حدود
تساؤلات...
لم تتقاذفني الأرجل؟ لم تضربني الرؤوس؟
هل عندهم؟ ربما طائفيتهم؟ أو عصبيتهم؟ أيعقل أن يكون طموحهم؟ أو عنصريتهم؟... ربما، فلون جلدي مابين الأبيض والأسود. أو ربما كلها مجتمعة.
أجواء....
في الشتاء الماضي كان المطر شديدا والرياح عاصفة. يزداد اليوم سوءا حين تهب تلك الريح التي تأتي من الغرب والتي تهب بسرعة كبيرة وانتظام؛ يلين لها الصخر ويتشكل على هواها أشكالا قد تكتمل ملامحها في نهاية الموسم. فهذه صخرة على شكل حيوان بلا دماغ وأخرى على هيئة قبضة يد، وهذه على شكل بندقية وتلك على شكل عملة ورقية.
كانت تضرب أعناق الشجر بقوة فتهتز الأغصان الغضة وتميل حتى تكاد تلمس الأرض فرحا، وتعود إلى أعلى وكأنها وُلدت من جديد. كان لها صفير قوي، ودوي حين يرتد صداها من الكهوف. يهدأ، يتفرق بين الوديان ويتلاشى، وحين تعاود الكرة تعود معها الفوضى، وتستمر العذابات.
يتدفق تحت المطر حشد كبير... بضعة آلاف، وقد يصل ساعة الصفر إلى مئة ألف أو يزيد قليلا. يتدافع الشيوخ، الرجال، النساء، الشباب والأطفال داخل ممر ضيق في نهايته سلم عريض يقود إلى مدرج ضخم، مثبت على درجاته مقاعد بلاستيكية مختلفة الألوان. فوق رؤوسهم مظلات صغيرة وفي أيديهم بعض معلبات العصير، هذا كل ما كان لديهم.
الشمس تطل من خدرها بعد غياب. تضرب بأشعتها صفحة النهر بعد أن تعافى من مرضه الأخير. يتمخض عن قطرات هزيلة تتطاير نحو السماء لتشكو ضعفها وذلها. يبتلعها السحاب لينهمر المطر غزيرا مرة أخرى.
رحيل....
مياه المطر تجري فوق درجات السلم نحو الأسفل كشلال، تملأ الفراغات. تسبح في الشوارع والأزقة، وكأنها تريد أن تغسلها من خطاياها. تمتزج بالتراب وتجففه الشمس، تخلف طينا يتشكل أشكالا غريبة حين تدوسه الأرجل..... وتغيب الشمس.
النهر يموج في حزن متجها نحو المنبع تاركا خلفه موجة كبيرة تلوح بيدها وهى تذهب بعيدا ليحجزها السد، ويجف النهر.
عزلة...
الكل يعد العدة للقاءٍ أخير، فقد أوشك الموسم على الانتهاء.
كنا في غرفة مغلقة حين ركلني الحارس بلطف.. تدحرجت حتي انتهى بى المطاف إلى ركن الحجرة حيث انزويت هناك.
حدود...
وقف القائد أمام لوحة بيضاء في مقدمة الحجرة، ورسم عليها مستطيلا كبيرا- تلك حدودي - وقسمه نصفين، وقسم كل نصف إلى مربعات صغيرة تمثل كيانات منفصلة، وزين خط المنتصف بدائرة، يتوسطها نقطة بيضاء كبيرة يبدأ من عندها الانطلاق. في نهاية الجزء الخاص بنا حدد مكان الحارس، مربع صغير داخل مربع كبير- تلك حدوده ومحرم عليه أن يلمسني خارجه، تلك قواعد اللعبة - وشدد على يقظته، فكل الهجمات تنتهي عنده.
خطة...
زرع القائد نقاط مطاطية وهمية في أماكن متفرقة على المستطيل وخط خطوطا تصل بين تلك النقاط، بعضها مستقيم والآخر ملتوي.
أربعة أشخاص في المقدمة، مثلهم في المؤخرة واثنين في الوسط. يقف خلفهم الحارس بزيه الفسفوري المموه وقفازيه الكبيرين. التمرير السريع والقوة عند الالتحام والانتقال من الخلف إلى الوسط في بطء ثم من الوسط إلى الأمام في سرعة وقوة، مع تقدير سرعة واتجاه الرياح قدر الإمكان، هذا ما استقر عليه القائد.
حالة....
لا أعرف لم انتابني شعور أن هذا سيكون آخر عهدي بهم. فأنا لا أحب الطرق الملتوية، وأعشق أقصر الطرق نحو الهدف.
فعاليات.....
