( ذات صيف )
لبيت دعوة أحد المعارف في بيته، وهناك واجهني أحدهم دونما سابق أي معرفة.
قال : ممكن أعمل معاك ريبورتاج صحفي ؟ معليش المكان والوقت مش مناسبين ولكن إنت ما بتتلقيش بسهولة.
نظرت إليه، فوجدته أنيقا .. ذي وجه طلق بشوش، ولكن يشوبه قلق بائن.
فوقفت وسلمت عليه بحرارة وأنا أحاول أن أستوعب سبب إختياره لي دون خلق الله في منزل زميلنا وصديقنا في المناسبة التي ضمت الكثيرين.
قلت له : ليه أنا بالذات ؟
فقال وكأنه مقتنع تماما بأنني سأستجيب لتحقيقه الصحفي : أنا سمعت عنك كتير وعاوزين نعرف خلفياتك وكدة.
إنتفختْ أوداجي بهذا الإطراء الذي أتخمني به هذا الذي لا أعرفه.
قلت له : طيب أنت بتشتغل في أنهي جريدة ؟
قال وهو يفتح دفترا ويستل قلما من جيبه دون أن يجيب على سؤالى ومتجاهلا إياه تماما : ممكن نبدأ الأسئلة؟
قلت وقد غاظني تجاهله لسؤالي : جاوبني بالأول.. إنت في أنهي مطبوعة ؟
قال وهو ينظر لي نظرة مباشرة ومخيفة وعيناه تلمعان ببريق مرعب : أسئلتك كتيرة يا أخي. أنا اللي بسأل مش أنت...
تغامز الجميع وهم يكتمون الضحك، فعرفت أنهم كانوا يعرفون من هو.
أما أنا فقد فاجأتني إجابته الفظة وحاولت أن أقف لأرد عليه الرد المناسب وأنسحب من أمامه، إلا أن زميلي وقف خلفه وأشار لي بيديه، ففهمت من إشارته أن الرجل ( به شيء ما أو خلل عقلي )
وقال زميلنا وهو يتوسطنا : أخونا صحفي جالنا هنا عن طريق واحد قريبي.
كنت غير مقتنع بمحاورة رجل مختل العقل لا يمكن التكهن بردود أفعاله تجاه أجوبتي وردودي
قلت له ممتعضاً: إتفضل إسأل.
فقال وهو ينظر إلى من تحت نظارته : الأخ متزوج ؟
قلت مستسلما : أيوة و لله الحمد.
فقال وهو يكتب وكأنه قرفان ومجبر على محاورتي : واحد أهبل جايب واحدة من بيت أهلها ومقعدها في بيته وبيصرف عليها...
غالبتُ ضحكة خوفا من أن تخرج مجلجلة فيسيء فهمي هذا (المُتَصَحْفِن) ،
قلت له : تقصد إيه ؟ دي زوجتي وأم عيالي...
فقال بحدة : أقصد إنك أهبل وبس. ما علينا. أبوك وأمك عايشين ؟
قلت : لا
فقال وهو يكتب : مقطوع من شجرة ويتيم ما عندوش ضهر... طيب جداتك عايشات ؟
قلت: لا..... الله يرحمهم جميعا
فقال و هو يكتب : ما عندوش قديم ، والناس الكبار ما بيتلقوش في السوق الأسود ،، ما علينا. بتشتغل فين ؟
قلت : أنا مغترب
قال : هربان من البلد اللي إبليس بيفكر يغترب برضو ويسيبها.
قلت له : ربنا قال ( أسعوا ) في مناكبها بحثا عن الرزق.
فقال : طيب هنا مفيش مناكب ؟
طريقة محاورته لي تبدو وكأنه لا يريد التفاهم مع نفسه داخليا، لذا فإنه يسأل ويجاوب على الأجوبة بمفهومه هو ورأيه الشخصي بصوت عال نظرا للخلل الذي أصاب عقله فأفقده خاصية التحدث إلى نفسه دون الإستعانة بشخص يحاوره.
