الغريم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • جلال داود
    نائب ملتقى فنون النثر
    • 06-02-2011
    • 3893

    الغريم

    حكايته معي فيها كل العجب هذا الغريم.
    طوال عمري جعلني أحس بأنني عربة وهو الحصان الذي يجر هذه العربة.
    مُجاوَرة تدعو إلى العجب.
    دائما ما يسبقني بخطوة.
    فهو الأول بالمدرسة وأنا الذي يليه بالترتيب.
    وهو الحائز على درجة ممتاز وأنا الدرجة التي تليها.
    حتى في فريق الكرة،، كنت أجلس في مقاعد الاحتياط حتى يخرج هو فيستبدلوني به.
    لماذا كنت أنا بديله ؟ لم أدرِ.
    وكأنه قرين لصيق.
    تخرجنا سويا من نفس الكلية.
    نلت شهادة عليا فلحقها بواحدة مثلها ثم أتْبعها بدرجة أعلى.
    توظفت في وظيفة مرموقة في بلد أجنبي ،، فنال أرفع منها بمسقط رأسي.
    وها هو الآن يسبقني بخطوات واسعة لا إلتقاء بعدها.
    وهي السبب.
    فقد ضربتْ بعصاها لُجة حبنا فإنفلق ليعبر هذا الغريم اللدود،،
    وها هي اللجة تنطبق على روحي لتأخذ بخناقي وأكون من المُغْرَقين.
    ألم يكن حبي كافياً ؟ ألم تحس بزفراتي وعبراتي الكامنة خلف تلهفي عليها ؟
    أكان يجدر بي أن أقول لها إنتظريني إلى أن أعود ؟ ألم تفهم مغزى كل كلامي و تصرفاتي خلال كل هذه الأعوام؟؟؟
    ألم تحدق في عيني وترى فيهما كوامن اللوعة وتلال الشجون؟
    لقد كنت أعتقد أنني مسنود إلى جدار حب متين و هو اعتقاد أقنعني بأن هناك حبا تبادلني إياه، ولكن يبدو أنـه كان جــدارا مشـــــروخــا ومائلا ومنخورا بالسوس،، أسقطني أرضا عند أول إتكاءة عليه.
    أحس أنني في حلم طويل لا فكاك منه.
    لقد ركنْتُ إلى حدسي الذي يقول أنها تحبني وتبادلني الشعور ذاته،، فكل شيء كان يوحي بحبها، حديثها، مقابلتها، سؤالها عني، زيارتها لي متلهفة بمجرد حضوري للإجازة ،، ردودها على خطاباتي الهادئة التي كنت أقرأ بين سطورها ما يطفيء لهيبي ويبرد نيران جوفي،، فألوذ بها في قيظ الغربة،، ولكن يبدو أنه كان حدسا اختلقته من شعور يكتنفه الوهم،، فسدَ عليه منافذ التمييز وتحسس الطريق.

