطر له أن يذهب إلى رجل حكيم كان صديقا لأبيه، وصاحب سره، وموضع أمانته، فحضر عنده وحدثه عن وصية أبيه والغرفة، وأعطاه الصندوق فشاهد الصورة وتحسر وتأفف، وقال: ولدي ارجع الصندوق إلى مكانه وأنسى أمره وعش حياتك برغد فأنت تملك ما يغنيك عن المتاعب والمخاطر !!..
أصر سالم على الرجل الحكيم بضرورة معرفة صاحبة الرسم، فقال: يا بني أن صاحبة الصورة هي الأميرة ( غدران ) ابنة ملكنا السعيد ( الغضنفر ) وقد وضعت الأميرة سؤالا صعبا على كل من تقدم لخطبتها !، ولم يستطع آي شاب من الذين تقدموا لخطبتها من الإجابة عليه ومن خرج في سبيل تحصيل الجواب لم يعد قط !، ومن أجاب فقد هلك !، فقال: وما هو سؤالها ايها الرجل الحكيم ؟، فقال: سؤالها هو ( ما قصة حيران بن زعلان وما تحت الفنجان ) ؟، فقال: ومن هو حيران بن زعلان ؟، وأي فنجان ؟، فقال: يا ولدي أما حيران بن زعلان فقد سمعت انه يسكن في قصر عبر البحار السبعة !، وأما الفنجان فقد وضع في آناء كبير مقلوبا على رأسه لا اعلم ما تحته !، فقال: وكيف السبيل في الذهاب إلى قصر حيران بن زعلان ؟، فقال: يا بني ينبغي أن تذهب إلى قمة جبل الأرجوان وتأخذ معك (جدي) تذبحه ليكون طعم لطائر العنقاء الكبير وتهيأ لك جراب تجلس داخله بالقرب من الذبيحة، وعند نزول العنقاء لأكل الجدي تقوم بربط الجراب في أحدى رجليها وبعدها تطير بك العنقاء فوق البحار السبعة وتنزلك فوق قصر حيران !!..
انطلق سالم بعد إخبار أخيه الذي يليه، وفعل كما اخبره الرجل الحكيم ونزلت به العنقاء فوق سطح قصر كبير وافلت الحبال من رجليها وطارت بعيدا، فنهض ونزل سلم القصر والوجل واضح على تقاطيع وجهه الشاحب بسبب التعب والخوف من العنقاء والمجهول، لكن جمال القصر وزخرفة جدرانه الكبيرة، سرعان ما خففت على كاهله القلق، فراح يسرح ويمرح في قاعات القصر الواسعة، ثم خرج من باب القاعة الكبيرة إلى الباحة المطلة على بستان القصر والمتصلة بساحل البحر الأزرق الجميل، وفي بستان القصر شاهد رجل جالس على فرشا منضدة ومتكأ على وسادة قماشها من الحرير الخالص، وبيده أنبوب الأرجيله (الغرشه) يسحب منها الدخان إلى فيه ويرسله إلى الهواء وكأنه جان يتصاعد إلى السماء، وهو لا يشعر بمن حوله، وإمامه أنواع من الفواكه اللذيذة والشراب العطر، وعلى جانبه الأيمن توجد امرأة بارعة الجمال موثقة إلى عمود من الحديد الصلد، ويوجد عبد اسود قائم على ساقيه إلى جانبه الأيسر ينتظر من سيده الإشارة للقيام بما يأمره، بعد لحظات من وقوف سالم ينظر إلى حيران بن زعلان والدهشة تعلو محياه، انتبه حيران إليه وأشار له بيده بالجلوس إلى جانبه الأيسر، وبدون تردد جلس سالم.
فقال حيران: هل تستحق هذه المرأة أن تجلد بالسوط ؟،، وأشار إلى المرأة الجميلة بيده !،،
فقال سالم: لا اعرف أن كانت تستحق العقاب !،،
فقال حيران: للعبد الأسود سعيد اذهب واجلد تلك السافلة عشرة سياط !،، فذهب سعيد إليها وجلدها عشرة سياط موجعة، فصاح سالم أرجوك ارحمها ولا تعذبها !،،
فأمر حيران العبد بأخذ سالم وربطه إلى شجرة وجلده عشر سياط !!.
