[أيها الممثل:
عليك أن تجيد الملاحظة أكثر من أي فنان آخر
إن فن الملاحظة: حين يجعل البشرموضوعه
لا يمثل إلا فرعا من فن معاملة الناش
مهنتك أيها الممثل:
هي أن تكونباحثا ومعلما في فن معاملة البشر
*****
هكذا يرى "بريخت" عملية التمثيل باعتبارها عملية استيعابية تعتمد على الملاحظة، ويعبر عن فكرة الاحتفال الجماعي كوسيلة لدعم الرابطة الإجتماعية.
وهكذا يتناول كتاب" نظرية العرض المسرحي" للكاتب " جوليان هلتون" والذيترجمته وقدمته د./نهاد صليحة أستاذ النقد المسرحي بأكاديمية الفنون ، ليعرض لنا عبر مداخله السبعة كينونة العمل المسرحي، وبعض نظريات فن المسرح وفنون الأداءوعناصر العرض المسرحي، كما يعرض لنا علاقة المؤدي بالجمهور.
*خطر الإيهام *
ويري المؤلف: إنه من خلال القدرة على الإيهام يكمن خطر العرض المسرحي في رأى العديد من الفلاسفة ورجال الدين لذا كانت قدرة المسرح على التأثير في جمهوره هي السبب الحقيقي وراء الجدل الديني الأخلاقي الذي أثير وما زال يثار حوله. لقد كان أفلاطون يخشى أن يًعود المسرح الشباب على تقبل العادات الأخلاقية السيئة وكرد فعل لهذه المخاوف استشهد المسرحفي دفاعه عن نفسه برأي نقيض يؤكد أن عرض الفضائح إنما يعري حقيقتها ويدنيها ويظهر الجمهورمن أى نوازع دفينة قد تدفعه إلى الرغبة في مثل هذا السلوك؛ فاستعراض الشر على الملأ إنما يرشد المؤمنين إلى سُبل تجنب الرذيلة ،واستخدام الفلاسفة والقساوسة هذه الحجة في الدفاع عن المسرح - كما فعل أرسطو مثلا أو الجزويت – وأبعوا نظريات في الفن الدرامي تؤكد فاعليته الجوهرية في تطهير النفوس وإصلاح الأخلاق وقدرته على تزويدنا بالحقائق والمبادئ الأخلاقية، ويوضح المؤلف ذلك قائلا: إننا نستطيع تبريردراسة فن العرض والأداء بأن نقيم فروضا مماثلة لفرضيتي أرسطو، فإذا كان العرض المسرحي يتفوق على معظم الأنمشطة الإنسانية في تعدد مهارات صانعيه وتنوعها وما يتطلب من قدرات تكون فرضيتنا الأولى: وفق ذلك هى الأنظمة السلوكية المركبة التي اخترعها الإنسان.
أما الفرضية الثانية: هي أن فن العرض والأداء ليس تاريخا وصفيا فقط يعيد بناء التاريخ في صورة الشعر بل هو أيضا فن ذهني نظري معرفي، والفرضية الثالثة : هي أن فن العرض ليس نشاطا تنفيذيا أي لا يقتصر على التنفيذ وإعادة تقديم إباع سابق للآخر في ثوب جديد.بل هو فن إبداعي ينشئ شيئا جديدا أصيلا ، ويتحول فن الإبداع ( النص) إلى وسيلة لتحقيق غاية مبتكرة جديدة هى العرض نفسه . ويؤكد "جوليان هلتون": أن أهل المسرح أنفسهم أشد معارضة لدراسة فن العرض والأداء ، فقد جرت العادة في مجال المسرح على اعتبارالترفيه والدراسة الجادة هدفين متعارضين وهذا ليس صحيحا ، حيث أن التعليم الناجح قد ارتبط بالمتعة منذ القدم، وعلى هذا فإننا حين ندرس في حقيقة الأمركيف نمتع أنفسنابصورة أفضل كمؤدين ومتفرجين. فكلما تعمق الفهم ازدادت المتعة .