    ***
    رفضتُ كل توسلات أصدقائي المنادية بأن لا أحضر حفل زفافها.
    ولكنني عاندت وذهبت،، وأنا بكامل الهندام والتأنق وكأنني ذاهب إلى حفل عرسي.
    خُيِّل إلى إن جلستُ إلى نفسي،، سأصاب بلوثة.
    كنت أحدث نفسي بصوت عال كالمخبول :
    إليك يا غريمي..
    ماذا تقول لها يا هادم مسرتي ؟
    بماذا تهمس في أذنها يا قاتل حلمي الوحيد؟
    حاولت أن أتصرف وكأن الأمر صار لا يعنيني ،، ولكن بدواخلي تتقد شعلة من نار ومراجل تغلي.
    ذهبت لكي أتحدى تعاطف الناس، وأناطح كلمات الشفقة، وأسبح عكس تيار إحساسي بالصدمة.
    جلست في الصفوف الأولى،، مناكفاً نفسي،، في تحدٍ لا طائل منه.
    لم أستطع أن أفرز الوجوه التي أمامي.
    شاهدتها وهي تتقدم بخطى شبه متعثرة على أنغام موسيقى الزفة وهو يتأبط ذراعها مبتسماً.
    شيطان مستفز يفرهد في جزء من عقلي بأن أقوم بخنقه أمام ناظريها وتحت سمع وبصر الجميع.
    ثم قررت فجأة أن أتقدم مهنئاً كفارس نبيل يتلقى الهزيمة بروح عالية.
    تراجعت عن هذه الفكرة.
    كنت لا أدري كيف هي قسمات وجهي وقتها. ولكنني أحسست بأن كل الحضور يحملقون فيه.
    كانت الموسيقى وكأنها طبول مزعجة يتناغم أزيزها مع دقات قلبي المتسارعة.
    هل شاهدتني وهي تدخل؟
    هل لمحتْ هذا الكائن الذي كان مجنوناً بها ولا زال؟
    لا أظن ذلك،، فهي في عالم آخر.
    بم كانت تفكر وقتها ؟
    تمتمتُ : تقدمي يا قاتلتي نحو سعده وسعدك،، لا يهمك شيء من أمري. تقدمي معذبتي نحو مذبحي......
    وبإصرار لا أدري كنهه،، تابعتها بنظري بكل تمعن.
    يا لهذا الثوب الأبيض الذي يعانقها بفرح أليف.
    لم أستطع أن أنظر إليه هو،، لم أستطع أن أضع نفسي مكانه حتى في خيالي، فعقلي يرفض السباحة مرة أخرى في حلم خادع.
    ركزت نظري عليها فقط وكأنها تسير وحدها رغم كل المحيطين بها.
    للحظة ،، صمتت الموسيقى واختفى الناس و لم أعد أسمع شيئا أو أرى شيئا.
    خلوة زائفة رسمها عقلي المرهق.
    وقفتْ هي وحدها وكأنها في إطار كبير يحفها من كل جانب.
    يا لهذا الوجه الملائكي الذي صابحته كثيرا ،، وعاش معي صقيع غربتي وكأنه مرسوم على وسادتي وجدران بيتي..
    لا أصدق أن يدها الصغيرة تعانق يده.
    كم تابعتُ هذه الأنامل وهي تكتب عند استذكارنا لدروسنا سويا .
    قلت لها ذات مرة :
    لا بد أن تكوني عازفة بيانو .
    فمدتْ يديها لترتاح أناملها على راحة يدي، فأحسست بنغم أخاذ ينساب في جسدي،، فسرحتُ وقتها مهوّما،، وكأنني أستمع إلى تراتيل بعيدة.
    ضحكتْ هي بسعادة ،، وهي تنظر إلى ،، فقلت لها :
    لك ابتسامة غير مفهومة كابتسامة الموناليزا.
    كنت أكتفي بأن أرى السعادة تملؤها عندما أصفها وأبثها نجواي.
    لمحتُ غريمي يمسك بيدها.
    يا لهذه الزغاريد التي تلهب رأسي بآلاف السياط ،، ليتني لم أحضر ،، هاهو يحيط بها إحاطة السوار بالمعصم في رقصة حميمة،، فانتشرتْ شحنة غيرة تغرز آلاف السهام في جسدي،، وأهازيج الفرح كأنها تقول الموت لك أيها الحاسد ،، وأعين الناس كأنها تحدجني بنظرات الشفقة والشماتة معا.
    صوت الفنان أندلق في رأسي فأصابني بغثيان ودوار .
    أردت أن أخرج دون أن يلحظني أحد ،، أردت أن أستنشق هواءا نقيا،، فقد كدت أن أختنق.
    ولكن خيل إلي بأنني ما أن أقوم من على الكرسي فسيلاحقني الناس بسخرية ممزوجة بحكاية فشلي وخيبتي وهزيمتي النهائية من غريمي.
    عندما تقدم لخطبتها، ظننت أنها سترد طلبه بإعتذار لطيف وتخبره بأنها مرتبطة بي ارتباطا لا تنفصم عراه،، رباط الحب.
    ولكنها قبلتْ به حتى دون أن تخبرني،، قبلت به دون تردد،، لم أجد شيئا أوصف به هذا التحول المفاجئ والإنكفاءة المميتة.
    لا أدري ما الذي حدث.
    انطلقت زخات من الزغاريد وكأنها تصفعني.
    تصبّبتُ عرقا باردا بلل عنقي وظهري
    تضاءلتْ نفسي حتى خيل إلى أنني يمكن أن أحشر نفسي في حذائي.
    تمنيت أن أستطيع الغوص في الأرض من تحتي،، فقد أتى غريمي بوجهه منشرح وبابتسامة عريضة،، مع نفر من أصدقائه لتحية الضيوف،، تحاشيت النظر إليهم،، وكأنني كنت أنتظر جلادي لينفذ حكمه.
    رقدت ابتسامة دون مغزى على طرف شفتي و لكنها كانت لحظة كافية بأن أتخيل بأنني أشم عبقها من خلاله،، إنه الجنون بعينه،، أوهمت نفسي بأنها تنقل لي عبره إعتذارها عن هذه الطعنة النجلاء،، وما جدوى اعتذارها؟

    ثم انطلقت مني زخات من لعنات صببتها على نفسي :
    صه أيها القلب الأعمى
    أخرسي أيتها المشاعر الضالة المضلة
    إلى متى هذا العبث المجنون ؟
    لقد أرضعتموني شعورا هلاميا حتى تشبعت به روحي وسكن أوصالي وترعرع في كل ذرة من كياني.
    ثم بعد كل هذا،، أمازلت أيها القلب ترنو إلى زيف من صنع أوهامك ونسيج خيالاتك؟
    صه أيها القلب الأعمى،، و لُذْ بإستكانة أبدية،، فلن أستجيب لوجيبك وخفقانك مرة أخرى.
    أخفق لوحدك،، فهذه المرة،، سأغمض أنا عيني وأدوس عليك بكل كبرياء ودون أن يرمش لي جفن.

    ***

    ونجحتُ أخيرا في الخروج من الحفل،، ووقفت وحيدا،، بكيت بحرقة،، بكاءا مكتوما أهتز له كياني،، وأطلقت لبكائي العنان،،
    وضاعت شهقاتي وسط أهازيج الفرح والزغاريد فلم يسمعني أحد،، أشفقت على روحي،، وخرجتْ مني زفرة حارة .
    وصرت أربت على كتف نفسي مواسيا،، محاولا إقناعها بأنني عشت سعيدا بهذا الوهم لفترة طويلة، فكفكفت بقايا الدموع ،، ونظرت خلفي،، وألقيت نظرة على سيارة الزفاف المزينة بالورود،، تخيلت أنها ما زالت بالسيارة تنظر خلفها لتودعني،، وتواريت يلفني الظلام.


