خاص بأعضاء لجنة ترشيح النصوص

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أبوقصي الشافعي
    رئيس ملتقى الخاطرة
    • 13-06-2011
    • 34905

    خاص بأعضاء لجنة ترشيح النصوص

    (1)



    قلـب جرانيــت
    أشرف محمد كمال


    وقف يتأمل قطعة الجرانيت المصمتة الرابضة في صمت المستسلم أمامه . تساءل في نفسه ؛ ماذا تراه يفعل بها..؟! - وهو الخبير في هذا المجال – إنها ليست المرة الأولى التي يصنع فيها التماثيل البشرية, لقد صنع العديد و العديد من المسوخ ذات الملامح المألوفة, و رسم الكثير من الأوجه المحنطة الخاوية من الحياة ؛ لكنه لا يدري لما تختلف تلك القطعة الجرانتية عن أقرانها..؟! أطال إليها النظر ثانية.

    - همممم..!! إنها تذكرني بشيء ما..؟!

    .. تسربت من الذاكرة إلى سطح الوعي أيام بحلاوة الشهد . اخضرت الأرض الرمادية من تحت قدميه , كست ألوان الطيف عالماً ميتاً, جعلته ينبض بالحياة. ملأ رئتيه بنسيمٍ مختلف النكهة , انساب أريجه يعبق أركان الذاكرة . بدأت الصورة المهزوزة تتضح معالمها , و تظهر جلية. كانت تقف وسط الغيام بشعرها الأسود الفاحم , المتهدل , و جسدها ملفوف القوام , ببشرتها الحريرية الناعمة , و وجهها الصبوح كالبدر في ليلة التمام , بملامحها الرقيقة , و عينيها الملونتين بلون زرقة السماء , و أنفها الدقيق المرفوع في كبرياء , بشفتيها الممتلأتين , كفلقتي كرزة حمراء . ابتسمت له ؛ فانسكبت أشعة الشمس من ثغرها , و تلاشى الظلام المطبق من حوله.
    - إنها هي ولا شك..؟!
    .. أخذ يتأمل القطعة الجرانيتية في حب , يرويها من دفق خياله. حمل مطرقته . بدأ يعمل أنامله في دقة , و قوة , و حزم . كلما ازداد خفقان قلبه في الصدر. كلما زادت وتيرة الطرق . تساقط العرق المالح على الأرض. لقد صنعها بيديه , و سقاها من روحه , منحها أقصى ما تطمح به امرأة في الكون – قلب رجل وفي صادق - جعل منها أميرة أحلامه , و مليكة عالمه . لكنها أبت أن يكون قلبه لها قصراً , و كانت أصغر من الحلم. و في ليلة ظلماء من ليالي الشتاء , اقتلعتها عاصفة كبرياء هوجاء . جاهرت بضيق القفص الشفيف , حطمت أبراج الحلم المتوثب للحب . و رفضت ذلك القيد.
    ..ازدادت وتيرة الضرب , اختلط ملح العين بملح الأرض ؛ حتى بدأ الحجر يلين . و أزاح التراب عن بريق قديم . لينكشف عن يدين تتوسلان, و جسد في وضعية الركوع , عينين دامعتين في انكسار , و فم مفتوح ؛ كأنها تستصرخة , تستحلفه أن يسامحها - هكذا خيل إليه , أو تمنى..!! - فابتسم في ارتياح و رضا تامين , ثم أمسك بمعوله , بمشاعر باردة . و تنهد قائلاً:
    - أبداً لن أظل حبيس الذكريات ..أحيا مع ماضٍ ولى و صار رفات..!!
    .. ثم حطم ذلك الوجه الذي طالما أحب , و ذاك القلب الذي قـدّ من صخر.



    أسماء لجنة الترشيح
    عائده محمد نادر/ تم
    صبيحة شبر/تم
    قصي الشافعي / تم

    أمينة اغتامي/تم



    كم روضت لوعدها الربما
    كلما شروقٌ بخدها ارتمى
    كم أحلت المساء لكحلها
    و أقمت بشامتها للبين مأتما
    كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
    و تقاسمنا سوياً ذات العمى



    https://www.facebook.com/mrmfq
  • أبوقصي الشافعي
    رئيس ملتقى الخاطرة
    • 13-06-2011
    • 34905

    #2
    (2)


    إللي خلف ما مــت
    أشرف محمد كمال



    -إللي خلف مامتّش..!!
    كانت جدتي (رحمة الله عليها) دائماً ماتقول لي هذه المقولة -لم أدرك معناها في حينها..؟!- تعلل ذلك بأنني أشبه والدي كثيراً , و أملك صفاتاً عديدة منه - برغم أنني لم أره مطلقاً , فلقد استشهد في حرب 48- لم تكن جدتي وحدها من تقول لي ذلك , لكن أمي كذلك..!! تحتضنني و تبكي قائلة:
    نت الوحيد في إخواتك.. إللي بتفكرني بأبوك..!!
    كثيراً ما أسعدتني هذه الكلمات , و كانت موطن فخر لي بين أخوتي , الذين كانوا يحقدون عليّ ؛ على الرغم من أنهم الأكبر , و تمتعوا بحضن أبي الدافئ ؛ الذي حرمت منه للأبد.
    صار الجميع كلما مرت السنوات يقولون لي تلك المقولة - بالأخص أصدقاء أبي , و جيراننا الذين عاصروه في طفولته و شبابه حتى أحسست أنني هو - كنت أرتدي ثياباً عتيقة أكبر من سني – مما كان مصدر سخرية أصحابي- , كنت متحملاً مسؤولية المنزل منذ حداثة سني , أنا من يمسك بميزانيته الهزيلة , يشتري كل طلباته , و يدبرشئونه , أنا من يعطي جدتي , و عمّاتي العيديات التي كان يمنحهم أياها والدي في حياته. لذا كانت جدتي دائمة البكاء كلما رأتني , قائلة :
    - في دخلتك عليا كأنك أبوك .. طلتك.. و ضحكتك .. حتى ريحتك..!!
    حتى عمّاتي كن يسررني بأسرارهن , و مشاكلهن مع أزواجهن و أولادهن . و كنت لا آلو جهداً , أو أدخر وسعاً في مساعدتهن , و إدخال السرور على قلوبهن.
    ..كبرت و كبر ذاك الإحساس معي , تزوجت , و أنجبت ولدين , و بنت؛ كانت أحب أولادي إلى قلبي , و أكثرهم قرباً إلى روحي . كانت تشبهني كثيراً , تحمل العديد من صفاتي , تساءلت كيف تعلمت ما أحبو أكره ..؟! كيف تسنى لها معرفة تلك الخصال , و هي بعد في مثل هذه السن الصغيرة..؟! شبت إبنتي فجأة إلى الحد الذي بدأ يتقدم إليها الخطاب, فأسقط في يدي..!!
    كأن أحدهم يريد أن ينتزع روحي مني . لكني لا يمكن أن أقف حائلاً بينها و بين سعادتها , تركت لها حرية الإختيار إلى أن وقع اختيارها على شابٍ خلوق - حقيقة لم أستطع أن أجد فيه عيباً واحداً كي أرفضه , فاضطررت أسفاً أن أوافق على مضض..!!- مرت سنوات الخطبة سريعاً , و تدهورت صحتي بشكل أسرع . كانت تجلس دائماً بجانبي لتمرضني , رفَضَتْ اتمام الزواج حتى استرد عافيتي و أحضر الزفاف , تحاملت على نفسي , و أوهمت الجميع أنني قد شفيت تماماً ؛ لأدخل الفرحة على ابنتي . كنت أرى سعادتها , وهي ترقص فرحة مع عريسها بينما الوجع يمزق صدري, فأبتسم و أنتشي ألماً . سافرت مع عريسها إلى دولة عربية حيث مقر عمله . كانت دائمة الإتصال بي لكي تطمئن على صحتي , أخبرتني, و صوتها متهلل:
    - أنا حامل يا بابا..!! و إن شاء الله هأجيب ولد ..و هأسميه على أسمك..
    سعدت كثيراً بهذا الخبر, أحسست عندها بأنني قد أديت رسالتي , و أن دوري في الحياة قد انتهى .
    ..مضت عدة شهور , و ذات يومٍ أحسست بالاختناق , بأن العالم يميد من حولي , و كأنني أطفو فوق الماء , أخذت أحاول التشبث ببارقة أمل , أبحث عن طوق للنجاة . أخذت أتقلب في ذاك الفراغ الضيق الذي يعتصرني , و تلك الأوجاع التي تملؤني , أحاول أن أفرد هامتي المنثنية . فجأة غمرني الضياء , شهقت من الفرحة لكنها جاءت كالبكاء . إذا بأيد حانية تنتشلني , و إبنتي تحملني في سعادة , تلقمني ثديها , و هي تبكي .



    أسماء لجنة الترشيح
    عائده محمد نادر/ تم
    صبيحة شبر\ تم
    قصي الشافعي / تم
    أمينة اغتامي/تم



    كم روضت لوعدها الربما
    كلما شروقٌ بخدها ارتمى
    كم أحلت المساء لكحلها
    و أقمت بشامتها للبين مأتما
    كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
    و تقاسمنا سوياً ذات العمى



    https://www.facebook.com/mrmfq

    تعليق

    • أبوقصي الشافعي
      رئيس ملتقى الخاطرة
      • 13-06-2011
      • 34905

      #3
      (3)

