[align=justify][align=center]القبطان / عبد السلام العطاري [/align]
بحث في جيوبه الأنيقة عن علبة سجائره...هي الأخيرة، تناولها بلمسات حانية دافئة، ورفع قبعته البيضاء لتكشف، أكثر، عن جبهته المتجعدة، وابتسامة ساخرة رافقتها ضحكة، أي اغتصاب هذا للشفتين بضحكة طعمها كالعلقم المتجذّر بطعم المرار؟
[align=center]
[/align][align=center]"حين تكون اللحظة مسكونة بحلم "[/align]
[align=center]القبـــطان[/align]
أراح القبطان أشرعته، وألقى مرساته في عمق الرصيف، تناول لفافة تبغ واستنشقها كأنه يلتهم طريدة بحرية بعد جوع قاس تناوب عليه أثناء رحلته البحرية، اتجه نحو مقدمة المركب المتعب من أمواج غاضبة، ورياح صاخبة، وسحب ماطرة، وليل طويل.
امسك القبطان دفته، والسيجارة يصّاعد دخانها متقطعا كأنه يبحث عن غيماتٍ يتدثر بها من غضب الشفتين القابضتين على عقبها.
القبطان غاضب، والمركب متعب، والسارية منتصبة مثل قامة ناشبة لا تنال الرياح من جسدها شيئا، وحدها المنتصرة في هذه الرحلة المضنية.
أي نهار يهرول نحو الغروب خائفا من تجهم جبهته العريضة؟ من قامته الممتدة تطاول رأس السارية حين تلوح للناظر من بعيد...اللحظة وسط النهار دون شمس.
- قال: عودي أيتها اللعنات إليّ، عودي غاضبة مشرّعة بؤسك وحنقك وغضبك، الآن سأحطم وجه النهار لأكشف الشمس وأعريها، وأحرق جزر تخطت أحلامي النائمة، وذكرياتي الهائمة على وجهها، تبحث عن معبر لدرب يوصلها إلى حيث الساجدة في محراب وحدتها.
اللعنة، قالها حين نفض ما تبقى من لفافة التبغ وداسها بنعله وكأن خبطة قدمه تدق ويرتد صداها صوب جنبات المركب الهرم من قسوتها، أحاول أن أعيد ترتيب اللغة الحالمة بالآمال، تجدني ابحث عن لحظاتها بين التجهم والمأساة، بين الألم والابتسامة، آه أيها البحر، آه من دواره، من موجه، من ليله، وغضبه... ماطرة أيامي دونما لحظة مشمسة تنير وجه نهاري البائس.
الخوف، أي خوف هذا ؟ إذن الخوف، ترددت حروفها، تحركت شفتيه المتعبتين المنهكتين كشجرة صبّار تعلك أشواكها وتتذوق مرارة سائلها، بحث في جيوبه الأنيقة عن علبة سجائره...هي الأخيرة، تناولها بلمسات حانية دافئة، ورفع قبعته البيضاء لتكشف، أكثر، عن جبهته المتجعدة، وابتسامة ساخرة رافقتها ضحكة، أي اغتصاب هذا للشفتين بضحكة طعمها كالعلقم المتجذّر بطعم المرار؟ هل تقبلين أن أداعبك قليلا ؟
- السيجارة حائرة وماذا بعد ؟ تناوبت عليها أنامله التي لم تعتد غير القبض على دفة المركب وحملتها بتؤدة متناهية نحو أطراف شفتيه وتناول عود ثقاب... أشعل الأول وأطفأته نسمة كانت تختبئ خلف السارية، أدار وجهه كأنه يبحث عن مصدر نسمة الهواء كلمات تخطت عتبة التفكير لتكون تمتمة على شفتيه لتتمايل السيجارة وكأنها تسجد مودعة لحظاتها قبل أن تعانقها النار... همس النسيم يعود.