  • همس العامري
    أديب وكاتب
    • 01-01-2013
    • 909

    #2
    هي كوابيس اليقظة حين نفقد مانحب و معه الحب
    عشت كل حرف من حروفك استاذ جلال وكم كانت الصعوبة حين قراءتها في كل مشهد من مشاهد الزفاف دعني أقول عليه زفاف الوداع لمن نحب
    وخاصة أن هذا المشهد كان مصاحب له مشاهد الذكريات التي كانت تُحرق شيئاً فشيئا مع هذه التي يتوجع بها الفلب.
    لكن هي الحياة لقاء وفراق برغبتنا أو رغماً عنا.
    وعلى رأي المثل القائل (تكون ليك وتقسم لغيرك )
    أشكرك لحسن صياغتك للقصة رغم ماعشته من اآلام مضمونها
    كل التجية والشكر والاحترام
    تمر حنه
    التعديل الأخير تم بواسطة همس العامري; الساعة 11-09-2013, 11:23.

    الأرض لاتنسى جباه الساجدين
    والليل لاينسى دعاء العابدين


    اللهم برحمتك يا أرحم الراحمين
    ارحم جميع أموات المسلمين وأغفر لهم

    تعليق

    • وفاء الدوسري
      عضو الملتقى
      • 04-09-2008
      • 6136

      #3
      سرد متقن من قلم جميل ومتمكن حقيقة..
      كانت لديك هذه القدرة على إظهار الجزء الأعمق من ملامح
      وتفاصيل النفس البشرية
      ملامح قد تختفي حتى مع خيوط الشمس على خرائط الحياة..
      وهنا لا بد من القول من أنه لا يمكن أن تقفل الحياة على شخصية واحده
      ففي الحياة مساحات الأمل والتي تحمل في جوفها عدة مفاتيح
      لمعاني ومفاهيم وآسعة
      الكثير من البشر لا يجد السعادة أو يعتقد أن السعادة تحاربه
      ويساعده هنا عدم التذكر على النسيان..
      نسيان حقيقة تقول..
      أن السعادة اختراع سري!؟..

      دمت أيها المبدع
      تحية وتقدير

      تعليق

      • أم عفاف
        غرس الله
        • 08-07-2012
        • 447

        #4
        طعم المرارة خلاق ولا يمكن أن يتيسر لقلم سعيد أن يترك أثرا كالذي يتركه قلم مقهور
        العدو الحقيقي للراوي هو الأفكار والمقارنات القائمة في ذهنه ولإن نجح وبشكل مثير في التأثير على القارئ أثناء وصفه لوقع الألم على نفسه
        كما نجح في كتابة نص صادق إلا أن ذلك لا يعني إطلاقا أنه ناج من الوقوع في صروح من الأوهام يصفر بداخلها الحزن والأذى
        أتفق مع الأخت وفاء عرب من أن السعادة أقرب من أي شيء آخر للإسان إذا ما قرر أن يقبض عليها

        تعليق

        • جلال داود
          نائب ملتقى فنون النثر
          • 06-02-2011
          • 3893

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة تمر حنه مشاهدة المشاركة
          هي كوابيس اليقظة حين نفقد مانحب و معه الحب
          عشت كل حرف من حروفك استاذ جلال وكم كانت الصعوبة حين قراءتها في كل مشهد من مشاهد الزفاف دعني أقول عليه زفاف الوداع لمن نحب
          وخاصة أن هذا المشهد كان مصاحب له مشاهد الذكريات التي كانت تُحرق شيئاً فشيئا مع هذه التي يتوجع بها الفلب.
          لكن هي الحياة لقاء وفراق برغبتنا أو رغماً عنا.
          وعلى رأي المثل القائل (تكون ليك وتقسم لغيرك )
          أشكرك لحسن صياغتك للقصة رغم ماعشته من اآلام مضمونها
          كل التجية والشكر والاحترام
          تمر حنه
          وعلى رأي المثل القائل (تكون ليك وتقسم لغيرك )

          هذا هو بيت القصيد وخيمة الأمر الأكيد
          مشكورة على المرور والتعليق

          تعليق

          • جلال داود
            نائب ملتقى فنون النثر
            • 06-02-2011
            • 3893

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة وفاء عرب مشاهدة المشاركة
            سرد متقن من قلم جميل ومتمكن حقيقة..
            كانت لديك هذه القدرة على إظهار الجزء الأعمق من ملامح
            وتفاصيل النفس البشرية
            ملامح قد تختفي حتى مع خيوط الشمس على خرائط الحياة..
            وهنا لا بد من القول من أنه لا يمكن أن تقفل الحياة على شخصية واحده
            ففي الحياة مساحات الأمل والتي تحمل في جوفها عدة مفاتيح
            لمعاني ومفاهيم وآسعة
            الكثير من البشر لا يجد السعادة أو يعتقد أن السعادة تحاربه
            ويساعده هنا عدم التذكر على النسيان..
            نسيان حقيقة تقول..
            أن السعادة اختراع سري!؟..

            دمت أيها المبدع
            تحية وتقدير
            الأستاذة الأديبة وفاء عرب
            تحية وتقدير
            أولا أشكرك على القراءة ، وعلى هذا التعليق الباذخ


            وهنا لا بد من القول من أنه لا يمكن أن تقفل الحياة على شخصية واحده ، ففي الحياة مساحات الأمل والتي تحمل في جوفها عدة مفاتيح
            لمعاني ومفاهيم وآسعة ..