      الجفاف / سيد يوسف مرسي
      ــــــــــــــــــــــــــــ
      ندرة الغيث وجفاف المناخ يعجز الحياة أن تبقى ؛ تستل الروح منها؛ تموت ؛ تصير حيث مقبرة التصحر
      الإنسان يحتاج إلى غيث أيضا بدونه تقبر حياته أو لاينشأ له نبت
      ولايلين له ضرع يفتقد الفتات وينعدم به العيش
      يقف الجفاف سدا أمام نموه وتطلعاته يأوى إليه شبح الحاجة يسكن بداخله يؤرقه المنام يستلذ به المدى
      ماذا يصنع ؟أمرأة وولدين وبنت صنعته الحياة فأسا لها؛ يحطب العشب اليابس ليأكل
      يركب حمارفجره كى يصل معبره
      للأعاصير طبول تقرعها فى هيج تطلعها على شفى الرمل
      تشكو ساقاه العرى وثوب تكشكش من فعل التقادم والرثى
      حفرت دروب أسفل عرقوبه؛ إندلعت منها ألام كأنها تولدت من لظى
      رحى الأقدام التى لا يعوقها حجر ولاحصى
      حصيلته من ساقية الشقاء أقراص ؛ من خبز وغموص يلهب الجوى
      غنى موثر يطلبه للعمل وأسرته لايمانع ولا يرفض وإن كان الجهد عنده
      أوفى للشقاء ؛المهم لاينضب الغيث عن أولاده وأسرته
      مازالت الدعوى له قائمة والعرض مستمرا ببعض الطعام اللين
      وقليل من النقود التى سرعان ما تذهب
      وقبل الرجل الدعوة وسار موكبه كل صباح حيث يكون المرعى
      وتلين عظامه برغم الشقاء لكن يدس القدر فى غيبه مالا يذهب إليه
      ضميره ووعيه
      بنته الوحيدة قد نالت من الحسن والبهاء بالرغم من مسحة الفقر
      التى تعتلى الوجه فى غياب الكلأ قد باتت فى عداد الذهاب ؛ وبدأ وجهها ينضر ويشرق كلما تباعد عنها الجوع والشمس
      لم تدرك أن هناك من يراقبها ويتحين لها لحظة لتكون له وجبة عشاء
      سيدها الثرى صاحب الفضل عليها وعلى أبيها
      لم تطل الأيام لقد فقد صبره أمامها حاول التقرب لها والتودد
      ليخضعها طواعية له ؛أبت بالرغم من فقرها وحاجتها وضعفها أمامه أثقل عليها وضيق عليها الخناق ؛لكنها يقظة فطنة ؛كانت تتعلل أحيانا بالمرض لعدم الذهاب ؛وأحيانا تظهر لأبيها شدة العناء
      والتعب فكان الرجل يقابل كلامها فى أغلب الأمر بالشدة عليها والقسوة فتخار المسكينة وترضخ وهى تعلم أنها ذاهبة إلى ذئب
      لم تستطع البوح بما يدور داخلها وما رأت هذا الثرى الذئب
      لأنها ترى صورة أخرى أشد فتكا من هذا الرجل
      إنها ترى صورة الفقر الجاثم أمامها ؛فكانت تقبل بالعمل والذهاب إليه على مضض ومر قوامه سميك
      ذهبت إلى حيث كان القدر ؛وتحين الفرصة وراح يطوف حول فريسته ؛أرادت أن تفلت ولا تقع بين أنيابه لكنه كان مصرا على كسرها ؛قاومت بكل شدة وعزم والبكاء لاينقطع والدعاء له والتشفع
      كى يلين ويتركها تذكره بالحرام والحلال تذكره بالفضيحة بين الناس
      تتوسل إليه عسى أن يتركها
      كلا كيف يتركها أقفل قلبه وعقله ونزع إيمانه من قلبه ؛
      لم تجد بدا فى توسلها له ونظرت عيناها قطعة من خشب سميكة جافة إنقضت عليها وأمسكتها وهى ترتجف ؛تقدم ناحيتها وأراد أن يوقع بها على الأرض ؛سقطت منكفأة على وجهها لكنها إستقامت منتفضة من الخوف والعار الذى قد يلاحقا
      وأستدارت عليه وهوت بقطعة الخشب على رأسه فشجته وهو غمرة الإمساك بها ؛
      تخرجه الدماء التى سالت على وجهه إلى حالة أخرى ؛ يضع يده فى يساره وأخرج سلاحا ناريا يخبئه فى حيبه ناحيه اليسار ويطلق عدة رصاصات إلى فريسته التى لم تلين إلى مطلوبه حتى وإن مزقها الجوع والعرى والجفاف
      الحرة النقية تستقر الرصاصات فى جسدها هاوية على الأرض
      وتنطلق روحها صافية للسماء ؛مكللة بريحان النقاء وورود الطهارة وعفة المقصد
      تاركة خلفها الشقاء والجفاف لم أراد أن يدنس ثوب طهارتها
      خرجت روحها وهى تقول لماذا تقتلنى ؟لماذا؟ لماذا؟



      أسماء لجنة الترشيح

      عائده محمد نادر/ تم
      صبيحة شبر \ تم
      قصي الشافعي/ تم
      أمينة اغتامي/ تم



      كم روضت لوعدها الربما
      كلما شروقٌ بخدها ارتمى
      كم أحلت المساء لكحلها
      و أقمت بشامتها للبين مأتما
      كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
      و تقاسمنا سوياً ذات العمى



      https://www.facebook.com/mrmfq

      تعليق

      • أبوقصي الشافعي
        رئيس ملتقى الخاطرة
        • 13-06-2011
        • 34905

        #4
        (4)

        قالت أمي / سيد يوسف مرسي

        قبضت بيدها على ذيل ثوبه المدلى ، شدته إليها بحنان ورفق . عين طارت تلامس وجهه بطرف خفي ، فاح منها خرير السؤال ، وهى تغزو معالمه .
        قالت : ما بك يا ريحانة العمر ، وفلذة الكبد . أراك عابس الوجه ، مقطب الجبين ، قارن الحاجبين ، ذابل الجسد .. أتخفي على ؟
        قال : لا شيء
        قالت : إن ما باحت به أساريرك ، وقد تملك وجهك ، وفاح في مدلول عينيك يقول الكثير ، فهل آن لك البوح يا ولدى ؟
        جثا على ركبتيه عارقا جبينه ، ساكبا من مقلتيه خرير دمع ، احتواه في مخزون عينيه ، من سهج الكدر والحزن .
        طوقته بذراعيها ، ضمته إلى حضنها الدافئ ، قلبت وجهه بين يديها .. وصدرهابداخله يرقص حزنا وأمومة . لقد عاد إلى حضنها ، عاد طفلا ، إنه في حجرهاالآن طفل ، لم يكبر بعد ، لم يتزوج ،مازال طفلها المدلل .
        غاب في حضن السكينة يئن ، مرغ وجهه في الحنان والعطف . أدمعت عيناها ، وراحت يداها
        تقلبه ما بين رأس ووجه ، قد عمق في الحجر يخفيه ، وكأنه يدس آلامه في حجرها . استقر شجار روحه .
        قال :
        أمي أمي ..
        لقد فارقتني ، لقد كرهتني . أصبحت وحيدا بين جدران حجرتي ، وحيدا بين دنيتي.
        أنكرت حبي وعطفي ، أنكرت ما فعلته من أجلها ، إستباحت أن تعيش مع الشيطان ، ولا تعيش معي
        لقد رأيتها يا أميتسير مع الشيطان ، وجنيني في بطنها . أخذت كل شيء : سعادتي، مودتي ، وأبوتي لطفلي .. لقد أحببت السراب ..
        ألا ترى يا أمي ؛ لقد أخذت سعادتي معها.
        ما بي يا أمي ؟ هل لدى عيب جعلها تنفر منى ؟
        أم أن الشيطان لعب بها وسول لها ؟
        رحلت عين أمه في المدى المتاح أمامها ، اخترقت حواجز الصمت الذي خيم حولها ، ضربت المدى ببصيرتها ،
        وقالت بعد تنهد حار ملتهب :
        سيكون لك من دونها بديل ؟


        أسماء لجنة الترشيح
        عائده محمد نادر/ تم
        صبيحة شبر\تم
        قصي الشافعي / تم
        أمينة اغتامي/ تم



        كم روضت لوعدها الربما
        كلما شروقٌ بخدها ارتمى
        كم أحلت المساء لكحلها
        و أقمت بشامتها للبين مأتما
        كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
        و تقاسمنا سوياً ذات العمى



        https://www.facebook.com/mrmfq

        تعليق

        • أبوقصي الشافعي
          رئيس ملتقى الخاطرة
          • 13-06-2011
          • 34905

          #5
          (5)


          الخواء / سيد يوسف مرسي

          فى صهج الصيف ؛ويقظة الريح الحبلى بالتراب ؛والأعواد الدقيقة المتطايرة؛التى تسعى لإمتلاك الوجوه السافرة؛والشارع اليتيم من المارة؛
          ينزلق الخاطرمن مرقده الرتيب؛يحثه على الحركة؛لقد طالت فترة النوم الشئوم؛لاكته رعشة تبيح لأوصاله الثكلاء ؛بالتجمع والنهوض؛ليلامس الضحى ؛إلا إن الظلام الجاثم على سماء مرقده
          يظل معربدا ؛يهم بالوقوف ؛مائلا لجدار حجرة عتيقة ؛يحتسى قدرامن شعاع
          تسلل من فراغ درب ثقب ؛صنعته الهبوب ؛تلامس أصابعه وجه جدار ثبت فى
          طرف وجهه مفتاح مصباح توسد السقف ليتدلى شاهرا ضوءه ؛يفتح عينيه ؛يغيب فى سرد الزمن التائه
          أرق ؛؛ألم ؛؛وحدة شمطاء ؛؛يتأرجح النفس الصاعد مكتظا ؛يرتدى ثوبه الرث ؛يجره الضوء للنافذة ؛تنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي عانق وجهه نسمات الهواء ؛يغمض عينيه يحاول أن يتوارى؛ خجلا خلف دلفة النافذة؛لقد شهق الفضاء فى أوصاله؛ وراحت عيناه تغوران ؛ غسيل معلق فى الشرفات ؛وأقدام تدب سارية كأنها أقدام جند تهيأت
          للميدان؛
          تلوكه غيبة يعجز عن الصمود أمام الريح والضوء ؛فيخر ساقطا يهوى
          كأنه شيخ أقعده الزمان



          أسماء لجنة الترشيح
          عائده محمد نادر/ تم
          صبيحة شبر/ تم
          قصي الشافعي / تم
          أمينة اغتامي/ تم



          كم روضت لوعدها الربما
          كلما شروقٌ بخدها ارتمى
          كم أحلت المساء لكحلها
          و أقمت بشامتها للبين مأتما
          كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
          و تقاسمنا سوياً ذات العمى



          https://www.facebook.com/mrmfq

          تعليق

          • أبوقصي الشافعي
            رئيس ملتقى الخاطرة
            • 13-06-2011
            • 34905

            #6
            (6)

            (دموعُ الآخرين ..)
            بعد َ ليلةٍ مشوّشة الصور ، متأرجحة بين يأسٍ ورجاء ..،خيّم الصمت على المشفى ..تزامُناً مع بابٍ أطبق على قلبٍ
            ما خذلني يوماً ساعة حاجتي إليه في ليلٍ أو نهار ،
            مع فريقٍ من الأطباء باحثين عن مخرجٍ لآلامٍ حاول المُضيّ معها على وتر المعاناة إلى أقصى طاقاتِ إحتماله .
            بياضٌ يكتسحُ كل ما تقع عليه العين في المكان ، والأسِرّةُ كأنها أكُفّ مرفوعة تنتظر الرحمة من السماء ...
            والأجساد الهزيلة فوقها ، ثمارٌ عصرتها يدُ الزمن فلم تترك فيها إلاّ القشور .
            عمال النظافة يروحون ويجيئون في نشاطٍ دؤوب معظمهم من القرى المجاورة للقدس ، كأنهم جاءوا لينسوا الفأس والمحراث ..
            ومصارعة العصافير على الثمار ، ليكابدوا أخطار طريقٍ تكمنُ في منعطفاتهِ عيون العذاب ..!
            خارج الغرفة يقف حراس الأمن قرب مدخل المشفى يتصفحون الوجوه العابرة ...ويتفحّصون بعضها إذا لزِم الأمر ..
            في محاولة لتضييق مساحة الخطر الكامن بين تلك الوجوه المختلفة الجنسيات ..!

