مدينة الأحلام الواعدة
المشهد الأول
الشخصية الرئيسة : حاكم البلاد
الشخصية الثانوية: الحاكم السابق /الحكيم –حارسان – ثلاثة سجناء.
تسمع هتافات خارجية، تهتف بحياة الرئيس الجديد وتدعو له بطول العمر، وتحقيق العدل، المساواة، الحرية، وإزالة الفساد، تفتح الستارة عن كرسي ضخم في الصدارة، تتلألأ الزينات ويعزف النشيد الوطني استعدادا للمراسيم الرئاسية، ويسمع صوت جهوري معلنا"الحاكم الجديد سيؤدي يمين الولاء للشعب والدستور" يسير الحاكم بخطى واثقة على السجادة الحمراء ويقف عند المنصة مرددا القسم"أقسم بالله العظيم أن أصون الأرض والعرض والحمى والإنسان وأكون مخلصا للشعب، وسأجاهد لتحقيق سبل التطوير والرفاه الاجتماعي"، هتافات مؤيدة، يتسلم زمام الحكم عند تسلمه علم الوطن، وتسلّط بقعة الضوء نحو الحاكم السابق يتقدم منه الحارس: لقد جهزنا لك كلّ ما تحتاجه في رحلة الخلاص والنهاية.
الحاكم(بحزن): لقد أديت واجبي تجاه هذا الشعب، لكنّ النهاية مظلمة.
حارس1: هذا قانوننا، لا تجديد لمدة الحكم ولا استمرار لحياته بيننا وستُحمل عنوة إلى الصحراء ومعك زاد لمدة شهر وتُترك فيها لقضائك.
الحاكم المعزول (مستنكرا): هذا عقاب ظالم شهرياريّ النهج؟
الحارس2:أنت وافقت على هذا الشرط حين توليت السلطة، ورغبتك في الجاه والسلطان غيبت عن إدراكك قسوة الشرط. (يخرج الحارس)
يقف الحاكم في بؤرة الضوء مفكرا وتظهر عليه انفعالات الحيرة والحزن: للسلطان نكهة مميزة غررت بي، لقد عشت في برج عاجيّ ونسيت نهايتي، لكنّ دوام الحال من المحال وغفلت عن النهاية البائسة،التي لم أستعد لها وتركتها للزمن، ومرت السنوات الخمس سريعا، هل أخذتني نشوة السلطة؟ لقد رعيت كلّ أمور التطور، لكنّه الفقر اللعين لم استطع إيقاف زحفه، والبطالة مدت لي لسانها "أنت عاجز"بنيت أبراجا للحيتان وسهوت عن بناء جحورا للأرانب، ولم أحارب أوكار الثعابين وانشغلت بزخرف الرئاسة ومقابلة الوفود وإبرام الاتفاقيات، ورحلات الترفيه والاستقبالات، وأصدرت أوامري للدفاع عن حماه، لكنّها الرئاسة المعقدة التي تحتاج إلى مليون زمن لصدع الشقوق وتحتاج أذكى العقول لتنفيذ الخطط الخماسية والسداسية لتلبية حاجات الشعب،أين أنا من هذا؟ كيف استمتع بالرئاسة، لم أخبئ شيئا لزمن التيه الصحراويّ، ظلمت نفسي لموافقتي على الشرط القاسي، وأعميت عينيّ لأني لم أر أبعد من أنفي، لم أر إلا وجاهة السلطان والرؤوس المنحنية لطاعتي، لكنّ المستقبل القاتم ينتظرني، هل استحق كلّ هذا؟ الصحراء تنتظرني سأقبل على المصيبة خير من انتظارها، يخرجونه.
(إضاءة كاملة) يتولى الحاكم الجديد سدة الحكم التي من خلالها ستدار آليات الدولة يعبر عن فكره: الآن السلطة لي، أنا الرئيس المطاع وكلّ شيء يتحرك رهن إشارتي (ثم ينفث مهموما) لقد رأيت بعيني الخاتمة المريعة للحاكم السابق إذ ألقي به للضواري في الصحراء وينتظر حتفه، عليّ أن أفكر بهذا الأمر، يجب أن لا يأخذني زخرف السلطة وأتناسى النهاية السيئة التي تنتظرني، وسأعمل ما يمليه عليّ ضميري.
الحكيم بحماس: اكتملت الاستعدادات لرؤية الانجازات العظيمة التي تمت في العهد السابق، سترى الأبراج الخرافية والمنتجعات السياحية ودور العلم والحدائق العامة الجميلة ووو..
الحاكم باندهاش: هل الحكم رحلة للترفيه؟ إنّه عهد العمل بكفاءة.
الحكيم باستنكار: الحكم فرصة لتصويب المعوج، وتلبية حاجات الشعب.
