عدُوُّ نفسِهِ - بقلم: احمد عكاش - (مسرحيّة للأطفالِ)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أحمد عكاش
    أديب وكاتب
    • 29-04-2013
    • 671

    عدُوُّ نفسِهِ - بقلم: احمد عكاش - (مسرحيّة للأطفالِ)

    عَدُوُّ نَفْسِهِ
    (بقلم: أحمد عكاش)
    حِوَارِيَّةٌ للأطفالِ مِنْ ثَلاثَةِ مَشَاهِدَ
    المشْهَدُ الأَوَّلُ:
    (نَخْلَةٌ عَالِيَةٌ، عَلَيْها عُشُّ قُبَّرَةٍ مَعَ فَرْخَيْهَا الصَّغِيرَيْنِ)
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: (يَعْرُكُ عَيْنَيْهِ وَيَتَمَطَّى) أَسْعَدَ اللهُ صَبَاحَكِ يَا أُمَّاهُ.
    القُبَّرَةُ: أُسْعِدْتَ صَبَاحاً يَا صَغِيرِي، أَرَاكَ اسْتَيْقَظْتَ اليَومَ مُبَكِّراً.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: أَمَا حَانَ مَوْعِدُ اسْتِيقَاظِنَا؟.مَا لِي أَرَى أَخِي لا يَزَالُ نَائِماً؟. قُمْ يَا كَسُولُ.
    القُبَّرَةُ: دَعْهُ يَا بُنَيَّ، لا يَزَالُ صَغِيراً، إِنِّي أُشْفِقُ عَلَيْهِ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: لا يَا أُمِّي، مَا عُدْنَا صِغَاراً، لَقَدْ صِرْنَا...
    الحَمَامَةُ (تُقَاطِعُهُ): يَا بُنَيَّ اتْرُكْ أَخَاكَ نَائِماً، إِنَّكُمَا لا تَدْرِيَانِ مَا تُخَبِّئُهُ لَنَا الأَقْدَارُ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: وَمَا عَسَاهَا تُخَبِّئُ لَنَا يَا أُمِّي؟ لَعَلَّهَا سَتَجْعَلُنِي مِنَ الجَوَارِحِ.
    القُبَّرَةُ: القُبَّرَاتُ خُلِقَتْ لِلشَّدْوِ، لا للافْتِرَاسِ وَسَفْكِ الدَّمِ يَا بُنَيَّ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ سُؤَالاً يَا أُمِّي، قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ أَخِي.
    القُبَّرَةُ: مَا وَرَاءَكَ يَا صَغِيرِي؟.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: عِدِينِي قَبْلَ هَذَا أَنْ تَكُونِي صَرِيحَةً مَعِي.
    القُبَّرَةُ: وَمَتَى أَخْفَيْتُ عَنْكَ شَيْئاً يَا بُنَيَّ؟.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: أَنْتِ لا تُخْفِينَ عَنِّي شَيْئاً؛ لَكِنَّكِ تُعَامِلِينَنِي كَأَنِّي لا أََزَالُ صَغِيراً.
    القُبَّرَةُ: لَيْتَنِي أَرَاكُمَا كَبِيرَيْنِ تَمْلأَانِ سَمَاءَنَا شَدْواً وَجَمالاً.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: سَتَرَيْنَنا كَما تَشْتَهِينَ فِي القَرِيبِ العَاجِلِ يَا أُمَّاهُ.
    القُبَّرَةُ: كَيْفَ لِي أَنْ أَحْلُمَ بِهَذَا، وَأَنَا أَرَى الـ..
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: تَرَيْنَ مَاذَا يَا أُمَّاهُ؟. عُدْتِ إِلَى إِخْفَاءِ هُمُومِكِ عَنِّي...
    القُبَّرَةُ: حَسَناً... مَاذا كُنْتَ سَتَقُولُ لِي؟.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: لَمْ تَعِدِينِي بَعْدُ بِالصَّرَاحَةِ يَا أُمِّي.
    القُبَّرَةُ: كَمَا تَشَاءُ.. كَمَا تَشَاءُ.. أَعِدُكَ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: مُنْذُ حِينٍ لَيْسَ بَالطَّوِيلِ، وَإِلَى الآنَ أُلاحَظُ عَلَيْكِ الحُزْنَ، فَمَا سَبَبُهُ ؟
    القُبَّرَةُ: الحُزْنَ؟ وَمَاذَا رَأَيْتَ مِنْ عَلامَاتِهِ ؟.
    الفَرْخُ: كَمْ مِنْ مَرَّةٍ أَفَقْتُ يَا أُمِّي وَأَنْتِ تَمْسَحِينَ لَنَا رِيشَنَا بِمِنْقَارِكِ، وَعَيْنَاكِ حَزِينَتَانِ تَكَادَانِ أَنْ تَدْمَعَا؟.
    القُبَّرَةُ: الأُمُّ تُحِبُّ أَبْنَاءَهَا يَا بُنَيَّ وَتَخَافُ عَلَيْهِمْ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: لَيْسَ الحُبُّ وَحْدَهُ وَرَاءَ هَذَا يَا أُمِّي، قُلْتُ لَكِ مُنْذُ قَلِيلٍ، إِنَّنِي مَا عُدْتُ صَغِيراً، لِمَاذَا لا تَثِقِينَ بِذَلِكَ يَا أَطْيَبَ أُمٍّ ؟.
    القُبَّرَةُ: أَجَلْ يَا بُنَيَّ، أَجَلْ، لَقَدْ غَدَوْتَ كَبِيراً، إِنَّهُ الخَوفُ عَلَيكُمْ يَا قِطْعَةً مِنْ قَلْبِي.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: وَِمِمَّ تَخَافِينَ عَلَيْنَا يَا أُمِّي؟.
    القُبَّرَةُ: أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَكَفَى، أَيْقِظْ أَخَاكَ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: أَرَاكِ تَتَهَرَّبِينَ مِنَ الإِجَابَةِ يَا أُمِّي، ثُمَّ كَيْفَ تَخَافِينَ وَأَنَا بِقُرْبِكِ؟. أَلَسْتُ أَهْلاً لِلدِّفَاعِ عَنْكِ؟.
    القُبَّرَةُ: لا تَشْغَلْ رَأْسَكَ الجَمِيلَ بِهَذِهِ الأُمُورِ يَا أَغْلَى مِنْ رُوحِي، أَيْقِظْ أَخَاكَ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: (وَقَدْ رَأَى طَائِراً قَادِماً نَحْوَ النَّخْلَةِ) اُنْظُرِي هُنَاكَ يَا أُمِّي؛ أَهَذَا الطَّائِرَ القَادِمَ تَخَافِينَ عَلَيْنَا ؟.
    القُبَّرَةُ: مَنْ هَذَا؟ (تَلْتَفِتُ فَتَرى الطَّائِرَ القَادِمَ) لا يَا بُنَيَّ هَذَا صَدِيقُنَا، لا خَوفَ عَلَيْكُما مِنْهُ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: يَبْدُو ضَخْماً، لَكِنَّهُ جَمِيلٌ، مَا اسْمُهُ ؟.
    القُبَّرَةُ: إِنَّهُ الكُرْكِيُّ، صَدِيقُنَا القَدِيمُ، أَهْلاً بِضَيْفِنَا الغَالِي.
    الكُرْكِيُّ: (يَحُطُّ عَلَى غُصْنٍ قَرِيباً مِنْ عُشِّ القُبَّرَةِ): أُسْعِدْتُمْ صَبَاحَاً يَا أَصْدِقَائِي.
    القُبَّرَةُ: أَهْلاً بِكَ صَدِيقَنَا، لَمْ نَرَكَ مُنْذُ عَهْدٍ بَعِيدٍ.