            ***

            أوافقك بعض الشيء في هذا المنْحى ، ولكن سيدتي : ألا توافقينني بأن البعض : يحب حبا صادقا ، ثم يبني مستقبله على حب هذه المحبوبة ، ويبني آمالا وصروحا من تمنّي ، ثم فجأة ينهار كل شيء ، فتنهال عليه شظايا هذا الإنهيار فتشل تفكيره ويصبح كالضائع ؟ نعم ليست هي آخر المطاف ، ولكن الحياة سيمفونية لا تكتمل إلا بوجود نوتة موسيقية ومايسترو ، فإن إختفى أحدهما صار اللحن نشازا حتى وإن غيّرْنا مفردات النوتة أو إستبدلنا مايسترو بآخر ، تظل الذكرى مغروسة في خاصرة الأيام مهما طالت.

            ***

            الكثير من البشر لا يجد السعادة أو يعتقد أن السعادة تحاربه
            ويساعده هنا عدم التذكر على النسيان..
            نسيان حقيقة تقول..
            أن السعادة اختراع سري!؟..

            ***

            السعادة إختراع ولكنه إختراع يأتي بكل مقوماته ، كتوليد الكهرباء من شلال ماء متدفق من هضبة عالية ، بمعنى أننا لكى نفعّل السعادة ، علينا أن نهيؤها بما يتماشى وتربتها ومناخها وطقسها وبيئتها ...

            ***

            أكرر الشكر
            دمتم بخير

            تعليق

            • جلال داود
              نائب ملتقى فنون النثر
              • 06-02-2011
              • 3893

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة أم عفاف مشاهدة المشاركة
              طعم المرارة خلاق ولا يمكن أن يتيسر لقلم سعيد أن يترك أثرا كالذي يتركه قلم مقهور
              العدو الحقيقي للراوي هو الأفكار والمقارنات القائمة في ذهنه ولإن نجح وبشكل مثير في التأثير على القارئ أثناء وصفه لوقع الألم على نفسه
              كما نجح في كتابة نص صادق إلا أن ذلك لا يعني إطلاقا أنه ناج من الوقوع في صروح من الأوهام يصفر بداخلها الحزن والأذى
              أتفق مع الأخت وفاء عرب من أن السعادة أقرب من أي شيء آخر للإسان إذا ما قرر أن يقبض عليها
              الأستاذة أم عفاف
              تحية وتقدير
              أشكرك على القراءة وعلى التعليق


              ***

              طعم المرارة خلاق ولا يمكن أن يتيسر لقلم سعيد أن يترك أثرا كالذي يتركه قلم مقهور
              ***
              أوافقك تماما في هذا.
              ولكن ألا توافقينني بان القلم الناقل لمعاناة الغير يمكن أن يكون كذلك؟ بمعنى أنه ليس من الضروري أن يكون صاحب القلم هو من عاش نفس زخم الحدث أو لب القصة.

              ***
              العدو الحقيقي للراوي هو الأفكار والمقارنات القائمة في ذهنه ولإن نجح وبشكل مثير في التأثير على القارئ أثناء وصفه لوقع الألم على نفسه كما نجح في كتابة نص صادق إلا أن ذلك لا يعني إطلاقا أنه ناج من الوقوع في صروح من الأوهام يصفر بداخلها الحزن والأذى
              ***
              لا أوافقك في هذه النقطة سيدتي ، فبعض الروايات التي خلّدها التاريخ كانت من نسج خيال كتّابها من الألف إلى الياء ، وبعضها كانت بذرتها حقيقية ولكن كتابها زادوا عليها من بهار خيالهم وتوابل أفكاره ومقارناته.
              كما أن الحزن والأسى هما من الإنفعالات والأحاسيس التي تعتلج في كل رواية ، صادقة كانت أم من نسج الخيال

              ***

              أخيرا وليس آخرا :
              سعدت بمرورك
              وأهمس : القصة ليست واقعية ، إنما خلاصة لقصص عديدة خرج منها البعض مثخنا بالجراح يلعقها ، البعض كُتب له الشفاء والبعض لا زال يخيم عليه الحزن؟

              ***

              أتفق مع الأخت وفاء عرب من أن السعادة أقرب من أي شيء آخر للإسان إذا ما قرر أن يقبض عليها

              ***
              كثيرا ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ، وأحيانا تكون السعادة أقرب من حبل الوريد ولكنها تضل طريقها لأسباب عديدة حتى وإن نصبْنا شباكنا أو شدَدْنا من عزيمتنا ، فالسعادة قَدَر كالشقاء والفقر والغنى لا يمكن أن نطالها بالإرادة وحدها.

              لك الشكر
              دمتم بخير

              تعليق

              • عماد حمزة
                • 06-03-2013
                • 2

                #8
                تواتينا الشجاعة أحياناً، فنسرد ما مررنا به، سواء كان سرداً أدبياً، متخفياً خلف قصة أو قصيدة، أو سرداً نثرياً. وعلى قدر الألم يكون الإبداع. قراتُ .. ومضيت أقرأ.. لتعود بي الذاكرة مع سطور قصتك إلى نيف وعشرين عاماً خلت.. خضت عندها ذات الموقف، و قضيتُ ذات الليلة.. ولكنني لم أكتب عندها شيئاً، بل توقفتُ عن الكتابة تماماً.. مضت بي الحياة في دروب شتى، أزرع دأباً، و أخفي في داخلي ما اعتاد القلم أن يبديه، حتى كانت الذكرى قبل أيام.. فسطرت هذه السطور..

