إفتقدْتُه ليلة العيد ( صديقي أحمد )...
و هي بالفعل بالنسبة لي ( وقفة ) قبل الولوج في إسترجاع شريط الذكريات.
لم أجد ملابسه التي غسلها تحت ( الحنفية وبصابونة حمام مهترءة ) ونشرها على حبل الغسيل..
قلتُ ربما ذهب لقريبه الذي حدثني عنه ...قال أنه أتى خصيصاً من القرية المتاخمة لحدود العاصمة شمالاً ليقضي معه العيد.
لم أقلق إلا عندما إفتقدْتُ حذائي الجديد الذي إدخرته ليوم العيد.
الحذاء الذي أهداني إياه صديقي القادم من بلاد الأندلس.
وجدتُ ورقة صغيرة مكان الحذاء ، كتب عليها ( لا تقلق ، إنتعلتُ الحذاء لأقابلها على الأقل بشيء جديد ، سأمشي مهلاً خوفاً على الحذاء رغم ضيقه ... كل سنة و إنت طيب و كذلك الحذاء ) ...
و بما أن أذواق الناس تختلف في الملبس والمأكل ، إلا أن صديقي ( أحمد ) أضاف لي بُعداً جديداً في سيرة الذوق .. رغم أنني أؤمن بالفكرة ، إلا أنه كالحال مع معظم النظريات التي نتشدق بها ، فإن التطبيق دونه خرط القتاد.
فـ( أحمد ) شاب وسيم لأبعد الحدود.
وسامته لا تخطؤها العين ...
ممشوق طولا ، عريض المنكبين .. هاديء الطباع ... لا تفارقه بسمة ضيقة الإنفراج. رغم أن (أمزجته المتباينة ) تبرز من حين لآخر عند بعض المنحنيات .. شراسة ( عند منحنيات الحاجة )...
عندما كان يسبح معنا في ( النهر ) كنا نتندر على الشعر الكثيف الذي يغطي جُل صدره قائلين :(أنت رضعت من غوريلا ؟ )
( كمال ) كان يمازحه قائلا : شعر صدرك دة مفروض تدّي شوية منه لآخونا ( هاشم ) ..
والذي كان رأسه بلا شعر تماماً ..
كنا نغار منه .. لأنه كان قِبلة فتيات ( الحارة ) ولاحقا طالبات الجامعة.
عندما نكون برفقته ، كنا نشعر كأننا نرافق شخصاً مهماً ، أو كأننا حرس في معيّة أمير ...
ثم ألجمتْ الدهشة ألسنتنا عندما عرفنا أن ( أحمد ) يهيم عشقاً بـ ( شادية ) ..
شادية ؟؟؟؟
قلناها في صوت واحد و نحن نحاول أن نستجلب صورتها في مخيلتنا ..
كانت فتاة كثيرة الصمت ..
منزوية ...
من المدرسة إلى البيت و بالعكس ...
تجلس في أي مناسبة بالصفوف الخلفية حتى و إن كان الحفل يخص أقربائها ...
حظها من الجمال لم يكن كبيراً .. و لكن بها مسحة من فتنة و إثارة.
( و الله البنت بتسوى تُقْلها دهب ) .. كانت جملة تقولها جدتها مواسية لها ...
أما مكنونات أحمد ... فلم نستطع أن نغوص في أعماقها لنعرف سر تعلقه الشديد بها ...
قتلتْنا الغيرة والغيظ معاً ..
ففتاة مثل ( سلوى ) زينة فتيات الحى .. لا تزال تتمنى مجرد نظرة من ( أحمد ) ...
بينما أحمد يترك الشارع الذي تمشي فيه متحاشيا إياها.
كانت تكفينا نصف إبتسامة من ( سلوى ) ..
ثم يهرع ( أحمد ) بتوقيت لا يخطيء لمقابلة ( شادية ) ... يبثها نجواه .. و هي مطأطأة الرأس تكاد دماء الخجل تنفر من خديها ..
غزل شاب كأحمد .. لفتاة في مثل جمالها المتواضع .. جعلها باديء الأمر ترتاب في نواياه ...
فدونه الغيد الحسان اللائي يرتمين عليه ويتهافتْن عليه تهافت الذباب على ضوء ( لمبة جاز ) ..