ويعد شكسبير أسبابا ومبررات تجعلنا ننظر إلى فن العرض باعتباره سلاحنا الأمامي في معركتنا مع الزمن، فكل عرض مسرحي يعد في أبعاده تأملا في معني الزمن والوجود لذا كاغن على يقين بأن العرض المستمر لأعماله هو أضمن وسيلة لخلوده. أما أرسطو فقد رصد في نظرية فن الشعرستة عناصر مكونة للعرض المسرحي هي الحبكة والشخصية والرسالة أو الفكر واللغة والموسيقى والمنظر . وحين تتحد هذه العناصر تكون فيما بينها ما أسماه أرسطو بالمحاكاة لحدثٍ ما .
* أفعال الإشارة *
ويشير جوليان هلتون إلى أنه: لكى نفهم طبيعة العرض المسرحي علينا أن ننظر إليها كعملية جسدية مادية من ناحية ومجازية استعارية من ناحية أخرى، أما المتطلبات الجسدية والتي حددها في كلٍ من مكان العرض وزمنه والمؤدي والمتلقي لا نستطيع أن نفصل كلٍ منهم عن الآخر .
*وعن مكان العرض قال :
إن فعل الإشارةيستطيع أن يحولأى مكان إلى مكان للعرض كما يذكر بيتر بروك في كتابه "المساحة الخالية "، فعادة يتضمن تصميم مكان العرض المسرحي إشارة تحديد هويته وتخضع رؤية المؤدي والمتفرج لأماكن العرض لمؤثرين هما :
-نسق التوقعات الثقافي السائد المتعلق بشكل المسرح وتصميمه.
-ومجموعة القواعد الخاصة المتفردة التي يرسيها كل عرض على حده.
وهنا يبرز عاملان هما: الموقع بأقسامه المحايدة والعارضة والمخصصة الدائمة، والعامل الآخرهو الشكل العام للمكان داخل الموقع المسرحي والعلاقات المنظمة بين مساحاته ودلالاته الاجتماعية والنفسية للمسافات النسبية والأشكال والمجالات المختلفة داخله ؟
* وعن زمن العرض :
يرى جوليان هلتون أن العلاقة بين الزمن الواقعي و الزمن المسرحي أعقد المشكلات وأكثرها تركيبا ، ففي مقابل الزمن الواقعي للعرض يقف زمن العرض المسرحي الذي يتسم بخاصيتين أساسيتين هما : محاكاة الزمن الواقعي من ناحية والتمثيل أو الطرح الدرامي للزمن من ناحية أخرى ، غير أن التمثيل أو الطرح الدرامي لا تحده قيود أو قواعدعدا استعداد المشاركين في العرض من مؤدين ومتفرجين لتصديق أى بنية زمنية يستخدمها العرض ويصرح بها في أية لحظة .
* أما عن المؤدي :
يرى المؤلف أيضا أنه قد يكون جمادا على هيئة إنسان مثل الدمي المتحركة في مسرح العرائس وقد تكون قطعة من الملابس أو أحد الأمكنة وتستطيع عملية الإشارة أن تحول الكائنات الحية إلى جماد والعكس صحيح. وقد حاول "صمويل بيكيت" أن يتوصل عمليا إلى الحد الأدنى من الشروط التي لابد من توافرها ليتحقق العرض المسرحي؛ فشرع في عملية اختصار وتقليصجمالية وصلت ذروتهاالقصوى في مسرحية النفس التي لم تحظى بالإقبال إلا أنها أثبتت مبادئا هامة وهى أهمية عملية الإشارة في توجيه رؤيتنا للحدث المعروض وادراكنا لطبيعته- كما تسعى إلى استكشاف أبعاد العلاقة بين الكلمات والأشياء .
