باسقة كسنديانة عتيقة ، تصارع السكري وبطش الحياة منذ أكثر من عشرين عاماً ، وبعد أن أفلس منها ضرب ضربته القوية مؤخراً ، وهاهو الطبيب يقترح أن يُبتر إبهام قدمها اليمنى بعد أن غزاها السواد بمكرٍ وكأنه يعلن انتصاره على جسدٍ لطالما أُفعم بالأمل
بعد أن ترجّل زوجها عن صهوة الحياة ورحل مبكراً، حملت أعباء أولادها الستة فكان عليها أن تبني لهم داراً رحل زوجها قبل أن يحيطه بسور من أمان ، وعلى مرأى أهل الحارة كانت امرأة من صخر تجبل الطين وتلصق به الحجارة الإسمنتية مع بعضها البعض ، وبسرعة أكملت بناء الدار وزرعت في "حاكورته" بعض الأشجار المثمرة التي حظيت بكثير من شقاوتنا ، ومن منا ينكر حلاوة الخوخ والمشمش فيها رغم أننا لم نكن ننتظر حتى تنضج الثمرات.
رفض أولادها قرار الطبيب على أن يعطيها فرصة للعلاج عن طريق الدواء ، لكنها أرادت أن تنهي الأمر مبكراً فلا الدواء نفع ولا الحمية أيضاً، ابنها الكبير يتذكر جيداً مواقفها الرجولية ، كيف كانت تنتصب منذ الصباح الباكر أمام نافذة الفرن كي تحضر لهم الخبز الطري والساخن ، ويتذكر كم مرة أمسكت بعصاها الغليظة وانطلقت خلف بعض الصبية الذين كانوا يضربونه وأخوه الصغير وكيف كانوا يفرون أمامها كخراف مذعورة ، وويل لمن يقع تحت رحمة عصاها وهي في حالة دفاع عن بيتها و أولادها .
أم علي طويلة وطولها يقارب 185 سم ، ذات أكتاف عريضة وساقين طويلتين وساعدين قويين ، لكن السكري لم يعترف بهذه الأنثى المتوقدة بالجمال وقرر أن ينال منها وكأنه يعلن نصراً في جسد طاهرٍ لطالما بقي غاية لكل رجل في تلك الحارة ، وكثيراً ما كانت تردد : آآآآآخ منك أيها السكري ... أقسم لو كنت رجلاً لقتلتك ، مازال الوقت مبكراً تقول لنفسها ولن يقهرني مرض مزمن وقفت أمام المرآة ونظرت ملياً إلى ( أميرة ) الصبية كأنها تتفحص آثار نظرات الإعجاب التي انهالت عليها اليوم .... ضحكت وقالت : حلوووووة وأميرة..... يا أميرة وهاهو ابن عمك ( الوحش ) اختارك من بين كل قريباته.... بيلبقلك .
وضعت أم علي قطعة خشب بين أصابعها وإبهامها رفعت البلطة وطلت من نافورة الصور تاريخ لماض رحل وهي تقطع من الحياة لقمة العيش لأطفال رسم اليتم شحوبه على محياهم وكما تهوي النصلة فوق الرقاب هوت تلك البلطة بلا رحمة لتقطع إبهاماً لن تفسح له المجال بعد هذه اللحظة للفتك بها أكثر.
دوت صرخة من صمت في أعماقها هزتها من الصميم خدر اجتاح جسدها وبقية للحظة في دوامة اللاوعي قطعة من لحم كانت على قطعة خشبية وامرأة من فولاذ ما هزََّ كيانها إلا حين تلفّتت في منتصف العمر فرأت زوجها يلوح مودعاً في محطة الوداع ففقدت برحيله لذّة الحياة وباتت تعيش لترسم ضحكة بريئة على وجه أطفالها.
كالعادة ذلك المساء دخل أولادها للاطمئنان عليها قبل أن يخلدوا للنوم .....كانت أم علي تخفي قدمها بجورب سميك ورغم ذلك الألم الذي كان كسيخ النار يكوي يدها رسمت لهم تلك الابتسامة الطيبة ...... تمنوا لها ليلة هانئة، وفي الصباح باغتوها بقلوب خائفة وهم يمسكون بإبهامها ويصرخون : كيف ولما فعلت ذلك يا اماه ( وجده أحد أحفادها إلى جوارها عندما نزل لتعطيه نقوداً كي يشتري بها قطعة شوكولا ).......أجابتهم بكل هدوء : لا تجزعوا أنا بخير....... خذوه وادفنوه وليمت السكري في غيظه....هذا ما ناله مني... ولن ينال أكثر .
" قصتي هذه نالت المركز الثالث في آخر مسابقة ومازلت بانتظار الوسام هههههه "
تعليق