عندما وصلت المنزل منتصف الليل التفت حولي كالإخطبوط . تركت الخندق الليلة ، وعدت إليها محاربا مليئا بالرغبة والتجدد ، أجهشت بالبكاء .
لمْ أفهم لمَ حين تلمسني تفوح منها رائحة الارض . لبث الخوف بجسمي . هل أنا متمسك بوجودها قربي ؟ لا أدري ؛
كانت سلاحي الذي يحرسني من شرور هذا العالم ، أو ربما دمائي المتدفقة التي أواصل من خلالها حياتي تحديا للحرب التي تطاردني منذ سنين لا أعرف عدها . لكن ما يحدث اليوم أقرب الى ذهني من الذي حدث بالأمس . وكل هذا يتركني أفكر بشيء ما أكرهه، أمضيت وقتا طويلا أحس بأن هناك في الأفق البعيدة، أياما لا أكون فيها جندي يسكن الخنادق في جبهات القتال، أعود لأرضي مزارعا بسيطا، مواصلا حياة خافتة كالماء، وليست مؤقتة كالزمن . أخرجت منديلها من بين الشراشف الحريرية المرمية بالطرف الآخر من السرير الحديدي الذي يحتوينا ثم مسحت دموعها . أدركت حينها أنها غابت في الطرف الاخر مني منتظرة حضوري أو غيابي، لست ادري،
علمتني تلك السنين الموت بحضور الآخر يملئني الصوت الخافت، يخبرني فجأة وأنا بين لحمها الدافئ :- (ستبقى مختبئا في دهاليز أفكارك المشوشة، مهددا بالقتل والدمار دائما بسبب أخطاء من خطئوا وأشعلوا نيران الحرب عبر التاريخ، أو رغبات السلاطين والملوك، والقادة العسكريين. إنهض، ارتدي درعك المتروك قرب النافذة، ثم افتح الأبواب المقفلة الصدئة كي تصر صريرا يملأ الارض ضجيجا).
(عندما كنت وحدي في انتظار مجيئك، سمعت ضربات شرسة تكاد تحطم الأبواب والنوافذ، أحسست بالفزع يملأ كياني، ورأيت نفسي أركض هاربة من وحشة الليل ووجوه القتلة، وأخيرا انتهيت بين ذراعيك، انتهى هروبي، لكن خوفي لم ينته)
قالت هامسة بأذني .
بقيت أرقب المكان متسائلا : للغرف الحجرية القديمة سقوفا تملئها العناكب، لا تحمي من يرفض قدره رغم احساسي بأن الليل في هذه القرية حقيبة مسائية، مهيأة لرحلة مدهشة في عربات القطار المسطحة ذو السقوف البارزة الذي يجتاز الأنفاق بطيئا كالسلحفاة، صاخبا كالحياة .
قالت : ابق معي .... أنا خائفة.
وامتصنا الليل بين كائناته الصاخبة، فأصبحنا أشباحا منفية في قرية نائمة . غير أن جسدها مكث بلا تراخ، ينحل ثم ينضح روائح تملأ رأسي أحلاما طوال الليل، ووجهها مازال متأرجحا أمامي، فأرى نفسي أعتصرها قاتلا الصوت الصاخب الذي يحكم على حياتي بالفشل الدائمة والهزيمة الباردة. وأخذ العمود في طرف السرير يخترق البياض الوهاج في وسط ثوبها . كان ابريق الشاي فوق المائدة . هذا المساء أنا تائه، وعاد الحنين الى أمي يقيدني ثانية.
نهضت مرتديا ثيابي ببطء بعد أن أمضيت وقتا طويلا مستلقيا قربها . لقد عرفت منذ سنين بأن الارض تشبه المرأة، كلاهما فم يبتلع الشعلة، تتقطع أوصالا فوق السرير، تمسك العارضة الخشبية ثم تقتل الرغبة العالقة بحافة قفل الباب المنتفخ .
وقفت أمام النافذة أبصر الخارج . كانت السماء غائمة، يرتفع الرعد فجأة تاركا صمتا فجائيا متناغما، مع زخات المطر الناعمة وهي تضرب النافذة . ربما الحقيقة رذاذ بلا بداية، وفي النهاية يجب أن يتلاشى خوفي الساذج من عدمية حياتي الموحشة . تلك هي الحقيقة إذن، ليست سوى رؤيتي الواضحة الآن لخوفنا معا من الموت، وهو يهددنا منقضا علينا دونما تحذير أو إشارة . ربما أنا أعيش رغبة في تأكيد قضيتي الخاسرة، وربما يهزمني اليقين فأعود مستسلما للقتلة، تاركا لهم جسمي المغسول بالوحل .
لماذا ؟ هل أنا متعب ؟
متى ابتلعتني الكلمات، فأصبحت كائنا يتشظى بكل لحظة، داخل عالم غامض مثل عصفورا صغير تعمد الهرب من الطيور الغاضبة غير المتوقعة، ثم يأتي الصباح صوتا حزينا مطأطئا، مشدودا بشراهة صراعي .
أعادتني رائحة ثوبها . ورأيتها تبدو جميلة جدا، تبكي كلما تركت وحدها، كانت إدراك بلا رغبة، ثقيل لكنه لا يبقى . مرة أخرى أكتم غضبي داخل نفسي التي اعتادت القرف .
فأصبحت وديعا كالحمل، مبصرا الليل والمطر الغزير الذي يغمر القرية، منتظرا اللحظة التي أقرر فيها خروجي تحت المطر، وأنا أسال، لم كل هذا الشقاء ؟.