* فنون اللعبة المسرحية *
أما عن امكانية تعلم فنون الأداء يقول المؤلف : أن اللعب الهادف والتدريب وممارسة الأداء أهم طرق تعلم فنون الأداء وترتبط كل وسيلة من هذه الوسائل بمرحلة من مراحل تكون العرض المسرحي نفسه، فمن خلال اللعب الهادف نتعلم كيف نعبر عن أنفسنا ومن خلال التدريب نتعلم كيف نعبر عن ذات أخرى ،ومن خلال الممارسة نتعلم : كيف تتفاعل الذات المُعبر عنها بذوات أخرى.
وإذا طرحنا هذه الوسائل في صورة ديالكتيكية يصبح اللعب نظيرا للوجود، والتدريب نظيرا لتمثيل الوجود ويصبح العرض المسرحي نفسه هو التجمع الذي يوحد الاثنين في توليفة جديدة
وللتعبير عن النفس يحتاج المؤدون إلى اكتسابمهارات خاصة في مرحلة تدريبهم على تقمص ضمير ووعى ذات أخرى، ولقد أدركت نظم التعليم الاتنسانيةدائما قيمة المسرح كوسيلة لتعليم الوعى بالذات .
* تحقيق المتعة *
وفي آخر فصول الكتاب يتناول المؤلف علاقة الجمهور بالمؤدي ويقسمها إلى شقين : شق جمالي وآخر مالي حيث تعتمد عملية التواصل بين العرض المسرحي والجمهور على فرضية تتعلق بالحواس فنفترض أن الجمهور يرى ويسمع ما يدور على خشبة المسرح إلا أن هناك خيارات في تناول عملية الإتصال في المسرح تتجلى في نوعية الإلقاء المسرحي سواء في الحديث المباشر إلى الجمهور أو المونولوج أو مناجاة النفس وكلاهما يفرض أنماطا خاصة للاستماع. إلا أن أنماط الحديث المباشر إلى الجمهور تزيد وعي الجمهور بالتفاصيل ومن انتباهه لها يتخلق لديه احساسا بوجود علاقة خاصة بينه وبين المتحدث .
ويستطيع المؤدي أن يمتع الجمهور ويوظف هذه المتعة في تثقيف وتوسيعمداركه كما يستطيع شحذ المشاعروتكثيفها وتعميق الوعي بالحياة .وكذلك يستطيع العرض المسرحي أن ينشط الاحساس بالانتماء إلى المجتمع ويساهم في تغييره، والممثل الذي يضع حب الجمهور فوق كل شيء يتخطى الخط الحرج الذي يفصل بين الوهم المسرحي وبين الواقع ولاتقتصر المتعة المسرحية كما يرى جوليان على الكوميديا فقط ، كما أن التراجيديا ليست بالضرورة تكون مؤلمة أو تخلو من المتعة ، فالمتعة تتحقق على مستوى فكري وشعوري أكثر عمقا فهي متعة تنبع من ادراكنا لصدق ما يعرض أمامنا ومن نزاهة العروض.
وعن الصراع . . الذي يمثل محور الدراما فهو يتخذ صورا مختلفة حيث يتجسد في صورة مشكلة أخلاقية أو يصبح جزءً من عملية وجدانية . ويمكنأن يتخذ الصراع الدرامي الصورة التي وصفها نيتشة وهي صورة ، البحث عن النقيض أو الضد المكمل ، وحين يتحقق التوازن الكامل بين القوتين المتعارضتين يتحد النقيضان في فعا ابداعي خلاق .
*****
ويختتم المؤلف "جوليان هلتون" كتابه بقوله : إن المسرح يعمل في إطارالنظام الثقافي الذي ينتمي إليه ويستطيع عن طريق إحلال بعض العناصر الجديدة محل أخرى قديمة أن يولدتحولات في هذا النظام تضفي ظلالا من الغموض والنسبية على هوايته الموروثة وقيمه ودلالاته ويستطيع أيضا في مرحلة تالية أن يولد نظاما ثقافيا جديدا .