    الكُرْكِيُّ: إِنَّها مَشَاغِلُ الرِّحْلاتِ وَالهِجْرَةِ؛ أَنْتِ أَوَّلُ صَدِيقَةٍ أَزُورُهَا يَا أُخْتَاهُ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: أَهْلاً بِكَ هَلْ أَنْتَ حَقّاً صَدِيقُنَا يَا عَمَّاهُ؟.
    الكُرْكِيُّ: هَلْ تَرْتَابُ فِي هَذَا يَا بُنَيَّ؟.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: (وَقَدِ اسْتَيقَظَ فَرَأَى الكُرْكِيَّ): أَسْدِلِي فَوقِي جَنَاحَكِ يَا أُمِّي.
    الأمّ: لِمَاذَا يَا صَغِيرِي؟ حَانَ لَكَ أَنْ تَسْتَيقِظَ.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: أَنَا خَائِفٌ مِنْ هَذَا الطَّائِرِ الكَاسِرِ يَا أُمِّي.
    القُبَّرَةُ: لَيسَ مِنَ الكَوَاسِرِ يَا بُنَيَّ، إِنَّهُ صَدِيقُنَا، جَاءَ لِيَطْمَئِنَّ عَلَى حَالِنَا.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: حَسِبْتُهُ وَرَاءَ حُزْنِكِ الذِي تَلُوحُ عَلَيْكِ عَلامَاتُهُ.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: أَجَلْ يَا أُمِّي، أَخي يَقُولُ الحَقَّ، فَأنَا لاحَظْتُ عَلَيْكِ فِي الآوِنَةِ الأَخِيرةِ مَلامِحَ الكَآبَةِ.
    الكُرْكِيُّ: مَاذَا أَسْمَعُ؟ أَوَصَحيحٌ مَا يَقُولُ وَلَداكِ يَا أُخْتَاهُ؟.
    القُبَّرَةُ: لا تُعِرْ كَلامَهُما اهْتَمَاماً، فَهُما صَغِيرانِ، يَقُولانِ مَا لا يَعْرِفانِ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: بَلْ جَدِيرٌ بِكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقَ الإِخَاءِ، أَنْ تَضَعَ يَدَكَ عَلَى عِلَّةِ حُزْنِها، لِتُخَلِّصَها مِنْهُ.
    الأُمُّ: أَرْجُوكُمَا يَا صَغِيرَيَّ، لا تُحَمِّلا صَدِيقَنَا المَزِيدَ مِنَ الهُمُومِ.
    الكُرْكِيُّ: بِحَقِّ مَا بَيْنَنا مِنْ إِخَاءٍ يَا أُخْتَاهُ، إِلاَّ مَا أَطْلَعْتِنِي عَلَى هُمُومِكِ، لَعَلِّي أُسَاعِدُكِ فِي دَفْعِها عَنْكُمْ.
    القُبَّرَةُ: أُعْلِنُها لَكَ صَريحَةً يَا أَخِي، إِنَّ الخَطَرَ أَكْبَرُ مِنَّا جَمِيعاً.
    الكُرْكِيُّ: أَكْبَرُ مِنَّا جَميعاً ؟ لِمَاذَا ؟ مَا هُوَ؟.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: إِذَنْ لَمْ أُخْطئْ، فَثَمَّةَ خَطَرٌ، مَا هُوَ يَا أُمِّي؟.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: أَنَا خَائِفٌ يَا أُمِّي، إِنِّيأَرْتَجِفُ.
    القُبَّرَةُ: الخَطَرُ يَتَهَدَّدُني أَنَا يَا وَلَدِي، بَعِيداً عَنْكُمَا.
    الكُرْكِيُّ: يَا أُخْتاهُ، لِنُفَكِّرْ بِهُدُوءٍ، فَلِكُلِّ مُشْكِلٍ حَلٌّ، وَلِكُلِّ ضِيقٍ فَرَجٌ، قُصِّي عَلَيْنَا الحِكايَةَ أَوَّلاً.
    القُبَّرَةُ: الخَطَرُ الَّذِي يَتَهَدَّدُنَا أَيُّهَا الصَّديقُ يَكْمُنُ فِي ابْنِ آوَى..
    الكُرْكِيُّ: ابْنُ آوَى؟. ذَلِكَ الحَيَوَانُ القَذِرُ البَشِعُ.
    القُبَّرَةُ: أَجَلْ يَا صَدِيقِي ذَلِكَ القَذِرُ البَشِعُ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: ابْنُ آوَى؟ هَلْ هُوَ مِنَ الطُّيُورِ يَا أُمَّاهُ؟.
    القُبَّرَةُ: إِنَّهُ مِنْ حَيَوانَاتِ اليَابِسَةِ الثَدْيِيَّةِ اللاَّحِمَةِ.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: مَاذَا تُرِيدِينَ بِـ(اللاَّحِمَةِ) يَا أُمَّاهُ؟.
    القُبَّرَةُ: آكِلُ لُحُومٍ، مُفْتَرِسٌ.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: أَشْعُرُ بِدُوَارٍ يَا أُمِّي، اُبْسُطي فَوْقِي جَناحَكِ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: لِمَ لا تُنْجِدُ أُمَّكَ أَيُّهَا الجَبانُ؟.
    الكُرْكِيُّ: وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ لابْنِ آوَى أَنْ يَتَهَدَّدَكِ يَا مِسْكينَةُ؟ هُوَ عَلَى الأَرْضِ وَأَنْتِ هُنَا فِي أَحْضَانِ السَّمَاءِ.
    القُبَّرَةُ: يَا أَخِي! إِنَّهُ يَأْتي إِلَى أَصْلِ النَّخْلَةِ.. هُنَاكَ..قَريباً مِنْهَا، وَيَتَهَدَّدُني بِالصُّعُودِ إِلَيَّ.
    الكُرْكِيُّ: يَتَهَدَّدُكِ بِالصُّعُودِ إِلَيْكِ هُنا؟. فِي أَعْلَى النَّخْلَةِ ؟.
    القُبَّرَةُ: يَقِفُ مُنْتَصِباً عَلَى قَدَمَيْهِ وَيَتَهَدَّدُني بِأَكْلي وَفَرْخَيَّ إِنْ هُوَ صَعِدَ إِلَيْنَا.
    مالِكٌ الحَزِينُ: وَمَاذَا كُنْتِ تَفْعَلينَ ؟.
    القُبَّرَةُ: وَمَاذَا تُريدُني أَنْ أَفْعَلَ، وَالمَوْتُ يَنْتَظِرُنِي أَسْفَلَ النَّخْلَةِ فَاتِحاً فَمَهُ؟.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: وَهَلْ صَعِدَ إِلَيْكِ مَرَّةً وَأَكَلَكِ يَا أُمَّاهُ ؟.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: أَبْعَدَ اللهُ الشَّرَّ عَنْهَا، اُسْكُتْ أَرْجُوكَ.
    الكُرْكِيُّ: أَخْشَى أَنَّكِ كُنْتِ تُلْقِينَ إِلَيْهِ بِفِراخِكِ.
    القُبَّرَةُ: هَذَا مَا كَانَ.. فَقَدْ كَانَ يَتَهَدَّدُني.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: إِذَا مَا جَاءَ ابْنُ آوَى هَذَا الآنَ، فَهَلْ سَتُلْقِينَ بِنَا إِلَيهِ يَا أُمَّاهُ؟.
    مالِكٌ الحَزِينُ: لا يَا بُنَيَّ لَنْ يَنَالَكُمْ أَذًى بَعْدَ اليَوْمِ.
    القُبَّرَةُ: كَيْفَ لَنْ يَنَالَنَا أَذًى؟! هَذَا أَوَانُ مَجِيئِهِ.
    الكُرْكِيُّ: وَهَلْ لَهُ مَوعِدٌ مُحَدَّدٌ ؟.
    القُبَّرَةُ: كَانَ يَأْتِينِي إِذَا بَلَغَ فَرْخَايَ، وَهَاهُمَا كَمَا تَرَى بَالِغَانِ مَبْلَغَ الطَّيَرَانِ أَوْ قَرِيبَانِ مِنْهُ.
    الكُرْكِيُّ: إِذَنْ فَلْيَأْتِ كَمَا يَشَاءُ، وَمَتَى يَشَاءُ.
    القُبَّرَةُ: هَلْ تَدْرِي مَا الخَطَرُ فِي ذَلِكَ ؟.
