حمار العمدة
أدركتُ الان ان إقامتي في هذه البقعة المُتَوَضِّعة في أقصي جنوب شرق كرتنا الارضية تُوصِم صاحبها
بأدنى درجات التخلُّف . مع انها كانت بيوم من الأيام منارة , ومهد حضارة , ومنبع ديانات سماوية .
ماذا ألَمَّ بنا نحن القاطنون فوق ثراها ؟
على العموم , انا أحسن من غيري . ها انا ارفل بنعمة صاحبي . يُطعمني برسيما يستورده خصيصا
لي . ويأويني في اسطبل يُضاهي قصور العصور الوسطى , بإتساعه وترتيبه ونظافته . ويحميني من
سياط المُتَطَفلين وعبث الاطفال المتشردين . فانا وجيه , بوجاهته .
لكن , ما يحز بنفسي ويؤلمني هو حال باقي الحمير في بقعتنا . تراهم يكدحون ليل نهار من اجل ازدراد
حشيش ناشف يسد رمقهم . او من اجل حفنة من الشعير يَتصَدَّق عليهم بها مُسْتخدميهم . اما البقية
الباقية منهم فليس لهم سوى اوراق الجرائد , وما يفيض من قمامة يتركها لهم القطط والكلاب والقوارض .
غالبا , ما كنت أقَرْفِص بجانب صاحبنا بعد انتهاء العمل . بينما هو يُقَلِّب القنوات الفضائية باحثا عن
التسلية . فأستزيد علما ومعرفة بما يجري في العالم .
هناك , في اقصى شمال غرب بقعتنا . ينعم الحمير بقسط من الحرية والاحترام , لا يتمتع بها وجهائنا
مجتمعين . حتى ان لهم جمعيات تعنى بحقوقهم وتضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه بإهانتهم .
كما ان الحمار , هو شعار احد اكبر حزبين يتنافسان على السلطة .
في يوم من الأيام , وبينما كنت مقرفصا بجانب صابحي نُشاهد القنوات الفضائية . شد انتباهي ترشح
أحد الحمير هناك للرئاسة . وبعد معارك مضنية مع منافسيه فاز هذا الحمار واصبح رئيسا لأكبر دولة في
العالم , وأغناها وأقواها . وغاد يُشار له بالبنان في حله وترحاله .
اما في عالمنا نحن , فَحَدِّثْ بلا حرج . يجلس المختار على كرسي الرئاسة كالملوك . ولا اكبر زلزال
بالدنيا يزيحه عن كرسيه , ولا خَرّف يصيب عقله يُنسيه حلاوة الحكم والأمارة .
حين يتعفن ويتيقن ان أمر الله قد اقترب . يختار احد ابنائه لتكملة المسيرة .
ويا عيني عليك يا بلد .
ليس هناك فرصة او امل لتولي منصب الرئاسة لأي فرد . حمارا كان أو أسد .
وانا نفسي بيوم اصير صاحب قرار . رئيس , وزير , او حتى غفير .
حين غَطَّ صاحبي بالنوم وعلا شخيره . لبست قفطانه والعمة . وعلى شمال غرب وَجَّهْتت البوصلة . وهربت .
وعلى خط الحدود هناك , قالوا لي : وقف , ستوب .
ــ على فين يا حضرة ؟
أخذت أختال أمامهم . متباهيا بالقفطان والعمة . فأنا حمار . لكن , مش زي أي حمار . أنا متربي
عالغالي . ودعهم يشاهدون بعضا من ألاطتي .
سألني أحدهم وهو يبتسم :
ــ معاك فيزا ؟
أجبته بالنفي
ــ معاك جواز سفر ؟
أجبته بالنفي ايضا
ــ هل ترغب ان تدخل بلادنا على انك لاجيء سياسي ؟
ــ انا لا افهم بالسياسة سوى ان أُسايٍس وأُسَايَسْ
ــ هل انت مضطهد في بلادك وتروم الحرية وكرامة العيش ؟
ـ على رسلك يا رجل . انا في بلدي عايش أحلى عيشة ....
وقبل ان استرسل بالكلام قاطعني وقال :
ــ اّذاً , لم تروم اللجوء الينا ؟
ــ انا يا سيد , ابحث عن مكان امارس فيه حقي بالوصول الى سدة الرئاسة . واعلم اني لست حمارا عاديا
فأنا حمار العُمْدِة . ولي خبرة في إدارة شؤون البلد ومواطنيها .
نهض عن مقعده , وامسك بأذني ثم قال بحزم :
ــ إسمع يا خبير . في سيرك بلدتنا كان هناك مهرج وحمارة . نفق الحمار قبل اسبوع . ومات المهرج
متحسرا عليه قبل يومين . وها انا اوافق على دخولك البلاد لتقوم بدور المهرج . لكن بشرط .
ــ اشرط وانا تحت امرك .
ــ كما تعلم ان لكل مهرج في السيرك حمار . وبما اننا اتفقنا انك ستكون المهرج . اذهب وعُدْ بحمار
كي نوافق لك للإقامة والعمل عندنا .
لم يأخذ معي غلوة حين أخبرته بالأمر . جائت موافقته اسرع مما كنت اتوقع .
وقفنا بالطابور على الحدود . وحين أُذن لنا بالتقدم . اقترب مني الموظف المسؤول باسما . بادرته بالتحية
قائلا :
ــ اسمح لي ان أقدم لك عُمْدة بلدنا .
عبد الرحيم محمود / تم .