ثم واصل : عندك أولاد ؟
قلت : أيوة ، الحمد لله ............
فقال وهو يكتب : راجل ما عندوش تلفزيون ولا إنترنت ولا شغلة ولا مشغلة بالليل غير التفريخ وولادة الأولاد وبيصرف عليهم ولما يكبروا حيروحو و يخلوهو يتلفت يمين وشمال. ما علينا، مين أكتر ناس خدموا البلد ؟
قلت : شهداء الوطن طبعا ............
قال وهو يواصل الكتابة : كداب في وش أصلك. أكتر ناس خدموا البلد هم الزبالين.
هنا ضحكت ،
فقال : في حاجة بتضحك ؟
فقلت : الزبالين إزاى خدموا البلد ؟
وقبل أن أكمل قال : اللي مش عارف يقول عدس، وإنت العدس الظاهر بتاكلو وإنت فاكرو زبادي.
ثم واصل وأنا أتابع حركات يديه حتى لا يباغتني بضربة من طفاية السجائر أو بطبزة في عيني من القلم الذي في يده :
ثم أطلق ضحكة هستيرية ،
ثم قطع الضحكة فجأة و كست وجهه مسحة الجدية والغضب وقال :
الضحك بلا سبب قلة أدب. ما علينا. إنت حبيت قبال دا ؟
قلت : طبعا...........
قال بجدية : طعمو إزاى ؟
قلت : الحب نعيشه ولا نتذوقه......
فقال : ما تتفلسفش علينا ... خليك في حدودك. الحب حياة ، والحياة فيها المر وفيها الحلو.....
***
كلام منطقي متسلسل، لا بد أنه ينبع من تجربة مريرة عاشها خلال تمتعه بكامل قواه العقلية............
لعنت زميلي وقريبه وسنسفيل اليوم الذي عرفتهما فيه
***
ثم واصل الرجل : الصلاة بتنتظر الوقت ولا الوقت بينتظر الصلاة ؟
فسكت وأنا أفكر في هذه الفزورة.
فقطع صمتي قائلا : الوقت والصلاة بيمشو مع بعض زى السترة والفضيحة وزى تروس الساعة.
قال : إنت برجك إيه ؟
قلت له بسرعة : العقرب.
فقال : كل المسلمين حيغيروا تواريخ ميلادهم. برجهم حيكون برج التجارة العالمي، وتاريخ ميلادهم حيكون حداشر سبتمبر.
قلت : ليه ما يكونش بتوقيت الثورات العربية؟
قال بسرعة : دي تواريخ لسه مكتوبة بقلم رصاص، يعني تواريخ مؤقتة.
ثم وقف مخاطبا الحضور بخطبة عصماء هي عبارة عن خليط من كل المواضيع والأمور ، وختمها بشتيمة كل الرؤساء العرب، ولعن سلسفيل كل الرؤساء الذين تعاقبوا على أمريكا وإسرائيل.
ثم قال رغم أن الوقت كان قد تجاوز منتصف الليل : أقم الصلاة يا عبد الله
قلت له : أي صلاة ؟
قال : صلاة الجنازة على التكنوقيراط
قلت له : أتقصد التكنوقراط ؟
قال : بل التكنوقيراط ، فهم صاروا يملأون فقط قيراطا واحدا من المساحة من المحيط إلى الخليج.
***
عرفت فيما بعد أن الرجل خريج إقتصاد ، ولكنه للأسف أدمن المخدرات إلى أن آل إلى ما آل إليه مأسوفا عليه.
يخلط الجد بالهزل ، و أحيانا تشعر بأنه أعقل إنسان و أحيانا يفاجؤك بكلام غير منطقي ، و أحيانا عطوف و تارة يثور و يحاول الإعتداء عليك بالضرب.
أحيانا يقوم بتدريس أولاد الحى الرياضيات الحديثة بكل إقتدار ، و أحيانا يمزق كتبهم و كراساتهم ويخرج ساخطا و لاعنا ثم يهدأ و كأنه لم يفعل شيئا..
شفاه الله و حماكم الله و إيانا.