    الكُرْكِيُّ: مَا هُوَ؟ أَنْ يَصْعَدَ إِلَيْكِ هُنَا ؟ بَيْنَ السَّحَابِ ؟!.
    القُبَّرَةُ: أَجَلْ، فَفِي ذَلِكَ كُلُّ الخَطَرِعَلَيْنَا جَميعاً.
    الكُرْكِيُّ: أَنَا أَرَى فِي ذَلِكَ خَطَراً عَلَيْهِ هُوَ، لا عَلَيْكُمْ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: كَيْفَ بِاللهِ يَا عَمَّاهُ؟.
    الكُرْكِيُّ: أَوَ تَظُنِّينَهُ قَادِراً عَلَى الصُّعُودِ إِلَى رَأْسِ هَذِهِ النَّخْلَةِ الشَّاهِقَةِ؟.
    القُبَّرَةُ: أَتَرَاهُ لا يَقْوَى عَلَى ذَلِكَ، أَيُّهَا الطَّيِّبُ؟.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: لا يَقْوَى.. لَنْ يَقْوَى.. لَنْ نَدَعَهُ يَقْوَى، سَأَقْذِفُهُ مِنْ هُنَا بِكُلِّ مَا عِنْدَنَا مِنْ أَسْلِحَةٍ، مِنْ سَعَفِ نَخْلٍ أَوْ تُمُورٍ، أَوْ قَشٍّ، سَنَرْمِيهِ أَرْضاً.
    الكُرْكِيُّ: أَحْسَنْتَ أَيُّهَا الشَّابُّ المِغْوَارُ، كُونِي عَلَى ثِقَةٍ يَا أُخْتِي أَنَّهُ لَنْ يَصْعَدَ النَّخْلَةَ، وَلَنْ يُخَاطِرَ بِحَيَاتِهِ.
    القُبَّرَةُ: وَإِذَا جَاءَنَا بَعْدَ حِينٍ مُكَشِّراً، فَمَا عَسَايَ أَفْعَلُ؟.
    الكُرْكِيُّ: لا تَفْعَلِي شَيْئاً، لا تَأْبَهِي بِهِ، قُولِي لَهُ: اِصْعَدْ إِلَيَّ إِنْ قَدِرْتَ، وغَامِرْ بِحَيَاتِكَ، وَإِذَا سَلِمْتَ وَوَصَلْتَ، سَأَطِيرُ وَأَنْجُو بِنَفْسِي.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: أَجَلْ يَا أُمَّاهُ: انْجِي أَنْتِ بِنَفْسِكِ، وَأَنَا وَأَخِي سَنَتَدَبَّرُ أَمْرَنَا..
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: سَنَفْقَأُ لَهُ عَيْنَيْهِ، وَنَرْمِيهِ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلَ، لِنَكْسِرَ عُنُقَهُ.
    الكُرْكِيُّ: ثِقِي أَنَّهُ لَنْ يَصِلَ إِلَيْكِ وَلا إِلَى صِبْيَتِكِ، وَمَا تَهْدِيدُهُ لَكِ إِلاَّ حِيلَةٌ مِنْهُ لِتَرْمِي إِلَيْهِ بِالفِرَاخِ.
    القُبَّرَةُ: أَرْجُو ذَلِكَ، الصَّرَاحَةَ أَقُولُ: أَشْعُرُ كَأَنَّ هَمّاً ثَقِيلاً اِنْزَاحَ عَنْ نَفْسِي.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: أَنَا شَاكِرٌ لَكَ مُسَاعَدَتَكَ لَنَا يَا عَمَّاهُ، لَقَدْ أَشَعْتَ فِي نُفُوسِنَا الطُّمَأْنِينَةَ وَالأَمَانَ.
    القُبَّرَةُ: أَيُمْكِنُنِي أَنْ أَرْكَنَ إِلَى ذَلِكَ يَا أَخِي؟. لا تَزَالُ فِي النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ خِيفَةٌ.
    الكُرْكِيُّ: قُوِلي لِي يَا أُخْتَاهُ! أَرَأَيْتِ فِي حَيَاتِكِ كُلِّهَا ابْنَ آوَى يَعْلُو نَخْلَةً طَوِيلَةً كَهَذِهِ؟.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: كُونِي مُطْمَئِنَّةً يَا أُمِّي! اعْتَمِدِي عَلَيْنَا.
    القُبَّرَةُ: كَمْ أَرْغَبُ فِي تَصْدِيقِ مَا تَقُولُونَ.
    الكُرْكِيُّ: فِي الوَاقِعِ لا خِيَارَ أَمَامَكِ، يَجِبُ أَنْ تَثِقِي بِنَفْسِكِ وَبِأَوْلادِكِِ.
    القُبَّرَةُ: لا أَجِدُ السَّبِيلَ إِلَى شُكْرِكَ يَا سَيِّدِي.
    الكُرْكِيُّ: لا تَشْكُرِينِي عَلَى وَاجِبٍ، آنَ لِي أَنْ أَذْهَبَ، أَتَحْتَاجِينَ إِلَى شَيءٍ يَا أُخْتَاهُ ؟.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: ابْقَ مَعَنَا يَا عَمَّاهُ، فَوُجُودُكَ مَعَنَا يَمْنَحُنَا الشُّعُورَ بِالسَّلامِ.
    القُبَّرَةُ: يَكْفِي مَا أَخَذْنَا مِنْ وَقْتِهِ الغَالِي يَا صَغِيرِي، وَمَا سَبَّبْنَا لَهُ مِنْ صُدَاعٍ.
    الكُرْكِيُّ: لَنْ تَحْتَاجُوا إِلَيَّ بَعْدَ الآنَ، لَقَدْ زَوَّدْتُكُمْ بِحِيلَةٍ تُنْجِيكُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ، سَأَعْتَمِدُ عَلَيكُمْ أَيُّهَا الشَّابَّانِ الشُّجَاعَانِ، وسَأَزُورُكُمْ بَيْنَ الفَيْنَةِ وَالأُخْرَى.
    (الجَمِيعُ يُلَوِّحُ لِلْكُرْكِيِّ مُوَدِّعاً، وَالكُرْكِيُّ يُصَفِّقُ بِجَنَاحَيْهِ ثُمَّ يَنْطَلِقُ مُبْتَعِداً عَنِ النَّخْلَةِ).
    المَشْهَدُ الثّاني:
    (النَّخْلَةُ السَّابِقَةُ نَفْسُهَا، وَفي العُشِّ القُبَّرَةُ وَفَرْخَاهَا، وَقَدْ كَبُرَا)
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: أَمَا آنَ أَنْ نَتَدَرَّبَ عَلَى الطَّيَرانِ خَارِجَ العُشِّ يَا أُمَّاهُ؟.
    الفَرْخُ الثّاني: أَظُنُّ أَنَّهُ آنَ لَنَا أَنْ نَطِيرَ، أَلَيْسَ كَذلكَ يَا أُمَّاهُ ؟.
    القُبَّرَةُ: قَبْلَ هَذا، عَلَيْكُمَا أَنْ تُدَرِّبَا جَنَاحَيْكُمَا عَلى حَرَكَةِ الطَّيَرانِ، وَأَنْتُمَا فِي العُشِّ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: أَعْلَمُ هَذَا، أَعْلَمُهُ، وَلَقَدْ تَدَرَّبْتُ أَمْسِ طِيلَةَ الصَّبَاحِ.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: وَلِمَاذَا لَمْ تَتَدَرَّبْ بَعْدَ الظُّهْرِ؟ هَلْ أَثْقَلَكَ بَطْنُكَ أَيُّهَا الأَكُولُ؟.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: أَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّكَ تَأْكُلُ أَكْثَرَ مِنِّي، إِنَّ أُمَّكَ تُفَضِّلُكَ عَلَيَّ، فَأَنْتَ أَصْغَرُ حَبَّاتِ العُنْقُودِ.
    القُبَّرَةُ: عُدْتُمَا لِلْجِدَالِ كَعَادَتِكُمَا، لِمَاذَا لا تَتَدَرَّبَانِ عَلَى تَحْرِيكِ الأَجْنِحَةِ الآنَ؟.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: سَنَتَدَرَّبُ فِي غِيَابِكِ يَا أُمَّاهُ حَتَّى لا نُضَايِقَكِ الآنَ.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: (يَرَى ابْنَ آوَى مُقْبِلاً إِلَى النَّخْلَةِ) انْظُرِي يَا أُمَّاهُ إِلَى هَذَا الحَيَوَانِ، كَمْ يَبْدُو مُقْرِفاً.
