أسآمَة يَعود - قصَة قَصيرة *!
قبل عدة أعوآم , العام 1984 م , كانَ أسامَة ، الشابَ البالِغ من عمره السادسَة و العشرين ،في البيتِ القروي الكبير في بَلدتهِ
جالِساً أنذآكَ وَسط خُضمِ عائِلتِه ، وَ قد بدا الجَميع يبدي رأيَه حَول ما كانَ يقوله إليهم
أسامَة : أريدُ أن أكونَ مراسلاً للصَحيفَة ، وَ أكشِف عن الحرب التي كشفت ساقيها في بلادِ الشَرق ، وَ بعدها أعود إلى هنآ ..!
عارَضته امه مراراً ، و لكنه أصرَّ على رأيِه وَ استمسَكَ بِه ، أما والده فقد كانَ مُكرها على قبولِ رغبَةِ ابنِه ، وَ الذي يَعمل لدى
جريدَةالأنباء في البلدة ، كانَ الحوار يَشتعل تارَةً و يخمِدُ تارَةً أخرى ، وَ لكن في النهاية .. انتصرت عزيمَة أسامَة .
في اليومِ التالي حزم أسامَة حَقيبته للسَفر , بعضُ الملابِسِ وَ صرَّة من بَعضِ الطعامِ ، وَ لم يَنسَ أقلامَه وَ حبره وَ دواتَه بالطَبع .
ودعَه أخوه ( مُحمد ) وَ أختيه ( نور ) وَ ( سُمَية ) ، قابَلته أمُه بالأحضآنِ داعيَةً إليهِ بالسلآمَة ، فالوَضع خطير جداً ، وَ لآ أحد
يَعلم ما سَيحدث له ، كما أن الاتصال بَينه وَ بينهم شبه وآرِد ، وَ هكذآ على حِسآبِ الجريدَة انطلق أسامَة في الرحلة .
بعد بِضعة أيامٍ معدودات ، وَصل أسامَة إلى البَلد المعنيَة ، سارَ طويلاً مع رَفيقيه ، وَ هناكَ رأى الدخانَ المتصاعِد البَعيد ، وَ سمعَ
صراخَ أطفالٍ مع دويِ الرصاص ، حتى أن البيتَ الذي آوآهُ يكادُ يضجُ مِن معاناةِ أهلهِ ، لآ مأوَى لآ غِذاء ، يَجب أن تتحرر هذهِ
الأرضْ من الطغاةِ وَ الفساد !
بدأ يكتُب مقالَته وَ صميمُ قَلبه يكادُ يتَقطع ، في كُلِ يومٍ يَدخل فجأة رجل آخَر حاملاً معه أما خبراً سيئاً ، أو جثَة هامِدَة ، أو حتى
جَريح ..
بَعدَ شهرينِ وَ في يومٍ من الأيام ، قبيلَ الفجر .. شُنَّ هجوم من قِبلَ المعتدين على المأوَى ، أخذوآ يأخذونَ كل ما أمسكتْ أيديهم ،
وَ في غَفلة من أسامَة ، مُزِقَت أوراقُ ما دَونَّه ، وَ جُرَّ بعدها إلى حيث لا يَعلم .
هناكَ في المعتَقل كانَ معصوبَ العينينِ ، وَ قالَ لَهم بأصلِ موطِنه ، أخذوه وَ ألقوآ بِهِ في آخر بقعَة من الصحارِي هناكَ جَريحاً يُعانِي
لوحده ، بلا وسائِل اتصال أو ايصال .. وَ بلآ أي شيءٍ آخر يَحتاجَه . ظلَّ يَسير بلآ رَفيقيهِ حائِراً صامتاً في دربِهِ إلى أن وَصلَ إلى
كوخٍ صغير في أطرافِ هذهِ البلدَة ، يَقطن فيه شيخٌ طاعنٌ في السن ، عالجه من جرح ، وَ سرد له أسامَة كل الروآيَة وَ بعد أيام ..
أسامَة : أريدُ العودَة إلى وَطنِي يآ عَم ..
الشيخ : صعبٌ جداً يا وَلدي الوصول للقنصليَة الآن , المدينَة بعيدة !
يأسَ أسامَة قليلاً وَ أكمل الشيخ : لكن لديكَ حلٌ وَحيد .. وَ هوَ ان تسير في هذا الطريق بعد الوادِي إلى أن تخرجَ إلى البلدة المجاورَة
وَ تتجه نحو قنصليَة موطنك ! وَ سأعطيكَ ناقتي يا بني لهذآ الغَرض .
أسامَة : أشكركْ ، ليتني أرد جميلكَ هذا يوماً !
و هكذا .. مرة أخرى حمل زادَه وَ ركب الناقَة ، بعد أسبوع أو اكثر بقليل تقريباً من الضياعٍ رأى أطلالَ البلدَة المجاورَة و ابتسم للحَظ !
حينَها سأل عن مكانِ القنصلية الخاصة ببلده ..
وَ بعدَ أيام طَويلَة بالنسبَة لأسامَة ، وَ لعائِله أسامَة القلقَة على مَصيرِ ابنهآ ، عآدَ بعد طولِ الغيآبِ ، وَ جهدِ السَفر ، وَ التَقى بعائِلته وَ
حكى لهم مآ حَصل , جمعَهُ من جديد جو عائِلته التي افتَقده .. وَ هنا مسآءً .. نراهُ يحمِل دَفتراً وَ بَدأ يكتُب مَقالاً جديداً , وَ سطوراً
جديدَة .. وَ هو يدعو للعَجوزِ بالخَير , وَ متمنياً الحُريَةة وَ فَكَ الحصآرِ عن ذآكَ البَلد الغَريب !
تمت ..
* مُلاحَظَة : إهداءُ ما كَتبتُه ، إلى بَحرينِي الغالِيَة ..
تعليق