أريد حريتي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • شاكرين السامرائي
    أديبة وكاتبة
    • 15-06-2012
    • 574

    أريد حريتي


    خدعهم جميعا, بالرغم من الأسر و العتمة, ها هو يمد نظره بعيدا إلى المدينة التي تتراقص فيها الأضواء الملونة, ليس بينه وبينها سوى أمواج البحر التي تتكسر على الشاطئ, تحمل معها كل أحلامه و آماله أن يسير يوما على الرمال و يلهو مع أولاده و هم يملئون الدنيا بضحكاتهم المرحة.
    سنوات و سنوات مرت و هو قابع هنا في هذا السجن المعتم, اعتقلوه و أصحابه ذات ليلة و رموا به منفردا في زنزانة دون شبابيك. كثيرا ما كان يستغيث, يتوعد و يتوسل لكن لا مجيب. لم تكن الأبواب تفتح إلا ساعة كل نهار ليرموا إليه ما يسد رمقه و تغلق مرة أخرى. كان يتلمس جدران الزنزانة القاسية, يضربها بكفيه حتى يدميها, يصرخ بصوت مكتوم, أريد حريتي. لم يكن يسمع غير صدى صوته و حشرجة داخل صدره, و لكن كان هناك هدير البحر.
    لن تغتاله العتمة, هذا ما عاهد نفسه و ها هي الكوة الصغيرة بالحائط أكتشفها و أحسن إخفائها بما لديه من ثياب. لن ينجح أي أحد بحرمانه من كوة الأمل, تلك التي تطل مباشرة على مدينته الجميلة تحتضن البحر الأزرق. كان يبقى ساعات طوال يحشر رأسه في هذه الكوة, يناجي القمر و يضاحك الشمس, كان يجمع قطر المطر يغسل به جسده فستفيق الروح بالحلم. أودع الطيور رسائله إلى أحبائه و أولاده, و كان يخبرهم انه لا زال يحيا و يحلم و أنه لا زال يغني.
    و ذات صباح, فتحوا له الباب و قالوا سَيُطلق سراحكَ, أنتَ اليوم حُر, يمكنك مغادرة الجزيرة إلى حيث تريد. و أعطوه نظارة سوداء و نصحوه بأن لا ينظر إلى الشمس إذ ستتعب عينيه بعد سنوات العتمة التي عاش. ابتسم هو و قال, لم أكن أسير العتمة أنا, كانت الشمس صديقتي و القمر. و قبل مغادرته الجزيرة, سأل عن أصحابه الذين اعتقلوا معه, إن كانوا لا زالوا على قيد الحياة و هل سيطلق سراحهم! !
    ضَحِك السجانون بصوت عالي و قالوا, جميع أصحابك غادر الجزيرة منذ سنوات, إذ اكتشفوا الكوة الصغيرة بالحائط, كبروها بأظافرهم و بما لديهم من حجارة و أذابوا الصخر بدمائهم و عرقهم, عبروا من خلالها و غطسوا إلى البحر ثم سبحوا إلى الشاطئ القريب للمدينة. وحدك من بقي يخفي الكوة بملابسه القديمة يجالس العتمة و طيور البحر و يشرب المطر. أطرق صاحبنا برأسه أرضا وضع النظارة السوداء على عينيه و غادر الجزيرة بصمت.

    تحياتي – شاكرين السامرائي
  • يحيى البحاري
    أديب وكاتب
    • 07-04-2013
    • 407

    #2
    أستاذة شاكرين
    جميل هذا الحكي يترك الحيرة في نفس المتلقي
    يفتح آفاق للتأمل
    أعجبني الوصف والروح الشفيفة المصاحبة للسرد
    تحياتي

    تعليق

    • آسيا رحاحليه
      أديب وكاتب
      • 08-09-2009
      • 7182

      #3
      الحرية تؤخذ و لا توهب ..
      أعجبتني جدا رمزية القصة و دلالاتها التي يمكن إسقاطها على العديد من أمور الحياة .
      سررت بالقراءة لك .
      تحياتي و تقديري .
      يظن الناس بي خيرا و إنّي
      لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

      تعليق

      • ريما ريماوي
        عضو الملتقى
        • 07-05-2011
        • 8501

        #4
        رائعة انت شاكرين...

        برمزيتك وسردك وقوة لغتك...


        شكرا لك، تحيتي وتقديري.


        أنين ناي
        يبث الحنين لأصله
        غصن مورّق صغير.

        تعليق

        • شاكرين السامرائي
          أديبة وكاتبة
          • 15-06-2012
          • 574

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة يحيى البحاري مشاهدة المشاركة
          أستاذة شاكرين
          جميل هذا الحكي يترك الحيرة في نفس المتلقي
          يفتح آفاق للتأمل
          أعجبني الوصف والروح الشفيفة المصاحبة للسرد
          تحياتي
          عميق امتناني لجميل المرور و التعليق,, الحيرة موجودة أكيد,, هناك من يحلم و هناك من يسعى لتحقيق حلمه,, تحياتي

          تعليق

          • شاكرين السامرائي
            أديبة وكاتبة
            • 15-06-2012
            • 574

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
            الحرية تؤخذ و لا توهب ..
            أعجبتني جدا رمزية القصة و دلالاتها التي يمكن إسقاطها على العديد من أمور الحياة .
            سررت بالقراءة لك .
            تحياتي و تقديري .
            مرحبا بكم هنا,, أحسنت القراءة و التعليق,, بارك الله فيك عزيزتي,, سررت انا لجميل المرور,, تحياتي

            تعليق

            • شاكرين السامرائي
              أديبة وكاتبة
              • 15-06-2012
              • 574

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
              رائعة انت شاكرين...

              برمزيتك وسردك وقوة لغتك...


              شكرا لك، تحيتي وتقديري.
              الرائع هو انت يا ريما,, اسعدتني بجميل المرور و التعليق,, امتناني

              تعليق

              يعمل...
              X