إن حالة الجمود الفكري والثقافي والحضاري التي يمكن أن تعتري مجتمع ما تنتج عن انغلاق وتقوقع قد يحدث بفعل عوامل كثيرة أهمها التخلف بثالوثه المدمر ( الجهل والفقر والمرض ) ..
وقد يفرض هذا التخلف على مجتمع ما , إما بسبب استعمار خارجي , أو كارثة بيئية واسعة , أو حرب أهلية طويلة كثيرا ما تعتمد على اختلافات عرقية وعقائدية وتمييز عنصري وتطرف وعصبيات وهي علامات مميزة للمجتمعات البدائية والمتخلفة بالعموم ..
وقد تم التعرض لهذا الموضوع منذ أيام الأغريق فقد كتب إفلاطون في واحدة من مسرحياته الأسطورية
بعنوان " صراع الفيدون " تتحدث عن قرية ريفية تابعة لملك ظالم كان يرسل جنوده ليجب الضرائب السنوية من أهلها الفلاحين المعوزين وبعد تمت مصادرة أراضيهم سدادا للضريبة وصاروا فعلة أقنان
و لم يبقى لديهم ما يدفعوا هددهم الجنود إن لم يدفعوا فسيأخذون أبناءهم عبيدا في بلاط الملك ..
واجتمع أهل القرية وقرروا الرحيل والاختباء في كهف ذي سراديب عميقة في باطن الجبل لا يمكن اكتشافها .. وبعد أيام وأسابيع وأشهر من المعيشة في الظلام الدامس وفي ظل قلة الموارد الغذائية
التي لم تتعدى بعض الطحالب والشنيات وبعض الحشرات والسحالي والأفاعي هذا إضافة إلى التهديد البالغ الخطورة في الخارج حيث جنود الملك يبحثون عن أهالي القرية لمعاقبتهم على فرارهم , في ظل كل هذه الظروف المزرية كان لا بد لرئيس القرية ومستشاريه من سن قوانين صارمة من أجل حماية هذا المجتمع الذي أكره على العيش في الظلمة .. وظلت خيالات البشر المارين من أمام باب الغار الطويلة جدا المرتسمة على جدران الكهف تثير الرعب في قلوب سكان الكهف فقد تكون خيالات جنود جاؤوا يبحثون عنهم وغذا دخلوا الكهف ووجدوهم ستحل بهم الكارثة ... فكان قرار حكماء القرية بأن يعاقب بالموت كل من يقترب من باب الكهف أو يخرج منه لأنه حينها سيكشف مخبأهم .. وتتالت السنين والأجيال ما يزيد عن مئة عام وأصبح جميع سكان الكهف ممن ولدوا فيه ولا يعرفون ما في الخارج ولم يسمعوا عنه قط سوى أن الخارج مكان يمثل خطرا كبيرا على المجتمع ككل ويمنع الاقتراب منه تحت طائلة الموت وظلت الخيالات العملاقة للمارين من أمام الكهف والمرتسمة على جدرانه العميقة تمثل التحذير المرعب للجميع ..
إلى أن قرر ابن رئيس القوم الشاب الطموح والعاقل أن يخوض التجربة ويرتكب الفعل المحرم وتسلل بحذر وخرج من الكهف وكان بياض بشرته وضعف بصره أمام شدة النور سببا لسقوطه على باب الكهف في شبه غيبوبة ولتداعي الناس الذين وجدوه ليأخذوه ويعتنوا به ورأى النور وعاش به وقدموا له من طعامهم اللذيذ الذي حوى لحوما وخضارا وفاكهة كانت طعمها ألذ بآلاف المرات من طعم الطحالب والحشرات وبدا يتعافى ورآى أحجام الناس الحقيقية في الخارج التي لا تختلف عن حجمه وكان الناس لطفاء جدا بعكس ما كان هو وقومه يعتقدون ..
وبعد أن تعافى وبدأ يعتاد الحياة في النور قرر أن يعود ويخبر قومه في الكهف ليعلمهم بالحقيقة ويخرجهم إلى النور مع أنه يعرف أن عقوبة الإعدام بانتظاره ولكن قرر المجازفة ..
وما أن دخل إلى الكهف ووصل إلى قومه حتى اعتقلوه وقادوه إلى مجلس الحكماء وتم الحكم عليه بالإعدام رغم كل توسلاته بأن يسمعوا منه الحقيقة عن الخارج وطلب أن يشكلوا فريق استكشاف من بضعة رجال ليخرجوا معه ويريهم بأعينهم الحقيقة ولكن الحكماء رفضوا كل هذه الهرطقات وحكموا عليه بالموت خشية من تمرد شخص آخر وارتكاب هذه الجريمة والخروج من الكهف ..
ولأن شاب كان ابن رئيس الحكماء قررروا أن يركوه يهرب ويخرج من الكهف وخاطبه أبوه طالبا منه أن ينجو بحياته وليخرج ليعيش في الخارج إذا كان الخارج جميلا هكذا كما يدعي ويتركهم هم يتابعون حياتهم كما هي ولكن الشاب رفض الهروب قائلا لا يمكن أن تهرب الحقيقة أمام الزيف بل الزيف الذي يجب أن يهرب أمام الحقيقة وبالتالي تم إعدامه ..
وكان إفلاطون يجسد في هذه المسرحية قصة معلمه سقراط الذي أعدم بالسم بسبب تنوره ..

هنا نتوقف لنرى أن المجتمع المتقوقع والمنغلق قد يكون أكثراستبدادا وبطشا وخطورة على الفكر منه على حياة الأفراد والمجتمع .. ومن هنا يجب أن يبدأ النقاش لهذا الموضوع

في العادة يكون التدين او اي فكر شمولي ممن يمتلك رؤيا واحدة لحقيقة
قبل ان يصعد هرم السلطة تدين رحيم ينظر الى البشر نظرة العطف
يحاول ان لا ينجرفوا الى الخطايا ويحاول ان يحمي المجتمع من الافات الخلقية التي قد تعصف به
وتجده يمتلك هيبة الناصح الوقور اي يشارك ببناء المجتمع بناء اخلاقي
لكن ان تسيد هرم السلطة يضع شعاره على راس السلطة فتنهار تلك الهالة
ويتحول الى مدمر يسفك في المجتمع ويدمر كل ما تم بنائه هذه رؤيا اولى قد نرى الفلم من خلالها

وهنالك رؤيا اخرى قد تتمحور بالصراع الديني فمثلا الحروب الطائفية
داخل البلد الواحد تدمر اي بلد مهما كانت امكانيته
وفي البلاد التي تكون فيها مرجعية الناس دينية او قبليه
مهما تطورت تلك الدولة وحققت انجازات تكفي فتوى من رجال الدين
كي يدمروا كل ما تم بنائه ويدخل المجتمع بصراع لا يمكن ان يتوقع احد الى اين يصل

وليس الصراع الديني فقط ما يجلب الدمار بل اي صراع سببه معتقد وعقليه مغلقه لا تعترف بالأخر
اذا الحل يكون بتسامح والتعايش كما يطرحه الفلم
بنهاية اشكر الاستاذ صادق حمزة منذر لاختياره الفلم واشكر الاستاذة سليمى السرايري على التقديم