هناك في الجهة المقابلة، فريق آخر ينظم صفوفه استعدادا للهجوم. وضعوني في وسط الميدان وكانت البداية لهم. دحرجني أحدهم بهدوء إلى زميله صاحب القميص الأسود الذي ركلني بقوة إلى أعلى حتى كدت ألمس السحاب. كان بيني وبين الطائرات أمتار قليلة.. أربع في الخلف وثلاث في الوسط واثنتين في المقدمة فواحدة وواحدة أخرى أمامها. تشكيلها وأزيزها اليوم مختلف.
عشق...
نظرت إلى أسفل وجدت الجميع يرمقني، ينتظرني أين أستقر. كانت عيني صوب الحارس، خفضت من سرعتي وضربت الأرض مرة وفي لحظة كنت بين يديه. أحسست بالدفء حين ضمني بقوة إلى صدره. فكنت كلما ركلني الآخر غيرت مساري لأستقر في أحضانه. هتافات وتصفيق وصفير يمزق السكون، والصمت في الجهة المقابلة يملأ الفراغات.
بهجة....
قبلني وركلني إلى أعلى ليستقبلني صديقه على فخذه ثم يركلني بسرعة لأصطدم برأس أحدهم فأغير اتجاهي لأستقر فى مرمى الخصم.
هتافات تتعالى، لافتات مكتوب عليها ارحل تملأ المكان. وكاميرات ترصد الهدف من كل الزوايا وتعرضه على شاشة ضخمة ثلاثية الأبعاد.
مغالطات....
صفارات إنذار تدوي. يهرع الكل إلى ممر ضيق في نهايته سلم يقود إلى مخبأ تحت الأرض، تلتصق الحشود بجداره المهترىء ليحتموا من وابل الرصاص ويبقى المنتصف فارغا. الطائرات تُسقط كرات صغيرة في حجم قبضة اليد لتستقر على الهدف مباشرة. دخان كثيف، وأشلاء تتطاير في الهواء. جنازير الدبابات تقطع الأجساد وتقذفها على جنبات الطريق. صراخ وصيحات تمزق السكون من الجانبين:"قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار".
شتات.....
الأم في المطبخ تعد القهوة وتعود بسرعة لتنتظر"عائلة ميكي". والابنة الكبرى تضع يدها على خدها تنتظر في صمت وصبر"365 يوم سعادة". والابنة الصغرى تنتظر "عودة مهند". والابن الأصغر في ركن الحجرة يبكي، فقد حان وقت إذاعة حلقاته المفضلة "توم وجيري" والأب يلعن تلك الشاشة ثلاثية الأبعاد التي ابتلعت الكل.
تساؤلات...
لم تتقاذفني الأرجل؟ لم تضربني الرؤوس؟
هل عندهم؟ ربما طائفيتهم؟ أو عصبيتهم؟ أيعقل أن يكون طموحهم؟ أو عنصريتهم؟... ربما، فلون جلدي مابين الأبيض والأسود. أو ربما كلها مجتمعة.
أجواء....
في الشتاء الماضي كان المطر شديدا والرياح عاصفة. يزداد اليوم سوءا حين تهب تلك الريح التي تأتي من الغرب والتي تهب بسرعة كبيرة وانتظام؛ يلين لها الصخر ويتشكل على هواها أشكالا قد تكتمل ملامحها في نهاية الموسم. فهذه صخرة على شكل حيوان بلا دماغ وأخرى على هيئة قبضة يد، وهذه على شكل بندقية وتلك على شكل عملة ورقية.
كانت تضرب أعناق الشجر بقوة فتهتز الأغصان الغضة وتميل حتى تكاد تلمس الأرض فرحا، وتعود إلى أعلى وكأنها وُلدت من جديد. كان لها صفير قوي، ودوي حين يرتد صداها من الكهوف. يهدأ، يتفرق بين الوديان ويتلاشى، وحين تعاود الكرة تعود معها الفوضى، وتستمر العذابات.
يتدفق تحت المطر حشد كبير... بضعة آلاف، وقد يصل ساعة الصفر إلى مئة ألف أو يزيد قليلا. يتدافع الشيوخ، الرجال، النساء، الشباب والأطفال داخل ممر ضيق في نهايته سلم عريض يقود إلى مدرج ضخم، مثبت على درجاته مقاعد بلاستيكية مختلفة الألوان. فوق رؤوسهم مظلات صغيرة وفي أيديهم بعض معلبات العصير، هذا كل ما كان لديهم.
الشمس تطل من خدرها بعد غياب. تضرب بأشعتها صفحة النهر بعد أن تعافى من مرضه الأخير. يتمخض عن قطرات هزيلة تتطاير نحو السماء لتشكو ضعفها وذلها. يبتلعها السحاب لينهمر المطر غزيرا مرة أخرى.
رحيل....
مياه المطر تجري فوق درجات السلم نحو الأسفل كشلال، تملأ الفراغات. تسبح في الشوارع والأزقة، وكأنها تريد أن تغسلها من خطاياها. تمتزج بالتراب وتجففه الشمس، تخلف طينا يتشكل أشكالا غريبة حين تدوسه الأرجل..... وتغيب الشمس.