فما الذي يجعله يهرول نحوها كلما رآها ؟ و لم هذا الغزل المبطن والصريح ؟
و لكن بمرور الزمن ، وقف قرنا إستشعار الأنثى في قلب ( شادية ) ..
فالأنثى .. كل أنثى تعرف ذبذبات الصدق بين عشرات رجْع صدى الأفك و الدجل و معسول الكلام..
والأنثى كل أنثى ، لها ( رادار ) تعرف به خلجات هذا الذي أمامها ..
و رغم كل الإشارات السالبة أو الموجبة ، فأحياناً يطغى الحب على كل هذا و ذاك ..
في جلسة مكاشفة في إحدى حفلات المدينة انفردتْ ( سلوى ) بأحمد ، تذكره بحبها الذي منعها من مواصلة الدراسة إنتظاراً له فارساً يأتي على صهوة جواد ( أو على سرج بغلة ) .. ثم إنحرفتْ قليلاً ( لتشنف و تَنْتِف ريش ) هذه التي إسمها ( شادية ) :
بالله إيه اللي عاجبك فيها ؟ حاجة غريبة جداً .. واحد في وسامتك يحب واحدة زى ( شادية ) ؟ والله دي بنت ....
لم يجعلها أحمد تكمل .. فإنتهرها قائلاً : و الله إنت ما تساويش تراب رجليها ...
جفلتْ ( سلوى ) ... ثم هرولتْ لا تلوي على شيء ... ثم إرتمتْ على صويحباتها قائلة و هي تتشنج : دي أكيد عاملة عمل ...
لم تدم مناورات ( سلوى ) طويلا ...
رغم أنها إستعملت كل أسلحتها الهجومية ..
فتارة تروج لإشاعة ( المشعوذين )
وتارة أخرى تقول أن أحمد يريد أن ( يقضي منها وطراً ثم ينسحب ) ..
وتزداد رقعة إشاعاتها لتعم الحي والمدرسة ..
وأحياناً تقول أن ( شادية ) تُذَكِّر أحمد بجدته التي قامت بتربيته إبان مرض والدته ...
لم تدم كل إرهاصات ( سلوى ) طويلاً ..
فقد تقدم أحمد رسميا و طلب يد ( شادية )
بدأ أهله ( بالخطبة )
ثم أعقبوها مباشرة بطقوس الزواج ..
فإنطلقتْ الزغاريد من بيت ( شادية ) معلنة تتويج قصة حب أحمد و شادية ..
هذا الحب الذي لم تبذل فيه ( شادية ) أي عناء .. فلم تلهث مع اللاهثات خلفه ..,و لم تحاول مجرد محاولة في سبيل لقياه.
حتى جمالها المتواضع جداً لم يجعلها تتطاول فخراً مكابرة لنديداتها أمثال ( سلوى ) ..
تقبَّلتْ الأمر و كأنه شيئاً كان لا بد له من الحدوث ...
ثقتها بنفسها كان محور حديثنا طيلة أيام العرس.
( سلوى ) كانت كالمذهولة ...
تقول صويحباتها أنها ليلة العرس انتقلتْ إلى حي بعيد لدى إحدى قريباتها حتى لا تسمع وقع المعازف و زخات الزغاريد ...
في محطة القطار، عندما ودعناه لينطلق إلى شهر عسله بالعاصمة ...
قال له أحد الزملاء هامساً : هل أنت مقتنع بها حقا ؟
فقال أحمد كأنه يتحدث عن شيء آخر : ماذا تقصد؟
قال له : هل أنت واثق أنك ستعيش معها بقية عمرك ؟
فأرغى أحمد و أزبد ... وهاج وماج ... وجعل المسافرين والمودعين يسترقون السمع لمعرفة هذا الهرج.
ثم أردف : فليذهب أحدكم ويتزوج ( سلوى ) أو إحدى رفيقاتها ...( أنتو ناس عينها فارغة )
ثم دلف إلى حيث تقبع ملهمته...
أطلَّا من النافذة يلوحان لنا بإتسامتين عريضتين ..
عندما إنطلق القطار مطلقاً صافرته ...
كانت صورة أحمد و ( شادية ) كــ( بورتريه ) ضخم معلق على آخر عربة في القطار ... و كأن (لسان شادية ممدود لنا كلنا) ...