    القُبَّرَةُ: أَينَ هُوَ؟.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: إِنَّهُ هُنَاكَ فِي تِلْكَ الأَجَمَةِ، يَتَّجِهُ نَحْوَ نَخْلَتِنَا، إِنَّ نَتَانَةَ رِيحِهِ تَسْبِقُهُ.
    القُبَّرَةُ: إِنَّهُ... إنَّهُ... أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ... هَذَا الحَيَوَانُ...
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: ابْنُ آوَى؟ هَذَا هُوَ ابْنُ آوَى؟ أَلَيسَ هُوَ يَا أُمَّاهُ؟.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: كَأَنَّهُ هُوَ، مَا لِي أَرَاكِ مُرْتَبِكةً ضَعِيفَةً يَا أُمِّي؟.
    القُبَّرَةُ: إِنَّهُ عَدُوُّنَا اللَّدُودُ يَا صِغَارِي، لَكِنِّي لَسْتُ خَائِفةً.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: لا عَلَيْكِ يَا أُمَّاهُ، سَنَنْتَصِرُ بِعَوْنِ اللهِ.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: أَنَا لَسْتُ خَائِفاً، لَكِنِّي أَشْعُرُ بِحَاجَةٍ للنَّوْمِ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: لا تَنَمْ يَا أَخِي، كُنْ مُسْتَعِدّاً، قَدْ تَنْشَبُ مَعْرَكَةٌ.
    القُبَّرَةُ: لَيْتَكُمَا كُنْتُمَا قَادِرَيْنِ عَلَى الطَّيَرَانِ، اللهُمَّ نَجِّنَا مِنْ شَرِّهِ.
    ابْنُ آوَى (وَهُوَ يَقِفُ مُنْتَصِباً فِي أَصْلِ النَّخْلَةِ): صَبَاحُ الخَيرِ يَا صدِيقَتِي المُخْلِصَةَ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: لا تَرُدِّي عَلَيْهِ يَا أُمَّاهُ، وَلْيَمُتْ غَضَباً.
    القُبَّرَةُ: لَسْتُ صَدِيقةً لأَحَدٍ أَيُّهَا المُعْتَدِي.
    ابْنُ آوَى: صُحْبَتُنَا قَدِيمَةٌ أَيَّتُهَا القُبَّرَةُ.
    القُبَّرَةُ: مَا كُنْتَ لِي يَوْماً نَاصِحاً أَيُّهَا المُخَادِعُ!
    ابْنُ آوَى: يَعُودُ عَهْدُ صَدَاقَتِنا إِلَى سِنِينَ عَدِيدَةٍ خَلَتْ.
    القُبَّرَةُ: قُلْتُ لَنْ أَكُونَ صَدِيقَةً لِلْمُعْتَدِينَ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: كَيفَ تَزْعُمُ أَنَّهَا صَدِيقَتُكَ، وَأَنْتَ تَأْكُلُ فِرَاخَهَا؟.
    ابْنُ آوَى: إِنِّي أُخَاطِبُ أُمَّكَ الحَكِيمَةَ أَيُّهَا الصَّغِيرُ، الطَّائِشُ.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: (مُتَشَجِّعاً) أَخِي لَيْسَ طَائِشاً أَيُّهَا النَّتِنُ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: أَحْسَنْتَ يَا أَخِي، إِنَّكَ بَطَلٌ.
    ابْنُ آوَى: صَغِيرَانِ مُتَهَوِّرَانِ لا يُقَدِّرَانِ العَوَاقِبَ، وَلا يَعْرِفَانِ مَصْلَحَتَهُمَا.
    القُبَّرَةُ: لَمْ يَعُودَا صَغِيرَيْنِ، فَلَوْ كَانَا كَذَلِكَ لَمَا قَصَدْتَنَا أَيُّهَا المَاكِرُ.
    ابْنُ آوَى: بَدَأَ يَنْفِدُ صَبْرِي، أَيَّتُهَا القُبَّرَةُ الحَكِيمَةُ هَيَّا افْتَدِي نَفْسَكِ بِمَا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ مُنْذُ سنَوَاتٍ.
    القُبَّرَةُ: لا أَيُّهَا المُخَادِعُ، لا..، هَذَا فَاتَ أَوَانُهُ.
    ابْنُ آوَى: مَا مَعْنَى هَذَا ؟.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: مَعْنَاهُ، أَنَّ حِيَلَكَ الضّعِيفَةَ هَذِهِ لَنْ تَخْدَعَنَا بَعْدَ الآنَ.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: مَعْنَاهُ أَنَّنَا غَالِيَانِ عَنْدَ أُمِّنَا، فَلَنْ تَرْمِيَ بِنَا إِلَيْكَ أَيُّهَا الخَبِيثُ.
    ابْنُ آوَى: اسْكُتَا أَيُّهَا الغِرَّانِ السَّاذَجَانِ، وَلا تَجْلِبَا لأُمِّكُمَا المَصَائِبَ.
    القُبَّرَةُ: لا أَيُّهَا المَاكِرُ، إِنَّ زَمَنَ الخَوْفِ مِنْكَ قَدْ ذَهَبَ إِلَى غَيْرِ رَجْعَةٍ، اِصْعَدْ إِلَيْنَا إِنْ قَدَرْتَ.
    ابْنُ آوَى: مَا أَسْهَلَ هَذَا عَلَيَّ، لَكِنَّكِ صَدِيقَتِي، وَيَسُوءُ نِي أَنْ أَمَسَّكِ بِسُوءٍ.
    القُبَّرَةُ: كَمْ خَدَعْتَنِي بِهَذَا مِنْ قَبْلُ أَيُّهَا المَاكِرُ، وَلَمْ تَرْحَمْنِي وَلَمْ تَرْحَمْ أَوْلادِي.
    ابْنُ آوَى: إِنِّي -كَمَا تَرَيْنَ- أَرْحَمُكِ حِينَ لا أَصْعَدُ إِلَيْكِ وَآكُلُكِ، وَأَكْتَفِي بِنَصِيبِي الذِي تَعْرِفِينَ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: نَصِيبُكَ مِنْهَا أَيُّهَا المُجْرِمُ؟ هَلْ مِنْ حَقِّكَ أَنْ تَأْكُلَ صِغَارَهَا؟!.
    ابْنُ آوَى: نَفِدَ صَبْرِي مِنْكَ أَيُّهَا الوَقِحُ، أَيَّتُهَا القُبَّرَةُ! هَلْ سَتَرْمِينَ إِلَيَّ بِفَرْخَيْكِ هَذَيْنِ؟ أَمْ أَصْعَدُ وَآكُلُكُمْ جَمِيعاً شَرَّ مَأْكَلَةٍ؟.
    القُبَّرَةُ: اِصْعَدْ إِنْ قَدَرْتَ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، إِنَّنَا -مَعْشَرَ القُبَّراتِ- لا نَنْقُلُ القَشَّ لِبِنَاءِ العُشِّ إِلَى رَأْسِ النَّخْلَةِ، إِلاَّ بِمَشَقَّةٍ كَبِيرَةٍ فَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ أَنْتَ أَيُّهَا القَذِرُ الثَّقِيلُ أَنْ تَصْعَدَ إِلَى هُنَا؟.
    ابْنُ آوَى: سَأُعْطِيكِ فُرْصةً أَخِيرَةً لِلتَّفْكِيرِ، وَالاخْتِيَارِ، قَبْلَ أَنْ تَقَعَ الكَارِثَةُ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: لا جَدْوَى مِنْ حِيَلِكَ هَذِهِ، هَلُمَّ حَاوِلِ الصُّعُودَ، وَخَاطِرْ بِحَياتِكَ، وَسَأَقْذِفُ بِكَ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ.