الحاكم بحزم: أحضروا حصاني، أريد القيام بجولة تفقدية في البلاد.
يظهر الحارس: جهزنا لك موكب الرئاسة، وما يلزم لتجوالك في المدينة.
الحاكم : بل أريد حصاني ولا رغبة لي في المواكب الرئاسية المبهرجة، وهذه مدينتي أنا لم أهبط عليكم من كوكب آخر وعارف بكل مرفق فيها.
الحكيم مستغربا: إلى أين؟
الحاكم بحماس: إلى السجون لأعرف أسباب الجريمة وأقوّمها.
الحكيم: هل تستطيع إصلاح ما أفسده الدهر في النفس البشريّة؟على أية حال أرى أنك بدأت في الطريق السليم.
المشهد الثاني
يسلط الضوء على ثلاثة سجناء يجرون في أقدامهم كرات حديدية مكبلين بالسلاسل يقبل الحاكم عليهم برفقة الحكيم يجلس معهم ويحاورهم بكلام غير مسموع للجمهور ويعلو صوت الموسيقى (بأغنية الحرية).
الحاكم بثقة: الآن أدركت سبب سجنكم، إنّه الظلم الاجتماعي الذي وقع عليكم، كانت ردة فعلكم تجاه الظلم قاسية فظلمتم أنفسكم والغير، وبما أنّكم توّاقون للحرية، سأمنحكم حرية مشروطة بالتوبة النصوح، وحياة جديدة تتصف بالعدل والرحمة والإخلاص في العمل.
الحكيم : ماذا ستفعل يا سيدي؟
الحاكم : سيبدؤون حياة بنوعيّة جديدة، سأخرجهم من السجن إلى البادية.
الحكيم بحسرة: إنه الموت البطيء!!
الحاكم :اطمئن، بل هو الميلاد والحياة من جديد، لترافقكم فرقة من الخيّالة حتى حدود البادية، أرسلوا معهم من يحفر الآبار في البادية، قدموا لهم الخيام وقطعان الماشية وأغدقوا الأموال من خزينة الدولة التي سترد إليها من ريع استثمارات مشاريعهم.
الحكيم : ماذا تقصد، وما لنا وآبار المياه في البادية،هنا لدينا الماء الوفير ألا تريد بناء برج أو فندق عشرة نجوم أو أسواق متعددة الأجنحة.
الحاكم : لا، عندنا فائض لهذه الرفاهية أريد أن أعمل عملا مبهرا!
الحكيم : كيف ستتمكن من السيطرة على هؤلاء الأشرار.
الحاكم : لن احتاج للقوة لإخضاعهم بل الوازع الديني والتزامهم بالشريعة وليس لديهم خيار ثالث إما الحياة بكرامة ضمن معطيات سبل المعيشة البدائية أو الضياع والموت جوعا في الصحراء، وسأمنع عنهم المدد إن عادوا لانحرافهم.
الحكيم: قد تكون أفكارك مجدية، لكن كيف تصنع شعبا متحضرا رغم قيم التضادية السلوكية.
الحاكم : سترى معجزة والأيام بيننا، (آمرا)أطلقوا سراح السجناء إلى البادية، أرسلوا معهم الكثير من الماشية، سأزوركم مطلع كل شهر.
الحكيم: فهمت، لأنّ مهنة الإنسان الأولى الرعي ومهنة الأنبياء والأتقياء.
وتمر الأيام ويفرحون بالعمل الجديد وتتكاثر الماشية ويجدون فيه تحقيقا لذاتهم التائهة، وبعد سنة يأمر الحاكم الحارس: أريد زيارة السجن.
الحكيم : غريب أمرك وماذا تريد من السجن ألم تزره في العام الماضي، الحكام الذين قبلك لم يزوروه مطلقا.
الحاكم : يقيني أن أعدادهم في تزايد وهم الجزء الحيّ الميت من المجتمع وعبء عليه ولا فائدة ترجى منهم في مدينتنا هيا إلى الصحراء.
الحكيم : أهو حكم بالموت البطيء أم هي أحلامك الدنكوشوتيه!
الحاكم : ألم تدرك غايتي للآن، سيأتي عليك يوم تدرك ما أرمي إليه.
الحاكم : أرسلوا معهم المحاريث والمعاول والبذور ولتكن طبقة الفلاحين في تلك الصحراء وأرسلوا معهم بعض رجال الدين والوعاظ للتفقه في أمور دينهم .لا أريد في هذا المجتمع برغماتيّا واحدا.