و هي بالفعل بالنسبة لي ( وقفة ) قبل الولوج في إسترجاع شريط الذكريات.
لم أجد ملابسه التي غسلها تحت ( الحنفية وبصابونة حمام مهترءة ) ونشرها على حبل الغسيل..
قلتُ ربما ذهب لقريبه الذي حدثني عنه ...قال أنه أتى خصيصاً من القرية المتاخمة لحدود العاصمة شمالاً ليقضي معه العيد.
لم أقلق إلا عندما إفتقدْتُ حذائي الجديد الذي إدخرته ليوم العيد.
الحذاء الذي أهداني إياه صديقي القادم من بلاد الأندلس.
وجدتُ ورقة صغيرة مكان الحذاء ، كتب عليها ( لا تقلق ، إنتعلتُ الحذاء لأقابلها على الأقل بشيء جديد ، سأمشي مهلاً خوفاً على الحذاء رغم ضيقه ... كل سنة و إنت طيب و كذلك الحذاء ) ...
و بما أن أذواق الناس تختلف في الملبس والمأكل ، إلا أن صديقي ( أحمد ) أضاف لي بُعداً جديداً في سيرة الذوق .. رغم أنني أؤمن بالفكرة ، إلا أنه كالحال مع معظم النظريات التي نتشدق بها ، فإن التطبيق دونه خرط القتاد.
فـ( أحمد ) شاب وسيم لأبعد الحدود.
وسامته لا تخطؤها العين ...
ممشوق طولا ، عريض المنكبين .. هاديء الطباع ... لا تفارقه بسمة ضيقة الإنفراج. رغم أن (أمزجته المتباينة ) تبرز من حين لآخر عند بعض المنحنيات .. شراسة ( عند منحنيات الحاجة )...
عندما كان يسبح معنا في ( النهر ) كنا نتندر على الشعر الكثيف الذي يغطي جُل صدره قائلين :(أنت رضعت من غوريلا ؟ )
( كمال ) كان يمازحه قائلا : شعر صدرك دة مفروض تدّي شوية منه لآخونا ( هاشم ) ..
والذي كان رأسه بلا شعر تماماً ..
كنا نغار منه .. لأنه كان قِبلة فتيات ( الحارة ) ولاحقا طالبات الجامعة.
عندما نكون برفقته ، كنا نشعر كأننا نرافق شخصاً مهماً ، أو كأننا حرس في معيّة أمير ...
ثم ألجمتْ الدهشة ألسنتنا عندما عرفنا أن ( أحمد ) يهيم عشقاً بـ ( شادية ) ..
شادية ؟؟؟؟
قلناها في صوت واحد و نحن نحاول أن نستجلب صورتها في مخيلتنا ..
كانت فتاة كثيرة الصمت ..
منزوية ...
من المدرسة إلى البيت و بالعكس ...
تجلس في أي مناسبة بالصفوف الخلفية حتى و إن كان الحفل يخص أقربائها ...
حظها من الجمال لم يكن كبيراً .. و لكن بها مسحة من فتنة و إثارة.
( و الله البنت بتسوى تُقْلها دهب ) .. كانت جملة تقولها جدتها مواسية لها ...
أما مكنونات أحمد ... فلم نستطع أن نغوص في أعماقها لنعرف سر تعلقه الشديد بها ...
قتلتْنا الغيرة والغيظ معاً ..
ففتاة مثل ( سلوى ) زينة فتيات الحى .. لا تزال تتمنى مجرد نظرة من ( أحمد ) ...
بينما أحمد يترك الشارع الذي تمشي فيه متحاشيا إياها.
كانت تكفينا نصف إبتسامة من ( سلوى ) ..
ثم يهرع ( أحمد ) بتوقيت لا يخطيء لمقابلة ( شادية ) ... يبثها نجواه .. و هي مطأطأة الرأس تكاد دماء الخجل تنفر من خديها ..
غزل شاب كأحمد .. لفتاة في مثل جمالها المتواضع .. جعلها باديء الأمر ترتاب في نواياه ...
فدونه الغيد الحسان اللائي يرتمين عليه ويتهافتْن عليه تهافت الذباب على ضوء ( لمبة جاز ) ..