            شعور بالحزن واحتباس الدمع في عيني ..دفعني للتجول في ردهات المشفى ..
            وأمام شباكٍ عريض إقتحمتهُ الشمسُ ناشرة أشعتها في وسع المكان ، وقفتُ أرقبُ منطقة سكنية راقيةً
            على سفوحٍ ربوةٍ مقابلة للمشفى كانت لنا ذات زمان ..!!
            الشوارعُ ناعمة ..الأشجار مهرجانُ إزهارٍ وألوان ...،وبين الأغصان طيورٌ تردد ترنيمتها الصباحية .
            البيوت حجارتها نظيفة بيضاء ، في نوافذها ورودٌ ..وفي حدائقها يلعبُ أطفالٌ تملؤهم الحياة ويحيط بهم
            الأمن والأمان من كل الأنحاء ..، هدوء وراحة بالٍ واطمئنانٌ يلف المكان .
            وفجأة ...كأن يدٌا شدّتني من عنقي فاعتدَلتُ ، ورأيتُ صورة عريضة أمامي تغطي المكان ...غرف إسمنتية
            متلاصقة، أزقة موحلة ..، وجوهٌ شاحبةٌ ملَّها الإنتظار ،
            عربات خضار بائسة ..هي الأرض والمحصولُ والفيضان ،متسولون على ارصفة المنافي يسألون الزمان :
            متى بالإمكان .........................؟؟؟
            هناك حيث إمتداد الجذور عذاب ..، وذلك الطفل الذي وُلِد كبيراً يقبع في عتمة الزقاق ..،حيث الحياةُ رزمة
            من السياط ..تمزّقُ ..تحرق ..تستبيحُ دون مسائلةٍ أو إحتجاج ..!
            تُعذبني قتامة الصورة ....تمحو جمالية الصورة التي كانت قبل لحظات .
            أحد ضباط الأمن يلفت نظري إلى الإبتعاد عن النافذة ، كان الكُره منقوشاً على وجههِ بالثُّلُث وهو يحدثني ..
            حدّثْتُهُ بلغتهِ العبرية ..فرَد عليّ بالعربية أن ألزم حجرة والدتي ، أو أنضم إلى أفراد أسرتي في الحديقة .
            تحسستُ من لَغط العاملين أن حالةً حرجة في الطريق ..، ما لبث أن دخل بها طاقم الإسعاف إلى قسم الطواريء .
            سيدة إسرائلية على ما تبدو في الخمسينات ، أصيبت بنوبة قلبيّة بعد تلقيها نبأ مقتل إبنها الضابط في اشتباكٍ
            مع مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين في مكان ما على الساحل .
            العائلة كلها تحيط بالأم على سريرها ..فاقدة الوعي شاحبة اللون ، يتصبب العرق من كل كيانها
            كأنه دموع القلب والأعضاء ، الأبُ ذاهلُ يحدّق في صورة إبنه الشاب لحظات ..ثم يضمها الى صدرة
            مجهشاً في بكاءٍ أليم ، دموع ..وآهات ..صراخٌ وعويلُ يملأ المكان ،وقد تناثر الأقارب على المقاعد
            وقرب الجدران .
            مشهدٌ مأساويّ يدمي القلوب لعائلةٍ ثكلتْ ابنها الشاب ،اللحظات حاسمةٌ ، مُدبَّبةٌ ..مشحونةٌ بالإحتمالات ...
            ألمشهد الذي يهزّ أقسى القلوب ...، يهزني لِحظة ..غصّة تتجمع في حلقي ، تكاد تمزق حنجرتي ...
            فأنا إنسان رغم كل التناقضات ..،فاجعةٌ بكل المقاييس تقف منّي على بُعْد خطوات .. ولكني لا أشعر أني جزء
            من ذلك المشهد ..ولو على سبيل المواساة ..أو السؤال ..!
            ..هوَّة بلا قرارٍ تفصلُ بيننا ، هوّةٌ تقبعُ في اعماقها أنهارٌ من الدماء ..مئات أعرفهم من الشهداء والجرحى
            والثكالى والأرامل والأيتام ...
            فجأة يُطلّ وجه إبراهيم ..ذلك العريس الذي اغتالت القوات الخاصة فرحته قبل زفافه بيومين ،
            من الناحية الاخرى يُطل وجا وفاء ، طالبة الحقوق ،إبنة العشرين ربيعا ..والرصاص يسقط العلم من يدها ..فترتقي
            شهيدة نحو السماء .
            ألتفتُ يُطل وجه أمين ...وجه مها ..وجه ملاكٍ يحملُ في غلالة نورٍ جنيناً مزق الرصاص رحم أمه ونفذ إليه مخترقاً مكمنهِ الدافيء .
            يُطلّ بيتُ تجتاحهُ الجرافات .
            تُطِلّ تعريشةُ يا سمين من بين الركام ، تُطلُّ أحلامٌ ذابت تحت التراب . يُطِلّ شبابٌ ذَوى بين الزنازين ..
            خلف القضبان ، وجهُ أخي وتوأم روحي يُطلّ من خلف عشرةِ أعوام ...!!
            تُحاصرني الأطياف من كل الجهات ..مُعفّرة بتراب الغربة ..مُضرّجةً بالدماء ،يختفي المشهد الآخر من المكان
            ولا يتبقى إلا أنا وتلك الأطياف ..، تنفجر عيوني شلالاتُ دموعٍ ودماء ...
            أركض ...أغادر المكان المزدحم بالمأساة ...أصطدم بطاقم التمريض يسحب سرير أمي خارج غرفة العمليات ،
            أتسمّرُ في مكاني مذهولة ..عيوني الدامعة تستنطق الجَرّاح ..
            يربتُ الجراح الإيرلنديّ على كتفي هامساُ : لا تقلقي ...كل شيءٍ على ما يُرام .

            نجاح عيسى ..
            رام الله
            فلسطين .



            أسماء لجنة الترشيح
            عائده محمد نادر/تم
            صبيحة شبر\ تم
            قصي الشافعي / تم
            أمينة اغتامي/ تم



            كم روضت لوعدها الربما
            كلما شروقٌ بخدها ارتمى
            كم أحلت المساء لكحلها
            و أقمت بشامتها للبين مأتما
            كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
            و تقاسمنا سوياً ذات العمى



            https://www.facebook.com/mrmfq

            تعليق

            • أبوقصي الشافعي
              رئيس ملتقى الخاطرة
              • 13-06-2011
              • 34905

              #7
              (7)


              (تذوبُ الروحُ ولا تُكْسَر .) نجاح عيسى

              في كلَ ليلةٍ يقفُ أمام هذه النافدة التي يفتحها الليلُ من الغروبِ إلى انسحابِ آخر خيطٍ من خيوطه مع أولى خيوطِ الفجر..، وُيرسلُ نظرَهُ إلى هناك على مرمى حجر، حيثُ تلك الّسفوحِ العامرة بالخير والعطاء ، وقد تراءتْ له تحت ظلّ قمرٍ مُكتملٍ مساحاتٍ تُذكّرُهُ بأيامِ العزّ والعافية، أيام كانت قريته عاصمةُ الزّيتون، وخيّلَ لهُ أن فلسطينَ كلها كانت مُلحقةً بحقولها الوارفة العطاء .
              هذا ليلٌ آخر يأتي ولا أمل يلوح في الأفق ، وقد باتت أيامه سلسلةً من الترقّب والإنتظار المسكون بالأوهام ، في بلدٍ يحكمها الطغيان ويطحنُ الأمل الممكن فيها بِرَحى الاستبداد، ولا حوْلَ لديه في مواجهة هذه المطحنة الهائلة للخراب ، سوى انتظار يد تمتد إليه بِفرصة عمل
              تنقذه من الوقوع في بئر العوز المظلم ، بعد أن كان رمزاً للفتوّة والشباب المتفجّر، أياماً كان فيها كَقطارٍ سريعٍ لا يتوقف إلا للتّزوّدِ بالوقود اللازم لمواصلة رحلة الكدّ الدّؤوب في معركة شعبٍ مع تاريخٍ مزيَّف، إقتلعهُ من جغرافيتهِ وحرمهُ من التنقّل الحرّ خارج ما أُعِدّ له من مصائرٍ مُظلمة .
              يذرعُ الغرفة جيئة وذهاباً .. والليلُ الكابي خلف الأبواب يسحبُ أذيالهُ على القرية بيتاً بيتاا ..لِيطبعها بطابعهِ الأسيان ، تاركاً فوقها بصماته السوداء .
              يعود إلى النافذة،ي رسل طَرْفهُ نحو ذلك السّفح المسيّج بالعذاب ، وهنا ينقَضُّ عليه السؤال مِلحاحاً ..فادح الألم :
              تُرى كيف باستطاعتهِ أن ينزع جذورهُ من هناك ،وكيف يقتنع أن تلك السفوح أصبحتْ محضُ وميضٍ من حياة الأجداد الماضية ...وفقدتْ ارتباطَها وإيّاه . ..، وكيف يوقف زَبَدَ الحنين على حدود السيّاج ، وكيف يُترك هذا الخير المُتهدّل فوق الأغصان يذوي ويتساقط في عز مواسمهِ ، لتدوسهُ تلك الأقدام الهمجيّة ..وتُبعثرهُ كما تبعثرتْ أيامهُ وسنينهُ ، حين دخلوا إليهِ فوق حُطام الباب منذ أعوامٍ مضتْ ، لِيقتادوه إلى متاهات الجحيم حيث المصاطِب جمرٌ ،والثواني سنواتٌ تزحف .
              عقاربٌ في صورة إنسان ، والحقدُ تكتّل في كفٍّ تصفع ،كَرِياح الخماسين تأتي هَبّاتٍ ..هبّات تعصف ..
              في مخلبٍ ينغرِزُ عميقاً كي يُثبت أن غلاف الأرض ملك قبضة همجية ..تضرب ..تعصر
              ..تخنق.. تخلع ....تنزع ...تزرع نُتفاً من شعرٍ بالدم تَغرَّت فوق الكدمات الزرقاء على رأسه.
              وتسحبه الذكرى القاتمة أكثر ...
              فيرى سجاناً آخر يتثعلب .. يُمرّرُ رزمة دولاراتٍ من تحت أنفِه ...