الكتاب : نظرية العرض المسرحي
المؤلف : جوليان هلتون
المترجم : د./ نهاد صليحة
الناشر : هلا للنشر والتوزيع
عليك أن تجيد الملاحظة أكثر من أي فنان آخر
إن فن الملاحظة: حين يجعل البشرموضوعه
لا يمثل إلا فرعا من فن معاملة الناش
مهنتك أيها الممثل:
هي أن تكونباحثا ومعلما في فن معاملة البشر
*****
هكذا يرى "بريخت" عملية التمثيل باعتبارها عملية استيعابية تعتمد على الملاحظة، ويعبر عن فكرة الاحتفال الجماعي كوسيلة لدعم الرابطة الإجتماعية.
وهكذا يتناول كتاب" نظرية العرض المسرحي" للكاتب " جوليان هلتون" والذيترجمته وقدمته د./نهاد صليحة أستاذ النقد المسرحي بأكاديمية الفنون ، ليعرض لنا عبر مداخله السبعة كينونة العمل المسرحي، وبعض نظريات فن المسرح وفنون الأداءوعناصر العرض المسرحي، كما يعرض لنا علاقة المؤدي بالجمهور.
*خطر الإيهام *
ويري المؤلف: إنه من خلال القدرة على الإيهام يكمن خطر العرض المسرحي في رأى العديد من الفلاسفة ورجال الدين لذا كانت قدرة المسرح على التأثير في جمهوره هي السبب الحقيقي وراء الجدل الديني الأخلاقي الذي أثير وما زال يثار حوله. لقد كان أفلاطون يخشى أن يًعود المسرح الشباب على تقبل العادات الأخلاقية السيئة وكرد فعل لهذه المخاوف استشهد المسرحفي دفاعه عن نفسه برأي نقيض يؤكد أن عرض الفضائح إنما يعري حقيقتها ويدنيها ويظهر الجمهورمن أى نوازع دفينة قد تدفعه إلى الرغبة في مثل هذا السلوك؛ فاستعراض الشر على الملأ إنما يرشد المؤمنين إلى سُبل تجنب الرذيلة ،واستخدام الفلاسفة والقساوسة هذه الحجة في الدفاع عن المسرح - كما فعل أرسطو مثلا أو الجزويت – وأبعوا نظريات في الفن الدرامي تؤكد فاعليته الجوهرية في تطهير النفوس وإصلاح الأخلاق وقدرته على تزويدنا بالحقائق والمبادئ الأخلاقية، ويوضح المؤلف ذلك قائلا: إننا نستطيع تبريردراسة فن العرض والأداء بأن نقيم فروضا مماثلة لفرضيتي أرسطو، فإذا كان العرض المسرحي يتفوق على معظم الأنمشطة الإنسانية في تعدد مهارات صانعيه وتنوعها وما يتطلب من قدرات تكون فرضيتنا الأولى: وفق ذلك هى الأنظمة السلوكية المركبة التي اخترعها الإنسان.
أما الفرضية الثانية: هي أن فن العرض والأداء ليس تاريخا وصفيا فقط يعيد بناء التاريخ في صورة الشعر بل هو أيضا فن ذهني نظري معرفي، والفرضية الثالثة : هي أن فن العرض ليس نشاطا تنفيذيا أي لا يقتصر على التنفيذ وإعادة تقديم إباع سابق للآخر في ثوب جديد.بل هو فن إبداعي ينشئ شيئا جديدا أصيلا ، ويتحول فن الإبداع ( النص) إلى وسيلة لتحقيق غاية مبتكرة جديدة هى العرض نفسه . ويؤكد "جوليان هلتون": أن أهل المسرح أنفسهم أشد معارضة لدراسة فن العرض والأداء ، فقد جرت العادة في مجال المسرح على اعتبارالترفيه والدراسة الجادة هدفين متعارضين وهذا ليس صحيحا ، حيث أن التعليم الناجح قد ارتبط بالمتعة منذ القدم، وعلى هذا فإننا حين ندرس في حقيقة الأمركيف نمتع أنفسنابصورة أفضل كمؤدين ومتفرجين. فكلما تعمق الفهم ازدادت المتعة .