- حوريات البحر حكايات قديمة، لا العنقاء و لا الخل الوفي، ولا حكايات أباطرة البحر عن حالة عاشقة تخرج حين تهمز الشِباك، إنها حاضرة إلى العودة نحو صدر المركب...
لحظة أخرى استراحت لها لفافة التبغ المرتعدة من مصير حتمي سيصلها عمّا قليل...تكتفي حركات أنامله بملاحقتها، هذا الزمن المهجور من الحقائق، المسكون بالأحلام.
- الأحلام وحدها الحقيقة، قالها حين امسك بقبضته الغاضبة عنق السارية، وعيناه تتجولان تبحثان عن رائحة حورية...
- حورية! ضحكته تفجرت من عمق حنجرته المثخنة بالكلمات، متوالية، غير منتهية، من الضحكات المسكونة بحالة هستيرية
- أي جنون هذا؟... يا بحر هب لي من لدنك أحلامي لأنفض وحدتي في وجه ذاك الجبل...أشار وكأنه في تمثيلية دون (دوبلير)، ودون مشهد يقف خلفه ثلة من الآخرين دون تلقين.
الإشارة وحدها أخرجته من حالة الصمت المكتوم إلى حالة الصمت المتفجر، تراقصت السيجارة طربا على أنشودة الضحكات
- الفرح مهنة صعبة... بعد تجهم مطبق.
- أيها البحر ها أنذا انتشي كقوة، كصخب، كموج يقذف موته نحو رصيف هرم يمتلئ بالحكايات القديمة، كم دهر كان هنا ومضى؟... حورية لمرة واحدة وامضي... أرحل وانتعل اليابسة وامضي، أمتطي صهوة كبريائي وارحل نحوه، المرفأ، وحده، سيكون... وأنا وحورية أحلامي ولفافة تبغ لا تعرف مصيرها المحتوم، لفافة تبغ وعود ثقاب لا يشتعل
- وهبتك الحياة يوما آخر، فامنحيني نسمة أخرى ابحث عنها خلف السارية.
رام الله / [/align]
بحث في جيوبه الأنيقة عن علبة سجائره...هي الأخيرة، تناولها بلمسات حانية دافئة، ورفع قبعته البيضاء لتكشف، أكثر، عن جبهته المتجعدة، وابتسامة ساخرة رافقتها ضحكة، أي اغتصاب هذا للشفتين بضحكة طعمها كالعلقم المتجذّر بطعم المرار؟
[align=center]

[align=center]القبـــطان[/align]
أراح القبطان أشرعته، وألقى مرساته في عمق الرصيف، تناول لفافة تبغ واستنشقها كأنه يلتهم طريدة بحرية بعد جوع قاس تناوب عليه أثناء رحلته البحرية، اتجه نحو مقدمة المركب المتعب من أمواج غاضبة، ورياح صاخبة، وسحب ماطرة، وليل طويل.
امسك القبطان دفته، والسيجارة يصّاعد دخانها متقطعا كأنه يبحث عن غيماتٍ يتدثر بها من غضب الشفتين القابضتين على عقبها.
القبطان غاضب، والمركب متعب، والسارية منتصبة مثل قامة ناشبة لا تنال الرياح من جسدها شيئا، وحدها المنتصرة في هذه الرحلة المضنية.
أي نهار يهرول نحو الغروب خائفا من تجهم جبهته العريضة؟ من قامته الممتدة تطاول رأس السارية حين تلوح للناظر من بعيد...اللحظة وسط النهار دون شمس.
- قال: عودي أيتها اللعنات إليّ، عودي غاضبة مشرّعة بؤسك وحنقك وغضبك، الآن سأحطم وجه النهار لأكشف الشمس وأعريها، وأحرق جزر تخطت أحلامي النائمة، وذكرياتي الهائمة على وجهها، تبحث عن معبر لدرب يوصلها إلى حيث الساجدة في محراب وحدتها.