              _يابن العم ..هات لي ما عندك من أسرار ..أعطيك الليلة دواءً لجراحك ، أعفيكَ من جلسات تحقيق لاحقة لم تخطر لك على بال .
              ولكن ..مِن مفرق روحه تنتفض العزّة ..وتهتف ..
              __ ويْحَهم .. ألا تعرف تلك القبضة الحديدية أنهُ من طينِ لا يُكسر ..وندٌّ للموتِ لا يُقهَر..!
              ومن بين كرباج المحقق ينطحُ صخرة ..وهدير الروح المتوثّب ..
              يسمعُ أبواباً من ليلِ تُفتَح .. ..تُصفَق ..تُغلَق ، وعلى قارعة ليلٍ يلتحفُ العتمة يُلقى...
              يالَهذا الزمن الخرافيّ التّحوُّل...أعوامٌ تدفعُ أعواماً ، وتنقشعُ العتمة ..لِيُغادر قلب جهنم ..
              يلمحُ طفلاً ..يبتسمُ ، طفلٌ وُلدَ خارج زمنهِ الأغبر ، يقترب يحاول يحتضُنه ،
              _ أنا أبوك ..تعال ..
              ويقتربُ منه أكثر ..
              يتردّدُ الطفل..يبكي..يرفض..لا يعرفهُ ولا يُصدِّق ، تبتسمُ الطيبة في قلب الزوجة مواسية تهتف :
              _ سيعرفكَ بعد حينِ ..إصبِر
              يا لها محارة العمر ولؤلؤتها النابضة..وما تبَقىّ من حلمِ العمرِ الأكبر ..
              ويالَ أبٍيه ..الذي ماتَ وهو يُحدّقُ في زيتونٍ محبوسٍ خلف الأسلاك..وترابٍ نزعوا جِلدهُ من قمحٍ وشعيرٍ وسمسم ..ليزرعوه إسمنتاً وحجارةً ..وأقداماً لاكَتْها الكرة الأرضيّة ثم قذفتها في وجهه...!
              يعود من جولته مع ذاكرتهِ المُنهَكة ..وقد غصّ حلقه بمرارة قاتلة .
              تتمدّدُ ساعات الليل ..تنتصفُ العتمة ، تنفجرُ في رأسهٍ فكرة ، لكنه لا يلبث ان يطردها طاعناً في إمكانيّة تحقيقها ، يحاولُ أن يزيحها لكنها تتمكن منه ..يقطع شوطاً من التفكير ،لكنها ما تزال تطنُّ في رأسهِ ..لا تتوارى ولا تتزعزع ..ولم يُجْدِ التفكير فيها إلا أن زادها ضراماً ، فاشتعلتْ في رأسه ..
              أُسقِط في يدهِ واستسلم لها ، فانزلقتْ من رأسهِ إلى لسانهِ..، في طريقها إلى قدميه ..
              يقتربُ من سريرِه ..يتأملها تغرقُ في نومٍ مُتعَب ، يهزّها بِرفق ، تتحرّك ما بين الغفوة والصحوة ، تتساءل ..، يصمتُ لحظات ثم يهمسُ بصوت مُتهدّج :
              _ إسمعيني أرجوكِ
              تفتح عينيها وقد سحب منهما كل ما تبقىّ من أثرٍ للنعاس ..
              تعتدل جالسة في مُواجهته ..
              يتكلّم ..
              كان لكلامهِ مدلولاتِ وأبعاد حوّلَتْ جذوة التَّطلُّع في عينيها العسليتين إلى رمادِ متبعثر ، لكنها تطوي هواجسها داخلها وقد رأت الإصرار في عينيهِ ينطق ...، وراحت تُقنع نفسها بِجدوى الفكرة ، وكأنها امتلأت بشعورٍ خرافيّ..أقنعها أنهُ من فرطِ ما ناوشَهُ الموتُ ونجا ، قد ينتصر عليهِ في مراتٍ أخرى ، وكأنهُ أسطورة لامست حدود الميتافيزيقيا..!
              ينظر اليها ..يتملّى من وجهها الناعس..، يشعر بانجذابٍ غريب إليها ..يحتويها بين ذراعيه بعنفٍ غير مسبوق، كأنه يتوق لِإحراق نفسه والتَّلاشي فيها ، لعلّ طاقة جديدة تحلُّ في جسدهِ المُنهّك ،وقد غشِيَتْ أنفهُ رائحة العرق الساخن ممزوجاً برائحة العطر الذي حملهُ إليها ذات مرة من بائعٍ على رصيف المدينة المجاورة .
              حرّكَ الفراق الوشيكُ أشجانها..فأعادتْ روحها عزف الأحزان المطويّة ، وأحسّتْ أن هشاشة روحها تفرُّ من بين حناياها لتسكن بين يديه ،تمسّكتْ به ..وأجهشَتْ في بكاءٍ مُمضٍّ أليم ..، أرخى ذراعيه من حولها وتفرّس في دموعها ..، فنضحَ وجههُ بالعذاب ، أراد أن يبتسم فبدا كأنهُ يبكي ..!
              نهض من أمامها وقد تعانق في قلبها الأملُ مع الجراح ، وكأنها بركة ساكنة أُلقِيَتْ فيها حصاة فحرّكتْ فيها دوائر الحزنِ متداخلة في موجات لا نهائية الدَّوران.
              ها هو ينطلق إلى المجهول .
              ما زال يمشي.. ، لعل عناد التّحدي هو الذي يُخفي خوفه من الوحدة والخشية من الموت في البراري الخالية ، وهو الذي يمسكُ خُطاهُ ويضربُ بها نتوؤات الطُّرقات النائمة ،
              ها هو يرى أشجاراً طليقة ..تلتفُّ حول بيوت أصحابها بلا سياجٍ يُقيّدها ، ويخنقُ أغصانها،لعلّها مثله ...تنتظر الموت المُؤجَّل ...!
              مازال يمشي تلتفُّ حوله المسالك شائكة الظُّلمة..، ملامحهُ تدلُّ عليه ، وفي طيّات ثيابه بطاقة ممهورة بتوقيع زنزانة يقول: (ممنوع من التّنقل خارج مكان إقامتهِ..وممنوع من اجتياز الخط الأخضر )..
              يتجاهلها..يتناساها ، فلا بد له من عملٍ يُوفّر له لقمة عيشٍ ضنَّتْ بها الحياة في بلدتهِ المُقفرة.
              كثيرون يفعلون هذا ( يُحدّثُ نفسه) ..المهم اجتياز هذا الخط المكهرب ..والوصول إلىى هناك ،خلف
              الخط الأخضر ..داخل المدن التي توفّر فرص عملٍ معقولة ، رغم وجود أرباب عملٍ يستغلّون العاطلين الجياع بِأقلّ الأجور تحت التلويح بالوشاية بهم للسلطات الإسرائيلية المتصدّية للإرهاب المزعوم.
              يمضي مسرعاً يحدوه الأمل الواهي ، يجتاز دروباً وعِرة ، يلتفُّ حول شوارعٍ انتُزِعَت من مدنها عنوة وارتَدَتْ حُللاً لا تناسبها ، ولا تملك الانسجامَ مع الأقدامِ الأخرى ،ما دام نبض الضحية مستنفراً .
              يتقطّعُ الظلام في الأفق الرصاصيّ الداكن ، وهو يقتربُ من شوارع النور ،
              يصيخُ السّمع ، يهذي بكلماتٍ غير مترابطة..
              هاهي النجدة تقترب ، وسيلة مواصلاتٍ يستقلّها ..ومنها ينطلقُ إلى أطراف الأمل المُنتظَر ..
              تتلبدُ الغيوم أمامه حتى يتضاءل ضوء القمر ، يسمع صوتَ عجلاتٍ تقترب ،تتسارع نبضُات قلبه..،يتوقفُ هديرُ عجلات الدورية الإسرائيلية ، ويحلُّ صمتٌ مسقوفٌ بأنوار الكشافات..
              يرتبكُ رافعاً عينيه نحو النور وقد أحالَ الليلَ نهاراً ساطع العيون ...
              وفجأة ...يقذفهُ النورُ بالنيران .
              هذه رصاصات في القلب ، وأخرى تخترق العنق تُفجّرُ الشريان..،
              يتهاوى الجسدُ ..يتهدّل.. يُصغي ..،يسمع زمجرة الذئاب ،يتهاوى أكثر ..وتنغرسُ جبهتهُ في التراب
              يدهُ تمتدُّ الى جنبِه ..كأنهُ يستلُّ من دمهِ سيفاً للنّزال ، تتخافتُ نبضاتُ روحِه ..تذوب رويداً رويداً. ..
              وشيئاً فشيئاً.. تسكنُ الجوانحُ المُتعَبة .
              صمتٌ ثقيلُ يسود ...ويسكنُ كل شيء حتى الهواء ....
              وكأن أطراف السماء تفتّحت..وارتفعَ جناحُ الأفقِ نحوها..
              وشيءٌ كثيفٌ حجَبَ وجهَ الفجر الآتي ، فاستترَ...............ثم أعتَم..!!.

              **********************نجاح عيسى ..
              تنويه : الخط الأخضر هو تلك الحدود التي تفصل أراضي السلطة الفلسطينية
              عن أراضي فلسطين المحتلة منذ عام ثمانية واربعين ..والتي يطلقون عليها الآن إسرائيل ..
              والتي لا يستطيع أي فلسطينيّ أن يدخلها إلا بتصريح خاص وبشروط صعبة .



