انظر للسقف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سالم الجابري
    أديب وكاتب
    • 01-04-2011
    • 473

    انظر للسقف

    انظر للسقف فوق رأسك.......مالذي يمنعه من السقوط يا ترى؟!

    قد يتبادر لذهنك الآن أنّ ارتكازه على الجدران القائمة أو الأعمدة هو ما يبقيه هناك في الأعلى......هل تعتقد بدقّة هذا التفسير؟!...هو ليس دقيقاً بالتأكيد.
    ما يبقي السقف في الأعلى حقاً هو قوانين المادّة بشتّى أنواعها، كقوانين الفيزياء والحركة وغيرها. إنها يد الله سبحانه التي تمسك السقف كما تمسك السماوات والأرض أن تزولا.
    إن نحن وضعنا السقف على الجدران والأعمدة المناسبة حسب القوانين المعروفة فهل يمكن أن يتمرّد؟!......هل من الممكن أن يختار الطيران أو السقوط من تلقاء نفسه ؟!.......بالطبع لا.....ولن يخطر بباله هذا الخاطر أبداً. فالسقف وجميع أجزاءه من حديد واسمنت، بجزيئاته وذرّاته، أقصى أمانيه هي الانفعال لتلك القوانين والبقاء على نهجها وشرعتها أبد الدهر وحتى يرث الله الأرض وما عليها وبدون التطلّع لهدف أبعد منها. ولذلك إن نحن عرفنا القوانين الحاكمة أمكننا التحكّم في المادّة والتنبؤ بتصرفاتها. ومثال ذلك أننا بمعرفة كثافة جسم ما وارتفاعه عن سطح الأرض وقوة الجاذبية الأرضية ومقاومة الهواء سنستطيع التنبؤ بالزمن الذي سيستغرقه للوصول للأرض بعد أن نسقطه من على ارتفاع معيّن.

    من مظاهر الانسياق الكامل للمادة وراء القوانين الحاكمة أنّها جميعاً تنفعل بطريقة واحدة وبدون أي تميّز، وأقصد أنّه لو وضعنا ذرّة هيدروجين من اليابان وأخرى من عمان فلن نستطيع التفريق بينهما، ولو تصادف وجاءت حينها ذرّة أكسجين لتزوّجت بذرّتي الهيدروجين دون تمييز وكوّنت معهما أسرة ثابتة تسمّى جزيء الماء.
    الآن تخيّل، سواء كنت رجلاً أو امرأة، أن كل أبناء جنسك في الأرض يطابقونك تماماً، في الشكل والأهواء والتفكير......تشابه لا يمكن معه التفريق بين رجلين أو امرأتين.

    هل تتخيّل ما قد يحدث؟!.....أبحر في خيالك قليلاً.....
    ما سيحدث سيكون مرعباً للغاية، إذ من الصعب وجود حياة كالتي نعرفها. على سبيل المثال لن يكون هناك بضائع مختلفة، فالأذواق كلها واحد. ولن يكون هناك حياة أسرية بالصورة التي نعرفها، فكل الرجال والنساء متشابهون......و سنتوقف عن النظر للمرايا.....ولن نسافر.....إلى آخر ما يمكنك تخيّله.
    كل ذلك وما قد تتخيلونه ليس هو الأهم. الأهم من ذلك هو أنّك نتيجة للتطابق مع الجميع ولافتقادك لأي علامة مميزة في الشكل أو في الفكر ستفقد إدراكك لذاتك ولن تحس بوجودك، فنحن نحسّ بوجودنا من خلال الآخرين واختلافهم عنّا........هل تعرف معنى ذلك؟!.....معناه أنّه سيتساوى عندك وجودك من عدم وجودك.......أي أنه لن يكون لحياتك في نظرك أي معنى.....لا هدف......ستجد نفسك فقط منفعل بقوانين الطبيعة، بالضبط مثل ذرّة الهيدروجين.....

    الحمد لله أننا لسنا كذلك.