    القُبَّرَةُ: لا جَدْوَى مِنْ وُقُوفِكَ هُنَا أَيُّهَا القَذِرُ النَّتِنُ.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: قَذَارَتُكَ أَزْكَمَتْ أُنُوفَنَا، فَانْصَرِفْ مِنْ هُنَا أَيُّهَا القَذَارَةُ.
    (ابْنُ آوَى يَتَقَدَّمُ مِنَ الشَّجَرَةِ مُحَاوِلاً الصُّعُودَ مَرَّاتٍ فَمَا يَتَمَكَّنُ، وَهُوَ خِلالَ ذَلِكَ يَتهَدَّدُ وَيَشْتُمُ، ثُمَّ يَنْزَلِقُ إِلَى الأَرْضِ وَيُسَلِّمُ بِهَزِيمَتِهِ).
    ابْنُ آوَى: انْتَصَرْتِ أَيَّتُهَا الغَبِيَّةُ الجَوْفَاءُ، وَلكِنْ أَظُنُّهَا لَيْسَتْ فِكْرَتَكِ أَيَّتُهَا الخَرْقَاءُ الحَمْقَاءُ.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: إِنَّهُ الكُرْكِيُّ، صَدِيقُنَا الطَّيِّبُ.
    القُبَّرَةُ: (لِلْفَرْخِ الصَّغِيرِ) لِمَاذَا ذَكَرْتَ هَذَا لَهُ؟ (لابْنِ آوَى) أَجَلْ أيُّهَا الخَبِيثُ، إِنَّهُ الكُرْكِيُّ فَافْعَلْ مَا يَحْلُو لَكَ.
    ابْنُ آوَى: سَأَنَالُ مِنْهُ، (يَلْتَفِتُ إِلَى الجِهَةِ الأُخْرَى مُلَوِّحاً بِيَدَيْهِ مُتَوَعِّداً الكُرْكِيَّ) أُقْسِمُ بِشَرَفِ بَنَاتِ آوَى سَأَنَالُ مِنْكَ، يَا صَاحِبَ العُنُقِ الأَحْدَبِ.
    القُبَّرَةُ: مَا أَبْعَدَ هَذَا مِنْكَ، إِنَّ لَهُ مِنْ عَقْلِهِ حِصْناً يَحْمِيهِ مِنْ شَرِّكَ.
    ابْنُ آوَى: كُلُّكُمْ غَبِيٌّ، الطُّيُورُ كُلُّهَا غَبِيَّةٌ، وَسَتَرَيْنَ، أَغْبِيَاءُ .. أَغْبِيَاءُ..
    (ابْنُ آوَى يَرْتَدُّ عَنِ النَّخْلَةِ مُنْهَزِماً، تُصَفِّقُ القُبَّرَةُ بِجَنَاحَيْهَا ثُمَّ تَحْتَضِنُ فَرْخَيْهَا).
    المَشْهَدُ الثَّالِثُ:
    (نَهْرٌ عَلَى جَانِبَيْهِ سَهْلٌ أَخْضَرُ، الكُرْكِيُّ قُرْبَ النّهْرِ، يَتَقَدَّمُ مِنْهُ ابْنُ آوَى).
    ابْنُ آوَى: السَّلامُ عَلَى أَجْمَلِ الطُّيُورِ.
    الكُرْكِيُّ: أَ إِيَّايَ تَعْنِي يا بْنَ آوَى؟!.
    ابْنُ آوَى: وَهَلْ هُنَاكَ أَجْمَلُ مِنْ الكُرْكِيِّ؟ مَلِكِ جَمالِ الطُّيُورِ؟.
    الكُرْكِيُّ: لا تُبَالِغْ يَا بْنَ آوَى، فَأَنَا لَسْتُ مَلِكَ جَمالِهَا.
    ابْنُ آوَى: أَنَا لا أَرَى أَجْمَلَ مِنْ رِيشِكَ النَّاعِمِ الأَبْيَضِ، وعُنُقِكَ المُنْسَابِ، وَرَأْسِكَ الشامِخِ المُتَوَّجِ.
    الكُرْكِيُّ: إِنِّي عَلَى يَقِينٍ أَنَّكَ بَيَّتَّ لِي شَيْئاً؟ إِلامَ سَتَصِلُ أَيُّهَا المَاكِرُ؟.
    ابْنُ آوَى: مِسْكِينَةٌ بَنَاتُ آوَى، إِنَّهَا تُرْمَى بِالمَكْرِ، وَإِنْ كَانَتْ نَوَايَاهَا أَنْقَى بَيَاضاً مِنْ رِيشِ القُبَّرَاتِ.
    الكُرْكِيُّ: لا شَكَّ أَنَّ الطُّيُورَ كُلَّهَا تُسَلِّمُ لِلطَّاوُوسِ بِتَمَلُّكِ تَاجِ الجَمَالِ عَلَى الطُّيُورِ قَاطِبةً، فَكَيْفَ تَدْعُونِي مَلِكَ جَمَالِهَا؟.
    ابْنُ آوَى: لا يُجَادِلُ أَحَدٌ بِجَمَالِ الطَّاوُوسِ، لَكِنِّي لا أَرَاكَ أَقَلَّ جَمَالاً مِنْهُ.
    الكُرْكِيُّ: مَا أَجْمَلُ مَا بِي يَا صَاحِبِي ابْنَ آوَى؟.
    ابْنُ آوَى: رَشَاقَتُكَ يَا صَدِيقِي، وقَوَامُكَ المَمْشُوقُ، رِيشُكَ الأَبْيَضُ، كُلُّ مَا فِيكَ يَفْتِنُ القُلُوبَ يَا صَاحِبِي.
    الكُرْكِيُّ: أَجَادٌّ فِيمَا تَقُولُ، أَمْ أَنْتَ مِنَ المُسْتَهْزِئِينَ ؟.
    ابْنُ آوَى: مُعَاذَ الله يَا صَاحِبِي، فَكُلُّ الْتِفَاتَةٍ مِنْ عُنُقِكَ الجَمِيلِ تَأْسِرُ النُّفُوسَ أَسْراً.
    الكُرْكِيُّ: يَالَعَجَبِي، أَوَّلَ مَرَّةٍ أَنْتَبِهُ إِلَى جَمَالِ وَبَرِكَ يَا صَدِيقِي ابْنَ آوَى.
    ابْنُ آوَى: لَكِنْ أَيْنَ وَبَرُنَا مِنْ رِيشِكُمُ النَّاعِمِ الذِي يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ.
    الكُرْكِيُّ: سَمِعْتُ أَنَّ جُلُودَكُمْ، بِوَبَرِهَا النَّاعِمِ تُطَوِّقُ أَعْنَاقَ الحِسَانِ مِنَ البَشَرِ يَا بَنَاتِ آوَى.
    ابْنُ آوَى: صَدَقْتَ أَيُّهَا الطَّيِّبُ صَدَقْتَ، وَلَكِنْ مَاذَا أَرَى عَلَى رَأْسِكَ يَا عَزِيزِي؟.
    الكُرْكِيُّ: عَلَى رَأْسِي؟. مَاذَا تَرَى؟.
    ابْنُ آوَى: كَأَنَّ رِيشَ رَأْسِكَ مُشَوَّهٌ، هَلْ تَشَاجَرْتَ مَعَ أَحَدٍ فَشَدَّهُ لَكَ؟.
    الكُرْكِيُّ: لَمْ يَحْدُثْ هَذَا مَعِي قَطُّ.
    اِبْنُ آوَى: أَمَا رَأَيْتَ وَجْهَكَ عَلَى صَفْحَةِ المَاءِ؟. لا بُدَّ أَنَّ أَحَداً مَسَّ رِيشَ رَأْسِكَ، فَهُوَ مُشَوَّهٌ.
    الكُرْكِيُّ: تَذَكَّرْتُ الآنَ -فَدَيْتُكَ يَا صَاحِبَ الوَبَرِ النَّاعِمِ- حَدَثَ هَذَا أَوَّلَ عَهْدِي بِالطَّيَرَانِ، حِينَ هَمَمْتُ بِالهُبُوطِ مَرَّةً، صَدَمْتُ كُرْكِيّاً عَجُوزاً أَوْشَكْتُ أَنْ أُسْقِطَهُ أَرْضاً، فَنَقَرَ رَأْسِي مَرَّةً وَاحِدَةً.
    ابْنُ آوَى: وَشَوَّهَ بِذَلِكَ رِيشَ رَأْسِكَ، لا سَامَحَهُ اللهُ، كَانَ عَلَيْكَ أَنْ تَتَّقِيَ ضَرْبَتَهُ.
    الكُرْكِيُّ: بِاللهِ عَلَيْكَ قُلْ لِي: مَا كَانَ عَلَيَّ أَنْ أَصْنَعَ؟.
    ابْنُ آوَى: هَذَا أَيْسَرُ مَا يَمُرُّ عَلَيْكَ، فَاللهُ أَعْطَاكُمْ يَا مَعْشَرَ الطُّيُورِ رُؤُوساً صَغِيرَةً أَنِيقَةً، وَأَعْنَاقاً طَوِيلَةً رَشِيقَةً، فَإِذَا رَمَاكَ عَدُوُّكَ عَنْ يَمِينِكَ، فَاجْعَلْ رَأْسَكَ عَنْ شِمَالِكَ.
    الكُرْكِيُّ: أَصَبْتَ يَا صَاحِبِي، مَا دَارَ هَذَا فِي خَلَدِي.
    ابْنُ آوَى: أَرِنِي كَيْفَ سَتَفْعَلُ، يَا أَجْمَلَ الطُّيُورِ، وَأَرْجَحَهَا عَقْلاً.
    ابْنُ آوَى: كَيْفَ أَفْعَلُ؟ أَرْفَعُ رَأْسِي هَكَذَا، وَأُمِيلُ عُنُقِي هَكَذَا، وَأَضَعُ رَأْسِي هُنَا.
    (يَضَعُ الكُرْكِيُّ فِي أَثْنَائِهَا رَأْسَهُ عَنْ شِمَالِهِ).