              أسماء لجنة الترشيح
              عائده محمد نادر/ تم
              قصي الشافعي / تم
              صبيحة شبر\ تم
              أمينة اغتامي/ تم



              كم روضت لوعدها الربما
              كلما شروقٌ بخدها ارتمى
              كم أحلت المساء لكحلها
              و أقمت بشامتها للبين مأتما
              كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
              و تقاسمنا سوياً ذات العمى



              https://www.facebook.com/mrmfq

              تعليق

              • أبوقصي الشافعي
                رئيس ملتقى الخاطرة
                • 13-06-2011
                • 34905

                #8
                (8)

                عيد الزواج
                أحمد عيسى نور

                أمضت الليل وهي تمني النفس بان يأتي الصباح لكي تحتفل بيوم جميل لا يأتي الا كل سنة فهي بحاجه الى هذا اليوم فعلاقتهما قد أصابها البرود بعد ان كانت مشتعلة مثل الموقد فهي تكوي كل من حاول المساس بها الا هي وزوجها الحبيب , وضعت له اسطوانة تتغنى بالحب وقد استمعت إليها مراراً لكي تتغنى بها ومعها اذا حضر الحبيب
                اصبح الصباح واليوم هو يوم عيد زواجهما ,أرادت ان تغير كل شيء لكي يكون عيداً مميزاً فغيرت الزهريات والاطقم ووضعتها الواحد بدل الاخر ,وحتى الفراش فقد أوصت ان يأتوا لها بجديد ففرشت الأرض بلون والغرف بلون أخر ونثرت على مدخل الباب الزهور لكي تستقبله عندما يأتي فيرى الوانها ويشم عطرها فكل شيء جديد وكأنه لم يره من قبل
                احضرت الشموع ألخمسه فهو العيد الخامس للزواج وجهزت كعكة الزواج وكتبت عليها عبارات الحب ووضعت الكؤوس وجلست تنتظره بعد ان لبست بدلة الزواج وهي لم تلبسها في جميع الأعياد ألماضيه الا انها أرادت ان تجعل هذا اليوم مميزاً وان ترجع مع حبيبها الا يوم الزفاف والذي عادةً ما يكون مميزا لذلك يتذكره اغلب الناس ويودون لو ان كل الأيام كانت مثل يوم الزفاف
                جلست على الكرسي تنتظره وهي ترمق الباب بعينيها العسليتين اللتين ملأتا كحلاً فصارتا أجمل من ذي قبل وشفتان قرمزيتان بانتظار من يلثمهما
                تذكرت حياتهما السابقة فانفجرت عن شفتيها ابتسامة رقيقة ،فهو قد أشبعها بالحب الى حد التخمة فكم من مرة تنام ويوقظها ليقول لها احبكِ.......أحبكِ وكم مسحت عن شفتيه احمر شفاهها قبل خروجه الى العمل فقد كان يتنفس العشق في شهيقه ويطرح الغرام في الزفير ,أه ما أعظم حبه لي فمنذ التقيته أول مرة وهو يغمرني بالحب
                ما أعظم الحب عندما يدخل الى القلب ليداعبه ,خمس من السنوات مضت والحب بيننا يكبر يوماً بعد يوم
                انتبهت فجأة وإذا بالوقت يمر وهو لم يأت الى ألان ,حاولت ان تكلمه عبر الهاتف الا ان الهاتف كان مشغولا
                قالت في نفسها ماذا افعل فقد تأخر علي حبيبي وهذا عيد زواجنا وانا لااريد الخروج كي لإيراني احد قبله ....سوف انتظر لدقائق ثم أُبدل ملابسي واذهب إليه
                وبينما هي تكلم نفسها رن جرس الباب ,أحست برعشة في جسدها وكأن شيئا قد حدث فتحت الباب وإذا بفتى يحمل ورقة ....أخذتها منه شمتها إنها رائحته فتحتها فوجدت مكتوبا عليها (حبيبتي إنني لا استطيع الحضور اليوم لقد سافرت سفراً مفاجئاً ,عيد زواج سعيد احبكِ)
                نزلت من عينيها لألئ كأنها المطر وتورد خديها وعضت بشفتيها وقالت وهي تتمتم (لكنه عيد زواجنا ياحبيبي ) ومزقت الورقة وأرجعت كل شيء إلى ماكان عليه.



                أسماء لجنة ترشيح النصوص
                عائده محمد نادر/ تم
                قصي الشافعي / تم
                صبيحة شبر\ تم
                أمينة اغتامي/ تم



                كم روضت لوعدها الربما
                كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                كم أحلت المساء لكحلها
                و أقمت بشامتها للبين مأتما
                كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                https://www.facebook.com/mrmfq

                تعليق

                • أبوقصي الشافعي
                  رئيس ملتقى الخاطرة
                  • 13-06-2011
                  • 34905

                  #9
                  (9)
                  يا ليتنا مثل النمل
                  أحمد عسى نور


                  كان أحمد جالساً في فضاء إحدى البيوت القديمة يتذكر ما فعله في أيامه التي مضت، لقد كان غنياً يملك الكثير من المال و وجيهاً يحترمه ويجله كبار الشيوخ من قومه ,إلا انه كان فيه خصلة واحدة سيئة ألا وهي التبذير , قام احمد بصرف أمواله بدون تحسب للزمن وتراجعت هيبته لأنه أصبح مشهوراً بين الناس بأنه احمد المبذر ,بل حتى زوجته تركته وذهبت الى بيت أهلها وأخبرته انها لن ترجع إلا عندما يكون مقتصداً ولا يرمي أمواله هنا وهناك. نظر أحمد إلى الأرض وإذا بنملتين تتعاونان على حمل حبات من القمح لتأخذاها وتذهبان بها الى بيتهما ....تعجب احمد من ذلك الفعل !!!وأخذ بالتفكير والتساؤل ماذا تفعل هاتان النملتان ؟ قال في نفسه انه لأمر عجيب حقا!!ًنهض أحمد وركض مسرعاً وجلب صندوقاً ليس فيه إلا فتحة واحدة وقام بإمساك النملتين ووضعهما في الصندوققال أحمد للنملتين...كم حبة قمح تأكلان في اليوم؟قالتا كل واحدة تأكل اثنتان.جلب أحمد بعض الماء وحبتي قمح لكل واحده منهما ووضعها قرب النملتين في الصندوق وقال لهماسوف أعطيكما في كل يوم حبتين وهذا الماء لتعيشا في هذا الصندوق


                  نظرت النملتان الى بعضهما وشعرتا بالحزن الشديد ولكنهما لم يستطيعا ان يفعلا شيئاً.في اليوم الثاني جاء احمد الى النملتين فوجدهما لم تأكلا إلا حبةً واحده وشربتا قليلا من الماء ,فتعجب احمد وقال في نفسه قد تكون إحداهما مريضةً فحزنت عليها صاحبتها او إنها حزينة أصلا لسببٍ ما وربما تريدان إنقاص وزنهما فرمى لهما حبتين أخريين وأعطاهما الماء وذهب..نهض أحمد مبكراً في صباح اليوم التالي وذهب مسرعاً ليرى ماذا فعلت النملتان وهل أكلتا القمح كله؟؟؟؟؟ إلا إن دهشته كانت كبيرة عندما رأى ان النملتين لم تأكلا إلا حبةً واحدة وتركتا الباقي!!فكر أحمد كثيراً وقال يجب ان أسأل النملتين لماذا لم تأكلا حبات القمح كلها ؟قال أحمد انا سوف أطلق سراحكما أيتها النملتان ولكنني أريد أن أسألكما سؤالا ؟قالت النملتان تفضل قال لهما لماذا لم تأكلا حبات القمح جميعها وتركتما بعضها؟


                  أجابته إحداهما أنك أخذتنا وحبستنا بدون ان تذكر لنا الأسباب ونحن نعرف ان عندكم يا بني البشر لا يجوز حبس أي شيْء سواء إنسان أو حيوان ألا بعد ان تكون هناك أسباب لذلك ، وهذا العمل الذي قمت به نوع من الدكتاتورية وسلب للحرية ، وأضافت الأخرى أن كل أكل أو شرب يأتي بدون عمل ليس فيه لذة ولا تشعر بطعمه عندما تأكله او تشربه ، كما إننا عندما كنا أحراراً نتعاون على جلب قوتنا اليومي ونساند بعضنا البعض وقالت الأخرى لقد خفنا ان تطول مدة حبسنا لذلك وفرنا حبات القمح الباقية وبعض الماء ،فقد يأتي يوم وتنسانا ولا تجلب لنا القمح والماء أو إن القمح والماء لا يتوفر لديك في أحد ألأيام لذلك نقوم بأكل القمح الذي وفرناه ونشرب الماء الباقي رويداً رويداً ، وأود ان أقول لكَ


                  إننا مادمنا نأخذ كفايتنا من القمح فلماذا نأكل الباقيفتح أحمد الصندوق وأطلق سراح النملتين فذهبتا الى بيتهما ولكنهما قبل ان تصلا بادرهما بسؤال أخر

                  لماذا كنتما تجمعان القمح وتذهبان به الى بيتكما قبل ان أضعكما في الصندوق؟ألتفتت اليه أحداهما وقالت أنه التوفير يا عزيزي ، وذهبتا .صار أحمد يوفر بعضاً من نقوده ولا يصرفها إلا فيما يحتاجه وعندما يسأله أهله وأصدقاؤه عن السبب يقولالنمل علمني التوفير..... النمل علمني التوفيربسم الله الرحمن الرحيم (أن المبذرين كانوا أخوان الشياطين)صدق الله العلي العظيم




                  أسماء لجنة ترشيح النصوص
                  عائده محمد نادر/ تم
                  قصي الشافعي / تم
                  صبيحة شبر\تم
                  أمينة اغتامي/ تم



                  كم روضت لوعدها الربما
                  كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                  كم أحلت المساء لكحلها
                  و أقمت بشامتها للبين مأتما
                  كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                  و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                  https://www.facebook.com/mrmfq

                  تعليق

                  • أبوقصي الشافعي
                    رئيس ملتقى الخاطرة
                    • 13-06-2011
                    • 34905

                    #10
                    (10)

