أخْطُــــبوط السرعة/ بقلم : سعيدة الرغيوي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سعيدة الرغوي
    أديب وكاتب
    • 04-10-2009
    • 228

    أخْطُــــبوط السرعة/ بقلم : سعيدة الرغيوي

    أخْطبُوط السرعة

    إنه عصر التحول والتموج واللحظية،عصر التقنية قصيرة المدى..كل شيء يعيش للحظة،يستمر للحظة،يتوقف بعد لحظة،حتى عمرنا يتوقف مجرد لُحَيظات .
    في عصر التقنية والرقمية ،والتكنولوجيا المتطورة،باتت آلية السرعة تتحكم في مساراتنا،ترصد تحركاتنا،و تفرض علينا طريقة التفكير واللباس..،بل حتى الضرورات الفيزيولوجية لم تسلم منها.
    فأضحينا نعيش على وقع دساتير السرعة،زواج السرعة،كل شيء يُطْبَخُ سريعاً،..مأكولات سريعة،وسائل نقل سريعة،رسائل سريعة،أخبار عاجلة،ومضات من حياتنا كلها تُؤطرها السرعة..حتى الحقل الأدبي لم يُسْتَبْعدْ من دائرة السرعة،إذ هناك أدب الومضة والشذرات،والقصة القصيرة جدا،،وهلم جرا.
    فكل مناحي حياتنا يترصد لها وحش السرعة،حتى لا يترك لها المجال للنضج بشكل مُمَنْهَجٍ وسليم.
    دوائر السرعة تلفنا وتحاصرنا،وتحكم قبضتها علينا حتى لا ننفلت،فالإبداع والفن بدوره غزته ماكينات السرعة..إنتاج وإخراج سريع بفضل الرقميات،وتألق أيضا سريع،ثم تراجع وتذبذب سريع...
    صور تغزو حياتنا بسرعة البرق،ثم سرعان ما تنمحي وتتلاشى..فما أغرب عصر السرعة !!.
    كان أجدادنا يحتاجون شهورا طويلة للسفر و الترحال على ظهر دوابهم،ومع ذلك كانوا يحسون بالسعادة العارمة،وينتشون بجمالية اللحظات،بيد أننا اليوم بتنا نعدم هذا الشعور في عصر صيحة التقنيات الرقمية المتطورة والتكنولوجيا الحديثة..فلا غرابة يا جيل اليوم من تغير مفاهيم الأشياء،حتى الأحاسيس تغيرت.. وصرنا مستلبين من طرف الآلة التي صنعنها وعملنا على تطويرها لتحقق لنا السعادة والآمال،لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن.
    إذ تعمل هذه الأخيرة على حرماننا من اللذة والأحاسيس الجميلة،لأننا صرنا متفرجين من بعيد،وكأننا أفرغنا عقولنا فيها،فأصبحت تنوب عنا في كل شيء..
    هي ولا شك اغتيالات في صمت..حتى التواصل وهو ضرورة إنسانية لا محيد عنه بات يتلاشى شيئا فشيئا لصالح ظهور "غول الإنترنت"،هذا الغول الذي أصبح يُحاصرنا في البيت والشارع والعمل والمدرسة،وفي كل زوايا حياتنا.
    هي كما أَلْمَعْت اغتيالات في صمت تعصف بالإنسان فينا لتصيرنا أشبه بالآلة التي ابتكرنها وبذلنا فيها كل طاقاتنا وجهودنا لأجل أن ننعم بحياة رغدة هنيئة.فإذا بها تنحرف بنا عن المسار المرسوم لها سلَفاً.. إن الإنترنيت وإن كان نعمة في عدة جوانب،فإنه أيضا نقمة لا سيما في مجال التواصل الإنساني.
    إن شبابنا بات مُدْمنا على الشبكة العنكبوتية،إذ صار يقضي جل وقته أمام الشاشة الزرقاء،يتواصل مع الآخرين افتراضيا..ظنا منه أن هذا التواصل سيعمل على إذابة الصقيع الاجتماعي ..وهيهات أن يتحقق تواصل أمثل في ظل عالم افتراضي،فيا شبابنا ما أحوجنا اليوم إلى تواصل بناء وحقيقي ،وإلى مشاعر صادقة !.
    إن العالم الافتراضي يعمل على تعميق الهوة بيننا وبين المحطين بنا،فقلما نتواصل مباشرة ،وقلما نجتمع في شكل أسري متلاحم ،منسجم.إذ بتنا نَلْحَظُ أن أفراد الأسرة الواحدة كل منهم بدأ بتشييد عالمه الخاص..على صفحات الفايسبوك،وغيرها من المواقع الاجتماعية.
    يبني صداقات،ولقاءات،واجتماعات،ودردشات بلغة النت،مع أشخاص يعرفهم أو افتراضيين..
    إن عالم الانترنيت وإن سهل التواصل بين الناس،وقَلًّص المسافات،،وقارب بين الأفكار المتابشهة،وعرض لوجهات النظر المتباينة بشكل ديمقراطي حداثي،فلا تثريب من أنه عمل على جعل الإنسان يعيش في عزلة عن محيطه الصغير،وإن كان قد فتح الباب أمام رواده لتبادل الخبرات والآراء في ميادين عدة،فإنه وبشكل ضمني بدأ يقتل الشعور بالانتماء إلى الوطن الأصغر.
    إنني من خلال مقالي هذا أود لفت الانتباه إلى بعض مخاطر أخطبوط السرعة على الإنسان.
    وفي السياق ذاته أشدد على مسألة هامة والتي ولا شك بدأت تثمر نتائج عكسية والمتمثلة أساسا في ركوب أمواج الإنترنيت ،هذا الملمح الأبرز لأخطبوط السرعة الذي يتوجب علينا التعامل معه بإيجابية وعقلانية.
    نعم كما ألمعت فالتعامل مع الانترنيت له عدة مزايا،أذكر منها هنا على سبيل الحصر:توفير المعلومات في ظرف وجيز،وسريع،وتقريبها من الراغبين فيها.
    إلغاء الحدود الجغرافية ولو افتراضيا بين الشعوب والدول،فبإمكانك التواصل دون التحرك من مكتبك ودون أن تجتاز عتبة غرفتك مع الآخرين الذين تفصلهم عنك مسافات وساعات،في الوقت الذي كان فيه التواصل في الماضي تعترضه مجموعة من المعيقات ..فلا تصل الرسائل إلا بعض مرور أشهر ،أو قد تتعرض للتلف والضياع لسبب من الأسباب.ناهيك عن العديد من الخدمات الأخرى التي أصبحت يسيرة ..ومع ذلك أعود وأقول حذاري من أخطبوط السرعة الذي سيعمل على تصدعنا،وجعلنا منكفئين على ذواتنا،نتواصل بلغة خشبية ،إنه يبتلع هويتنا وقيمنا،وتقاليدنا،فلنقنن إذن تعاملنا مع هذا الأخطبوط،ونعود إلى رُشْدنا،وإلى واقعنا الاجتماعي الذي كانت تهيمن فيه أواصر جميلة،وعلاقات حقيقية..فسراب جرينا وراء أخطبوط العصر.


