أتيليه الأحزان البليغة
نجحت بعد تعب ومشقة
في نحت تمثالها الأثير
الذي كان دائما بملامحه و هيكله مطبوعا
في ذاكرتها .. لا تدري متى تعلق
بأفكارها و أصبح جزءا من تكوينها
أكانت حكايات الجدة
أم الأم
أم كانت الغجرية هي من رسمت لها بالأصداف و الرمال
ما شكلته على الوجه و البدن النحيل ؟
لكن الحزن و الاحتياج هو من شكله على هذا القدر من الرقة !
تحن إليه كلما ابتعدت
يسوقها الشوق إلي هنا
في الأتيليه الخاص
تبثه لواعجها و أحزانها
تحدثه كأنها بالفعل
تتوقع أن يجيبها على ما تطرح من استفهامات وأفكار
محير هذا التوحد
كأنه طفلها .. تغذيه كل ما عن لها
تقص عليه أنباء العالم
و أخبار السنين
مع سريان الأيام أعطته مساحة شاسعة
يتحرك فيها بطول الأتيليه و عرضه
على قضيبين متوازيين
زودته بما تحب
و ما تكره منه و فيه
متى يرد عليها ؟
متى ينصت و لا يتكلم ؟
فقط هي الوحيدة التي تدري
متى تكلم ؟
متى كان له كل هذا الحضور..
إلي الحد الذي رأته ذات قيظ عند موطئ قدميها
يشرب دموعها المتألئة على أرض المكان ؟!
كثرت أحزانها حد التفتت
لم يكن سواه الأقرب
ليال طوال تنزف مرّا ووجعا
تندب واقعها الحاد و القاسي
مطرا غزيرا فاض في شقوق الأسى
و هي تدرك و تحس كم يتألم
كم يكتوي حزنا من عجزه
أمام جبروت ما تحمل من غيابات الفرح
و انهيارات القناعات
حين سمعت طقطقة وأصوات تمزقات تأتي من لوعته
توقفت عن البكاء
التفتت يمينا و يسارا
لكنه تماسك
حاذر أن يخيفها أو يقلقها
برغمه خانته طبقته العلوية
تساقطت بعض القشور
من كثرة ما نزف من دموع و ألم
وعدته بطلاء طازج
ثيابا أخرى أكثر بهاء و جمالا
لكن أحزانها القاسية أكلت وعودها
حتى بدت كأنها سوف تغادر الحياة توا
فلم يحتمل رؤيتها تترنح هكذا
بكل هذا القهر ..
فجأة رأته يتحرك
ينط
يتشقلب
يكنس ما يحيط بها قبل أن يتراكم كقبر
يتحول لبهلوان رديء فشل في رسم البسمة على وجهها الحبيب
دنا منها .. رأته يدنو
شاغب تنورتها بخفة ساحر
ليخرجها من تلك المحرقة
داعب وجهها .. متماديا في تصديه كي لا ينهار العالم
وكانت تزداد حزنا و غضبا
و ربما بدت عليها أعراض دفينة
لم يكن ليعيها أو يسميها
زادت الأمر توترا و صعوبة .. لا يدري لم ؟
فشل تماما في صنع القليل من الوهم
أو إجبارها على مجرد حركة
ولو بالرفض ..
و الغضب .. خروجا على الصمت و الألم
والجدران من حولهما تتلوى
تنزف في ألم و سخرية دفينة !
بكى كثيرا .. كثيرا
بينما كانت تقول لنفسها : " لا بد من الخلاص من هذا التمثال
الذي تجرأ علىّ
و ترك قضبانه التي صنعت ليظل عليها قائما ".
انصرفت بعيدا
تاركته في حالة يرثى لها
ربما غفت
لكنها بعد ساعات قليلة
كانت تقبل و بين قبضتيها فأس
ووعيد لا يبشر .. إلا بالخراب
فلا هي كفت عن الحزن و البكاء
بتحطيم التمثال .. و لا هي تركته يؤنس وحشتها
زادت حدة الحزن
و التوتر في تصاعد مرضي
حتى وصلت حد الإغماء
و انهيار القلب ..
بينما شظايا التمثال
ما تزال تنزف
تلوكها ريح السخط
كانت محمولة في طريقها للمشفى
بين قبضة الموت
وربما كانت ملامح تتشكل في وجدانها
لإعادة صنع التمثال كما لو كان مرآة
ترى فيها نفسها
لا تنتظر منها إلا ما تطلقه من كلمات
و إيماءات و أفعال كنرسيس يطالع في النهر صورة واحدة !
تعليق