اطلق يديّ
كانت تجلس في شرفة بيتها حين وصلها هاتف من شقيقتها من والدها التي تجاوزت الأربعين،تدعوها للعيش معها،رغمَ أن علاقتهما كانت دوماً متوترة، ولا يوجد أي رابط مشترك بينهما.. أخبرتها بانفعال وتوتر أنها تريدها الحضور فورا لأن زوجها اختفى دون سابق إنذار مخلفا رسالة يقول فيها إنّه قرر الزواج من سكرتيرته بعد انتهاء إجراءات الطلاق، عسى أن تنجب له أطفالا . كانَ ذلك من أصعب الأمور التي اضطرت للقيام بها .لم تتوقع التأقلم معها البتة؛ فمسافة شاسعة كانت تفصل بينهما.. مسافة أفكار تحديدا . سلوك زوج أختها كان دائما يثير استغرابها واستهجان شقيقتها إذ كان يرفض أن يعتني سواه بخيله وإسطبله ، رغم تربعه على نبع ثراء. ..
بعدَ أيام من التحاقها بها أحضرت شقيقتها سائسا وطاهياً أضافيا بعدما قررت أن زمن الاختناق قد ولى. أصبحت شقيقتها تركب حصانها كل مساء وتنطلق به لساعات طويلة تاركة شعرها المنسدل يتراقص على نغمات النسيم العليل.فيما مضى لم يكن زوجها يسمح لها بركوب الخيل إلا بصحبته..كانَ غيورا للغاية وحاد الطباع..
لاحظت أنّ السائس صار يغدق عليها بنظرات إعجاب.. و لاحظت عدة مرات أنها حين تمر من أمامه يتوقف عن عمله ويحدق بها مطولا . اتكأت على نافذتها تستنشق الهواء ذات ليلة و قد جافاها النوم .. تفاجأت بعد فترة بظلٍ يدخل من باب الحديقة الخلفية وهوَ يلتفت يمنة ويسرة ، وكان قبلها نور غرفة شقيقتها المقابلة لغرفتها قد أنار عدة مرات. بالرغم من خوفها الشديد، قررت أن تستكشف ما يجري..غادرت غرفتها بهدوء ، اختبأت خلفَ شجرة الجميز المقابلة لغرفة شقيقتها.. راعها أن الأخيرة كانت بملابس النوم تتبادل القبل الحارة مع رجل يودعها عند المدخل ،ثمّ فجأة لمع وجهه بالضوء .. - يا الهي! إنهُ.. ! عضت على يدها اليسرى بأسنانها بغضب. الصدمة كانت أكبر من أن تحتملها، اخترقتها كالصاعقة .. جلستا ذلك الصباح على مائدة الطعام الضخمة قبالة بعضهما - زوجة مهجورة وعانس - تنظران لبعضهما نظرات طويلة: نظرات الأولى حائرة والثانية تجمع ما بين الخيبة والغيرة والاشمئزاز ..تتحرك الشفاه وكأنهما تودان التحاور ولكن لا همسة أو تنهيدة تصدر عنهما.. المهجورة ادعت أنها تتأمل الصورة الزيتية المعلقة على الحائط ،أمّا العانس فقد تظاهرت بأنّها تراقب النادل و هو يضع الطعام. لم تتوقف اللقاءات السرية الليلية بين الشقيقة و حبيبها ، كانت العانس تتساءل كيف اشتعل الفتيل بينهما!!
ذات أمسية توجهت إلى الإسطبل ، قبل أن تدخل تناهى إليها صوت ابن الخادم يخبر السائس بأنّ السيدة مريضة ولن تركب حصانها و أنّ عليه أن لا يخرجه للساحة. اصطدم بها الفتى وهوَ يغادر متمتما عن كسل السائس ولا مبالاته.. وجدتهُ مستلقياً على التبن.. ما إن رآها حتى ابتسمَ لها ونهضَ من مكانه . - يا للمفاجاة السارة .. ما الذي أحضر سيدتي أخيراً هنا .. عليَ ان أشكر الأقدار ..كم أنت رائعة الجمال، سيدتي!! أجمل أنثى رأيتها في حياتي.. اقتربت منهُ قليلاً كالمسحورة لتجرب مذاق الشهد الذي كانت تتذوقهُ شقيقتها سراً وهي تظن أن لا أحد يعلم عن علاقتها بسائسها..ضمها السائس الوسيم بينَ ذراعيه وتبادلا القبل .. همست لهُ : ليس هنا عزيزي ، فربما يرانا أحدهم .. أمسكت يدهُ و لم تأخذه لحجرتها كما كان يظن.. همست له بدلال مرة أخرى: أخاف أن ترانا شقيقتي أو خدامها.. _ لا يهمني المكان حبيبتي طالما نحنُ معاً .. سارَ معها إلى أن وصلا كوخا صغيرا قرب الحديقة كان يُستخدم لوضع المعدات . -هنا لن يزعجنا احد..