                    الصحراء التي شربت البحر نصّ أدبي/ ام عفاف
                    زغاريد الفرحة بحّت بداخلي ،نواقيس النّداء يرهقها الوجيب ،متعبة أنا يراودني الهروب إليك .يقف سلطان جائر بين الرّحيل وبيني .
                    أماطله وأغتصب من الدّوار بشرى يزفّها طوفان اختلاجاتي ...تتلاشى سلطة القهر وينحني الإرهاق.تترنّح أمام سطوة العشق غيمة الأشواق .
                    هاك عمري ! أحص ما بقي فيه ،عدّ السّاعات الّتي سيكون فيها مولد للانتظار، وموسم للّقاء ...تلك هي ساعات عمري الرّاهبة في محراب سؤالك .
                    تلك هي ساعاتي تدوّن قلق عينيك وهما تبحثان في الغابة عن نخلة عانقت طفولتها صباك ،عن نخلة أباحت عطرها وألقت بشموخها بين يديك.
                    تهاوى في لحظة جدار مقاومتي فاحتضنت طيفا من النور وزرعت الفراش حول وسادتي وأسجيت قلمي ونمت ....
                    ها أنّي أستيقظ ..أوقظ طيف النّور الّذي يعانقني في وداعة وأبعث الحرارة في دمي وأهمس مخافة إزعاج طيفي :" صباح الطّيب يسكبه النّدى عذبة جدائله ولؤلؤه رقراق ،صباح الخصب يسدله هيام الرّوح ولوعة العشّاق ،صباح الشمس تثخنها جراح الخجل وثورة الإشراق..."
                    أعود إليكم إلى اجترار حلم أختزله في مجموعة من الأرقام وحزمة من الأوراق
                    أعود لأقول :" معي منكم في كل شروق حبّة فستق ومع كل ّ شروق حبّة إلى حين اللّقاء .وويلي إن صمتت خشخشة المرمر الّذي يحضن سندس الصّحراء قبل اللّقاء ،ويلي لو أصابني فيروس الكرم فمنحت من أسراري الممنوعة حفنة .قد ينتهي الزّمن إلى الصّيام ،قد يهطل الشروق والغروب بحرا من الظّلام ،وتتصلّب شراييني وأنسى ...أنسى أنّني كنت أقرب إليك من لحظك، وأقرب إلى قلبك من نبضك ،وأنّني كنت يوما ضلعا في قفص صدرك ،فأعدني بالله عليك ،
                    أعدني حيث كنت واكتبني استثناء على جدار صدّك .
                    سأركع لأقبّل الثّرى في حقل كفّيك فأعدني بربّك إليك ...وشدّني طويلا إلى صحراء لا تشبه الصّحاري لأنّها استطاعت يوما أن تشرب البحر .
                    ..سآتي والبحر في كأسي ،سآتي وإن رفضت عنف المجيء سأركب البحر ثأرا لأمس غابر.فلا أحد هزم البحر ولا أحد يجرؤ أن يكون رحبا كالبحر سواكم.
                    موجتي تاهت خطاها
                    هدّها الإبحار طفوا
                    شوقها الطاّمي رماها
                    صوب أرض مرمر
                    ينبت الإبداع عندا
                    في ثراها
                    أتراها ؟
                    أمعن التّيّار صدّا في مداها
                    فدعاها
                    موكب التّرحال
                    ترسيه الصّحاري في قراها
                    ويح مائي .. !
                    ويح مائي ما قراري والأرض عطشى ؟
                    أو يرضى الماء منّي بالفرار؟
                    هل أكون ظلّ غيمة ؟
                    أو أكون قلب عتمة ؟
                    روح صخرة بالوعار؟
                    ويح مائي !قد يعود البحر فيضا من وقار .
                    قد يعود البحر وعدا بالعمار
                    قد يصير البحر بحرا مستعارا
                    ليس يعني ذاك شيئا
                    إنّما يعني حلولي
                    طيف حلم بالدّيار.
                    حين رفعت قلمي لأخطّ البيت الأوّل من القصيد، إنّما كنت أقصد التّواصل مع شاعر شدّ إعجابي ،ورغبت في التّواصل معه حين كنت في حضن الصّحراء ولم يتسنّ ذلك .إلاّ أنّني أجدني لا أقصد بالكتابة سواكم ،وأنّي أسيرة قلمي يحكمه التّورّط في هواكم، وأنّني مهما احترفت التّمرّد على الحصون، فلن يطال تسلّقي مداكم ،
                    ولئن كنت جدول ماء يتلمّس في السّهل طريقا ،يقتفي فيه خطاكم ،فإنّ الصّخر رام سطوه أن يكون الماء عينا في حماكم ،فاقبلوني هديّة صاغها اليمّ ومطلقا لا تسألو ا :" في الطّريق من رماكم ؟"
                    فما المسؤول بأعلم من السّائل ،فوحدهم الأطفال يعبثون بدائرة السّؤال .
                    ووحدي أعلم حقيقة أنّني طفلة ،طفلة تكرّر أخطاءها .طفلة يطلب منها أن تشرع في تفصيل كفنها إلاّ أنّها لا تملك جرّ الزّمن إلى الوراء لتعود ملاكا ولا إلى الأمام لتصير امرأة ...
                    طفلة تتحسّس الصّعود إلى جبل النّسيان فتتعثّر خطاها عبر مسالك غاية في الهلع .أقنعة الرّعب تحاصرها وأمّها ما علّمتها كيف تقي طراوة قدميها من الحصى الّذي له رؤوس كالإبر، أمّها تمرّست الحفاء على الجمر إلى أن صارت في خشونة الصّخر قدماها .أمّها ما عاد بقدرتها ثني أصابع يدها لأنّها حينما الأعراس حنّت للقمر أوقدت في الشّمع ليلا حتّى احترقت يداها .
                    يعاود الألم قلبي الحمامة .
                    يعاودني الحلم حتّى النّخاع ..
                    تتملّكني رغبة في السّجود ...
                    الأرض تناديني ...
                    تذكّرني بحقّها في أنفي وجبيني ...
                    سأصلّي ،
                    سأصلّي لا تستحثّيني ،
                    سأصلّي إلى أن أعرف أنّ في السّجود نهاية جنوني ...
                    أيّ وهم أوقعتني فيه أيّتها السّمكة الّتي لم تقنع بنعمة الماء ،فتسحّبت تناشد الصّحراء ؟
                    أيّ وهم سقيتني ؟ لأقتفي أثر التّرحال ...وأجدل من سنوات عمري شبكة تتقاذفها طيّات الغربة .
                    رؤاي تطاردني ،سذاجتي ما عادت تغفر عثراتي ولا تبرّر طيشي أنياب عزلتي .
                    وأنا !أنا ما عدلت يوما عن مراودة الأمنيات المعلّقة وما كفّ المجهول عن مشاكستي حتّى إذا داهمني الدّمع رحلت إليك .
                    أنا واللّيل وبقايا صور وأشلاء حلم يراودني فأرتق اهتراءاته ...في زاوية تقبع أسمال ذكريات ضبابية بلون الزئبق.
                    شفق تلوح خلفه عاصفة حبلى ،العطش يفترش هضابي وسهولي قاحلة ...
                    هل تلد العاصفة مطرا ؟فترتوي تخومي ،وتنطلق الدّماء سائقة قطعان الأماني إلى ضفاف الفرات ؟هل يكتظّ الوجد ليلة ،فيحشرني في زمرة من منّ عليهم الخالق بقلوب خفّاقة تفرّ منها وإليها الدّماء ،كلّما انهمر سيل اللّهب وانخفض مستوى المالح ؟
                    هل ...وآلاف الأسئلة يقطعها رنين مباغت .هذا أنت !لماذا لا تنفعل هذه القبضة من البلاستيك ؟لماذا لا تقفز تلك القفزات الّتي تضطرب لها حركة الأرض وترقص لها سائر الأفلاك في الفضاء ...؟
                    مزيج من الغيظ المكتوم والحنق يحيلاني إلى حالة من الإحباط ...
                    ثمّ لماذا يعنّ لك أن تكلّمني الآن بالذّات ؟ولماذا يفسد عليّ صوتك حالة السّكينة الّتي تملّكتني ؟يأخذني من لحظات سرمديّة يجود بها قلمي وأوراقي فترتفع روحي قليلا ،وتسمو .هذه الرّوح الّتي أجدها الآن بين يديك لا تطال السّماء لتعتلي قبّة من قبابها وتتّشح غيمة من غيماتها وتنام في سلام .ولا تهنأ بموطئ قدم على الأرض لتمدّ فيه جذورها وتروي براعمها من مخزون نمائها .
                    تلك هي روحي الّتي صفعتها نبرات صوتك ففرّت من أمامها الكلمات وانسكبت قطرات الحبر وساحت لترسم إلها عاجزا وإلهاما أخرس .
                    لماذا ؟لماذا يأتي صوتك بكلّ هذا الفزع ؟لماذا يزرع الفزع بياضا ممتدّا ..وصحراء تشرب من البحر ولا ترتوي ...لماذا لم تمدّ في حبل الغياب يوما آخر ؟ليلة أخرى ؟ساعة فقط كانت تكفي ....
                    :" دثّريني في حرير صوتك ،ولفّيني في قطن صخبك وصمتك ..ألبسيني عباءة همسك واجعليني طيفا ينسكب غيثه مع خصلات سحرك .."
                    " رشّني حبيبي بخمر جنوبك ..ودعني أكتحل كلّ مساء بأخايل وحيك ،وأتطيّب بالصّبر على يوم لا يأتي ،ونهارات تحكم غلق أبوابها دون فجر يطلع ،وترخي جلباب سوادها كلّما مرّ خيالي بإحدى النّوافذ .
                    دعني أكفكف عبرات وهمي عسى عبرة توقف الطّوفان فتفيض أنهار وجدي على وجنتيك ،فتنثني الأرض على نفسها وتعكس دورانها ،حتّى إذا أدركت طفولتنا وأخذها المشهد وسهت عن إدراك القمر لذرّة من الزّمن سرقنا المستحيل من عيونها وفتحنا السّماء شهدا وصرت إليّ كما يصير اللّيل للصّباح ..وصرت إليك كما يصير الصّباح لصحوة لا ريب فيها ...
                    يهزّني صوتك العصفور كغصن كلما زادت رقّته زاد عناده ..وتجثم قطعة البلاستيك في غير اكتراث تتربّص بأنفاسي ،تسرقها نفسا نفسا ....وتلقي بحقائب عمري خلفها في قسوة .
                    لا الشمس ستعود من حيث جاءت ولا الأرض ستعدل عن تحالفها مع الرّيح لينسجا معا سنفونيّة البين عساهما ينجحان في بعث الحياة في قطعة البلاستيك فتتزامن صحوتها مع صحوتي على صوتك وهو ينسحب ...يغور ..وتهوي الصّور وتتجلّى الحقيقة حين تمتد يمناي ،تتحسّس موضع الألم فإذا بريعم بحجم حبّة الفستق يمدّ جذوره عميقا في فؤادي يحمل إليه وعدا أخضر




                    أسماء لجنة ترشيح النصوص
                    عائده محمد نادر/ تم
                    قصي الشافعي / تم
                    صبيحة شبر\ تم
                    أمينة اغتامي/ تم



                    كم روضت لوعدها الربما
                    كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                    كم أحلت المساء لكحلها
                    و أقمت بشامتها للبين مأتما
                    كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                    و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                    https://www.facebook.com/mrmfq

                    تعليق

                    • أبوقصي الشافعي
                      رئيس ملتقى الخاطرة
                      • 13-06-2011
                      • 34905

                      #11
                      (11)


