النساء عنده مثل السجائر، يدوسها بعد أن ينتشي منها، و مباشرة يخرج امرأة جديدة من قائمة النساء التي يزدحم بها هاتفه، تماما مثلما ينتقل من سيجارة لأخرى عقب فنجان قهوة.
رن هاتفه بجيبه ملحا عليه، لم يمهله الهاتف لينهض من فراشه، بل كانت حدة رنينه تزداد مع اهتزاز يشي بشيء من العجلة.
-ألو، من معي؟
-فاتح.
-ماذا هناك؟
-عندي لك زجاجة عطر جديدة.
-بابيشة؟1
-نعم و هي قادمة بعد الظهر، فلا تتأخر فقد أرهقتني حتى أقنعتها بوسامتك و جمالك.
-و هل تعرفني؟
-لا، أسرع.
أقفل هاتفه و ختم سيجارته بقبلة، و انتفض من فراشه نحو مقصده.
-حمزة، هل أحضر لك الفطور؟
-نعم، و لكن ما بالك متعجلة.
-أنا خارجة.
-ماذا هناك؟
-ذاهبة عندي أمي، فقد اشتقتها.
تناول فطوره بسرعة، متحاشيا النظر نحو وجه زوجته مباشرة، يسترق بعض ملامح وجهها المضيء، بحثا عن ردة فعل في تقاسيم خدها الذي كثيرا ما اعتكف عنده يتلو قصائد الثقة و الإخلاص. ينظر نحوها بنظرة خاطفة سرعان ما يشيح بعينيه ملقيا كلماته المعتادة، و التي اعتادتها هي كذلك، و أصبحت هي الأخرى تنتظرها لتنصرف لتدابير المنزل.
يسأل أحيانا نفسه، إن كانت زوجته تعلم بأفعاله و جرائمه، و لكن تصرفاتها لا توحي بمعرفتها، و أحيانا يحسها غير مهتمة بأفعاله، ربما فقدت فيه وجوده لجانبها، هو يعلم أنه أصبح شريطا هامشيا في اهتماماتها، ينزعج لمجرد التفكير بذلك، إلا أنه يسقط من عقله تلك الأفكار عندما يتذكر أنه هو من بدأ بتلك السلوكيات.
أحيانا يعكس الصورة، فيضعها مكانه و هو مكانها فيحس الغضب و الغيرة ينفجران في عروقه، و لكن للذكورة في مجتمعه سلطة تشذ عن معاقبة الرجل، فالمرأة توصف بالساقطة إذا ما خانت زوجها، و الرجل يخرج دائما في ثوب الضحية، بعضهم يصف المشهد برؤية مقززة فيقول، النساء فتنة كبيرة، و بعضهم يقول هي من أغوته.
و لكن الكثير ينسى يوسف النبي عندما دعا ربه، و اختار السجن عن الخيانة و الرذيلة.
لا يعرف متى و لماذا أخرجها من دائرة اهتماماته، و كيف أصبحت رقما خارجا من حساباته، و لكنه يتذكر تلك الليالي التي قضتها بجانبه تسأله نظرة أو كلمة، بل كثيرا ما بادرته بسؤال أو بكلمة شوق هاربة مثل طيور مسافرة نحو الجنوب.
أحيانا تغدق عليه بضمة و لكنه يتملص منها مثل فعل ماض يرفض الرفع، يدير لها ظهره و يتركها كغصن مقطوع من شجرة يطفو في بركة تجذبها للقاع نحو المجهول.
دارت تلك الأفكار في رأسه طيلة مشواره نحو دكان زميله.
عند عتبة الدكان رمى سيجارته الأخيرة، هذه المرة لم يدسها بل قام بحركة رشيقة و رماها نحو الطريق و كأنه كان يرمي بكل تلك الأفكار و الهواجس، و دخل الدكان حيث كان صديقه ينتظره.
-أين كنت؟
-لقد انتظرت زوجتي حتى خرجت قبلي.
-لقد وصلت قبل عشر دقائق.
-أين هي؟
-في المقصورة؟ 2
-هل هي جميلة؟
-فور، بومبة،3 و لكنها أخبرتني أنها متزوجة..
سقطت في يديه تلك الكلمة مثل الجمر، و عادت لرأسه تلك الأفكار، و بدأ يفكر في زوج هذه المرأة، مسكين هو زوجها فهو لا يعرف بخيانتها، و مسكينة هي زوجته أيضا، فهي في غياب تام عن تلك الجرائم التي يمارسها بين اللحظة و الأخرى، ثم يبدأ بإيجاد الأعذار، و هكذا عقل الأغبياء الذين يجدون لأنفسهم مبررات السقوط في سلوكياتهم الجبانة ، يعلم أن فعله هذا هو طعنتين مرة واحدة مثل رصاصة تعبر رأسين، فهو يطعن زوجته في ظهرها و يساعد امرأة أخرى على طعن زوجها، و كأنه ينتقم من نفسه بفعلته تلك.
فتح باب المقصورة و التي كانت مضاءة بضوء خفيف يميل نحو الأحمر، و كأن الغرفة غاضبة مما يرتكبه العابرين فيها.
نظر نحو تلك المرأة و تسمر في مكانه:
-أنت..
-آسفة..
جلس يقلب الأمر بين يديه، ثم نظر إليها جيدا، و بكلمة واحدة عاقبها:
-أنت طالق.