الحكيم :أتريد كيانا قائما على المبادئ السامية أو على المصالح الغاشمة؟
الحاكم : السيادة المطلقة ستكون للشرع الإلهي والحكم قائم على مبادئ الشورى الملزمة والقائمة على علاقة التكامل والتكافل في ظل سيادة الشريعة، لقد عانوا من الظلم، وتذوقوا الحرية من خلال أحكام العقيدة السمحاء بمساعدة أهل العقد والحل، والهدف من هذا الحكم إقامة العدل, وحراسة الحريات، ورعاية حقوق الإنسان، وهي مسؤولية الحاكم والرعية.
يسلط الضوء على مجموعة من السجناء الذين أصبحوا من مواطني الصحراء في حوار جماعي،أحد السجناء1: نريد شرطة وسجن هنا حتى نحل مشاكل المتشاققين.
أحد السجناء2: لا تتشاحنوا، كلكم سواسية في ماضيكم اللاأخلاقي فمسألة الاندماج بينكم ميسورة ولن تكون هناك عنصرية أخلاقية فليكن مبدأ التنافس على عمل الخير وإظهار النوايا الحسنة هو شعاركم.
أحد السجناء3: لم الكسل نريد أن نتطور ونتقدم ونحيا حياة كريمة كبقية البشر، أم اعتدتم حياة الروتين في السجن، هنا العطاء مستمر وقابلية التجدد واردة، فأنتم تجمعون القدرة على العمل والقدرة على التطور من خلال ابتكاراتكم المذهلة في التنافس وتطوير آلية العمل.
أحد السجناء 1بيأس:نحن عبيد الشر وبالظلم أوجدوه في نفوسنا مهما حاولوا اقتلاعه لن يقتلع.
سجين آخر متفائلا2: نحن صنعنا الشر في دواخلنا وذقنا مرارته والحاكم أرشدنا إلى التغيير من خلال الدستور القرآني من خلال قوله تعالى:" فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا " (النساء59).
(يسمع صوت وقع حصان دلالة على مرور الحاكم، يسمع صوت تكات الساعة دلالة على مرور الزمن، كذلك الإضاءة ترسم تغيّر الزمن من ليل إلي نهار، ممثلة ً حركة الشمس علي أرض البادية وعلي هذا الأساس قد تتفاوت شدتها بين مشهد وآخر. وإنما بفنيّة التي تنسحب إلي باقي عناصر العمل المسرحي والاهتمام بألوان الإضاءة الباردة والحيادية، وقسرها ضمن إطارها الوظيفي في الإنارة والكشف).
الراوي: كان الحاكم يمتطي حصانه ويزورهم كل ستة شهور سرا عن أهل مدينته، وجدهم يعملون بجد ونشاط في زراعة الأرض وتكاثر المحصول فاشترى منهم إنتاجهم الزراعي والحيواني وأعطاهم الأموال وانتعشت التجارة في البادية
يسلط الضوء على حوار جانبي، الحكيم بعزم: أني ألحظ بوادر تغيير على شعب الصحراء وكأنهم يرغبون إلى حياة الشر السابقة، لو أردت إخضاعهم بالسلاح لاستطعت إذا تمردوا.
الحاكم: لست مع خيار فرض الحرية بالقوة أو إتباع سياسة التجويع وسلب الحرية، بل بالتنافس الشريف والعطاء بلا حدود، وأؤيد فكرة تنمية بذرة الخير الموجودة في كل نفس بشرية. ولن يكون هناك أحزاب تتاجر بشعارات الحرية والديمقراطية، ولن أرسل لهم شرطيا بل سيكون أمرهم شورى بينكم وسيحتكمون إلى شرع الله من خلال كتاب الله والسنة.
الحاكم مخاطبا بعزم شعب الصحراء: سأكافئكم بتكوين عائلات، سأرسل لكم النساء من سجن النساء وسأرسل معهم قاضيا لعقد قران كلّ من يرغب في الزواج وتكوين أسرة، وتعاملوا بالعدل فالظلم مؤذن بخراب العمران، لن أدّعي قدرتي الاستئصالية للشر بالقوة، فهذه سذاجة لا أدعيها بل الإزاحة لعوامل الشر وتذوق قيم الخير وبيان المردود على النفس، وقناعتي أن الإنسان الذي تأثر بسلبية قوى الشر على نفسه سيتوق للخير، كوّنوا المجتمع المتعاون، فالبادية بحاجة للأيدي الفتية والنساء أمامكم بشريعة الله الذي أباح لكم التعدد ولا تتركوا امرأة وحيدة.
الحكيم بابتسامة ماكرة: يقول أحدهم" إن تُركت امرأة وحيدة فالعار يقع على كلّ الرجال".
الراوي: وفي السنة الثالثة يمر على السجن فيجده ممتلئا فيطلق سراحهم ويقدم لهم أدوات البناء ويأمرهم بإزالة الخيام ورفع الأبنية لتتنامى حركة البناء فيها، ولا يعلم بوجودهم أهل المدينة.