لمْ أفهم لمَ حين تلمسني تفوح منها رائحة الارض . لبث الخوف بجسمي . هل أنا متمسك بوجودها قربي ؟ لا أدري ؛
كانت سلاحي الذي يحرسني من شرور هذا العالم ، أو ربما دمائي المتدفقة التي أواصل من خلالها حياتي تحديا للحرب التي تطاردني منذ سنين لا أعرف عدها . لكن ما يحدث اليوم أقرب الى ذهني من الذي حدث بالأمس . وكل هذا يتركني أفكر بشيء ما أكرهه، أمضيت وقتا طويلا أحس بأن هناك في الأفق البعيدة، أياما لا أكون فيها جندي يسكن الخنادق في جبهات القتال، أعود لأرضي مزارعا بسيطا، مواصلا حياة خافتة كالماء، وليست مؤقتة كالزمن . أخرجت منديلها من بين الشراشف الحريرية المرمية بالطرف الآخر من السرير الحديدي الذي يحتوينا ثم مسحت دموعها . أدركت حينها أنها غابت في الطرف الاخر مني منتظرة حضوري أو غيابي، لست ادري،
علمتني تلك السنين الموت بحضور الآخر يملئني الصوت الخافت، يخبرني فجأة وأنا بين لحمها الدافئ :- (ستبقى مختبئا في دهاليز أفكارك المشوشة، مهددا بالقتل والدمار دائما بسبب أخطاء من خطئوا وأشعلوا نيران الحرب عبر التاريخ، أو رغبات السلاطين والملوك، والقادة العسكريين. إنهض، ارتدي درعك المتروك قرب النافذة، ثم افتح الأبواب المقفلة الصدئة كي تصر صريرا يملأ الارض ضجيجا).
(عندما كنت وحدي في انتظار مجيئك، سمعت ضربات شرسة تكاد تحطم الأبواب والنوافذ، أحسست بالفزع يملأ كياني، ورأيت نفسي أركض هاربة من وحشة الليل ووجوه القتلة، وأخيرا انتهيت بين ذراعيك، انتهى هروبي، لكن خوفي لم ينته)
قالت هامسة بأذني .
بقيت أرقب المكان متسائلا : للغرف الحجرية القديمة سقوفا تملئها العناكب، لا تحمي من يرفض قدره رغم احساسي بأن الليل في هذه القرية حقيبة مسائية، مهيأة لرحلة مدهشة في عربات القطار المسطحة ذو السقوف البارزة الذي يجتاز الأنفاق بطيئا كالسلحفاة، صاخبا كالحياة .
قالت : ابق معي .... أنا خائفة.
وامتصنا الليل بين كائناته الصاخبة، فأصبحنا أشباحا منفية في قرية نائمة . غير أن جسدها مكث بلا تراخ، ينحل ثم ينضح روائح تملأ رأسي أحلاما طوال الليل، ووجهها مازال متأرجحا أمامي، فأرى نفسي أعتصرها قاتلا الصوت الصاخب الذي يحكم على حياتي بالفشل الدائمة والهزيمة الباردة. وأخذ العمود في طرف السرير يخترق البياض الوهاج في وسط ثوبها . كان ابريق الشاي فوق المائدة . هذا المساء أنا تائه، وعاد الحنين الى أمي يقيدني ثانية.
نهضت مرتديا ثيابي ببطء بعد أن أمضيت وقتا طويلا مستلقيا قربها . لقد عرفت منذ سنين بأن الارض تشبه المرأة، كلاهما فم يبتلع الشعلة، تتقطع أوصالا فوق السرير، تمسك العارضة الخشبية ثم تقتل الرغبة العالقة بحافة قفل الباب المنتفخ .
وقفت أمام النافذة أبصر الخارج . كانت السماء غائمة، يرتفع الرعد فجأة تاركا صمتا فجائيا متناغما، مع زخات المطر الناعمة وهي تضرب النافذة . ربما الحقيقة رذاذ بلا بداية، وفي النهاية يجب أن يتلاشى خوفي الساذج من عدمية حياتي الموحشة . تلك هي الحقيقة إذن، ليست سوى رؤيتي الواضحة الآن لخوفنا معا من الموت، وهو يهددنا منقضا علينا دونما تحذير أو إشارة . ربما أنا أعيش رغبة في تأكيد قضيتي الخاسرة، وربما يهزمني اليقين فأعود مستسلما للقتلة، تاركا لهم جسمي المغسول بالوحل .
لماذا ؟ هل أنا متعب ؟
متى ابتلعتني الكلمات، فأصبحت كائنا يتشظى بكل لحظة، داخل عالم غامض مثل عصفورا صغير تعمد الهرب من الطيور الغاضبة غير المتوقعة، ثم يأتي الصباح صوتا حزينا مطأطئا، مشدودا بشراهة صراعي .
أعادتني رائحة ثوبها . ورأيتها تبدو جميلة جدا، تبكي كلما تركت وحدها، كانت إدراك بلا رغبة، ثقيل لكنه لا يبقى . مرة أخرى أكتم غضبي داخل نفسي التي اعتادت القرف .
فأصبحت وديعا كالحمل، مبصرا الليل والمطر الغزير الذي يغمر القرية، منتظرا اللحظة التي أقرر فيها خروجي تحت المطر، وأنا أسال، لم كل هذا الشقاء ؟.
تعليق