ويعد شكسبير أسبابا ومبررات تجعلنا ننظر إلى فن العرض باعتباره سلاحنا الأمامي في معركتنا مع الزمن، فكل عرض مسرحي يعد في أبعاده تأملا في معني الزمن والوجود لذا كاغن على يقين بأن العرض المستمر لأعماله هو أضمن وسيلة لخلوده. أما أرسطو فقد رصد في نظرية فن الشعرستة عناصر مكونة للعرض المسرحي هي الحبكة والشخصية والرسالة أو الفكر واللغة والموسيقى والمنظر . وحين تتحد هذه العناصر تكون فيما بينها ما أسماه أرسطو بالمحاكاة لحدثٍ ما .
* أفعال الإشارة *
ويشير جوليان هلتون إلى أنه: لكى نفهم طبيعة العرض المسرحي علينا أن ننظر إليها كعملية جسدية مادية من ناحية ومجازية استعارية من ناحية أخرى، أما المتطلبات الجسدية والتي حددها في كلٍ من مكان العرض وزمنه والمؤدي والمتلقي لا نستطيع أن نفصل كلٍ منهم عن الآخر .
*وعن مكان العرض قال :
إن فعل الإشارةيستطيع أن يحولأى مكان إلى مكان للعرض كما يذكر بيتر بروك في كتابه "المساحة الخالية "، فعادة يتضمن تصميم مكان العرض المسرحي إشارة تحديد هويته وتخضع رؤية المؤدي والمتفرج لأماكن العرض لمؤثرين هما :
-نسق التوقعات الثقافي السائد المتعلق بشكل المسرح وتصميمه.
-ومجموعة القواعد الخاصة المتفردة التي يرسيها كل عرض على حده.
وهنا يبرز عاملان هما: الموقع بأقسامه المحايدة والعارضة والمخصصة الدائمة، والعامل الآخرهو الشكل العام للمكان داخل الموقع المسرحي والعلاقات المنظمة بين مساحاته ودلالاته الاجتماعية والنفسية للمسافات النسبية والأشكال والمجالات المختلفة داخله ؟
* وعن زمن العرض :
يرى جوليان هلتون أن العلاقة بين الزمن الواقعي و الزمن المسرحي أعقد المشكلات وأكثرها تركيبا ، ففي مقابل الزمن الواقعي للعرض يقف زمن العرض المسرحي الذي يتسم بخاصيتين أساسيتين هما : محاكاة الزمن الواقعي من ناحية والتمثيل أو الطرح الدرامي للزمن من ناحية أخرى ، غير أن التمثيل أو الطرح الدرامي لا تحده قيود أو قواعدعدا استعداد المشاركين في العرض من مؤدين ومتفرجين لتصديق أى بنية زمنية يستخدمها العرض ويصرح بها في أية لحظة .
* أما عن المؤدي :
يرى المؤلف أيضا أنه قد يكون جمادا على هيئة إنسان مثل الدمي المتحركة في مسرح العرائس وقد تكون قطعة من الملابس أو أحد الأمكنة وتستطيع عملية الإشارة أن تحول الكائنات الحية إلى جماد والعكس صحيح. وقد حاول "صمويل بيكيت" أن يتوصل عمليا إلى الحد الأدنى من الشروط التي لابد من توافرها ليتحقق العرض المسرحي؛ فشرع في عملية اختصار وتقليصجمالية وصلت ذروتهاالقصوى في مسرحية النفس التي لم تحظى بالإقبال إلا أنها أثبتت مبادئا هامة وهى أهمية عملية الإشارة في توجيه رؤيتنا للحدث المعروض وادراكنا لطبيعته- كما تسعى إلى استكشاف أبعاد العلاقة بين الكلمات والأشياء .