أدركتُ الان ان إقامتي في هذه البقعة المُتَوَضِّعة في أقصي جنوب شرق كرتنا الارضية تُوصِم صاحبها
بأدنى درجات التخلُّف . مع انها كانت بيوم من الأيام منارة , ومهد حضارة , ومنبع ديانات سماوية .
ماذا ألَمَّ بنا نحن القاطنون فوق ثراها ؟
على العموم , انا أحسن من غيري . ها انا ارفل بنعمة صاحبي . يُطعمني برسيما يستورده خصيصا
لي . ويأويني في اسطبل يُضاهي قصور العصور الوسطى , بإتساعه وترتيبه ونظافته . ويحميني من
سياط المُتَطَفلين وعبث الاطفال المتشردين . فانا وجيه , بوجاهته .
لكن , ما يحز بنفسي ويؤلمني هو حال باقي الحمير في بقعتنا . تراهم يكدحون ليل نهار من اجل ازدراد
حشيش ناشف يسد رمقهم . او من اجل حفنة من الشعير يَتصَدَّق عليهم بها مُسْتخدميهم . اما البقية
الباقية منهم فليس لهم سوى اوراق الجرائد , وما يفيض من قمامة يتركها لهم القطط والكلاب والقوارض .
غالبا , ما كنت أقَرْفِص بجانب صاحبنا بعد انتهاء العمل . بينما هو يُقَلِّب القنوات الفضائية باحثا عن
التسلية . فأستزيد علما ومعرفة بما يجري في العالم .
هناك , في اقصى شمال غرب بقعتنا . ينعم الحمير بقسط من الحرية والاحترام , لا يتمتع بها وجهائنا
مجتمعين . حتى ان لهم جمعيات تعنى بحقوقهم وتضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه بإهانتهم .
كما ان الحمار , هو شعار احد اكبر حزبين يتنافسان على السلطة .
في يوم من الأيام , وبينما كنت مقرفصا بجانب صابحي نُشاهد القنوات الفضائية . شد انتباهي ترشح
أحد الحمير هناك للرئاسة . وبعد معارك مضنية مع منافسيه فاز هذا الحمار واصبح رئيسا لأكبر دولة في
العالم , وأغناها وأقواها . وغاد يُشار له بالبنان في حله وترحاله .
اما في عالمنا نحن , فَحَدِّثْ بلا حرج . يجلس المختار على كرسي الرئاسة كالملوك . ولا اكبر زلزال
بالدنيا يزيحه عن كرسيه , ولا خَرّف يصيب عقله يُنسيه حلاوة الحكم والأمارة .
حين يتعفن ويتيقن ان أمر الله قد اقترب . يختار احد ابنائه لتكملة المسيرة .
ويا عيني عليك يا بلد .
ليس هناك فرصة او امل لتولي منصب الرئاسة لأي فرد . حمارا كان أو أسد .
وانا نفسي بيوم اصير صاحب قرار . رئيس , وزير , او حتى غفير .
حين غَطَّ صاحبي بالنوم وعلا شخيره . لبست قفطانه والعمة . وعلى شمال غرب وَجَّهْتت البوصلة . وهربت .
وعلى خط الحدود هناك , قالوا لي : وقف , ستوب .
ــ على فين يا حضرة ؟
أخذت أختال أمامهم . متباهيا بالقفطان والعمة . فأنا حمار . لكن , مش زي أي حمار . أنا متربي
عالغالي . ودعهم يشاهدون بعضا من ألاطتي .
سألني أحدهم وهو يبتسم :
ــ معاك فيزا ؟
أجبته بالنفي
ــ معاك جواز سفر ؟
أجبته بالنفي ايضا
ــ هل ترغب ان تدخل بلادنا على انك لاجيء سياسي ؟
ــ انا لا افهم بالسياسة سوى ان أُسايٍس وأُسَايَسْ
ــ هل انت مضطهد في بلادك وتروم الحرية وكرامة العيش ؟
ـ على رسلك يا رجل . انا في بلدي عايش أحلى عيشة ....
وقبل ان استرسل بالكلام قاطعني وقال :
ــ اّذاً , لم تروم اللجوء الينا ؟
ــ انا يا سيد , ابحث عن مكان امارس فيه حقي بالوصول الى سدة الرئاسة . واعلم اني لست حمارا عاديا
فأنا حمار العُمْدِة . ولي خبرة في إدارة شؤون البلد ومواطنيها .
نهض عن مقعده , وامسك بأذني ثم قال بحزم :
ــ إسمع يا خبير . في سيرك بلدتنا كان هناك مهرج وحمارة . نفق الحمار قبل اسبوع . ومات المهرج
متحسرا عليه قبل يومين . وها انا اوافق على دخولك البلاد لتقوم بدور المهرج . لكن بشرط .
ــ اشرط وانا تحت امرك .
ــ كما تعلم ان لكل مهرج في السيرك حمار . وبما اننا اتفقنا انك ستكون المهرج . اذهب وعُدْ بحمار
كي نوافق لك للإقامة والعمل عندنا .
لم يأخذ معي غلوة حين أخبرته بالأمر . جائت موافقته اسرع مما كنت اتوقع .
وقفنا بالطابور على الحدود . وحين أُذن لنا بالتقدم . اقترب مني الموظف المسؤول باسما . بادرته بالتحية
قائلا :
ــ اسمح لي ان أقدم لك عُمْدة بلدنا .
عبد الرحيم محمود / تم .
تعليق