    نحن البشر كائنات مركّبة. نعيش في المادة ولسنا جزءً منها. نأكل ونشرب ونتناسل في المادّة، لكننا نحبّ ونعشق خارج المادّة في الجزء الروحاني. المادّة على سبيل المثال لا تعترف بشيء إسمه كرم، أو حبّ، أو إيثار.....إنه عكس قوانينها الصارمة المنفعلة في رحلة دائرية متناسخة.
    تخيّل أن تسمع أنّ إلكتروناً وقع في غرام نواة معينة ويرفض الدوران إلا في فلكها.....ذلك لن يحدث على الإطلاق.......لماذا يا ترى؟!......لأن الإلكترون يفتقد لتلك المساحة الروحية الغير متناهية التي تعودنا أن نحب فيها، وننظم الشعر، ونحلم، ونعجب بالجمال في الأشكال والأقوال والأفعال. ثم نرى بوضوح أنّ هذه المساحة الحرة نستطيع من خلالها نحن البشر اتخاذ قرارات حرّة قادرة على كسر قوانين المادّة والسيطرة عليها. فحين تخرج من مالك صدقة لتعطيها لغيرك دون أن تتوقع أي عائد مادي منظور فأنت هنا تدوس برجلك على القوانين الماديّة وتتسامى عليها.

    أتعجّب هنا، كيف حصلنا نحن البشر على هذه المساحة الروحية الرائعة، إنها سامية ورفيعة ومتفوقة بحيث لا يمكن بأي حال أن تأتي من أسفل-من المادّة-، لابد أنّها أتت من أعلى. ثمّ من هذا الذي يستطيع أن يمنحها ؟!......فقط استنتاج واحد ممكن......إنّه الخالق.....ولا أحد غيره يستطيع أن يمنح تلك المساحة التي هي بداخلنا وليس لأحد سيطرة عليها إلا نحن......ولذلك استحقّ الانسان الثواب والعقاب.


  • ريما الجابر
    نائب ملتقى صيد الخاطر
    • 31-07-2012
    • 4714

    #2
    والنعم بالله
    مقال راقي ونظرة ثاقبة مطمئنة
    المتوكلة على الخالق وحده
    فمن توكل على الله كفاه
    حياك الله وحيا فكرتك الرائعة
    تقديري
    http://www.pho2up.net/do.php?imgf=ph...1563311331.jpg

    تعليق

    • أبوقصي الشافعي
      رئيس ملتقى الخاطرة
      • 13-06-2011
      • 34905

      #3
      لله درك
      نثرية جدا راقية
      هي أقرب للمقال
      كانت محلقة
      فكرا
      صياغةً
      سلاسة

      تقديري و أكثر



      كم روضت لوعدها الربما
      كلما شروقٌ بخدها ارتمى
      كم أحلت المساء لكحلها
      و أقمت بشامتها للبين مأتما
      كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
      و تقاسمنا سوياً ذات العمى



      https://www.facebook.com/mrmfq

      تعليق

      • بسباس عبدالرزاق
        أديب وكاتب
        • 01-09-2012
        • 2008

        #4
        السلام عليكم


        كما قال الزملاء رأيت أنه مقال في ثوب شاعري نوعا ما و قد تقلد بوحا جميلا

        على ما أعتقد أنت ملم بقوانين الفيزياء

        و أنت تعرف أن للطاقة مظهرين مادي و موجي

        بمعنى المادة هي طاقة و لكن في شكل خام و الضوء مثلا هو طاقة صافية و لذلك وزن الضوء معدوم و لكنه يبقى في نظر الفيزيائيين مادة و لكن بشكل بمعنى هو طاقة صافية

        فعندما نمرر الضوء في ثقب صغير جدا فإننا نحصل على مظهر مدهش و ظاهرة غريبة ألا و هي إنعراج الضوء و لكن هذه الظاهرة تتفسخ و تنعدم في ثقب كبير

        ثم عندما تلتقي موجة ذات ضوء أخضر مع موجة ذات ضوء أزرق تعطينا ضوءا أصفر و كأن المادة تعلن عن حب بينهما أو حقد أو بغض


        نعم سيدي حتى المادة لها شكل خاص من الأحاسيس تعبر عنها بطريقة معينة تظهر لنا نحن قوانين فيزيائية و لكن لا نفقه تسبيحهم

        و كذلك البشر هناك القصير و الطويل و الوسيم و الجميل و القبيح و تلك الصور لها تاثيرات على نفسية الإنسان و لذلك برز علم جديد هو علم النفس و الذي يعني بدراسة قوانين تفاعل النفوس غن صح التعبير


        و كأن علم النفس عند البشر يقابل علم الفيزياء بالمادة
        ذاك مختبره قلوب تنبض و ذلك مختبره كل الكون