    بقلــم: سعيدة الرغيــوي
  • أمنية نعيم
    عضو أساسي
    • 03-03-2011
    • 5791

    #2
    أهلاً ومرحباً بك الراقية سعيدة الرغوي قي رحاب الخاطر
    ربما عزيزتي أتفق معك في بعض النواحي التي ذكرت
    ولكني بالتأكيد أجد إيجابيات العالم الرقمي والانترنت اكثر بكثير من سلبياته
    فقد جعل المعرفة على بعد نقرة على لوحة الحروف وفتح الأبواب لكل جديد
    ربما تخشين منه على حياتنا الاجتماعية ولكنها ضريبة يجب تقديمها عزيزتي
    ومن عقل طبيعة النت سيجعل له من وقته ما لا يغنيه عن احبته
    واقع الحياة على النت بات جزء أصيل في ثقافة الشعوب
    يختلف في التعامل معها من مستوى لآخر حسب البنية الاجتماعية ومدى الوعي المتحصل
    من مدة التعامل معه والاعتياد عليه وتوظيفة لما فيه المصلحة العامة
    سعيدة بقرائتي لحضرتك ...ولا بد من قدوم المستقبل .
    كل عام وأنت بألف خير . مساءك سكر
    [SIGPIC][/SIGPIC]

    تعليق

    • أبوقصي الشافعي
      رئيس ملتقى الخاطرة
      • 13-06-2011
      • 34905

      #3
      هلا و مليون غلا
      بأديبتنا الرائعة / سعيدة الرغوي
      مقال رائع جداااااااااا
      و فكر محلق..
      هو عصر السرعة
      و الالياف العاطفية
      كل شيء ديجتل و سريع..
      في مقالك وضحت كل شيء
      لا عدمنا حرفك و لا فكرك
      تقديري و تحية تليق



      كم روضت لوعدها الربما
      كلما شروقٌ بخدها ارتمى
      كم أحلت المساء لكحلها
      و أقمت بشامتها للبين مأتما
      كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
      و تقاسمنا سوياً ذات العمى



      https://www.facebook.com/mrmfq

      تعليق

      • ريما الجابر
        نائب ملتقى صيد الخاطر
        • 31-07-2012
        • 4714

        #4
        مقال رائع جدا
        وفكرة قوية وإن كنت لا أرى عيبا في الزمان ولا بالتقنية
        بل العيب فينا نحن من بدلنا وتغيرنا
        تحية وتقديرا يليق بك
        أسعدتني القراءة لك
        http://www.pho2up.net/do.php?imgf=ph...1563311331.jpg

        تعليق

        يعمل...
        X