                بضعٌ وعشرونَ سنة
                يَممتُ شرقاً أرتجيك
                في وَهج شمسٍ
                أو بألقِ الصبحِ
                أو ضوءَ النهار
                عرَّجْتُ غَرباً عَلَّني
                ألقاكِ في سِحرِ الغُروبْ
                أو الدُروبْ
                أو خَلفَ ما يُلقِيه لَيلِيَ مِن سِتارْ
                ورَحَلْتُ نَحوَ شَمَالَ عُمْرِيَ
                والجَنُوبْ
                فَمَا وَجَدتُكِ
                غَيرَ بَيتٍ في قَصِيدْ
                فَرَجِعْتُ أَكْتُبُ مِنْ جَدِيدْ
                عَوْدٌ حَمِيدْ

                يارب.. لك العُتبى حتى ترضى.. ولا حول ولا قوة إلا بك..

                تعليق

                • جلال داود
                  نائب ملتقى فنون النثر
                  • 06-02-2011
                  • 3893

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة عماد حمزة مشاهدة المشاركة
                  تواتينا الشجاعة أحياناً، فنسرد ما مررنا به، سواء كان سرداً أدبياً، متخفياً خلف قصة أو قصيدة، أو سرداً نثرياً. وعلى قدر الألم يكون الإبداع. قراتُ .. ومضيت أقرأ.. لتعود بي الذاكرة مع سطور قصتك إلى نيف وعشرين عاماً خلت.. خضت عندها ذات الموقف، و قضيتُ ذات الليلة.. ولكنني لم أكتب عندها شيئاً، بل توقفتُ عن الكتابة تماماً.. مضت بي الحياة في دروب شتى، أزرع دأباً، و أخفي في داخلي ما اعتاد القلم أن يبديه، حتى كانت الذكرى قبل أيام.. فسطرت هذه السطور..

                  بضعٌ وعشرونَ سنة
                  يَممتُ شرقاً أرتجيك
                  في وَهج شمسٍ
                  أو بألقِ الصبحِ
                  أو ضوءَ النهار
                  عرَّجْتُ غَرباً عَلَّني
                  ألقاكِ في سِحرِ الغُروبْ
                  أو الدُروبْ
                  أو خَلفَ ما يُلقِيه لَيلِيَ مِن سِتارْ
                  ورَحَلْتُ نَحوَ شَمَالَ عُمْرِيَ
                  والجَنُوبْ
                  فَمَا وَجَدتُكِ
                  غَيرَ بَيتٍ في قَصِيدْ
                  فَرَجِعْتُ أَكْتُبُ مِنْ جَدِيدْ
                  عَوْدٌ حَمِيدْ

                  يارب.. لك العُتبى حتى ترضى.. ولا حول ولا قوة إلا بك..
                  الأستاذ عماد حمزة
                  سلام سامق وتحايا وتقدير
                  أولا أشكر لك المرور والقراءة والتعليق البهي.

                  ***

                  خضت عندها ذات الموقف، و قضيتُ ذات الليلة.. ولكنني لم أكتب عندها شيئاً، بل توقفتُ عن الكتابة تماماً..

                  ***

                  ليتك كتبتها لحظتها ، فالذي يعيش هذا الموقف يكتب بقلبه ويغمس ريشته في محبرة دمه ويغترف من قاع روحه.
                  ولكن ، العزاء في هذي الكلمات الرصينة التي زيّنْتَ بها قصتي ، فلك الشكر
                  دمتم بخير

                  تعليق

                  • نادية البريني
                    أديب وكاتب
                    • 20-09-2009
                    • 2644

                    #10
                    أخي الفاضل جلال
                    الإحساس بالخيبة والمرارة هو الذي كتب هذا النّص فجاء صادقا وجاءت لغة السّرد سلسة ومتناسقة مع موضوع الخطاب.أعجبني قولك" أبكي على كتف نفسي" في أحايين كثيرة لا يفهمك غير نفسك.
                    عمق التجربة التي عاشها البطل تلّف مختلف تعاريج حياته.قد يبحث عن السّعادة في منعطفات أخرى لكنّ هذا الجرح الغائر في الزّمن كامن في أعماقه..شهادة أخينا عماد حمزة خير شاهد على ذلك.
                    ما أقسى الخيانة...ما أبشع الظّلم...
                    دمت بهذا الإبداع أخي جلال

                    تعليق

                    • أحمد عكاش
                      أديب وكاتب
                      • 29-04-2013
                      • 671

                      #11
                      أخي (جلال داود):
                      كتبتُ تعليقاً مطوّلاً على قصة (الغريم) قبل هذا،
                      وقبل أن أفرغ من نقله إلى هنا بقليل،
                      لا أدري ماذا أصاب الحاسوب، فرأيت صفحاته تتقلّب أمامي وليس بي قدرة على السيطرة عليها،
                      ولمّا عدت إلى هذه الصفحة، كان كلّ ما كتبته قد تلاشى،
                      وإني أجد عادة صعوبة حقيقية في إعادة الكتابة في الموضوع الذي عالجته،
                      لهذا سامحني على الإيجاز فيما سأقول:
                      (حَذَثُ) القصّة بسيط عَفَويٌّ مألوف يعجز في حقيقة الأمر عن الإيحاء بهذا الجمال كلّه،
                      فمن أين أتى هذا الوصف المؤثّر المنساب سلساً مؤثّراً في كلّ خطوة في مسيرة القصّة؟.
                      واضح أنَّه (الألمُ)، المعاناة، وعمق التجربة، فالدموع خير مِداد للريشة التي ستكتب عن (الوجع) ...
                      أعجبتني صورة (تضاءلتْ نفسي حتى خيل إليَّ أنني يمكن أن أحشر نفسي في حذائي.)، فهي جديدة عليّ، صورة مبتكرة، كما أعجبتني الجملة الختاميّة (وتواريت يلفّني الظلام). فقد كانت ترفل بالشاعريّة.
                      دام عطاؤكم وزاد جمالكم.
                      التعديل الأخير تم بواسطة أحمد عكاش; الساعة 16-09-2013, 12:40.
                      يَا حُزْنُ لا بِنْتَ عَنْ قَلْبِي فَمَا سَكَنَتْ
                      عَرَائِسُ الشِّعْرِ فِي قَلْبٍ بِلا حَزَنِ
                      الشاعر القروي