ومضت عدة أيام على غياب سالم فقلق عليه إخوته وقرر أخيه الذي يليه اللحاق به، فاسر إلى أخيه الذي يليه، وسافر في نفس الطريقة ووصل إلى قصر حيران وجلس معه والتمس العفو لسالم وسالم يشير برأسه لأخيه بعدم التماس العفو له، ولم يفهم أخيه الإشارة، فغضب حيران وفعل به كما فعل بسالم، وجاء الأخ الثالث ووقع في قبضة العبد سعيد بسبب التماس العذر وطلب العفو عن أخويه، وجاء الرابع والخامس والسادس ووقعوا جميعا في قبضة حيران بسبب التماسهم العفو عن بعضهم البعض !،،
وقلق حامد فلحق بأخوته وعند وصوله شاهد إخوته على تلك الحال المزرية، وطلب حيران منه الجلوس فجلس، وقال: ما بال تلك المرأة الجميلة الموثقة بالعمود ؟،، وما خبر هؤلاء الرجل الموثقين إلى تلك الأشجار ؟،،
فقال حيران: يا سعيد أجلد تلك السافلة عشرة سياط !،، ففعل سعيد وبقى حامد صامتا !،،
فقال حيران: لماذا لم ترحم تلك المرأة وتلتمس لها العفو ؟،،
قال حامد: ولماذا اطلب لها العفو وآنا لا اعرف ما هو جرمها الذي استحقت منك هذا العذاب !،، وقد سألتك عن خبرها وخبر هؤلاء الرجال فلم تخبرني !،،
فقال حيران: أراك تستعمل صمتك قبل كلامك وعقلك قبل عطفك !،،
قال حامد: يقول أهل الأمثال ( من تدخل في ما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه ) واضن أن هؤلاء الرجال لم يعملوا بهذا القول فوقعوا في غضبك ونالوا عذابك !،،
فقال حيران: إن قلبي قد انفتح لك، والأسرار مثل الجمار، تكوي القلوب وتحرقها، وعليه قررت إن أفضي لك بها، لعل قلبي يرتاح، أن هذه المرأة الجميلة زوجتي، وهي في الأصل ابنة عمي، وقد تزوجتها عن حب، وبعد زواجنا بمدة لم نرزق بأطفال، فقصدت زوجتي جارة لنا، لعلها تعرف وسيلة من أجل الحمل، وتلك المرأة كانت ساحرة ومشعوذة شريرة، سيطرة على زوجتي بحيلها الناعمة وأفكارها المسمومة والمخلوطة بالعسل، فعلمتها السحر والشعوذة والحيل والمكر الخبيث، وتحولت زوجتي إلى أخبث ساحرة بعد إن كانت أجمل امرأة بحسنها وطيبتها، وماتت تلك العجوز الشريرة، بعد إن ملكتها كل شيء كانت تملكه، ومن تلك الأشياء عصى سحرية عجيبة، وكل هذا وانأ في غفلة عنه، وبدون علمي ومعرفتي، وسببه غبائي وقلة عقلي، وبعد فترة من الزمن أحسست إن زوجتي المحبة والحبيبة قد تغيرت طباعها وأصبحت من اللين إلى الشدة ومن الهدوء إلى الغضب، ومن الطاعة إلى المعصية، وفي يوم من الأيام ونحن نيام في الليل قامت من الفراش بهدوء تام، وخرجت من البيت، فقمت ولحقت بها دون إن تلاحظني !، وعندما صارت خارج المدينة، التقت بنساء أخريات، سرن جمعيا، ووصلن إلى مكان فيه مجموعة من الأسطوانات على شكل تنور الطين، وجاءت امرأة راكبة على ظهر طائر كبير هبط على الأرض فنزلت ودخلت في الأسطوانة، ودخلت زوجتي والأخريات، فأسرعت ودخلت إلى إحدى الأسطوانات الفارغة، وبعد لحظات كأن الأرض انهارت من تحتنا وأبتلعتنا وصرنا في مكان عجيب وغريب فيه رجال لم أرى في حياتي مثلهم، فخرجت زوجتي وبقية النساء من الأسطوانات وجلسن مع الرجال على مائدة مختلفة الأصناف ومتعددة الشراب وصاروا يضحكون ويأكلون ويشربون الخمر وصرن يتمايلن من الخمر حتى وقع ما لم كنت أتوقعه من زوجتي العفيفة !،،