النهر يموج في حزن متجها نحو المنبع تاركا خلفه موجة كبيرة تلوح بيدها وهى تذهب بعيدا ليحجزها السد، ويجف النهر.
عزلة...
الكل يعد العدة للقاءٍ أخير، فقد أوشك الموسم على الانتهاء.
كنا في غرفة مغلقة حين ركلني الحارس بلطف.. تدحرجت حتي انتهى بى المطاف إلى ركن الحجرة حيث انزويت هناك.
حدود...
وقف القائد أمام لوحة بيضاء في مقدمة الحجرة، ورسم عليها مستطيلا كبيرا- تلك حدودي - وقسمه نصفين، وقسم كل نصف إلى مربعات صغيرة تمثل كيانات منفصلة، وزين خط المنتصف بدائرة، يتوسطها نقطة بيضاء كبيرة يبدأ من عندها الانطلاق. في نهاية الجزء الخاص بنا حدد مكان الحارس، مربع صغير داخل مربع كبير- تلك حدوده ومحرم عليه أن يلمسني خارجه، تلك قواعد اللعبة - وشدد على يقظته، فكل الهجمات تنتهي عنده.
خطة...
زرع القائد نقاط مطاطية وهمية في أماكن متفرقة على المستطيل وخط خطوطا تصل بين تلك النقاط، بعضها مستقيم والآخر ملتوي.
أربعة أشخاص في المقدمة، مثلهم في المؤخرة واثنين في الوسط. يقف خلفهم الحارس بزيه الفسفوري المموه وقفازيه الكبيرين. التمرير السريع والقوة عند الالتحام والانتقال من الخلف إلى الوسط في بطء ثم من الوسط إلى الأمام في سرعة وقوة، مع تقدير سرعة واتجاه الرياح قدر الإمكان، هذا ما استقر عليه القائد.
حالة....
لا أعرف لم انتابني شعور أن هذا سيكون آخر عهدي بهم. فأنا لا أحب الطرق الملتوية، وأعشق أقصر الطرق نحو الهدف.
فعاليات.....
هناك في الجهة المقابلة، فريق آخر ينظم صفوفه استعدادا للهجوم. وضعوني في وسط الميدان وكانت البداية لهم. دحرجني أحدهم بهدوء إلى زميله صاحب القميص الأسود الذي ركلني بقوة إلى أعلى حتى كدت ألمس السحاب. كان بيني وبين الطائرات أمتار قليلة.. أربع في الخلف وثلاث في الوسط واثنتين في المقدمة فواحدة وواحدة أخرى أمامها. تشكيلها وأزيزها اليوم مختلف.
عشق...
نظرت إلى أسفل وجدت الجميع يرمقني، ينتظرني أين أستقر. كانت عيني صوب الحارس، خفضت من سرعتي وضربت الأرض مرة وفي لحظة كنت بين يديه. أحسست بالدفء حين ضمني بقوة إلى صدره. فكنت كلما ركلني الآخر غيرت مساري لأستقر في أحضانه. هتافات وتصفيق وصفير يمزق السكون، والصمت في الجهة المقابلة يملأ الفراغات.
بهجة....
قبلني وركلني إلى أعلى ليستقبلني صديقه على فخذه ثم يركلني بسرعة لأصطدم برأس أحدهم فأغير اتجاهي لأستقر فى مرمى الخصم.
هتافات تتعالى، لافتات مكتوب عليها ارحل تملأ المكان. وكاميرات ترصد الهدف من كل الزوايا وتعرضه على شاشة ضخمة ثلاثية الأبعاد.
مغالطات....
صفارات إنذار تدوي. يهرع الكل إلى ممر ضيق في نهايته سلم يقود إلى مخبأ تحت الأرض، تلتصق الحشود بجداره المهترىء ليحتموا من وابل الرصاص ويبقى المنتصف فارغا. الطائرات تُسقط كرات صغيرة في حجم قبضة اليد لتستقر على الهدف مباشرة. دخان كثيف، وأشلاء تتطاير في الهواء. جنازير الدبابات تقطع الأجساد وتقذفها على جنبات الطريق. صراخ وصيحات تمزق السكون من الجانبين:"قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار".
شتات.....
الأم في المطبخ تعد القهوة وتعود بسرعة لتنتظر"عائلة ميكي". والابنة الكبرى تضع يدها على خدها تنتظر في صمت وصبر"365 يوم سعادة". والابنة الصغرى تنتظر "عودة مهند". والابن الأصغر في ركن الحجرة يبكي، فقد حان وقت إذاعة حلقاته المفضلة "توم وجيري" والأب يلعن تلك الشاشة ثلاثية الأبعاد التي ابتلعت الكل.