                      تعليق

                      • جلال داود
                        نائب ملتقى فنون النثر
                        • 06-02-2011
                        • 3893

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة أحمد عكاش مشاهدة المشاركة
                        أخي (جلال داود):
                        كتبتُ تعليقاً مطوّلاً على قصة (الغريم) قبل هذا،
                        وقبل أن أفرغ من نقله إلى هنا بقليل،
                        لا أدري ماذا أصاب الحاسوب، فرأيت صفحاته تتقلّب أمامي وليس بي قدرة على السيطرة عليها،
                        ولمّا عدت إلى هذه الصفحة، كان كلّ ما كتبته قد تلاشى،
                        وإني أجد عادة صعوبة حقيقية في إعادة الكتابة في الموضوع الذي عالجته،
                        لهذا سامحني على الإيجاز فيما سأقول:
                        (حَذَثُ) القصّة بسيط عَفَويٌّ مألوف يعجز في حقيقة الأمر عن الإيحاء بهذا الجمال كلّه،
                        فمن أين أتى هذا الوصف المؤثّر المنساب سلساً مؤثّراً في كلّ خطوة في مسيرة القصّة؟.
                        واضح أنَّه (الألمُ)، المعاناة، وعمق التجربة، فالدموع خير مِداد للريشة التي ستكتب عن (الوجع) ...
                        أعجبتني صورة (تضاءلتْ نفسي حتى خيل إليَّ أنني يمكن أن أحشر نفسي في حذائي.)، فهي جديدة عليّ، صورة مبتكرة، كما أعجبتني الجملة الختاميّة (وتواريت يلفّني الظلام). فقد كانت ترفل بالشاعريّة.
                        دام عطاؤكم وزاد جمالكم.
                        الأستاذ الراقي أحمد عكاش
                        تحية طيبة
                        أسعدني مرورك الباذخ
                        وأشكر لك هذا التعليق الأنيق.
                        دمتم بخير

                        تعليق

                        • جلال داود
                          نائب ملتقى فنون النثر
                          • 06-02-2011
                          • 3893

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة نادية البريني مشاهدة المشاركة
                          أخي الفاضل جلال
                          الإحساس بالخيبة والمرارة هو الذي كتب هذا النّص فجاء صادقا وجاءت لغة السّرد سلسة ومتناسقة مع موضوع الخطاب.أعجبني قولك" أبكي على كتف نفسي" في أحايين كثيرة لا يفهمك غير نفسك.
                          عمق التجربة التي عاشها البطل تلّف مختلف تعاريج حياته.قد يبحث عن السّعادة في منعطفات أخرى لكنّ هذا الجرح الغائر في الزّمن كامن في أعماقه..شهادة أخينا عماد حمزة خير شاهد على ذلك.
                          ما أقسى الخيانة...ما أبشع الظّلم...
                          دمت بهذا الإبداع أخي جلال
                          الأستاذة الراقية نادية البريني
                          تحية وتقدير
                          أسعدني مرورك وتعليقك البهي


                          الإحساس بالخيبة والمرارة هو الذي كتب هذا النّص فجاء صادقا وجاءت لغة السّرد سلسة ومتناسقة مع موضوع الخطاب.
                          ***

                          بالفعل المعاناة هي ينبوع كل عمل صادق.

                          ***
                          أعجبني قولك" أبكي على كتف نفسي" في أحايين كثيرة لا يفهمك غير نفسك.
                          ***

                          وخاصة عند الجلوس منفردا نلوك الذكرى ونشرب نخبها الألم

                          ***
                          عمق التجربة التي عاشها البطل تلّف مختلف تعاريج حياته.قد يبحث عن السّعادة في منعطفات أخرى لكنّ هذا الجرح الغائر في الزّمن كامن في أعماقه..

                          ***

                          تماما

                          ***
                          شهادة أخينا عماد حمزة خير شاهد على ذلك.

                          ***

                          وتعليقك شهادة أخرى فلك الشكر
                          دمتم بخير

                          تعليق

                          • محمد عبد الغفار صيام
                            مؤدب صبيان
                            • 30-11-2010
                            • 533