* فنون اللعبة المسرحية *
أما عن امكانية تعلم فنون الأداء يقول المؤلف : أن اللعب الهادف والتدريب وممارسة الأداء أهم طرق تعلم فنون الأداء وترتبط كل وسيلة من هذه الوسائل بمرحلة من مراحل تكون العرض المسرحي نفسه، فمن خلال اللعب الهادف نتعلم كيف نعبر عن أنفسنا ومن خلال التدريب نتعلم كيف نعبر عن ذات أخرى ،ومن خلال الممارسة نتعلم : كيف تتفاعل الذات المُعبر عنها بذوات أخرى.
وإذا طرحنا هذه الوسائل في صورة ديالكتيكية يصبح اللعب نظيرا للوجود، والتدريب نظيرا لتمثيل الوجود ويصبح العرض المسرحي نفسه هو التجمع الذي يوحد الاثنين في توليفة جديدة
وللتعبير عن النفس يحتاج المؤدون إلى اكتسابمهارات خاصة في مرحلة تدريبهم على تقمص ضمير ووعى ذات أخرى، ولقد أدركت نظم التعليم الاتنسانيةدائما قيمة المسرح كوسيلة لتعليم الوعى بالذات .
* تحقيق المتعة *
وفي آخر فصول الكتاب يتناول المؤلف علاقة الجمهور بالمؤدي ويقسمها إلى شقين : شق جمالي وآخر مالي حيث تعتمد عملية التواصل بين العرض المسرحي والجمهور على فرضية تتعلق بالحواس فنفترض أن الجمهور يرى ويسمع ما يدور على خشبة المسرح إلا أن هناك خيارات في تناول عملية الإتصال في المسرح تتجلى في نوعية الإلقاء المسرحي سواء في الحديث المباشر إلى الجمهور أو المونولوج أو مناجاة النفس وكلاهما يفرض أنماطا خاصة للاستماع. إلا أن أنماط الحديث المباشر إلى الجمهور تزيد وعي الجمهور بالتفاصيل ومن انتباهه لها يتخلق لديه احساسا بوجود علاقة خاصة بينه وبين المتحدث .
ويستطيع المؤدي أن يمتع الجمهور ويوظف هذه المتعة في تثقيف وتوسيعمداركه كما يستطيع شحذ المشاعروتكثيفها وتعميق الوعي بالحياة .وكذلك يستطيع العرض المسرحي أن ينشط الاحساس بالانتماء إلى المجتمع ويساهم في تغييره، والممثل الذي يضع حب الجمهور فوق كل شيء يتخطى الخط الحرج الذي يفصل بين الوهم المسرحي وبين الواقع ولاتقتصر المتعة المسرحية كما يرى جوليان على الكوميديا فقط ، كما أن التراجيديا ليست بالضرورة تكون مؤلمة أو تخلو من المتعة ، فالمتعة تتحقق على مستوى فكري وشعوري أكثر عمقا فهي متعة تنبع من ادراكنا لصدق ما يعرض أمامنا ومن نزاهة العروض.
وعن الصراع . . الذي يمثل محور الدراما فهو يتخذ صورا مختلفة حيث يتجسد في صورة مشكلة أخلاقية أو يصبح جزءً من عملية وجدانية . ويمكنأن يتخذ الصراع الدرامي الصورة التي وصفها نيتشة وهي صورة ، البحث عن النقيض أو الضد المكمل ، وحين يتحقق التوازن الكامل بين القوتين المتعارضتين يتحد النقيضان في فعا ابداعي خلاق .
*****
ويختتم المؤلف "جوليان هلتون" كتابه بقوله : إن المسرح يعمل في إطارالنظام الثقافي الذي ينتمي إليه ويستطيع عن طريق إحلال بعض العناصر الجديدة محل أخرى قديمة أن يولدتحولات في هذا النظام تضفي ظلالا من الغموض والنسبية على هوايته الموروثة وقيمه ودلالاته ويستطيع أيضا في مرحلة تالية أن يولد نظاما ثقافيا جديدا .
الكتاب : نظرية العرض المسرحي
المؤلف : جوليان هلتون
المترجم : د./ نهاد صليحة
الناشر : هلا للنشر والتوزيع
تعليق