ادفع بالتي هي أحسن..!!
. .أول أمس كنت أجلس في العيادة وحدي , بعد خروج آخر مريض عندي, و انصراف الممرضة التي تعمل معي إلى بيتها ؛ كأنما تلدغها عقارب الساعة العاشرة فجأة , فتهب فزعة و تنطلق مثل القطر الأكسيبريس لا يقف شيء في طريقها , تجري لا تلوي على شيء , و هي على أتم استعداد أن تتركني وحدي ؛حتى و لو كانت العيادة ملئ بالمرضى, برغم أنها لا تأتي أبداً في مواعيدها..؟!
دخل عليّ رجل مفتول العضلات ..أصلع ..كلاعبي حلبة المصارعة الحرة أشبه مايكون بــ(بج شو) أو (رايباك) , مهللاً يردد إسمي -مصحوب بلقب دكتور طبعاً - و كأنه يعرفني ..؟! ولما بان عليّ بالقطع أني لا أعرفه أخذ يذكرني بكلية الطب التي تخرجت منها ,و أنني كنت آتيه في شؤون الخريجين لأستخرج شهادات الماجستير , فحاولت أن أعصر الذاكرة؛كي أتذكره على الرغم من أنني متأكد أني حصلت على الماجستير من جامعة أخرى غير التي تخرجت منها ولم أذهب إلي كليتي تلك منذ عشرين عاماً..!!
فدخل سريعاً في صلب الموضوع كي لا يضيع وقته ,و كي لا يمنحني فرصة لمناقشته , بدأ في سرد تفاصيل سريعه عن أسرته و أولاده ؛ ابنه الذي لا يستطيع دفع مصاريف الجامعة , بنته التي يريد تجهيزها للزواج , زوجته المريضة و أطفاله الرضع الجوعى . و أنه قد ترك العمل الحكومي ,و يعمل الآن أرزقي على باب الله ..لذا فهو يطلب مني أية مساعدة أستطيع تقديمها له و لاولاده اليتامى..!!
و على رغم أني كنت واثقاً من أنه نصاب محترف الإجرام ؛ إلا أنني شعرت بالحرج منه و كرهت أن أرده خالي الوفاض ؛ لكني حاولت أن أسديه النصيحة , و أخبرته بالمقولة الصينية القائلة (من أعطاني سمكة فقد أطعمني يوماً ومن علمني الصيد فقد أطعمني كل يوم) و نصحته أن يعمل -و هو بسم الله ماشاء الله.. اللهم لا حسد نمسك الخشب .. يسد عين الشمس ..!!- حتى أني عرضت عليه أن يعمل عندي في العيادة كبودي جارد , خاصة في هذه الأيام الهباب التي ينتشر فيها البلطجة و الإرهاب..!!
فطقطق عظام رقبته , واتقدتا عيناه كجمرتي نار ,ثم نظر لي نظرة جففت الدماء في عروقي , جعلتني أشعر بمدى الخطأ الفادح الذي وقعت فيه , و أقنعتني بأن أعدل عن فكرتي في الحال .و اؤمن بالمثل الشعبي القائل (سلمو القط مفتاح الكرار)..أو الحكمة القائلة (حاميها حراميها).. ولما توجست منه خيفة ولم أدر ماذا أفعل ..؟! تذكرت حينها الآية التي تقول:(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَوَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.)
و قررت عندها ان أدفع له كل مايريد بالتي هي أحسن ؛ خشية أن يخرج من أحد جيوبه مديه أو مطواه قرن غزال , حتى أنه يستطيع خنقي بيديه العاريتين قبل أن أنبس ببنت استغاثة .فتهللت أساريره عندما نقدته المبلغ ..و عانقني مصافحاً , ثم فر هارباً في لمح البصر .
تعليق