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة جلال داود مشاهدة المشاركة
                            حكايته معي فيها كل العجب هذا الغريم.
                            طوال عمري جعلني أحس بأنني عربة وهو الحصان الذي يجر هذه العربة.
                            مُجاوَرة تدعو إلى العجب.
                            دائما ما يسبقني بخطوة.
                            فهو الأول بالمدرسة وأنا الذي يليه بالترتيب.
                            وهو الحائز على درجة ممتاز وأنا الدرجة التي تليها.
                            حتى في فريق الكرة،، كنت أجلس في مقاعد الاحتياط حتى يخرج هو فيستبدلوني به.
                            لماذا كنت أنا بديله ؟ لم أدرِ.
                            وكأنه قرين لصيق.
                            تخرجنا سويا من نفس الكلية.
                            نلت شهادة عليا فلحقها بواحدة مثلها ثم أتْبعها بدرجة أعلى.
                            توظفت في وظيفة مرموقة في بلد أجنبي ،، فنال أرفع منها بمسقط رأسي.
                            وها هو الآن يسبقني بخطوات واسعة لا إلتقاء بعدها.
                            وهي السبب.
                            فقد ضربتْ بعصاها لُجة حبنا فإنفلق ليعبر هذا الغريم اللدود،،
                            وها هي اللجة تنطبق على روحي لتأخذ بخناقي وأكون من المُغْرَقين.
                            ألم يكن حبي كافياً ؟ ألم تحس بزفراتي وعبراتي الكامنة خلف تلهفي عليها ؟
                            أكان يجدر بي أن أقول لها إنتظريني إلى أن أعود ؟ ألم تفهم مغزى كل كلامي و تصرفاتي خلال كل هذه الأعوام؟؟؟
                            ألم تحدق في عيني وترى فيهما كوامن اللوعة وتلال الشجون؟
                            لقد كنت أعتقد أنني مسنود إلى جدار حب متين و هو اعتقاد أقنعني بأن هناك حبا تبادلني إياه، ولكن يبدو أنـه كان جــدارا مشـــــروخــا ومائلا ومنخورا بالسوس،، أسقطني أرضا عند أول إتكاءة عليه.
                            أحس أنني في حلم طويل لا فكاك منه.
                            لقد ركنْتُ إلى حدسي الذي يقول أنها تحبني وتبادلني الشعور ذاته،، فكل شيء كان يوحي بحبها، حديثها، مقابلتها، سؤالها عني، زيارتها لي متلهفة بمجرد حضوري للإجازة ،، ردودها على خطاباتي الهادئة التي كنت أقرأ بين سطورها ما يطفيء لهيبي ويبرد نيران جوفي،، فألوذ بها في قيظ الغربة،، ولكن يبدو أنه كان حدسا اختلقته من شعور يكتنفه الوهم،، فسدَ عليه منافذ التمييز وتحسس الطريق.

                            ***
                            رفضتُ كل توسلات أصدقائي المنادية بأن لا أحضر حفل زفافها.
                            ولكنني عاندت وذهبت،، وأنا بكامل الهندام والتأنق وكأنني ذاهب إلى حفل عرسي.
                            خُيِّل إلى إن جلستُ إلى نفسي،، سأصاب بلوثة.
                            كنت أحدث نفسي بصوت عال كالمخبول :
                            إليك يا غريمي..
                            ماذا تقول لها يا هادم مسرتي ؟
                            بماذا تهمس في أذنها يا قاتل حلمي الوحيد؟
                            حاولت أن أتصرف وكأن الأمر صار لا يعنيني ،، ولكن بدواخلي تتقد شعلة من نار ومراجل تغلي.
                            ذهبت لكي أتحدى تعاطف الناس، وأناطح كلمات الشفقة، وأسبح عكس تيار إحساسي بالصدمة.
                            جلست في الصفوف الأولى،، مناكفاً نفسي،، في تحدٍ لا طائل منه.
                            لم أستطع أن أفرز الوجوه التي أمامي.
                            شاهدتها وهي تتقدم بخطى شبه متعثرة على أنغام موسيقى الزفة وهو يتأبط ذراعها مبتسماً.
                            شيطان مستفز يفرهد في جزء من عقلي بأن أقوم بخنقه أمام ناظريها وتحت سمع وبصر الجميع.
                            ثم قررت فجأة أن أتقدم مهنئاً كفارس نبيل يتلقى الهزيمة بروح عالية.
                            تراجعت عن هذه الفكرة.
                            كنت لا أدري كيف هي قسمات وجهي وقتها. ولكنني أحسست بأن كل الحضور يحملقون فيه.
                            كانت الموسيقى وكأنها طبول مزعجة يتناغم أزيزها مع دقات قلبي المتسارعة.
                            هل شاهدتني وهي تدخل؟
                            هل لمحتْ هذا الكائن الذي كان مجنوناً بها ولا زال؟
                            لا أظن ذلك،، فهي في عالم آخر.
                            بم كانت تفكر وقتها ؟
                            تمتمتُ : تقدمي يا قاتلتي نحو سعده وسعدك،، لا يهمك شيء من أمري. تقدمي معذبتي نحو مذبحي......
                            وبإصرار لا أدري كنهه،، تابعتها بنظري بكل تمعن.
                            يا لهذا الثوب الأبيض الذي يعانقها بفرح أليف.
                            لم أستطع أن أنظر إليه هو،، لم أستطع أن أضع نفسي مكانه حتى في خيالي، فعقلي يرفض السباحة مرة أخرى في حلم خادع.
                            ركزت نظري عليها فقط وكأنها تسير وحدها رغم كل المحيطين بها.
                            للحظة ،، صمتت الموسيقى واختفى الناس و لم أعد أسمع شيئا أو أرى شيئا.
                            خلوة زائفة رسمها عقلي المرهق.
                            وقفتْ هي وحدها وكأنها في إطار كبير يحفها من كل جانب.
                            يا لهذا الوجه الملائكي الذي صابحته كثيرا ،، وعاش معي صقيع غربتي وكأنه مرسوم على وسادتي وجدران بيتي..
                            لا أصدق أن يدها الصغيرة تعانق يده.
                            كم تابعتُ هذه الأنامل وهي تكتب عند استذكارنا لدروسنا سويا .
                            قلت لها ذات مرة :
                            لا بد أن تكوني عازفة بيانو .
                            فمدتْ يديها لترتاح أناملها على راحة يدي، فأحسست بنغم أخاذ ينساب في جسدي،، فسرحتُ وقتها مهوّما،، وكأنني أستمع إلى تراتيل بعيدة.
                            ضحكتْ هي بسعادة ،، وهي تنظر إلى ،، فقلت لها :
                            لك ابتسامة غير مفهومة كابتسامة الموناليزا.
                            كنت أكتفي بأن أرى السعادة تملؤها عندما أصفها وأبثها نجواي.
                            لمحتُ غريمي يمسك بيدها.
                            يا لهذه الزغاريد التي تلهب رأسي بآلاف السياط ،، ليتني لم أحضر ،، هاهو يحيط بها إحاطة السوار بالمعصم في رقصة حميمة،، فانتشرتْ شحنة غيرة تغرز آلاف السهام في جسدي،، وأهازيج الفرح كأنها تقول الموت لك أيها الحاسد ،، وأعين الناس كأنها تحدجني بنظرات الشفقة والشماتة معا.
                            صوت الفنان أندلق في رأسي فأصابني بغثيان ودوار .
                            أردت أن أخرج دون أن يلحظني أحد ،، أردت أن أستنشق هواءا نقيا،، فقد كدت أن أختنق.
                            ولكن خيل إلي بأنني ما أن أقوم من على الكرسي فسيلاحقني الناس بسخرية ممزوجة بحكاية فشلي وخيبتي وهزيمتي النهائية من غريمي.
                            عندما تقدم لخطبتها، ظننت أنها سترد طلبه بإعتذار لطيف وتخبره بأنها مرتبطة بي ارتباطا لا تنفصم عراه،، رباط الحب.
                            ولكنها قبلتْ به حتى دون أن تخبرني،، قبلت به دون تردد،، لم أجد شيئا أوصف به هذا التحول المفاجئ والإنكفاءة المميتة.
                            لا أدري ما الذي حدث.
                            انطلقت زخات من الزغاريد وكأنها تصفعني.
                            تصبّبتُ عرقا باردا بلل عنقي وظهري
                            تضاءلتْ نفسي حتى خيل إلى أنني يمكن أن أحشر نفسي في حذائي.
                            تمنيت أن أستطيع الغوص في الأرض من تحتي،، فقد أتى غريمي بوجهه منشرح وبابتسامة عريضة،، مع نفر من أصدقائه لتحية الضيوف،، تحاشيت النظر إليهم،، وكأنني كنت أنتظر جلادي لينفذ حكمه.
                            رقدت ابتسامة دون مغزى على طرف شفتي و لكنها كانت لحظة كافية بأن أتخيل بأنني أشم عبقها من خلاله،، إنه الجنون بعينه،، أوهمت نفسي بأنها تنقل لي عبره إعتذارها عن هذه الطعنة النجلاء،، وما جدوى اعتذارها؟