الحاكم : أريد عمارة البادية بامتداد أفقيّ وتهيئة سكن كريم لكلّ أسرة.
الحكيم :ألا ترى أن الأجيال الصغيرة تتكاثر، ألا تستحق الاهتمام؟
الحاكم : يجب إنشاء المدارس فالعلم يبني بيوت العزّ والكرم وبناء حدائق للأطفال للتنشئة السليمة والترفيه.
الراوي: في السنة الرابعة يزور الحاكم السجن ليطلق سراح مجموعة من السجناء لتكوين طبقة التجار الأتقياء ويزودهم برؤوس الأموال والبضائع للتجارة في الصحراء.
الحكيم :قد يميلون لسعادة الكسل التي مارسوها في عبودية السجن .
الحاكم : لا اعتقد بعد أن تحرروا من الشر الذي بدواخلهم، وذاقوا لذة العمل، فالعمل عبادة بعد أن توفر لهم كل شيء.
الحكيم : لقد سمعت عن قصة عبيد لم يتقبّلوا حياة الحرية التي لم يعتادوها ورفض محررهم عودتهم للرق فقتلوه واسترجعوا أنفسهم إلى الرق مرة أخرى، أتعتقد أنهم سيقومون بمثل هذا الفعل معك.
الحاكم: لا يمكن لأن الحرية هنا مكتسبة وتحميها تقوى الله والرغبة الشديدة في العيش بأمان.(يخرجان)
الراوي : وفي السنة الخامسة أرسل الإداريين والمهتمين بشؤون المدينة لتعبيد الطرق وإقامة المرافق العامة، وتهيئة البنية التحتية، وبهذا أصبحت المدينة الحلم متكاملة الأركان ،و انتهت مدة حكمه، وسلّم علم الوطن للحاكم الجديد أثناء مراسيم تقليد الحكم، اندهش الجميع لسروره ولم يكن يائسا أو خائفا من النهاية التي يتوقعها، وجيء بعربة محملة بالزاد لتحمله إلى الصحراء، رفضها بقوة :هاتوا حصاني لانطلق إلى صحرائي وموطني الجديد.
المشهد الثالث
يعلو هتاف الجماهير من وراء الكواليس بطول البقاء لحاكم الصحراء الذي بني مدينته الفاضلة وأرسى قواعدها على الخير والتقوى وأضعف قوى الشر، وعندما يصل تخوم الصحراء يستقبله شعب البادية بكرامة وترحاب، وقد حررهم من ظلمات السجن إلى حياة الحرية والعمارة، وأقاموا الاحتفالات العظيمة ونصبوه ملكا عليهم، ووجدوا فيه كلّ قيم الخير. (يؤدي الملك رقصة النجاح والانتصار على الذات وبيان القرار الحاسم ليقع من نشوة الانتصار وهو يراقص صبيا رمزا للمستقبل المشرق،ويمتلأ القلب بالمشاعر فرحا وتتفجر تلك المشاعر في تلك الرقصة ويشاركه الرقص بعض من أفراد شعبة تعبيرا عن فرحهم بتكوين الدولة الفتية المفعمة بروح الشباب والعزيمة القوية)
الحاكم :أرأيت من يعطي الحياة بإخلاص تعطيه الحياة أرقى المناصب، واليوم أنا ملك ولن يؤثر السلطان على عطائي واستمرارية نهجي.
الحكيم بإجابة أحادية: أنت رجل استثنائيّ، بحنكتك أقمت دعائم المدينة الفاضلة وزرعت الخير في النفوس ونزعت الشر منها وقوّمت الاعوجاج وأقمت العدل، مدينتك هي الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها سجن أو فقر وأهلها ينعمون بالرخاء، توجوك ملكا بعد أن خدمتهم ، وتفسيري لما أنجزته هو التفاعل ما بين الفطري والمكتسب، عندما كانوا سجناء تقلّبوا في عبودية الشر المكتسبة وغفلوا عن ثوابت الخير الفطرية وعانوا من صراع داخلي، وتعقدت سلوكياتهم الفردية، وعندما استمتعوا بنواتج بالخير على الذات وتلألأت قيم الفضيلة في ذواتهم توهجت إنسانيتهم بثراء حب العطاء والبناء، ولو واجهوا حكما عنصريا مكبلا بأساليب القمع والخوف، واستبطان الأضداد، التي هي منطق النظام الاستعبادي ما تغيروا وازدادوا شرا وبؤسا. ولذا سألازمك في مدينتك الفاضلة لحكمتك البناءة.