وقريب الفجر وبعد ذلك الفجور القبيح، عادة النساء وزوجتي إلى تلك الأسطوانات وصرن بها جميعا وارتفعت بنا إلى سطح الأرض، فنزلن وجاء ذلك الطائر الكبير وصعدت تلك المرأة على ظهره وطار، وتفرقت النساء وذهبن إلى بيوتهن، وعادة زوجتي إلى البيت ولحقتها، فدخلت ولم تجدني ودخلت خلفها وفاجأتها، وقالت: أين كنت ؟، فقلت ودموعي تسيل: كنت أشاهد تلك القبائح والخيانة !، وهذا ما لم أتوقعه في حياتي منك أبدا !، وما أنهيت كلامي حتى أسرعت وأخذت العصا السحرية وقالت: تحول إلى صخرة على جادة الطريق !، وتحولت بسحرها إلى صخرة !، وبقيت أيام وأنا أشاهد الناس يمرون على جادة الطريق، وفي احد الأيام مر رجل ومعه زوجته، فوقفت المرأة أمام الصخرة وغطت وجهها وقالت: إن هذه الصخرة رجلا مسحورا !، فقال زوجها: وكيف ذلك ؟، فقالت: سوف ترى، فأخرجت عصا وأشارت بها نحوي وتمتمت بكلمات تحولت بعدها إلى طبيعتي، فشكرتها وزوجها كثيرا، وأخذوني معهما إلى بيتهما، وطلبا مني إن أقص عليهما حكايتي، فقصصتها وبكت المرأة وقالت: يا لك من رجل مسكين مبتلى، وماذا سوف تفعل مع زوجتك الشريرة الخائنة ؟، فقلت: لا اعرف، فقالت: انك مسكين وتستحق المساعدة وسوف أدلك على طريقة تنتصر عليها، لكن يجب إن تكون على حذر شديد، وعليك إن تحفظ هذه الكلمات المكتوبة في هذه الورقة وبعدها تحرقها، ثم عليك إن تخدع زوجتك وتعتذر، وتظهر الندم والطاعة لها، وعندما تجد الفرصة فبادر في أخذ عصاها السحرية، واقرءا الكلمات وأسحرها !،،
فشكرت الساحرة الطيبة، وعملت بنصيحتها، وأخذت العصا وتمتمت بالكلمات !، لكن كانت زوجتي أسرع مني فقالت: تحول إلى كلب !، فتحولت إلى كلب وذهبت إلى دار الساحرة الطيبة، وقمت بالنباح أمام باب بيتها، فخرج زوجتها وقام بطردي من أمام باب دارهم، وسرعان ما خرجت وعرفتني وقالت لزوجها انه المسكين حيران !، وذهبت وسترت رأسها وأدخلني زوجها وجاءت وحولتني إلى طبيعتي مرة أخرى، وقالت: يبدو انك لم تنجح بالمهمة ؟، فقلت لها: للأسف كانت زوجتي أسرع مني، فقالت: عاود الكرة عسى أن تفلح هذه المرة !،،
وذهبت إلى داري، وتوسلت إليها طالبا منها السماح في العفو عني وعن جرمي معها، وأنني لا استطيع مفارقتها، فرق قلبها ولان عركها، ورضيت عني، وحانت لي فرصة فأخذت العصا وتمتمت بالكلمات لكن كانت أسرع مني فحولتني إلى سمكة في قلب البحر، وضننت هذه المرة أنني سوف اهلك في خضم هذا البحر المتلاطم، لكن شاء القدر بعد أيام طالت علي ساعاتها، ولم أحصيها أن أقع في شباك صياد، أخذني إلى السوق للبيع مع بقية الأسماك، وشاءت الأقدار فجاء زوج الساحرة الطيبة واشتراني من الصياد، وذهب بي إلى منزله، ورأتني الساحرة فعرفتني وحولتني إلى طبيعتي، وقالت لي: اسمع يا حيران يجب عليك شكر الله تعالى كثيرا فلولا رحمته ورأفته، لما وقعت في شبكة الصياد ثم بيد زوجي، ولكنت الآن طعاما طيبا على أحدى موائد الناس، وعليك الآن أن تجد طريقة أخرى في القضاء على تلك الخائنة، فما عدت قادرا على استعطافها وخداعها مطلقا !،،
فجلست أيام مع نفسي وحيدا فريدا أجول بفكري وخاطري لعلي أجد الوسيلة الناجعة في القضاء على تلك الخبيثة، حتى خطرت لي فكرة، فأسرعت وكمنت قرب داري خلف جدار حتى الليل، وخرجت زوجتي وذهبت إلى مخدع الخيانة والفحش، ودخلت إلى الدار وأخذت العصا السحرية، وانتظرتها حتى عادة قريب الفجر، وهي تترنح وتخط بقدميها غير متماسكة من شدة السكر، ودخلت غرفتها واستلقت على وجهها، فأشرت عليها بالعصا وقلت تلك الكلمات بسرعة، فكبلت بالسلاسل والأصفاد، وذهب عنها سحرها فما عادة قادرة على إضرار إي إنسان، وقد وضعتها منذ أكثر من سنة على هذا الحال الذي تراه، ولكي أنسى همومي وغمي وحظي التعيس، جلست هنا مع هذه الأرجيلة، ومع سعيد خادمي الوفي الذي لا يعصي لي أمرا !،،