دخلا الكوخ و أغلقا الباب بهدوء: نحن لوحدنا تماما يا فاتنتي .لو تعلمين كم انتظرتُ هذه اللحظة .. نحن لوحدنا تماما.
- أجل عزيزي.. أيها الوسيم.. هل أبدو لك جميلة ؟؟
- نعم. بل رائعة الجمال ..منذ اليوم الأول الذي قدمت فيه للعمل هنا لفت نظري بقوامك الممشوق وجمالك الفتان.. كنت بالنسبة لي السوسنة التي تعوم فوق سطح البحيرة دون خوف من الغرق.
- لكنني بالأربعين وأنت بالعشرينات من عمرك .
- مع هذا فأنت بقمة الأنوثة والرقة والجاذبية. أنا مغرمٌ بك..
_ أحقاً؟؟
تنحنح قليلاً ثمَ قال بصوت يكاد يكون مختنقا:" نعم جداً.. ها نحن أخيراً لوحدنا ..عصفوران يريدان التحليق بعالم الحب .
- عزيزي..عزيزي.. ألستَ خائفاً أن تعلم شقيقتي عنا..
- شقيقتك ؟؟ وما دخلها بنا، سيدتي المذهلة؟؟
- آه منك أيها الرائع ..كيفَ لم أنتبه لك سابقاً ..
- من الأن وصاعداً سترينني بعيون كل الرجال .. سأجعل اسمي يتردد على لسانك ملايين المرات ..
ُفتحَ الباب فجأة.. كانت سيّدة البيت تقف هناك وعيونها تقدح شرراً.. : عزيزي الغالي، يا للروعة أنت بكامل أناقتك .
نقّلت عيونها بينه وبين شقيقتها، ثمَ أطلقت النار من البندقية التي كانت تحملها بسرعة البرق قبل أن تعطي أيّا منهما فرصة للرد عليها.
- يا الهي!
- صه..قلتُ لك أنني ماهرة في إطلاق الرصاص.. لقد علمني زوجي..في هذا أشهد أنهُ كان بارعاً..
- قلتُ لك أن هذا الحقير كانَ ينوي الاستيلاء على ثروتك .
- للأسف الشديد عرفت متأخرة..لقد صدقته حين أخبرني انه يود الزواج بي لأنه أحبني وإنني نصفه الآخر الذي وجدهُ أخيراً..
-أخبرتك أنني سأكشفه أمامك، فأنت بالبداية رفضت تصديقي..
- لقد رسم لي الحياة بريشة وردية ..
- هيا بنا لندفنه بسرعة في حوض الزهور الضخم..
نمت الزهور في الحوض .. استُبدلت الطاولة الكبيرة بأخرى صغيرة .. كانت الزوجة المهجورة تتنهد كلما روت الزهور ..
-هيا للداخل أختي الحبيبة ، فالطقس بارد جدّا ..
- اصبري قليلاً، سأقطف جزءا من العنب وألقي الحصرم بعيداً.. لن أتاخر ..
توجّهت نحوَ الحوض مرة أخرى بتؤدة ..قطفت وردة.. شمّت عبيرها.. ضمّت الشال لجسدها أكثر وأكثر.. مسحت ياقوتتين غافلتاها لتهربا من مقلتيها.. لمست الحوض برقة متناهية ،قرّبت شفتيها من الحوض و همست: لا تقلق علينا عزيزي ..غداً سيحضر السائس الجديد.. و أنت يا زوجي الحبيب افرح، وجدت لك أنيسا .. ستبقيان معي للأبد..بعد الآن لن تأخذكما منّي أية أنثى..
تعليق