انتهت
ملاحظة: فكرة المسرحية مأخوذة عن أسطورة تراثية
المشهد الأول
الشخصية الرئيسة : حاكم البلاد
الشخصية الثانوية: الحاكم السابق /الحكيم –حارسان – ثلاثة سجناء.
تسمع هتافات خارجية، تهتف بحياة الرئيس الجديد وتدعو له بطول العمر، وتحقيق العدل، المساواة، الحرية، وإزالة الفساد، تفتح الستارة عن كرسي ضخم في الصدارة، تتلألأ الزينات ويعزف النشيد الوطني استعدادا للمراسيم الرئاسية، ويسمع صوت جهوري معلنا"الحاكم الجديد سيؤدي يمين الولاء للشعب والدستور" يسير الحاكم بخطى واثقة على السجادة الحمراء ويقف عند المنصة مرددا القسم"أقسم بالله العظيم أن أصون الأرض والعرض والحمى والإنسان وأكون مخلصا للشعب، وسأجاهد لتحقيق سبل التطوير والرفاه الاجتماعي"، هتافات مؤيدة، يتسلم زمام الحكم عند تسلمه علم الوطن، وتسلّط بقعة الضوء نحو الحاكم السابق يتقدم منه الحارس: لقد جهزنا لك كلّ ما تحتاجه في رحلة الخلاص والنهاية.
الحاكم(بحزن): لقد أديت واجبي تجاه هذا الشعب، لكنّ النهاية مظلمة.
حارس1: هذا قانوننا، لا تجديد لمدة الحكم ولا استمرار لحياته بيننا وستُحمل عنوة إلى الصحراء ومعك زاد لمدة شهر وتُترك فيها لقضائك.
الحاكم المعزول (مستنكرا): هذا عقاب ظالم شهرياريّ النهج؟
الحارس2:أنت وافقت على هذا الشرط حين توليت السلطة، ورغبتك في الجاه والسلطان غيبت عن إدراكك قسوة الشرط. (يخرج الحارس)
يقف الحاكم في بؤرة الضوء مفكرا وتظهر عليه انفعالات الحيرة والحزن: للسلطان نكهة مميزة غررت بي، لقد عشت في برج عاجيّ ونسيت نهايتي، لكنّ دوام الحال من المحال وغفلت عن النهاية البائسة،التي لم أستعد لها وتركتها للزمن، ومرت السنوات الخمس سريعا، هل أخذتني نشوة السلطة؟ لقد رعيت كلّ أمور التطور، لكنّه الفقر اللعين لم استطع إيقاف زحفه، والبطالة مدت لي لسانها "أنت عاجز"بنيت أبراجا للحيتان وسهوت عن بناء جحورا للأرانب، ولم أحارب أوكار الثعابين وانشغلت بزخرف الرئاسة ومقابلة الوفود وإبرام الاتفاقيات، ورحلات الترفيه والاستقبالات، وأصدرت أوامري للدفاع عن حماه، لكنّها الرئاسة المعقدة التي تحتاج إلى مليون زمن لصدع الشقوق وتحتاج أذكى العقول لتنفيذ الخطط الخماسية والسداسية لتلبية حاجات الشعب،أين أنا من هذا؟ كيف استمتع بالرئاسة، لم أخبئ شيئا لزمن التيه الصحراويّ، ظلمت نفسي لموافقتي على الشرط القاسي، وأعميت عينيّ لأني لم أر أبعد من أنفي، لم أر إلا وجاهة السلطان والرؤوس المنحنية لطاعتي، لكنّ المستقبل القاتم ينتظرني، هل استحق كلّ هذا؟ الصحراء تنتظرني سأقبل على المصيبة خير من انتظارها، يخرجونه.
(إضاءة كاملة) يتولى الحاكم الجديد سدة الحكم التي من خلالها ستدار آليات الدولة يعبر عن فكره: الآن السلطة لي، أنا الرئيس المطاع وكلّ شيء يتحرك رهن إشارتي (ثم ينفث مهموما) لقد رأيت بعيني الخاتمة المريعة للحاكم السابق إذ ألقي به للضواري في الصحراء وينتظر حتفه، عليّ أن أفكر بهذا الأمر، يجب أن لا يأخذني زخرف السلطة وأتناسى النهاية السيئة التي تنتظرني، وسأعمل ما يمليه عليّ ضميري.
الحكيم بحماس: اكتملت الاستعدادات لرؤية الانجازات العظيمة التي تمت في العهد السابق، سترى الأبراج الخرافية والمنتجعات السياحية ودور العلم والحدائق العامة الجميلة ووو..
الحاكم باندهاش: هل الحكم رحلة للترفيه؟ إنّه عهد العمل بكفاءة.
الحكيم باستنكار: الحكم فرصة لتصويب المعوج، وتلبية حاجات الشعب.