                      شياطين الإنس/ أم عفاف


                      من أين لامرأة عزلاء بمثل هذه القوّة ؟كيف استطاعت أن تطرح مثل هذا الهيكل أرضا تخنقه حدّ الموت ،تجعل جسده مثل خرقة ممزقة أشلاء وكيف يستسلم هو لمثل هذا المصير دون أن تبدو عليه آثار مقاومة ؟
                      طال إطراقها فلم أستحثّها ،بل ظللت صامتا أنتظر أن تنحلّ عقدة لسانها في صبر.
                      تطوف أمي على الأبواب، تراقب ما إذا كانت مقفلة، تخاطبنا قائلة "الشّياطين لا تدخل الأبواب المقفلة " وتمضي إلى فراشها وقد ساد الاعتقاد لديها أنّها في أمان . أورثتني أمّي ذلك الحرص المفرط فصرت لا أنام إلا بعد أن أطّوّف بجميع المداخل...لم يتطرّق إلى ذهني يوما وأنا أسلّم نفسي للفراش ،أضع حواسي قطعة قطعة جانبا كما أضع ثيابي .وأنام كالأموات بأنّني سأصير فجأة لقمة سائغة لجحيم الارتياب.
                      بداية كانت مجرّد ومضات ينكرها خيالي ،ثمّ صارت صورا فاضحة الملامح ،صور أفقدتني القدرة على النّوم ،أخاف أن أنام فيأتي ذلك المغتصب يتسلّل عبر مسامّي ،يزرع سمّه الزّعاف فيّ ويمضي متلمّظا بعد أن يتركني في حالة خارج الوصف.
                      كم مرّة أعددت قضيبا حديديا بجانبي ! كم مرّة بتّ جالسة أراقص أخيلتي وألاحق أنفاسي فيتعذّر عليّ أن ألحقها في خضمّ مخاتلاته .كان دائما يغلبني ،يأخذ ما يريد ويختفي قبل أن تعود إليّ يقظتي .أصرخ بلا صوت ،وأمدّ يدي إلى سلاحي المهزوم أرفعه بلا حول ،تخرج كلماتي المقهورة :"يا بن الكلب ،يا خسيس ،يا مجرم ،ابن حرام ،أنت ابن حرام ،ألا تخاف الله ؟"
                      وتمضي أيّام أجترّ فيها خيبتي،أرتّب الأحداث أوّلا بأوّل ،أصنع سيناريوهات متعدّدة ،أقارب بين ما حصل وما يدور من حولي فتهن إرادتي وتحترق كل طاقتي في تفكير حلزوني عقيم .ولا أهنأ بهذا الاستقرار العليل حتّى يساورني ذلك الإحساس المقيت من جديد بأنّه سيعيد صنيعه، وأنّه سيأتي اللّيلة كعادته،يعبث بمقدّساتي، ويمضي شامتا إلى حيث لا أدري .ها هو يراقب حركاتي ،يرصد المكان ليرسم خارطة يتحرّك وفقها بلا أخطاء وها أنّ حالة التوتّر قد تلبّستني فصرت أضرب الهواء بقبضتي .أتمتم بكلام لا أفقهه . أصعد إلى السّماء في ثوان وأنزل :"لماذا يا الله ؟أنت سيّد الفضيلة فلماذا تسمح بذلك ؟.. ألست أنام كلّ ليلة على ذكرك ؟...أنا أستودعك نفسي كلّ ليلة، فكيف لا تضرب على يديه وتحفظ الأمانة كما يفترض بإله أن يفعل ؟ ألست قادرا على أن تسحقه ؟أو أن تمسخه ؟ماذا فعلت أنا لأستحقّ ما يحدث معي ؟ ما الجرم الذي ارتكبت لأكون لعبة بيدي سفّاح لا يخافك ؟؟؟"
                      عندما يملؤني الإحساس بحضوره أعرف أنه سيصل إلى ما يريد مهما فعلت .أعرف أنّه سيغافلني وسيصنع بي ما تصنعه طفلة بدميتها أو سفاّح بجثة ضحيّته. سيفصل رأسي عن جذعي أوّلا .ثم سيقطع يدي وسيعتليني كدابّة مطيعة .
                      لن أسمح بذلك ،سأحول بينه وبين مبتغاه وسأحبط كلّ مخطّطاته ّهذه المرّة وإن كلفّني ذلك ما كلّفني .
                      أقفلت الأبواب بالمفاتيح، أحكمت ربط المزاليج بما لا يسمح بخلخلتها بعد أن أدخلت كلّ ما أحتاجه إلى الغرفة حتّى إذا اقتضت الحاجة البشريّة أن أخرج ، لا أفعل تحت أيّ إلحاح .لن تكون المرّة الأولى الّتي أتوضّأ فيها بجانب الفراش .لن أغادر غرفتي حتى يفتح النّهار عينيه .
                      ليست المرّة الأولى التي أحاول فيها أن أقرأ أفكاره، أسبقه إلى قراراته وأكون مستيقظة حين يبدأ في تطبيق مخطّطه ،ولكن ....
                      ما مضى أكثر ممّا بقي من اللّيل ،كنت أعرف أنّه سيحاول فتح الأبواب بطريقته التي أجهل،فظللت أتابع ما يجري دون أن يصدر عنيّ ما يوحي بيقظتي .هاهو يدفع الباب بكل ما أوتي من قوّة .ربّما كان يملك نسخا من المفاتيح وذهب في ظنّه أنه يستطيع قلع حلقة المزلاج دون إحداث صوت .أو يكون محتفظا بفتحات سرّيّة في الخشب ؟ذراع المزلاج يتحرّك ،لعلّه مرّر يده وهو بصدد إزاحة الذّراع عن مكانه .كان عليه أن يفعل ذلك مع ثلاثة أبواب .لن يصل إلى باب غرفتي حتى يرتفع صوت الحقّ. لا أدري لماذا يسيطر عليّ الإحساس بأنّ صوت الآذان يردّه عن صنيعه ويردعه عن نواياه .كم أنا بحاجة لسماع الآذان .سيتسلّل الفجر ويوزّع شموعه على ملائكة الخير فتنقذني مما أنا فيه قبل فوات الأوان.
                      لم أسمع غير حفيف خطاه .تحرّك الهواء من حولي .لم يمهل استدارتي حتّى وجدته يلفّ جسدي بجسده العاري وكالعادة يسري ذلك الخدر في أوصالي فتبطل حركتي :"لو أقلّع عينيه بأسناني .أبتر عضوه هذا المتكوّر ككتلة من نار ".ركبتاه في متناول قبضتي .حرّكت أصابعي فاستجابت لي ،غرست أظافري في لحمه وأخذت أحرث جلده بكل ما أوتيت من غلّ.وأحسست بالأخاديد التي أحدثتها أظافري تنزف .تلطّخت أناملي بذلك السّائل الدّافئ ومازال ثقله يكبّل حركتي .فجأة تركني فاستجمعت كلّ قواي لأجلس وأضيئ المكان إضاءة كاملة .الباب مقفل كما تركته وذراع المزلاج في موضعه والكرسيّ يتكئ على خشب الباب لم يتزحزح ،وبقايا لحمه في أظافري وسائل أرجواني يصبغ أناملي وعرقه يبلّلني .أشتمّ فيه روائح آدميّة :"أين اختفى ؟ كيف تبخّر ؟كان هنا ..،والله العظيم كان هنا،في نفس الغرفة،لم أكن نائمة .لا تقل أنّني كنت نائمة .
                      تحدّث الكرسيّ ،تهزّه بعنف ،تتفحّص الأسلاك التّي ربطت في المداخل ،تسكب الماء البارد على وجهها ورأسها وتبكي منهارة .
                      ــ يا إلهي !أيّة قوّة جبّارة هذه الّتي أودعت فيّ !كيف لم أجنّ إلى الآن ؟ كيف لم أتداعى وأنهار ؟ وكيف لم تسقط مني حواسي في خضمّ ما يحصل ؟
                      وتستأنف :"علا صراخه فنظرت إليه أستفسره كان يتذمّر من الأبواب المقفلة والشّبابيك المربوطة ،ولم أكن لأحر إجابة ،وسقطت نظرتي منّي لتقع أسفل ركبتيه فوقف ريقي كشوكة في حلقي، وارتعشت أصابعي.إنها الأخاديد الّتي أحدثت يداي .ندوب طريّة بعضها مازال نازفا .تراجعت إلى الوراء، لا جدار يسندني ،عار عليّ أن أتراجع والحقيقة تطالعني بعينين حادّتين .لم أكن أنا ،كائن آخر بداخلي انفجر كبركان طالبا الثأر، وردّ الاعتبار لحرمة الرّوح المنتهكة .


                      أسماء لجنة ترشيح النصوص
                      عائده محمد نادر/ تم
                      قصي الشافعي / تم
                      صبيحة شبر\تم

                      أمينة اغتامي/ تم



                      كم روضت لوعدها الربما
                      كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                      كم أحلت المساء لكحلها
                      و أقمت بشامتها للبين مأتما
                      كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                      و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                      https://www.facebook.com/mrmfq

                      تعليق

                      • أبوقصي الشافعي
                        رئيس ملتقى الخاطرة
                        • 13-06-2011
                        • 34905

                        #12
                        (12)

                        ردّ زيــــــــارة .../ أم عفاف

                        مضى وقت طويل منذ زيارته الأخيرة لي، اشتعل الحنين بين ضلوعي مرّات ولكن كلما اعتزمت زيارته خانتني الفرص، وشغلتني اهتمامات أدنى .بين الرّجاء والتسويف وقفت، ولكن كسيحة كنت .لا يفصلني عن مسكنه سوى بعض ميل ومع ذلك فقد كانت الأماكن تأخذني، تطوّحني هنا وهناك، لتلقي بي بعيدا خلف نواياي ....


                        صدفة التقيته هذا الصّباح على غير توقّع. خجلت كثيرا من نفسي... أهويت أقبل يديه ولم يسحبهما كدأبه... شعرت بحاجته إليّ، فاقتربت أكثر.ورغم أننا وحيدين كنّا إلاّ أن جرأتي خانتني لمّا فكّرت باحتضانه .أرسل نظراته باللّوم فأحسست بالتشظّي، ونهشني النّدم على تقصيري....كيف أُخرج من حياتي شأنا بهذه الأهمية؟كيف يهون عليّ أن أتركه لغربته وحيدا؟ وكيف أتخلّى عنه كلّ هذه المدّة؟

                        لقد استنفذ كل طاقته في احتمال الألم حين غادرنا،وإلاّ ما هان عليه فراقنا .
                        لمّا طال صمته دنوت منه وسألته:"ألهذه الدرجة تشعر بالوحشة؟" وسرعان ما انفرجت شفتاه ليؤكد لي قائلا:"وأيّ وحشة... !" ثم تنهّد ورفع إلى عينين لا أخطئ تعبيرهما متسائلا :"متى ...؟" وفهمت بالقوّة ما يريد فقلت:"أتعني متى سآتي...؟" فهزّ رأسه بالإيجاب.عندها فقط أدركت فداحة جرمي .كيف أقابل لهفته بذاك الجفاء ؟ كيف أتنكر لذراعيه اللّتين احتوتاني دهرا في فيض من الحنان...؟ وعقدت العزم أن أغتنم كلّ لحظة قادمة في إطفاء الشوق إليه .