لبيت دعوة أحد المعارف في بيته، وهناك واجهني أحدهم دونما سابق أي معرفة.
قال : ممكن أعمل معاك ريبورتاج صحفي ؟ معليش المكان والوقت مش مناسبين ولكن إنت ما بتتلقيش بسهولة.
نظرت إليه، فوجدته أنيقا .. ذي وجه طلق بشوش، ولكن يشوبه قلق بائن.
فوقفت وسلمت عليه بحرارة وأنا أحاول أن أستوعب سبب إختياره لي دون خلق الله في منزل زميلنا وصديقنا في المناسبة التي ضمت الكثيرين.
قلت له : ليه أنا بالذات ؟
فقال وكأنه مقتنع تماما بأنني سأستجيب لتحقيقه الصحفي : أنا سمعت عنك كتير وعاوزين نعرف خلفياتك وكدة.
إنتفختْ أوداجي بهذا الإطراء الذي أتخمني به هذا الذي لا أعرفه.
قلت له : طيب أنت بتشتغل في أنهي جريدة ؟
قال وهو يفتح دفترا ويستل قلما من جيبه دون أن يجيب على سؤالى ومتجاهلا إياه تماما : ممكن نبدأ الأسئلة؟
قلت وقد غاظني تجاهله لسؤالي : جاوبني بالأول.. إنت في أنهي مطبوعة ؟
قال وهو ينظر لي نظرة مباشرة ومخيفة وعيناه تلمعان ببريق مرعب : أسئلتك كتيرة يا أخي. أنا اللي بسأل مش أنت...
تغامز الجميع وهم يكتمون الضحك، فعرفت أنهم كانوا يعرفون من هو.
أما أنا فقد فاجأتني إجابته الفظة وحاولت أن أقف لأرد عليه الرد المناسب وأنسحب من أمامه، إلا أن زميلي وقف خلفه وأشار لي بيديه، ففهمت من إشارته أن الرجل ( به شيء ما أو خلل عقلي )
وقال زميلنا وهو يتوسطنا : أخونا صحفي جالنا هنا عن طريق واحد قريبي.
كنت غير مقتنع بمحاورة رجل مختل العقل لا يمكن التكهن بردود أفعاله تجاه أجوبتي وردودي
قلت له ممتعضاً: إتفضل إسأل.
فقال وهو ينظر إلى من تحت نظارته : الأخ متزوج ؟
قلت مستسلما : أيوة و لله الحمد.
فقال وهو يكتب وكأنه قرفان ومجبر على محاورتي : واحد أهبل جايب واحدة من بيت أهلها ومقعدها في بيته وبيصرف عليها...
غالبتُ ضحكة خوفا من أن تخرج مجلجلة فيسيء فهمي هذا (المُتَصَحْفِن) ،
قلت له : تقصد إيه ؟ دي زوجتي وأم عيالي...
فقال بحدة : أقصد إنك أهبل وبس. ما علينا. أبوك وأمك عايشين ؟
قلت : لا
فقال وهو يكتب : مقطوع من شجرة ويتيم ما عندوش ضهر... طيب جداتك عايشات ؟
قلت: لا..... الله يرحمهم جميعا
فقال و هو يكتب : ما عندوش قديم ، والناس الكبار ما بيتلقوش في السوق الأسود ،، ما علينا. بتشتغل فين ؟
قلت : أنا مغترب
قال : هربان من البلد اللي إبليس بيفكر يغترب برضو ويسيبها.
قلت له : ربنا قال ( أسعوا ) في مناكبها بحثا عن الرزق.
فقال : طيب هنا مفيش مناكب ؟
طريقة محاورته لي تبدو وكأنه لا يريد التفاهم مع نفسه داخليا، لذا فإنه يسأل ويجاوب على الأجوبة بمفهومه هو ورأيه الشخصي بصوت عال نظرا للخلل الذي أصاب عقله فأفقده خاصية التحدث إلى نفسه دون الإستعانة بشخص يحاوره.
ثم واصل : عندك أولاد ؟
قلت : أيوة ، الحمد لله ............