الحاكم بحزم: أحضروا حصاني، أريد القيام بجولة تفقدية في البلاد.
يظهر الحارس: جهزنا لك موكب الرئاسة، وما يلزم لتجوالك في المدينة.
الحاكم : بل أريد حصاني ولا رغبة لي في المواكب الرئاسية المبهرجة، وهذه مدينتي أنا لم أهبط عليكم من كوكب آخر وعارف بكل مرفق فيها.
الحكيم مستغربا: إلى أين؟
الحاكم بحماس: إلى السجون لأعرف أسباب الجريمة وأقوّمها.
الحكيم: هل تستطيع إصلاح ما أفسده الدهر في النفس البشريّة؟على أية حال أرى أنك بدأت في الطريق السليم.
المشهد الثاني
يسلط الضوء على ثلاثة سجناء يجرون في أقدامهم كرات حديدية مكبلين بالسلاسل يقبل الحاكم عليهم برفقة الحكيم يجلس معهم ويحاورهم بكلام غير مسموع للجمهور ويعلو صوت الموسيقى (بأغنية الحرية).
الحاكم بثقة: الآن أدركت سبب سجنكم، إنّه الظلم الاجتماعي الذي وقع عليكم، كانت ردة فعلكم تجاه الظلم قاسية فظلمتم أنفسكم والغير، وبما أنّكم توّاقون للحرية، سأمنحكم حرية مشروطة بالتوبة النصوح، وحياة جديدة تتصف بالعدل والرحمة والإخلاص في العمل.
الحكيم : ماذا ستفعل يا سيدي؟
الحاكم : سيبدؤون حياة بنوعيّة جديدة، سأخرجهم من السجن إلى البادية.
الحكيم بحسرة: إنه الموت البطيء!!
الحاكم :اطمئن، بل هو الميلاد والحياة من جديد، لترافقكم فرقة من الخيّالة حتى حدود البادية، أرسلوا معهم من يحفر الآبار في البادية، قدموا لهم الخيام وقطعان الماشية وأغدقوا الأموال من خزينة الدولة التي سترد إليها من ريع استثمارات مشاريعهم.
الحكيم : ماذا تقصد، وما لنا وآبار المياه في البادية،هنا لدينا الماء الوفير ألا تريد بناء برج أو فندق عشرة نجوم أو أسواق متعددة الأجنحة.
الحاكم : لا، عندنا فائض لهذه الرفاهية أريد أن أعمل عملا مبهرا!
الحكيم : كيف ستتمكن من السيطرة على هؤلاء الأشرار.
الحاكم : لن احتاج للقوة لإخضاعهم بل الوازع الديني والتزامهم بالشريعة وليس لديهم خيار ثالث إما الحياة بكرامة ضمن معطيات سبل المعيشة البدائية أو الضياع والموت جوعا في الصحراء، وسأمنع عنهم المدد إن عادوا لانحرافهم.
الحكيم: قد تكون أفكارك مجدية، لكن كيف تصنع شعبا متحضرا رغم قيم التضادية السلوكية.
الحاكم : سترى معجزة والأيام بيننا، (آمرا)أطلقوا سراح السجناء إلى البادية، أرسلوا معهم الكثير من الماشية، سأزوركم مطلع كل شهر.
الحكيم: فهمت، لأنّ مهنة الإنسان الأولى الرعي ومهنة الأنبياء والأتقياء.
وتمر الأيام ويفرحون بالعمل الجديد وتتكاثر الماشية ويجدون فيه تحقيقا لذاتهم التائهة، وبعد سنة يأمر الحاكم الحارس: أريد زيارة السجن.
الحكيم : غريب أمرك وماذا تريد من السجن ألم تزره في العام الماضي، الحكام الذين قبلك لم يزوروه مطلقا.
الحاكم : يقيني أن أعدادهم في تزايد وهم الجزء الحيّ الميت من المجتمع وعبء عليه ولا فائدة ترجى منهم في مدينتنا هيا إلى الصحراء.
الحكيم : أهو حكم بالموت البطيء أم هي أحلامك الدنكوشوتيه!
الحاكم : ألم تدرك غايتي للآن، سيأتي عليك يوم تدرك ما أرمي إليه.
الحاكم : أرسلوا معهم المحاريث والمعاول والبذور ولتكن طبقة الفلاحين في تلك الصحراء وأرسلوا معهم بعض رجال الدين والوعاظ للتفقه في أمور دينهم .لا أريد في هذا المجتمع برغماتيّا واحدا.