وقد عاهدة نفسي أن أعذبها كلما اشتهيت ذلك، وأقسمت أن أعذب إي إنسان يشفع لها عندي، وهؤلاء الرجال قد شفعوا لها فنالوا غضبي وعقابي !،،
فقال حامد: وهل عرفت من تلك المرأة التي كانت تأتي على ظهر ذلك الطائر الكبير ؟،،
قال حيران: نعم عرفت ذلك، فقد أخبرتني هذه الخائنة إن تلك المرأة هي الأميرة غدران بنت الملك الطيب المخدوع الغضنفر، وأخبرتني أيضا بقصتها وسؤالها للخطاب، وسرها الدفين تحت الفنجان !،،
قال حامد: وما هذا السر الدفين التي تخفيه الأميرة غدران تحت الفنجان ؟،،
قال حيران: مسكين ذلك الأمير بدر الذي أحبها وأراد الزواج بها، لكنه بالصدفة اكتشف سرها وأراد فضحها عند أبيها، فحولته لعبة صغيرة !،،
قال حامد: أتمنى أن تقبل شفاعتي بهؤلاء الرجال، على أن أكون معك صديقا ونديما لا افارقك أبدا فقد أحببتك وأحببت البقاء عندك، وأرجو من سعيد أن يجلد هذه الخائنة عشر سياط مني انتقاما منها لك !،،
فرح حيران وقال: اجلدها يا سعيد عشرين سوطا مني عشرة ومن حامد عشرة، فذهب سعيد وجلدها، فصاحت وحيران يضحك وضحك حامد محاباة له، فقال حيران: انك رجلا طيبا وتستحق أن تكون شفيعا لهؤلاء الرجال وعليه يا سعيد قم وفك قيودهم، فقام بفك قيود أخوت حامد، وأسرع حامد إليهم وأشار لهم بالرحيل بسرعة من قصر حيران، وانه سوف يلحق بهم عندما يجد فرصة للهروب من حيران، فصعد أخوت حامد إلى سطح القصر ودخلوا في الأكياس وذبح حامد شاة وجاءت العنقاء وربط إخوة حامد أنفسهم في قدمي العنقاء وحملتهم إلى ارض الوطن !،،
أما حامد فبقى ينتظر الفرصة للهروب من حيران وبعد تحضير سبل نجاته أخذ العصا السحرية وانطلق بسرعة إلى السطح، وربط نفسه بقدم العنقاء وطارت به نحو الوطن، واخرج رأسه من الكيس وصاح يا حيران لا تكن ظالما للناس، وأن كنت مظلوما، فغضب حيران وعرف أن قصته سوف تكون على كل لسان، فأسرع وقتل زوجته خوفا من العار !،،
وصل حامد سالما غانما إلى وطنه، وقرر أن يكشف سر الأميرة غدران، وينتقم للشباب الذين قتلوا بسبب خداعها ومكرها، وينقذ الأمير بدر، فذهب إلى قصر الملك، وكانت عادة الأميرة غدران عند سؤال من يتقدم لخطبتها، استقباله في قاعة لا يحضرها سواها وأبيها الملك، وكانت لا تحضر معها عصاها السحرية، لعدم جلب الانتباه، أما حامد فقد احضر معه العصا، وتقدم أمام الملك وعرف عن نفسه وطلب خطبة الأميرة غدران، فطرحت عليه سؤالها المعتاد، فقال: أما قصة حيران بن زعلان فذاك المسكين البائس الذي خانته زوجته والتي كنت معها في ذلك الوقت، وأما ما تحت الفنجان فهو الأمير المسحور بدر، الذي كشف سرك وأراد فضحك عند أبيك الملك فقمتي بسحره إلى لعبة صغيرة !!،،
تعجب الملك الغضنفر من كلام حامد، واستشاط غضبا، وقال ما هذه الخزعبلات والترهات التي تفوهت بها ايها الشاب ؟،،،
فأسرع حامد نحو الفنجان فقلبه وأخذ اللعبة ووضعها على الأرض وأشار عليها بالعصا السحرية وتمتم بالكلمات، فعاد الأمير بدر إلى طبيعته، وقال: ايها الملك أن ابنتك غدران قد لوثت شرفك وهي عار لابد من غسله، فعرف الملك صدق الشاب بعد أن رأى بعينية تحول الأمير بدر، وسمع كلامه وشهادته على ابنته الفاسدة، فأسرع إليها شاهرا سيفه، وبضربة واحدة صرعها وأزهق روحها الشريرة، وطلب من حامد والأمير بدر أن يكتمون سر ابنته مادام حيا.
تعليق