اللعنة، قالها حين نفض ما تبقى من لفافة التبغ وداسها بنعله وكأن خبطة قدمه تدق ويرتد صداها صوب جنبات المركب الهرم من قسوتها، أحاول أن أعيد ترتيب اللغة الحالمة بالآمال، تجدني ابحث عن لحظاتها بين التجهم والمأساة، بين الألم والابتسامة، آه أيها البحر، آه من دواره، من موجه، من ليله، وغضبه... ماطرة أيامي دونما لحظة مشمسة تنير وجه نهاري البائس.
الخوف، أي خوف هذا ؟ إذن الخوف، ترددت حروفها، تحركت شفتيه المتعبتين المنهكتين كشجرة صبّار تعلك أشواكها وتتذوق مرارة سائلها، بحث في جيوبه الأنيقة عن علبة سجائره...هي الأخيرة، تناولها بلمسات حانية دافئة، ورفع قبعته البيضاء لتكشف، أكثر، عن جبهته المتجعدة، وابتسامة ساخرة رافقتها ضحكة، أي اغتصاب هذا للشفتين بضحكة طعمها كالعلقم المتجذّر بطعم المرار؟ هل تقبلين أن أداعبك قليلا ؟
- السيجارة حائرة وماذا بعد ؟ تناوبت عليها أنامله التي لم تعتد غير القبض على دفة المركب وحملتها بتؤدة متناهية نحو أطراف شفتيه وتناول عود ثقاب... أشعل الأول وأطفأته نسمة كانت تختبئ خلف السارية، أدار وجهه كأنه يبحث عن مصدر نسمة الهواء كلمات تخطت عتبة التفكير لتكون تمتمة على شفتيه لتتمايل السيجارة وكأنها تسجد مودعة لحظاتها قبل أن تعانقها النار... همس النسيم يعود.
- حوريات البحر حكايات قديمة، لا العنقاء و لا الخل الوفي، ولا حكايات أباطرة البحر عن حالة عاشقة تخرج حين تهمز الشِباك، إنها حاضرة إلى العودة نحو صدر المركب...
لحظة أخرى استراحت لها لفافة التبغ المرتعدة من مصير حتمي سيصلها عمّا قليل...تكتفي حركات أنامله بملاحقتها، هذا الزمن المهجور من الحقائق، المسكون بالأحلام.
- الأحلام وحدها الحقيقة، قالها حين امسك بقبضته الغاضبة عنق السارية، وعيناه تتجولان تبحثان عن رائحة حورية...
- حورية! ضحكته تفجرت من عمق حنجرته المثخنة بالكلمات، متوالية، غير منتهية، من الضحكات المسكونة بحالة هستيرية
- أي جنون هذا؟... يا بحر هب لي من لدنك أحلامي لأنفض وحدتي في وجه ذاك الجبل...أشار وكأنه في تمثيلية دون (دوبلير)، ودون مشهد يقف خلفه ثلة من الآخرين دون تلقين.
الإشارة وحدها أخرجته من حالة الصمت المكتوم إلى حالة الصمت المتفجر، تراقصت السيجارة طربا على أنشودة الضحكات
- الفرح مهنة صعبة... بعد تجهم مطبق.
- أيها البحر ها أنذا انتشي كقوة، كصخب، كموج يقذف موته نحو رصيف هرم يمتلئ بالحكايات القديمة، كم دهر كان هنا ومضى؟... حورية لمرة واحدة وامضي... أرحل وانتعل اليابسة وامضي، أمتطي صهوة كبريائي وارحل نحوه، المرفأ، وحده، سيكون... وأنا وحورية أحلامي ولفافة تبغ لا تعرف مصيرها المحتوم، لفافة تبغ وعود ثقاب لا يشتعل
- وهبتك الحياة يوما آخر، فامنحيني نسمة أخرى ابحث عنها خلف السارية.
رام الله / [/align]
تعليق