الحكيم :أتريد كيانا قائما على المبادئ السامية أو على المصالح الغاشمة؟
الحاكم : السيادة المطلقة ستكون للشرع الإلهي والحكم قائم على مبادئ الشورى الملزمة والقائمة على علاقة التكامل والتكافل في ظل سيادة الشريعة، لقد عانوا من الظلم، وتذوقوا الحرية من خلال أحكام العقيدة السمحاء بمساعدة أهل العقد والحل، والهدف من هذا الحكم إقامة العدل, وحراسة الحريات، ورعاية حقوق الإنسان، وهي مسؤولية الحاكم والرعية.
يسلط الضوء على مجموعة من السجناء الذين أصبحوا من مواطني الصحراء في حوار جماعي،أحد السجناء1: نريد شرطة وسجن هنا حتى نحل مشاكل المتشاققين.
أحد السجناء2: لا تتشاحنوا، كلكم سواسية في ماضيكم اللاأخلاقي فمسألة الاندماج بينكم ميسورة ولن تكون هناك عنصرية أخلاقية فليكن مبدأ التنافس على عمل الخير وإظهار النوايا الحسنة هو شعاركم.
أحد السجناء3: لم الكسل نريد أن نتطور ونتقدم ونحيا حياة كريمة كبقية البشر، أم اعتدتم حياة الروتين في السجن، هنا العطاء مستمر وقابلية التجدد واردة، فأنتم تجمعون القدرة على العمل والقدرة على التطور من خلال ابتكاراتكم المذهلة في التنافس وتطوير آلية العمل.
أحد السجناء 1بيأس:نحن عبيد الشر وبالظلم أوجدوه في نفوسنا مهما حاولوا اقتلاعه لن يقتلع.
سجين آخر متفائلا2: نحن صنعنا الشر في دواخلنا وذقنا مرارته والحاكم أرشدنا إلى التغيير من خلال الدستور القرآني من خلال قوله تعالى:" فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا " (النساء59).
(يسمع صوت وقع حصان دلالة على مرور الحاكم، يسمع صوت تكات الساعة دلالة على مرور الزمن، كذلك الإضاءة ترسم تغيّر الزمن من ليل إلي نهار، ممثلة ً حركة الشمس علي أرض البادية وعلي هذا الأساس قد تتفاوت شدتها بين مشهد وآخر. وإنما بفنيّة التي تنسحب إلي باقي عناصر العمل المسرحي والاهتمام بألوان الإضاءة الباردة والحيادية، وقسرها ضمن إطارها الوظيفي في الإنارة والكشف).
الراوي: كان الحاكم يمتطي حصانه ويزورهم كل ستة شهور سرا عن أهل مدينته، وجدهم يعملون بجد ونشاط في زراعة الأرض وتكاثر المحصول فاشترى منهم إنتاجهم الزراعي والحيواني وأعطاهم الأموال وانتعشت التجارة في البادية
يسلط الضوء على حوار جانبي، الحكيم بعزم: أني ألحظ بوادر تغيير على شعب الصحراء وكأنهم يرغبون إلى حياة الشر السابقة، لو أردت إخضاعهم بالسلاح لاستطعت إذا تمردوا.
الحاكم: لست مع خيار فرض الحرية بالقوة أو إتباع سياسة التجويع وسلب الحرية، بل بالتنافس الشريف والعطاء بلا حدود، وأؤيد فكرة تنمية بذرة الخير الموجودة في كل نفس بشرية. ولن يكون هناك أحزاب تتاجر بشعارات الحرية والديمقراطية، ولن أرسل لهم شرطيا بل سيكون أمرهم شورى بينكم وسيحتكمون إلى شرع الله من خلال كتاب الله والسنة.
الحاكم مخاطبا بعزم شعب الصحراء: سأكافئكم بتكوين عائلات، سأرسل لكم النساء من سجن النساء وسأرسل معهم قاضيا لعقد قران كلّ من يرغب في الزواج وتكوين أسرة، وتعاملوا بالعدل فالظلم مؤذن بخراب العمران، لن أدّعي قدرتي الاستئصالية للشر بالقوة، فهذه سذاجة لا أدعيها بل الإزاحة لعوامل الشر وتذوق قيم الخير وبيان المردود على النفس، وقناعتي أن الإنسان الذي تأثر بسلبية قوى الشر على نفسه سيتوق للخير، كوّنوا المجتمع المتعاون، فالبادية بحاجة للأيدي الفتية والنساء أمامكم بشريعة الله الذي أباح لكم التعدد ولا تتركوا امرأة وحيدة.
الحكيم بابتسامة ماكرة: يقول أحدهم" إن تُركت امرأة وحيدة فالعار يقع على كلّ الرجال".
الراوي: وفي السنة الثالثة يمر على السجن فيجده ممتلئا فيطلق سراحهم ويقدم لهم أدوات البناء ويأمرهم بإزالة الخيام ورفع الأبنية لتتنامى حركة البناء فيها، ولا يعلم بوجودهم أهل المدينة.