                            ثم انطلقت مني زخات من لعنات صببتها على نفسي :
                            صه أيها القلب الأعمى
                            أخرسي أيتها المشاعر الضالة المضلة
                            إلى متى هذا العبث المجنون ؟
                            لقد أرضعتموني شعورا هلاميا حتى تشبعت به روحي وسكن أوصالي وترعرع في كل ذرة من كياني.
                            ثم بعد كل هذا،، أمازلت أيها القلب ترنو إلى زيف من صنع أوهامك ونسيج خيالاتك؟
                            صه أيها القلب الأعمى،، و لُذْ بإستكانة أبدية،، فلن أستجيب لوجيبك وخفقانك مرة أخرى.
                            أخفق لوحدك،، فهذه المرة،، سأغمض أنا عيني وأدوس عليك بكل كبرياء ودون أن يرمش لي جفن.

                            ***

                            ونجحتُ أخيرا في الخروج من الحفل،، ووقفت وحيدا،، بكيت بحرقة،، بكاءا مكتوما أهتز له كياني،، وأطلقت لبكائي العنان،،
                            وضاعت شهقاتي وسط أهازيج الفرح والزغاريد فلم يسمعني أحد،، أشفقت على روحي،، وخرجتْ مني زفرة حارة .
                            وصرت أربت على كتف نفسي مواسيا،، محاولا إقناعها بأنني عشت سعيدا بهذا الوهم لفترة طويلة، فكفكفت بقايا الدموع ،، ونظرت خلفي،، وألقيت نظرة على سيارة الزفاف المزينة بالورود،، تخيلت أنها ما زالت بالسيارة تنظر خلفها لتودعني،، وتواريت يلفني الظلام.



                            والله أتحفتنى برائعتك ( الغريم ) !!
                            متعة .. إثارة ..لغة رصينة .. و الأهم صدق ينضح بين السطور .
                            أحييك سيدى على مدادك الراقى .
                            "قُلْ آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ استَقِمْ"

                            تعليق

                            • بسباس عبدالرزاق
                              أديب وكاتب
                              • 01-09-2012
                              • 2008

                              #15
                              الخيبة التي نتوسدها تسقط من جيوب الأحلام حارقة ، كم هو مؤلم هذا المشهد
                              كم هو حارق أن نتمسك بخيط الشمس و هو يمارس الهروب
                              الوهم ....هزيمة كبرى و بداية الإنكسار


                              قصة مؤلمة انتهت باختفاء في الظلام و يختفي صوت الحب بين أحداث اليوم الرتيبة


                              أستاذي جلال داوود كنت هنا حزينا
                              و هذا الصديق كان قرينك في كل شئ
                              و كل شئ يمكن أن تغفره له إلا هذه
                              فكأن الأحلام تآمرت عليك


                              قصة جميلة و رائعة الحبك

                              تقديري استاذي داوود
                              السؤال مصباح عنيد
                              لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                              تعليق

                              يعمل...
                              X