    ابْنُ آوَى: مَا شَاءَ اللهُ، لَقَدْ أُوتِيتَ كُنُوزَ الحِكْمَةِ، وَأَكَالِيلَ الفِتْنَةِ وَالحُسْنِ، وَلَكِنْ لِنَقُلْ إِنَّ عَدُوَّكَ رَاحَ يَضْرِبُكَ عَنْ شِمَالِكَ، فَأَيْنَ تُحَصِّنُ رَأْسَكَ؟.
    الكُرْكِيُّ: هَذِهِ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنَ الأُولى، أَضَعُ رَأْسِي عَنْ يَمِينِي، أَوْ خَلْفَ ظَهْرِي، أَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا صَاحِبِي؟.
    ابْنُ آوَى: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، مَا أَسْرَعَ مَا تَتَعَلَّمُ يَا أَزْهَى مِنَ الطَّاوُوسِ، لَعَمْرِي يَا مَعْشَرَ الطّيْرِ، لَقَدْ فَضَّلَكُمُ اللهُ عَلَيْنَا، إِنَّكُنَّ تَدْرِينَ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، مِثْلَ مَا نَدْرِي فِي سَنَةٍ، فَهَنِيئاً لَكُنَّ، فَأَرِنِي كَيْفَ تَصْنَعُ.
    الكُرْكِيُّ: كَمَا فَعَلْتُ فِي سَابِقَتِها، أَرْفَعُ رَأْسِي شَامِخاً، وَأَعْطِفُهُ هُنَا عَنْ يَمِينِي.
    (يَرْفَعُ الكُرْكِيُّ رَأْسَهُ وَيَضَعُهُ عَنْ يَمِينِهِ).
    ابْنُ آوَى: أَحْسَنْتَ وَأَجَدْتَ، بِهَذَا لَنْ يَقْدِرَ مَخْلُوقٌ أَنْ يَصِلَ إِلَى رَأْسِكَ الجَمِيلِ، وَرِيشِكَ الزَّاهِي.
    الكُرْكِيُّ: أَشْكُرُكَ أَيُّهَا الصَّدِيقُ الطَّيِّبُ، أَنْتَ خَيْرُ مَنْ يَجِدُ لِي مَخْرَجاً مِنْ شَقَائِي.
    ابْنُ آوَى: مِنْ حُسْنِ خُلُقِنا أَنْ نَنْصَحَ الآخَرِينَ، وَإِنْ كُنَّا لا نَعْرِفُهُمْ، فَمَا بَالُكَ بِأَصْدِقَائِنَا وَمَنْ لَهُمْ فِي القُلُوبِ مَكَانَةٌ عُظْمَى؟. وَالآنَ قُلْ لِي إِذَا أَحَاطَ بِكَ العَدُوُّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَانْهَالَتْ عَلَيْكَ ضَرَباتُهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَأَيْنَ تَجْعَلُ رَأْسَكَ الجَمِيلَ؟. أَظُنُّكَ لَنْ تَجِدَ لِهَذِهِ حَلاًّ.
    الكُرْكِيُّ: (مُطْرِقاً يُفَكِّرُ) مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ هَذِهِ تُعْجِزُنِي، أَرْشِدْنِي بِاللهِ عَلَيْكَ، مَاذَا أَفْعَلُ؟.
    ابْنُ آوَى: لا يَسْتَعْصي عَلَى العَقْلِ وَالتَّدْبِيرِ مُشْكِلٌ يَا صَاحِبِي؛ كُلُّ جَلِيدٍ يَذُوبُ أَمَامَ نَارِ العَقْلِ، لَقَدْ أَوْدَعَ الخَالِقُ فِيكُمْ يَا طُيُورُ مَوَاهِبَ لا تُحْسِنُونَ الانْتِفَاعَ بِهَا.
    الكُرْكِيُّ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، خُذْ بِيَدِي،، مَاذَا أَفْعَلُ؟.
    ابْنُ آوَى: هَذِهِ عِنْدَكُمْ –مَعْشَرَ الطُّيُورِ- مِمَّا هُوَ مَأْلُوفٌ، تَتَوَارَثُونَهُ صِغَاراً عَنْ كِبَارٍ.
    الكُرْكِيُّ: أَثَرْتَ فُضُولِي، إِلَيَّ بِهِ.
    ابْنُ آوَى: حُبّاً وَكَرَامَةً، تَضَعُ رَأْسَكَ تَحْتَ جَنَاحِكَ.
    الكُرْكِيُّ: تَحْتَ جَناحِي؟. أَجَلْ..، أَجَلْ.. كَيْفَ غَابَتْ هَذِهِ عَنِّي؟!.
    ابْنُ آوَى: وَالآنَ أَرِنِي أَيُّهَا الذَّكِيُّ الأَلْمَعِيُّ كَيْفَ سَتَفْعَلُ هَذَا؟.
    الكُرْكِيُّ: انْظُرْ إِلَيْهَا، مَا أَيْسَرَهَا عَلَيْنَا أَيُّهَا الصَّدِيقُ، نَرْفَعُ جَنَاحَنَا هَكَذَا..
    ابْنُ آوَى: يَالَسِحْرِ هَذَا الرِّيشِ النَّاعِمِ..
    الكُرْكِيُّ: ثُمَّ نَثْنِي أَعْنَاقَنَا بِرِفْقٍ، هَكَذَا.
    ابْنُ آوَى: لَمْ تَقَعْ عَيْنَايَ عَلَى مِثْلِ هَذَا العُنُقِ رَشَاقَةً وَأَنَاقَةً.
    الكُرْكِيُّ: وَنَضَعُ رَأْسَنَا بِأَمَانٍ تَحْتَ جَنَاحِنَا هَكَذَا..
    ابْنُ آوَى: يَا إِلَهِي مَا أَرْوَعَكَ، أَكَادُ لا أُصَدِّقُ مَا أَرَى، أَيْنَ كُنْتَ تُخْفِي هَذَا الجَمالَ وَالذَّكَاءَ كُلَّهُ؟.
    (يَضَعُ الكُرْكِيُّ رَأْسَهُ تَحْتَ جَنَاحِهِ، فَيَنْقَضُّ ابْنُ آوَى عَلَيْهِ).
    الكُرْكِيُّ: مَاذَا يَحْدُثُ؟ مَنْ هَذَا؟.
    ابْنُ آوَى: أَنَا المُعْجَبُ بِكَ أَيُّهَا الغَبِيُّ القَبِيحُ.
    الكُرْكِيُّ: مَاذَا تُرِيدُ يَا ابْنَ آوَى؟ أَلَسْنَا أَصْدِقَاءَ يَا صَاحِبِي؟.
    ابْنُ آوَى: أَصْدِقَاءُ يَا غَبِيُّ؟ مَتَى تَصَادَقَ المُفْتَرِسُ مَعَ الفَرِيسَةِ؟.
    الكُرْكِيُّ: مَاذَا أَصَابَكَ يَا صَديِقِي؟ هَل أَنَا الآنَ فَرِيسَتُكَ؟.
    ابْنُ آوَى: هَلْ تَتَذَكَّرُ القُبَّرَةَ وَفَرْخَيْهَا يَا صَاحِبَ الرَّأْيِ السَّدِيدِ؟.
    الكُرْكِيُّ: أَجَلْ أَذْكُرُهَا؟ مَا بَالُهَا؟.
    ابْنُ آوَى: كُنْتُ آكُلُ فَرْخَيْهَا كُلَّمَا بَلَغَا وَأَدْرَكَا، وَفِي هَذَا العَامِ حُرِمْتُهُمَا، بِفَضْلِ مَشُورَتِكَ لَهَا.
    الكُرْكِيُّ: أَذْكُرُ ذَلِكَ، وَمَاذا تُرِيدُ مِنِّيَ الآنَ؟!.
    ابْنُ آوَى: مَاذَا أُرِيدُ مِنْكَ؟ سُؤَالٌ غَبِيٌّ يَا.. يَا.. يَا أَقْبَحَ الطُّيُورِ وَأَغْبَاهَا.
    الكُرْكِيُّ: أَمَا كُنْتَ قُبَيْلَ لَحَظَاتٍ تَكِيلُ لِيَ المَدَائِحَ؟!.
    ابْنُ آوَى: وَأَنْتَ لِغَبائِكَ صَدَّقْتَ مَا سَمِعْتَ؛ وَلَمْ تُعْمِلْ فِيهِ عَقْلَكَ.
    الكُرْكِيُّ: إِذَنْ كُنْتَ تُخَادِعُنِي عَنْ نَفْسِي؟.
    ابْنُ آوَى: أَفَهِمْتَ الآنَ يَا مُنْقِذَ القُبَّرَةِ وَفَرْخَيْهَا؟.
    الكُرْكِيُّ: إِذَنْ نَفَعْتُ القُبَّرَةَ بِعَقْلِي وَرَأْيِي وَلَمْ أَنْتَفِعْ بِهِمَا.
    ابْنُ آوَى: يَا عَدُوَّ نَفْسِكَ، تَرَى الرَأْيَ لِلْحَمَامَةِ، وَتُعَلِّمُهَا الحِيلَةَ لِنَفْسِهَا، وَتَعْجِزَ عَنْ ذَلِكَ لِنَفْسِكَ، حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْكَ عَدُوُّكَ؟!.
