أحست كأن التيار قد جرفها فعلاً ولم تعد السيطرة على حواسها, وتملكتها رجفة سرت من قمة رأسها إلى أخمص قدميها وأحست أنها تتهاوى......لا إلى الأرض...بل إلى أعماق لا قرار لها.......وخيل لها أنها رأت طيفه أمامها, أغلقت عينيها معتقدة أن ما تراه حلم يقضه لا غير وسيختفي حالما تفتح عينيها ككل مره, فتحت عينيها بتثاقل ,بصرت بسحابة فرح غشيت قلبها و خيمت على وجهها,ولمحت في عينيها طبقة لامعة من دمع متدحرج, أحست كأن أغصان قلبها التي عصفت ريح الخريف بأوراقها,قد عادت إليها الحياة ,وملأتها المشاعر,لقد ذهب عنها الاتزان وتلاشى العقل والحكمة. كان يقف أمامها كالشبح كان شعره أشعث أغبر ,رقص قلبها بين ضلوعها وهرولت مسرعة نحوه تتلمس تقاطيع وجهه, نظرت إليه بشوق وحنين وقالت بلهفة والدموع تغرق وجهها: آه ما أصعب فراقك عنا يا حبيبي لقد كنت أعد الأيام والليالي حتى تعود لي ,كنت أشبه بسفينة ضلت طريقها فتقاذفتها الرياح باتجاهات شتي دون حول ولا قوة, لقد عدت بعد غياب طويل, لقد اشتقت إليك كثيراً أنا وأطفالك يا حبيبي, لم ينطق بأي كلمة بل تقلصت حدقتا عينيه ونظر إليها بعينين شيطانيتين وأبعدها عنه, برزت عضلات جسمه, وانتفخت عروقه ,تقدم نحوها ببطء ,ارتعبت وقبضت على الكرسي بشدة وقالت :لماذا تنظر إلي هكذا ؟ماذا حدث؟ هل حدث مكروه؟. أشتعل الدم في وجهه وضغط على أسنانه بشدة حتى سمعت صريرهن, غزاها الخوف وأخذت تترجف كورقة خريف توشك على السقوط وبصوت تخلله الفزع قالت :أنا لم أعمل شيئاً أقسم بهذا صدقني. زم شفتيه وقال : أتجرئين على ذكر الله بلسانك القذر يا فاجرة !أصمتي أصمتي .اتسعت عيناها فزعاً وأخذت كلماته تتردد في مسامعها غير مدركة لمعناها, قالت بصوت متهدج وشفتاها ترتعشان :ماذا تقصد؟ ما الذي حدث؟ أنا بريئة صدقني أنا بريئة .أنفجر ضاحكاً بسخرية وقال بريئة !هههههه إنها بريئة! ههه مسكينة أنت يا بريئة! . هل أنت بريئة ؟ههه, كانت عيناه تدوران في أرجاء المكان كأنه يبحث عن شيء ثم هب كالنمر إلى المطبخ وأخذ سكيناً حاداً وقال بصوت مكبوت يغشاه الغضب: بريئة يا فاسقة! لقد رآك صديقي مع رجل غيري في بيتي يا فاجرة! نظرت إليه بذهول وهلع وانكسر صوتها في شهقة مبحوحة خرجت من حنجرتها الجافة ,شعرت كأنها في بحر بعيد الغور متلاطم الأمواج لا تعرف له قرار, كان الظمأ ينهشها بشراسة لكنها تمكنت مع ذلك من إصدار صوت متقطع كقصاصة صورة مقطعة إلي قطع صغيرة وهى تتراجع نحو الوراء: أني لم لم أخـ أخـ أخنك كن وا وا واثقاً بهذا أنا شـ شـ شريفة لالالا تظلمني أرجوك صـ صـ صدقني أنا أنا لا أعرف أي رررجل غيرك ,هرعت بكل ما تملك من قوة إلى غرفة نومها لكن يداه أمسكت بشعرها وشدها إليه, وفى أتون نوباته ازداد غضبه المشيد بكتل ضخمة من اللامعقول وذبحها ببرود..............كانت ترتجف بين ذراعيه كالطير المتهدج ودمها يسيل من عنقها ويتطاير حولها, أخذت ضحكاته الهستيرية تملأ المكان لقد انتقمت‘ لشرفي لقد قتلت الشيطانة , نعم لقد قتلتها ههههه ,لقد خلصت العالم من شرك ه. و في موجه الصمت المخيمة على المكان سمع صوت الباب يقرع ,لم يجب لذا ازداد الطرق على الباب, أفتح الباب يا أحمد أنا أمك! لقد أخبروني أنك أتيت من السفر, لقد اشتقت إليك! أفتح الباب. ترك السكين من يده و تحرك إلى الباب بخطوات بطئيه وعيناه جاحظتان ,فتح الباب ببطء حتى دخلت أمه ثم أغلقه بسرعة خاطفة, حضنته أمه بلهفة وقالت: لقد اشتقت إليك ولم يصبرني على فراقك إلا أطفالك شذى ومريم وكريم فكلما حضنتهم شممت رائحتك يا ولدي, لم ينبس أحمد ببنت شفه بل ظل جامداً كالصخر, ابتعدت عنه أمه وبينما هي تحاول أن تخلع عباءتها تسمرت قدماها ولم تستطع بلع ريقها من هول ما رأت؛ كانت ثياب ابنها ملطخة بالدماء سألته: ما الذي حدث؟ ضحك أحمد ضحكة هستيرية وتحرك كالمجانين هههههه لقد قتلت الشر وخلصت العالم منه هههههه,قالت له أمه: ما الذي عملته؟ كرر أحمد ما قاله وهو يضحك بهستيرية. لم تجد أمه نفعآ من سؤاله لذا جالت البيت باحثة عن زوجته لتخبرها بما حدث لزوجها, وما هذه الدماء التي تلطخ ثيابه؟ نادتها لكن لا أحد يجيب فواصلت بحثها حتى وجدتها جثة هامدة غارقة بدمها أمام غرفة النوم, عندما رأت زوجة ولدها بذلك المنظر أغرقت الدموع وجهها وحضنتها وهي تصرخ لا !لا !لا! يا ابنتي أفيقي أرجوك, أفيقي يا ابنتي الغالية آه آه, لا تتركيني أنا و أطفالك أفيقي, تقدم ابنها نحوها كالمجنون وهو يضحك غالية !ههههه أتقولين غالية! هههه لقد قتلتها, لقد قتلت الفاجرة , انقضت أمه عليه كالصقر والدموع تنهمر من عينيها وضربته على صدره بيديها الواهنتين وهي تقول: لقد كانت تنتظرك بفارغ الصبر وتعد الإيام حتى تعود ماذا عملت آه يا أبنتي الغالية الطاهرة .أمسك أحمد بيدي أمه وقال: كفى يا أمي كفى ما هي إلا شيطانة على هيئة إمراه لا تستحق العيش ومن ثم نظر إلى جثة زوجته بغضب وبصق عليها وقال بمرارة: لا تقولي طاهرة أنها نجسه ؛ لقد رآها صاحبي عمر مع رجل في بيتي و......قاطعته أمه صارخة: صديقك عمر!!!!! إنها غلطتي !إنها غلطتي! صديقك عمر كاذب, صديقك عمر كاذب؛ لقد هددني صديقك عمر وقال: إذا أخبرتك بالحقيقة بأنه سوف يقتلك لذا أخبرت زوجتك أن لا تقول لك أي شيء عندما كنت تتصل كي لا يحدث لك إي مكروه ,لم تخبرك زوجتك شيء خوفاً عليك فقد كنت لها الحاضر والمستقبل والأمل الذي تعيش من أجله, ,آه آه يا ابنتي لم أعرف بأنه سوف يؤذيك, إنها غلطتي صديقك كاذب ,كاذب؛ لقد تهجم صديقك عمر على زوجتك وأراد الاعتداء عليها لكنه لم يستطع الإمساك بها وعندما أتيت فر هارباً, إن صديقك كاذب وخائن لقد خان العشرة التي بينكما ,و أنت ماذا عملت؟ لقد قتلت من أحببتك وصانت عرضك! توقف أحمد عن الضحك وقال: ما الذي تقولينه يا أمي؟ لا لا لا هههههه لابد أنك تمزحين ه. قالت أمه: أنالا أمزح ولا أكذب أن كل ما قلته حقيقة يا ولدي آه آه ما الذي عملته يا ولدي؟ لقد قتلت زوجتك بسبب خائن, لقد كانت غلطتي ماذا سيعمل أطفالك عندما يعودون من المدرسة ويجدوا أمهم جثة هامدة؟ وكيف سيكون حالهم؟ علت وجهه زرقة داكنة وتقلصت شفتاه و ارتجفت أطرافه, جثى على ركبتيه أمام جثة زوجته وظل ساكناً غير مستوعب كلام أمه يسبح في ظلمات مترامية كطير غريب مهيض الجناح, أخذت الحقيقة تنشب أظافرها في لحمه وتأجج النار في جسده, أحس بحمى الندم تعصف برأسه وأخذ يردد بشرود وهو ينظر إلى يديه الملطخة بالدم والدموع تدحرج من عيناه لقد قتلتها ,لقد قتلت من أحببتها وكانت مستعدة لتحرق جسدها جمر الغضى لتفديني بعمرها لقد قتلتها! لقد قتلتها!حضن جثة زوجته وفجر صرخة ألم كامنه في صدره: لقد قتلتك!سامحيني يا زوجتي سامحيني يا حبيبتي لقد صدقته وكذبتك يا طاهرة سامحيني يا حبيبتي, عودي إلي لا أستطيع العيش من غيرك عودي إلي, تقلصت حدقتا عينيه وزم شفتيه بمرره وقال :لن أغفر لنفسي سوف أقتله سوف أقتله وأقتل من قتلك.