فما الذي يجعله يهرول نحوها كلما رآها ؟ و لم هذا الغزل المبطن والصريح ؟
و لكن بمرور الزمن ، وقف قرنا إستشعار الأنثى في قلب ( شادية ) ..
فالأنثى .. كل أنثى تعرف ذبذبات الصدق بين عشرات رجْع صدى الأفك و الدجل و معسول الكلام..
والأنثى كل أنثى ، لها ( رادار ) تعرف به خلجات هذا الذي أمامها ..
و رغم كل الإشارات السالبة أو الموجبة ، فأحياناً يطغى الحب على كل هذا و ذاك ..
في جلسة مكاشفة في إحدى حفلات المدينة انفردتْ ( سلوى ) بأحمد ، تذكره بحبها الذي منعها من مواصلة الدراسة إنتظاراً له فارساً يأتي على صهوة جواد ( أو على سرج بغلة ) .. ثم إنحرفتْ قليلاً ( لتشنف و تَنْتِف ريش ) هذه التي إسمها ( شادية ) :
بالله إيه اللي عاجبك فيها ؟ حاجة غريبة جداً .. واحد في وسامتك يحب واحدة زى ( شادية ) ؟ والله دي بنت ....
لم يجعلها أحمد تكمل .. فإنتهرها قائلاً : و الله إنت ما تساويش تراب رجليها ...
جفلتْ ( سلوى ) ... ثم هرولتْ لا تلوي على شيء ... ثم إرتمتْ على صويحباتها قائلة و هي تتشنج : دي أكيد عاملة عمل ...
لم تدم مناورات ( سلوى ) طويلا ...
رغم أنها إستعملت كل أسلحتها الهجومية ..
فتارة تروج لإشاعة ( المشعوذين )
وتارة أخرى تقول أن أحمد يريد أن ( يقضي منها وطراً ثم ينسحب ) ..
وتزداد رقعة إشاعاتها لتعم الحي والمدرسة ..
وأحياناً تقول أن ( شادية ) تُذَكِّر أحمد بجدته التي قامت بتربيته إبان مرض والدته ...
لم تدم كل إرهاصات ( سلوى ) طويلاً ..
فقد تقدم أحمد رسميا و طلب يد ( شادية )
بدأ أهله ( بالخطبة )
ثم أعقبوها مباشرة بطقوس الزواج ..
فإنطلقتْ الزغاريد من بيت ( شادية ) معلنة تتويج قصة حب أحمد و شادية ..
هذا الحب الذي لم تبذل فيه ( شادية ) أي عناء .. فلم تلهث مع اللاهثات خلفه ..,و لم تحاول مجرد محاولة في سبيل لقياه.
حتى جمالها المتواضع جداً لم يجعلها تتطاول فخراً مكابرة لنديداتها أمثال ( سلوى ) ..
تقبَّلتْ الأمر و كأنه شيئاً كان لا بد له من الحدوث ...
ثقتها بنفسها كان محور حديثنا طيلة أيام العرس.
( سلوى ) كانت كالمذهولة ...
تقول صويحباتها أنها ليلة العرس انتقلتْ إلى حي بعيد لدى إحدى قريباتها حتى لا تسمع وقع المعازف و زخات الزغاريد ...
في محطة القطار، عندما ودعناه لينطلق إلى شهر عسله بالعاصمة ...
قال له أحد الزملاء هامساً : هل أنت مقتنع بها حقا ؟
فقال أحمد كأنه يتحدث عن شيء آخر : ماذا تقصد؟
قال له : هل أنت واثق أنك ستعيش معها بقية عمرك ؟
فأرغى أحمد و أزبد ... وهاج وماج ... وجعل المسافرين والمودعين يسترقون السمع لمعرفة هذا الهرج.
ثم أردف : فليذهب أحدكم ويتزوج ( سلوى ) أو إحدى رفيقاتها ...( أنتو ناس عينها فارغة )
ثم دلف إلى حيث تقبع ملهمته...
أطلَّا من النافذة يلوحان لنا بإتسامتين عريضتين ..
عندما إنطلق القطار مطلقاً صافرته ...
كانت صورة أحمد و ( شادية ) كــ( بورتريه ) ضخم معلق على آخر عربة في القطار ... و كأن (لسان شادية ممدود لنا كلنا) ...
تعليق