فقال وهو يكتب : راجل ما عندوش تلفزيون ولا إنترنت ولا شغلة ولا مشغلة بالليل غير التفريخ وولادة الأولاد وبيصرف عليهم ولما يكبروا حيروحو و يخلوهو يتلفت يمين وشمال. ما علينا، مين أكتر ناس خدموا البلد ؟
قلت : شهداء الوطن طبعا ............
قال وهو يواصل الكتابة : كداب في وش أصلك. أكتر ناس خدموا البلد هم الزبالين.
هنا ضحكت ،
فقال : في حاجة بتضحك ؟
فقلت : الزبالين إزاى خدموا البلد ؟
وقبل أن أكمل قال : اللي مش عارف يقول عدس، وإنت العدس الظاهر بتاكلو وإنت فاكرو زبادي.
ثم واصل وأنا أتابع حركات يديه حتى لا يباغتني بضربة من طفاية السجائر أو بطبزة في عيني من القلم الذي في يده :
ثم أطلق ضحكة هستيرية ،
ثم قطع الضحكة فجأة و كست وجهه مسحة الجدية والغضب وقال :
الضحك بلا سبب قلة أدب. ما علينا. إنت حبيت قبال دا ؟
قلت : طبعا...........
قال بجدية : طعمو إزاى ؟
قلت : الحب نعيشه ولا نتذوقه......
فقال : ما تتفلسفش علينا ... خليك في حدودك. الحب حياة ، والحياة فيها المر وفيها الحلو.....
***
كلام منطقي متسلسل، لا بد أنه ينبع من تجربة مريرة عاشها خلال تمتعه بكامل قواه العقلية............
لعنت زميلي وقريبه وسنسفيل اليوم الذي عرفتهما فيه
***
ثم واصل الرجل : الصلاة بتنتظر الوقت ولا الوقت بينتظر الصلاة ؟
فسكت وأنا أفكر في هذه الفزورة.
فقطع صمتي قائلا : الوقت والصلاة بيمشو مع بعض زى السترة والفضيحة وزى تروس الساعة.
قال : إنت برجك إيه ؟
قلت له بسرعة : العقرب.
فقال : كل المسلمين حيغيروا تواريخ ميلادهم. برجهم حيكون برج التجارة العالمي، وتاريخ ميلادهم حيكون حداشر سبتمبر.
قلت : ليه ما يكونش بتوقيت الثورات العربية؟
قال بسرعة : دي تواريخ لسه مكتوبة بقلم رصاص، يعني تواريخ مؤقتة.
ثم وقف مخاطبا الحضور بخطبة عصماء هي عبارة عن خليط من كل المواضيع والأمور ، وختمها بشتيمة كل الرؤساء العرب، ولعن سلسفيل كل الرؤساء الذين تعاقبوا على أمريكا وإسرائيل.
ثم قال رغم أن الوقت كان قد تجاوز منتصف الليل : أقم الصلاة يا عبد الله
قلت له : أي صلاة ؟
قال : صلاة الجنازة على التكنوقيراط
قلت له : أتقصد التكنوقراط ؟
قال : بل التكنوقيراط ، فهم صاروا يملأون فقط قيراطا واحدا من المساحة من المحيط إلى الخليج.
***
عرفت فيما بعد أن الرجل خريج إقتصاد ، ولكنه للأسف أدمن المخدرات إلى أن آل إلى ما آل إليه مأسوفا عليه.
يخلط الجد بالهزل ، و أحيانا تشعر بأنه أعقل إنسان و أحيانا يفاجؤك بكلام غير منطقي ، و أحيانا عطوف و تارة يثور و يحاول الإعتداء عليك بالضرب.
أحيانا يقوم بتدريس أولاد الحى الرياضيات الحديثة بكل إقتدار ، و أحيانا يمزق كتبهم و كراساتهم ويخرج ساخطا و لاعنا ثم يهدأ و كأنه لم يفعل شيئا..
شفاه الله و حماكم الله و إيانا.
تعليق