الحاكم : أريد عمارة البادية بامتداد أفقيّ وتهيئة سكن كريم لكلّ أسرة.
الحكيم :ألا ترى أن الأجيال الصغيرة تتكاثر، ألا تستحق الاهتمام؟
الحاكم : يجب إنشاء المدارس فالعلم يبني بيوت العزّ والكرم وبناء حدائق للأطفال للتنشئة السليمة والترفيه.
الراوي: في السنة الرابعة يزور الحاكم السجن ليطلق سراح مجموعة من السجناء لتكوين طبقة التجار الأتقياء ويزودهم برؤوس الأموال والبضائع للتجارة في الصحراء.
الحكيم :قد يميلون لسعادة الكسل التي مارسوها في عبودية السجن .
الحاكم : لا اعتقد بعد أن تحرروا من الشر الذي بدواخلهم، وذاقوا لذة العمل، فالعمل عبادة بعد أن توفر لهم كل شيء.
الحكيم : لقد سمعت عن قصة عبيد لم يتقبّلوا حياة الحرية التي لم يعتادوها ورفض محررهم عودتهم للرق فقتلوه واسترجعوا أنفسهم إلى الرق مرة أخرى، أتعتقد أنهم سيقومون بمثل هذا الفعل معك.
الحاكم: لا يمكن لأن الحرية هنا مكتسبة وتحميها تقوى الله والرغبة الشديدة في العيش بأمان.(يخرجان)
الراوي : وفي السنة الخامسة أرسل الإداريين والمهتمين بشؤون المدينة لتعبيد الطرق وإقامة المرافق العامة، وتهيئة البنية التحتية، وبهذا أصبحت المدينة الحلم متكاملة الأركان ،و انتهت مدة حكمه، وسلّم علم الوطن للحاكم الجديد أثناء مراسيم تقليد الحكم، اندهش الجميع لسروره ولم يكن يائسا أو خائفا من النهاية التي يتوقعها، وجيء بعربة محملة بالزاد لتحمله إلى الصحراء، رفضها بقوة :هاتوا حصاني لانطلق إلى صحرائي وموطني الجديد.
المشهد الثالث
يعلو هتاف الجماهير من وراء الكواليس بطول البقاء لحاكم الصحراء الذي بني مدينته الفاضلة وأرسى قواعدها على الخير والتقوى وأضعف قوى الشر، وعندما يصل تخوم الصحراء يستقبله شعب البادية بكرامة وترحاب، وقد حررهم من ظلمات السجن إلى حياة الحرية والعمارة، وأقاموا الاحتفالات العظيمة ونصبوه ملكا عليهم، ووجدوا فيه كلّ قيم الخير. (يؤدي الملك رقصة النجاح والانتصار على الذات وبيان القرار الحاسم ليقع من نشوة الانتصار وهو يراقص صبيا رمزا للمستقبل المشرق،ويمتلأ القلب بالمشاعر فرحا وتتفجر تلك المشاعر في تلك الرقصة ويشاركه الرقص بعض من أفراد شعبة تعبيرا عن فرحهم بتكوين الدولة الفتية المفعمة بروح الشباب والعزيمة القوية)
الحاكم :أرأيت من يعطي الحياة بإخلاص تعطيه الحياة أرقى المناصب، واليوم أنا ملك ولن يؤثر السلطان على عطائي واستمرارية نهجي.
الحكيم بإجابة أحادية: أنت رجل استثنائيّ، بحنكتك أقمت دعائم المدينة الفاضلة وزرعت الخير في النفوس ونزعت الشر منها وقوّمت الاعوجاج وأقمت العدل، مدينتك هي الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها سجن أو فقر وأهلها ينعمون بالرخاء، توجوك ملكا بعد أن خدمتهم ، وتفسيري لما أنجزته هو التفاعل ما بين الفطري والمكتسب، عندما كانوا سجناء تقلّبوا في عبودية الشر المكتسبة وغفلوا عن ثوابت الخير الفطرية وعانوا من صراع داخلي، وتعقدت سلوكياتهم الفردية، وعندما استمتعوا بنواتج بالخير على الذات وتلألأت قيم الفضيلة في ذواتهم توهجت إنسانيتهم بثراء حب العطاء والبناء، ولو واجهوا حكما عنصريا مكبلا بأساليب القمع والخوف، واستبطان الأضداد، التي هي منطق النظام الاستعبادي ما تغيروا وازدادوا شرا وبؤسا. ولذا سألازمك في مدينتك الفاضلة لحكمتك البناءة.
انتهت
ملاحظة: فكرة المسرحية مأخوذة عن أسطورة تراثية