        أتعرف أستاذي الفاضل سالم الجابري أن نصك استدرجني ليس لمناقشتك و ليس للتعقيب و لكن لمجرد مشاركتك فكرتك الجميلة و التحدث معك



        بورك قلمك الذي أعطني فسحة للكتابة هنا


        و لك باقة ورد و مودتي و احتراماتي
        التعديل الأخير تم بواسطة بسباس عبدالرزاق; الساعة 13-09-2013, 17:54.
        السؤال مصباح عنيد
        لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

        تعليق

        • أمل الرّبيع
          أديب وكاتب
          • 06-07-2013
          • 465

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة سالم الجابري;9834[FONT=arial

          أتعجّب هنا، كيف حصلنا نحن البشر على هذه المساحة الروحية الرائعة، إنها سامية ورفيعة ومتفوقة بحيث لا يمكن بأي حال أن تأتي من أسفل-من المادّة-، لابد أنّها أتت من أعلى. ثمّ من هذا الذي يستطيع أن يمنحها ؟!......فقط استنتاج واحد ممكن......إنّه الخالق.....ولا أحد غيره يستطيع أن يمنح تلك المساحة التي هي بداخلنا وليس لأحد سيطرة عليها إلا نحن......ولذلك استحقّ الانسان الثواب والعقاب.
          [/FONT]

          انّها حلاوة الايمان التّي تولّد السّكينة والسرور
          وتذكّرني كلماتك بمقولة عالم زاهد:((
          "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف "


          حين يتكلّم العقل يخضع السمع ويصحو الضّمير
          وتقشعرّ الجلود والأبدان ..
          هي عادتي كلّما آويت الى فراشي نظرت الى سقف غرفتي
          هامسته من يمسكك عنّا اذانمنا ..
          هل أنت مأمور اللّيلة بأن تحمينا أم أن نكون بين أحضان اسمنتك وحديدك ..في الصّباح

          وأتذكّرهم أطفال غزّة من نوم في فرش الى سبات بين الأنقاض ...
          أحيانا أمقت السّقف ...وأرى منازلنا بلا سقف ..

          طرح مميّز أخذني بعيدا
          وتحليل لا يكون الاّ من لبيب ...

          سعدت بمروري بهذا الرّوض ...
          sigpic

          تعليق

          • أمنية نعيم
            عضو أساسي
            • 03-03-2011
            • 5791

            #6
            نعم أخي وأديبنا سالم
            أوافق الراقي بسباس والعزيزة أمل
            في ان نصك يفتح الأفق للمعرفة والاستزادة
            وهذة المقاربة بين عالم المادة وعالم الروح بعطينا مدى أوسع للتفكر في خلق الله العظيم
            جزيت عنا كل خير في تنبيه الحواس للتفكر أكثر
            وعلى اعطاءنا هة اللوحة الجمالية
            مساءك خير ورحمة ...
            [SIGPIC][/SIGPIC]

            تعليق

            • شيماءعبدالله
              أديب وكاتب
              • 06-08-2010
              • 7583

              #7
              نص صادق بليغ وواقعي لفلسفة الحياة ..
              وعجبي من الملحدين كيف ينكرون الربوبية لله ووحدانيته ووجوده سبحانه
              ذكرتني بقصة الملحد الذي حاجج العلماء وقال آتوني ببرهان لوجود خالق للكون ..
              فاتفقوا الجواب من أفطنهم وأكثرهم ذكاء ليتفق معه على موعد ؛
              فجاءه متأخرا عن الموعد وقد آنف الملحد قولا قبل مجيء العالم ساخرا :ما تأخر إلا لعجز الإثبات ..
              فقال له العالم :ما أخرني عنك إلا بلوغ النهر وقد عجزت العبور فنظرت لقطع خشب قد اجتمعت حزمة لتكون لي قاربا حتى عبرت النهر ..
              رد الملحد ساخرا :واعجبي أأخشاب تنتظم لحالها لتصبح لك قاربا ؟!
              رد العالم: واعجبا أكون صيغ وصار بلا صانع ..!؟

              القصة اختصرتها بتصريف مني ولكن ما معناها وصيغتها هو على ذلك النحو ..

              أديبنا القدير سالم الجابري
              شكرا على هذا التوظيف الراقي لتمازج العلم والأدب بصيغة رائعة
              وسبحان الله الذي أبدع وصور ..
              تحيتي وتجل التقدير

              تعليق

              يعمل...
              X