--------------------------------------
بابيشة 1:** بايشه/ تعني في اللهجة الجزائرية فتاة جميلة و لطيفة و سهلة **
مقصورة 2: ** المقصورة / هو مكان يتخذه أصحاب محلات اللباس لتجريب الملابس**
فور ، بومبة3: فور **و هي كلمة فرنسية الأصل(fort) تعني جدا**، بومبة** تعني قنبلة باللهجة الجزائرية**
رن هاتفه بجيبه ملحا عليه، لم يمهله الهاتف لينهض من فراشه، بل كانت حدة رنينه تزداد مع اهتزاز يشي بشيء من العجلة.
-ألو، من معي؟
-فاتح.
-ماذا هناك؟
-عندي لك زجاجة عطر جديدة.
-بابيشة؟1
-نعم و هي قادمة بعد الظهر، فلا تتأخر فقد أرهقتني حتى أقنعتها بوسامتك و جمالك.
-و هل تعرفني؟
-لا، أسرع.
أقفل هاتفه و ختم سيجارته بقبلة، و انتفض من فراشه نحو مقصده.
-حمزة، هل أحضر لك الفطور؟
-نعم، و لكن ما بالك متعجلة.
-أنا خارجة.
-ماذا هناك؟
-ذاهبة عندي أمي، فقد اشتقتها.
تناول فطوره بسرعة، متحاشيا النظر نحو وجه زوجته مباشرة، يسترق بعض ملامح وجهها المضيء، بحثا عن ردة فعل في تقاسيم خدها الذي كثيرا ما اعتكف عنده يتلو قصائد الثقة و الإخلاص. ينظر نحوها بنظرة خاطفة سرعان ما يشيح بعينيه ملقيا كلماته المعتادة، و التي اعتادتها هي كذلك، و أصبحت هي الأخرى تنتظرها لتنصرف لتدابير المنزل.
يسأل أحيانا نفسه، إن كانت زوجته تعلم بأفعاله و جرائمه، و لكن تصرفاتها لا توحي بمعرفتها، و أحيانا يحسها غير مهتمة بأفعاله، ربما فقدت فيه وجوده لجانبها، هو يعلم أنه أصبح شريطا هامشيا في اهتماماتها، ينزعج لمجرد التفكير بذلك، إلا أنه يسقط من عقله تلك الأفكار عندما يتذكر أنه هو من بدأ بتلك السلوكيات.
أحيانا يعكس الصورة، فيضعها مكانه و هو مكانها فيحس الغضب و الغيرة ينفجران في عروقه، و لكن للذكورة في مجتمعه سلطة تشذ عن معاقبة الرجل، فالمرأة توصف بالساقطة إذا ما خانت زوجها، و الرجل يخرج دائما في ثوب الضحية، بعضهم يصف المشهد برؤية مقززة فيقول، النساء فتنة كبيرة، و بعضهم يقول هي من أغوته.
و لكن الكثير ينسى يوسف النبي عندما دعا ربه، و اختار السجن عن الخيانة و الرذيلة.
لا يعرف متى و لماذا أخرجها من دائرة اهتماماته، و كيف أصبحت رقما خارجا من حساباته، و لكنه يتذكر تلك الليالي التي قضتها بجانبه تسأله نظرة أو كلمة، بل كثيرا ما بادرته بسؤال أو بكلمة شوق هاربة مثل طيور مسافرة نحو الجنوب.
أحيانا تغدق عليه بضمة و لكنه يتملص منها مثل فعل ماض يرفض الرفع، يدير لها ظهره و يتركها كغصن مقطوع من شجرة يطفو في بركة تجذبها للقاع نحو المجهول.
دارت تلك الأفكار في رأسه طيلة مشواره نحو دكان زميله.
عند عتبة الدكان رمى سيجارته الأخيرة، هذه المرة لم يدسها بل قام بحركة رشيقة و رماها نحو الطريق و كأنه كان يرمي بكل تلك الأفكار و الهواجس، و دخل الدكان حيث كان صديقه ينتظره.
-أين كنت؟
-لقد انتظرت زوجتي حتى خرجت قبلي.
-لقد وصلت قبل عشر دقائق.
-أين هي؟
-في المقصورة؟ 2
-هل هي جميلة؟
-فور، بومبة،3 و لكنها أخبرتني أنها متزوجة..
سقطت في يديه تلك الكلمة مثل الجمر، و عادت لرأسه تلك الأفكار، و بدأ يفكر في زوج هذه المرأة، مسكين هو زوجها فهو لا يعرف بخيانتها، و مسكينة هي زوجته أيضا، فهي في غياب تام عن تلك الجرائم التي يمارسها بين اللحظة و الأخرى، ثم يبدأ بإيجاد الأعذار، و هكذا عقل الأغبياء الذين يجدون لأنفسهم مبررات السقوط في سلوكياتهم الجبانة ، يعلم أن فعله هذا هو طعنتين مرة واحدة مثل رصاصة تعبر رأسين، فهو يطعن زوجته في ظهرها و يساعد امرأة أخرى على طعن زوجها، و كأنه ينتقم من نفسه بفعلته تلك.
فتح باب المقصورة و التي كانت مضاءة بضوء خفيف يميل نحو الأحمر، و كأن الغرفة غاضبة مما يرتكبه العابرين فيها.
نظر نحو تلك المرأة و تسمر في مكانه:
-أنت..
-آسفة..
جلس يقلب الأمر بين يديه، ثم نظر إليها جيدا، و بكلمة واحدة عاقبها:
-أنت طالق.
--------------------------------------
بابيشة 1:** بايشه/ تعني في اللهجة الجزائرية فتاة جميلة و لطيفة و سهلة **
مقصورة 2: ** المقصورة / هو مكان يتخذه أصحاب محلات اللباس لتجريب الملابس**
فور ، بومبة3: فور **و هي كلمة فرنسية الأصل(fort) تعني جدا**، بومبة** تعني قنبلة باللهجة الجزائرية**
تعليق