    الكُرْكِيُّ: لَكِنَّكَ كُنْتَ تَنْصَحُنِي، وَتُعَلِّمُنِي كَيْفَ أَحْمِي نَفْسِي.
    ابْنُ آوَى: يَا أََعْمَى البَصِيرَةِ! هَلْ سَمِعْتَ فِي حَياتِكَ عَدُوّاً يُرِيدُ لِعَدُوِّهِ القُوَّةَ، أَوْ أَيَّ نَوْعٍ مِنَ الخَيْرِ؟!.
    )تَظْهَرُ القُبَّرَةُ مُتَّجِهَةً مَعَ فَرْخَيْهَا إِلَى ابْنِ آوَى وَالكُرْكِيِّ، تَسْمَعُ القُبَّرَةُ مَا قَالَهُ ابْنُ آوَى).
    القُبَّرَةُ: صَدَقْتَ يَا ابْنَ آوَى صَدَقْتَ.
    ابْنُ آوَى: مَنْ هُنَاكَ؟. أَنْتِ أَيَّتُهَا القُبَّرَةُ ثَانِيَةً؟.
    القُبَّرَةُ: نَعَمْ أَيُّهَا القَوِيُّ المُفْتَرِسُ.
    ابْنُ آوَى: لِمَاذَا جِئْتِ أَيَّتُهَا القُبَّرَةُ؟!.
    القُبَّرَةُ: جِئْتُ أَشْهَدُ انْتِصَارَكَ.
    ابْنُ آوَى: وَكَيْفَ رَأَيْتِ انْتِصَارِي وَانْتِقَامِي؟.
    القُبَّرَةُ: هَنِيئاً لَكَ، إِنَّهُ انْتِقَامٌ يَلِيقُ بِعَظَمَةِ قَوِيٍّ مُفْتَرِسٍ.
    ابْنُ آوَى: بَلْ يَلِيقُ بِصَاحِبِ عَقْلٍ وَحِيلَةٍ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: بَدَأْتُ أُومِنُ أَنَّ قُوَّةَ العَقْلِ أَمْضَى مِنْ قُوَّةِ الجَسَدِ.
    القُبَّرَةُ: (لِلْفَرْخِ الأَكْبَرِ): أَرَى ابْنَ آوَى حَازَ فِي نَفْسِهِ القُوَّتَيْنِ.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: أَنَا أَيْضاً أَحْسُدُكَ يَا ابْنَ آوَى وَأُهَنِّئُكَ.
    ابْنُ آوَى: كَيْفَ تَرَوْنَ صَاحِبَكُمُ الكُرْكِيَّ؟.
    القُبَّرَةُ: صَدَقَتْ فِرَاسَتُكَ فِيهِ يَا بْنَ آوَى.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: إِذَنْ سَتَأْكُلُهُ الآنَ؟.
    ابْنُ آوَى: وَمَاذا أَفْعَلُ بِهِ إِنْ لَمْ آكُلْهُ؟.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: لَكِنِِّي أَخْشَى أَنْ يُصِيبَكَ مَا أَصَابَ قَرِيبَكَ..
    ابْنُ آوَى: أَيَّ قَرِيبٍ تَعْنِي؟.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: ابْنَ آوَى الَّذي أَكَلَ كُرْكِيّاً دُونَ أَنْ يَأْخُذَ بِنَصَائِحِ الطَّبِيبِ.
    القُبَّرَةُ: (لِلْفَرْخِ الأَكْبَرِ) مَا كَانَ لَكَ يَا بُنَيَّ أَنْ تُحَذِّرَهُ، فَتُنْقِذَهُ مِنَ المَرَضِ.
    ابْنُ آوَى: قُلْ لِي مَاذَا حَدَثَ مَعَ قَرِيبِي ابْنِ آوَى.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: يَقُولُ الأَطِبَّاءُ: إِذَا أَرَادَتْ بَنَاتُ آوَى أَكْلَ الكَرَاكِي فَعَلَيْهَا قَبْلَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ بِمَاءِ نَهْرٍ جَارٍ، وَإِلاَّ أُصِيبَتْ بِأَمْرَاضٍ مُسْتَعْصِيَةٍ، وَقَرِيبُكَ المِسْكِينُ لَمْ يَغْتَسِلْ.
    ابْنُ آوَى: لَمْ يَغْتَسِلْ؟ مَاذَا أَصَابَهُ بَعْدَهَا؟.
    القُبَّرَةُ: مَاذَا أَصَابَهُ؟ أَلَمْ تَرَهُ؟!.
    ابْنُ آوَى: لَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا مِنْ قَبْلُ.
    القُبَّرَةُ: إِذَنِ اذْهَبْ إِلَيْهِ لِتَرَى مَا حَلَّ بِهِ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: اِذْهَبْ إِلَيْهِ لِتَرَى مَا حَلَّ بِرَأْسِهِ.
    (ابْنُ آوَى يَضَعُ يَداً وَاحِدَةً عَلَى رَأْسِهِ خَائِفاً عَلَيْهِ، وَيُمْسِكُ الكُرْكِيَّ بِالأُخْرَى).
    القُبَّرَةُ: تَسَاقَطَ شَعْرُهُ شَعْرَةً شَعْرَةً، ثُمَّ أَحْرَقَتِ الشَّمْسُ جِلْدَةَ رَأْسِهِ حَتَّى اسْوَدَّتْ.
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: لَيْتَكَ تَعْرِفُ مَا أَصَابَ فَمَهُ.
    (ابْنُ آوَى يُسَارِعُ إِلَى كَمِّ فَمِهِ شَأْنَ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ).
    القُبَّرَةُ: تَكَسَّرَتْ أَسْنَانُهُ وَتَسَاقَطَتْ، وَعَجَزَ المِسْكِينُ عَنِ الصَّيْدِ بَعْدَهَا، فَهُوَ يَقْتَاتُ الآنَ بِالخُضْرَاوَاتِ الطَّرِيَّةِ.
    الفَرْخُ الأَصْغَرُ: يَا إِلَهِي كَمْ تَبْدُو يَدَاهُ الآنَ غَرِيبَتَيْنِ.
    ابْنُ آوَى: يَدَاهُ؟ مَا أَصَابَهُمَا؟.
    القُبَّرَةُ: بُتِرَتْ أَصَابِعُ كَفَّيْهِ.
    (يَرْفَعُ ابْنُ آوَى يَدَيْهِ عَنِ الكُرْكِيِّ، وَيَشْبِكُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ يَتَحَسَّسُهَا بِهَلَعٍ، ثُمَّ يَنْدَفِعُ إِلَى النَّهْرِ لِيَغْتَسيِلَ).
    الفَرْخُ الأَكْبَرُ: إِلَى النَّهْرِ... إِلَى النَّهْرِ، اغْتَسِلْ فِيهِ قَبْلَ أَنْ تَمْرَضَ.
    القُبَّرَةُ: (لِلْكُرْكِيِّ) انْجُ بِحَياتِكَ أَيُّهَا الكُرْكِيُّ (تَلْتَفِتُ إِلَى ابْنِ آوَى المُنْدَفِعِ إِلَى النَّهْرِ) وَأَنْتَ إِلَى المَاءِ أَيُّهَا الغَبِيُّ المَغْرُورُ.
    الكُرْكِيُّ: أَنَا مَدِينٌ لَكُمْ بِحَياتِي يَا أَصْدِقَاءُ.
    (قَبْلَ أَنْ يَصِلَ ابْنُ آوَى إِلَى النَّهْرِ يَتَفَطَّنُ إِلَى غَلَطِهِ، فَيَعُودُ مُسْرِعاً إِلَى الكُرْكِيِّ، لَكِنَّ الكُرْكِيَّ وَالقُبَّرَةَ وَفَرْخَيْهَا يُمْسِكُونَ بِأَيْدِي بَعْضِهِمْ وَيَنْطَلِقُونَ طَائِرِينَ، وَيَقِفُ ابْنُ آوَى يَتَأَمَّلُهُمْ حَزِيناً مَهْزُوماً).
    ابْنُ آوَى: آهٍ، لَقَدْ نَجَحَتْ حِيلَتُكُمْ.. إِنِّي نَادِمٌ... نَادِمٌ... وَلَكِنْ.. هَلْ يَنْفَعُ النَّدَمُ؟.
    الكُرْكِيُّ وَأَصْحَابُهُ جَميعاً: هَيْهَاتَ.. هَيْهَاتَ.. وَداعاً.
    17/4/2002
    انتهت
    يَا حُزْنُ لا بِنْتَ عَنْ قَلْبِي فَمَا سَكَنَتْ
    عَرَائِسُ الشِّعْرِ فِي قَلْبٍ بِلا حَزَنِ
    الشاعر القروي
  • عواطف ابو حمود
    كاتبة .
    • 08-11-2013
    • 567

    #2





    أحييك يا أستاذ احمد على صبرك الشديد ودقتك في كتابة هذه المسرحية الجميلة والظريفة ، والتي تتناول قصة من أشهر قصص التراث العربي .


    كم أحزنتني القصة الحقيقة عند قراءتها وأنا صغيرة .. وعلى مصير الكركي الذي مات بدون سبب .. وكذلك القبرة التي كنت أراها غبية وجاهلة .. ولم أفكر في إنها صغيرة وقليلة الخبرة .



    انا لن أقارن بين القصة والمسرحية لكن سأقول ملاحظاتي بشكل عام ..


    1 - المسرحية تناولت القصة بمنظور جديد وعصري .. القبرة قد تكون جاهلة وخائفة لكنها قامت بالإفصاح عن مشاعرها بأسلوب جميل ..


    كذلك فرخها الكبير كان دقيق الملاحظة .. ولاحظ حزنها وتناقش معها بشجاعة وإلحاح شديد .. جعلها تفضي له بكل شي ..


    هذه النقطة في صالح النص.. ويتعلم الأطفال المناقشة وحل المشكلات .



    2 - الشيء الآخر طريقتها الجميلة بتعريف الكركي الغريب على أولادها الخائفين .. من الواضح أنهم لم يشاهدوه من قبل .



    3- النهاية الجديدة كانت مفاجأة .. إنقاذ الكركي بواسطة الأطفال الأذكياء .. وابن آوى الغبي الذي صدق بسهولة الكذبة المتقنة .



    4 – في أول قراءة لي للنص لم افهم علاقة العنوان بالقصة .. ومن هو عدو نفسه ؟.



    5 – النص كذلك كان طويلا بدون فواصل .. وحدثت لي لخبطة وزغللة في العينين وأنا اقرأ .. وهذه نقطة قد تجعل البعض لا يتحمسون لإكمال النص .. وخصوصا الصغار ..



    وأنا اعرف انك وجهت هذا النص للمعلمين ومن يبحثون على نصوص مسرحية .. لكنه لم يكن فيه إسهاب شديد في وصف المكان وحركات الممثلين .. لقد ركزت تماما على الكلام المقروء .. وقد تكون هذه الملاحظة غير مهمة فلا بد ان من يقوم بالإخراج سيضيف له الوصف المناسب .



    6 – نقطة أخيرة ومهمة وهي خاتمة القصة .. لأنك بالتأكيد تعلم ان الأطفال من سن ( 6 - 12 سنة ) يحتاجون لقيود حديدية إلى مقاعدهم كي لا يهربوا من مشاهدة مسرحية مكتوب باللغة العربية الفصحى ..وتستغرق نصف ساعة أو أكثر .


    كنت أفضل .. انا كقارئة ومشاهدة للمسرحية ان ينتهي النص عندما تتخلص القبرة من ابن آوى .. وتنتهي القصة عن هذا الحد لأن طولها مناسب .


    من المؤلم ان نجبر الصغارعلى مشاهدة الكركي وهو يتجادل مع الوحش .. ونظهر غبائه رغم أننا أظهرناه ذكيا وحكيما في البداية .. هذا التناقض مربك .. وأربكني انا وأنا صغيرة وجعلني اكره القصة .



    7 – وأخيرا وليس آخرا .. لقد أنتهيت من ملاحظاتي الطويلة العريضة .. وأعلم انك تتقبل التعليقات برحابة صدر .. وهي ناتجة من المشاكل التي واجهتني وأنا ابحث عن نصوص مناسبة لتلميذاتي الصغيرات في منتصف التسعينات .. حيت كنت اعمل في منطقة نائية حيث لا يوجد حاسوب أو مكتبات مناسبة .



    و .. سلام عليكم .
    التعديل الأخير تم بواسطة عواطف ابو حمود; الساعة 24-11-2013, 15:05.

    .
    .



    .

    تعليق

    • أحمد عكاش
      أديب وكاتب
      • 29-04-2013
      • 671

      #3
      الآنسة (عواطف أبوحمود): أهلاً بك صديقتي.
      سرّتني قراءتك، وأنا ممتنٌّ لك متابعتك لنصوصي، ولا ريب أنّي سأنتفع بملاحظاتك لأنَّها صادرة عن قارئة مثقّفة واعية، وأنا بانتظار المزيد من ملاحظاتك وآرائك، وثقي أنّها على قلبي شهْدٌ وبَرَدٌ وسلام،
      أهمّ ما فهمته من مقترحاتك:
      - وجوب اختصار النص لطوله، حتى لا يكون سبباً في إملال المشاهدين الصغار.
      -ومُخاطبة الصغار بالعربية الفصحى قد تكون عاملاً آخر من عوامل الإملال.
      اقبلي منّي باقة ورد يفوح عطرها.
      التعديل الأخير تم بواسطة أحمد عكاش; الساعة 24-11-2013, 15:30.
      يَا حُزْنُ لا بِنْتَ عَنْ قَلْبِي فَمَا سَكَنَتْ
      عَرَائِسُ الشِّعْرِ فِي قَلْبٍ بِلا حَزَنِ
      الشاعر القروي

      تعليق

      • عواطف ابو حمود
        كاتبة .
        • 08-11-2013
        • 567

        #4
        عودة مرة أخرى وشكرا على الورد الرقيقة ..

        هناك قاعدة صغيرة تقول ان الكاتب الذي يكتب وهو يشعر بالملل .. القراء سيشعرون بالملل تلقائيا من قصته.. ولا يبالون به .. بغض النظر اذا كانت الكتابة بالفصحى او العامية .

        قصة المسرحية كانت مشوقة فعلا .. واحداثها كانت جديدة وعصرية .. ولو أخرجت بعناية وبفن لم يهم اذا كانت قصيرة او العكس .. لكن الصغار معروفين بسرعة مللهم .. ويفضلون المشاهد المقتضبة والقصيرة .. وهذا هو التحدي في الكتابة لهم .

        و .. سلام عليكم مرة ثانية .

        .
        .



        .

        تعليق

        يعمل...
        X