                        ولأني على يقين بأنه يعلم أكثر مما أدري أنا عن نفسي فقد حداني الأمل في معرفة أمر أثاره سؤاله، فقلت:"وهل تعلم متى سيكون ذلك ؟" وتعلّقت روحي بشفتيه .لم أكن خائفة، ولا خالجني التوجّس ممّا سيقول. فقط فكّرت بكيفيّة التّصرّف في الوقت الذي يفصلني عن الحدث.
                        كنت أتوقع أن يفيدني بإشارة ما... بتلميح ضمنيّ... ولكنه نفى علمه بإشارة من رأسه مؤكدا:"لا أعلم شيئا...لا أعلم شيئا ..."

                        افترقنا على وعد بأن لا أتأخّر عليه أكثر.
                        انصرفت تاركة جوارحي بين يديه، ولم يغادرني طيفه لحظة.
                        لم يكن في متناولي أن أهديه أكثر من قارورة ماء مزجته بزنجبيل منذ المساء. وما إن تململت الشمس في مهدها استعدادا لتسابيح الصّباح حتى وجدتني في
                        الطّريق إليه .
                        لمّا وقفت وجها لوجه معه، أمسكت دموعي والغصّة تبتلع ريقي، ورغم أنّه لم يكلّمني إلاّ أنّني أحسست احتفاءه بمجيئي.فوقفت أناجيه طويلا وأعتذر عن الغياب.
                        طال نشيجي الداخلي فخفت أن تخونني شهقة بلغت حلقي... استودعته الله واستدرت أهمّ بالانصراف، ولكنّي أحسست شدّا في ذيل ثوبي، فتقهقرت، فإذا بقارورة الماء تتدحرج بين قدميّ. انحنيت ألتقطها لأسكب ماءها الذي اختلط بدموعي على قبره.وقبل أن أجهش بالبكاء حثثت الخطى مبتعدة حتى لا يسمعني



                        أسماء لجنة ترشيح النصوص
                        عائده محمد نادر/ تم
                        صبيحة شبر\تم
                        أمينة اغتامي/ تم

                        زيـــارة خاطــفة ....
                        سمعت وقع العصا على البلاط الإسمنتيّ أمام غرفتي فعرفت أنّه أبي .أسرعت أستقبله عند الباب، مددت إليه يدي فردّها وفي مشقّة اعتلى العتبة ودخل.اجتاز حيرتي وعبر الممر ّوعوض أن يجلس على حافة الفراش الذي يليه واصل سعيه يجوب المكان ....
                        لا بدّ أن جللا حصل ...انتظرت أن يبادرني بالكلام لكنّه لم يفعل .
                        أجال عينيه في الفضاء فاستحضرت كل أخطائي ... انحنيت أريد تقبيل يديه فلفهما متراجعا ولكنه لم ينهرني فشجّعني ذلك على الاقتراب منه لأمسك بكتفيه وأسأله عن حاجته . لم يجبني فتعاظمت حيرتي وانتابني هاجس غير مريح .

                        رفع عينيه فجأة إلى رفّ أعلّقه وأضع عليه ما أخاف ضياعه في متاهات الغرفة. مدّ يده ليتناول لفافة خبأّت فيها "شاشية" كان يلبسها ...حدثتني نفسي وأنا أغسل ثيابه يوم مات أن أحتفظ برائحته فيها لأعود إليها كلّما اشتقت إليه .

                        حين استيقظت في موعدي اليوميّ للصّلاة، كانت اللّفافة عند الباب فارغة وبقايا طيبه تلامس أنفي ...


                        أسماء لجنة ترشيح النصوص
                        عائده محمد نادر/ تم
                        قصي الشافعي / تم
                        صبيحة شبر\تم
                        أمينة اغتامي/ تم



                        كم روضت لوعدها الربما
                        كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                        كم أحلت المساء لكحلها
                        و أقمت بشامتها للبين مأتما
                        كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                        و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                        https://www.facebook.com/mrmfq

                        تعليق

                        • أبوقصي الشافعي
                          رئيس ملتقى الخاطرة
                          • 13-06-2011
                          • 34905

                          #13
                          (13)
                          1..حظر تجوال
                          مليكة الفلس
                          دورية الأمن تلهب الشوارع المقفرة تتفقدها بعد أن فرض حظر التجوال ليلا، تنقب بين الأزقة المظلمة عن مجرم خطير فر بغفلة من أعينهم ،بينما رجل يكسر الحظر ، الركض على أشده من قبل الطرفين ، لكن يبدو أن الرجلَََ مرتبك، لأنه يركض كل مرة في اتجاه . يأمرونه بالتوقف، يواصل الفرار،يصل الأمر إلى عنق الزجاجة :
                          -إما أن تتوقف ،أو نطلق عليك الرصاص.
                          يتوقف الرجل ، و يستدير نحو رجال الأمن رافعا يديه حذو رأسه،ويتعالى صراخهم من جديد..
                          -ضع ما بيدك أرضا، ارم سلاحك
                          يرفض الرجل رمي ما بيده ،ويأتي القرار حاسما :
                          -إنه مسلح ،إنه يقاوم، أطلقوا النار عليه .
                          أطلقوا النار وما كادوا يفعلون ،حتى هوى الرجل أرضا.
                          يقتربون منه في حذر،يزحزحه أحدهم برجله، يفتشونه بحثا عن دليل مقاومة.. ساعتها فقط ،يتضح أن الرجل كان عجوزا متشردا ، تحتضن يده في حرص كسرة خبز يابسة.


                          أسماء لجنة ترشيح النصوص
                          عائده محمد نادر/ تم
                          قصي الشافعي / تم
                          صبيحة شبر\تم
                          أمينة اغتامي/تم




                          كم روضت لوعدها الربما
                          كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                          كم أحلت المساء لكحلها
                          و أقمت بشامتها للبين مأتما
                          كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                          و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                          https://www.facebook.com/mrmfq

                          تعليق

                          • أبوقصي الشافعي
                            رئيس ملتقى الخاطرة
                            • 13-06-2011
                            • 34905

                            #14
                            (14)
                            زخات برد../ مليكة الفلس

                            انطفأت ثلاثون شمعة أو يزيد من عمري والحال لا يزال هو الحال ..تتقلب ساعاتي على جمر ليل عاف النوم وكره.تترجل عيناي من مقلتيهما ،تفتح مقلتي زوجتي، تفترشهما لتحتمي بها من صخب إيقاع غطيطها النشاز،لكن ،يزداد نوم زوجتي عمقا ، وتزداد أبواق السيمفونية ضغطا على أوتار سمعي وشُرُفَاِت ليلي ،و يلبس طنين العتمة والحنق أعماقي..أتحسس فراشها المخملي بيد زلزلتها ذبذبات الرعاش اللعين،فيلفح راحتي دفء جسد لطالما سقاني من متع الحياة جرعات، تزداد وتيرة الشخير كلما تحسست نحرها،فيطرق مخيلتي هاتف :
                            -فيم ترددك على نحرها ؟
                            في فورة الغضب ،أهش عني نبراته وأتقدم شاهرا يدي الاثنتين تجاه عنقها .تتعالى ذبذبات الشخير ..يزداد حنقي .. يأبى الشخير إلا أن يتفنن في تغيير وتيرة نبراته ،ويأبى فتيل حنقي إلا أن يزيد اشتعالا ..أحاول مرة، اثنتين، وثلاث. وأخيرا أستجمع قواي و أهجر الفراش .أنزوي في برج من أبراج روحي ،أتأمل وضعا بات جزءا مني فأشعل لفافة من حقدي أتركها تحترق في برود تام وأتمنى لو أني أقدر !..وضع حد لمعاناتي فأجد لسان حالي يقول : هل حقا أستطيع خنقها في برود تام ...؟
                            وفي غمرة الصراع مع النفس يرتفع الغطيط مجددا ،وترتفع جرعة الغضب،تنقلب زوجتي على جانبها الأيمن، تجاهي تماما .أتأمل وجهها الصبوح و أستحضر كل حسناتها بما في ذلك صبرها على ضيق ذات اليد ومعاقرتي الخمر ووكزي لها كلما عنّ لي ذلك لم تجرحني يوما ..ما عدا يوم قالت : "ما رأيت منك خيرا قطُّ" .
                            ولهذا تنحني هامتي في انتظار مرور العاصفة وآوي إلى حنايا أضلعي أراود نفسي عن هواها من جديد فأهرع إلى مخيلتي أجثت أفكارا نمت بحجمي وحجم سنين العشرة الثلاثين النائمة في حضن أرقي،أنتف وأرمي في أنحاء أعماقي استعدادا لتلقي جرعة صبر زائدة .
                            وذات إغفاءة ،يلبسني الذهول عندما ألمح شيئا يلتقط في لهفة أفكاري المبعثرة , ,ينفث فيها روح الحقد والتمرد من جديد ويحاول جاهدا حشو رأسي بها.
                            بعد صراع مرير ,يتضح أنه "اللا شعور"جاء يدفعني إلى قتل في برج الذاكرة للتخلص من زوجتي ،يناولني سيفا حادا لأفصل الرأس عن الجسد.
                            بين الإقبال والإحجام ,كانت زخات برد تلسع جسدي فأنتفض كطير جريح,أصرخ بصوت مبحوح لا يكاد مداه يتجاوز لساني ,
                            ,وأتمنى لو أن أحدا يخلصني من الكابوس اللعين و يلفني بلحاف يشعل دفئي ..

                            أسماء لجنة ترشيح النصوص
                            عائده محمد نادر/ تم
                            قصي الشافعي / تم
                            صبيحة شبر\تم
                            أمينة اغتامي/ تم




                            كم روضت لوعدها الربما
                            كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                            كم أحلت المساء لكحلها
                            و أقمت بشامتها للبين مأتما
                            كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                            و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                            https://www.facebook.com/mrmfq

                            تعليق

                            • أبوقصي الشافعي
                              رئيس ملتقى الخاطرة
                              • 13-06-2011
                              • 34905

                              #15
                              (15)

                              شهداء الماء...فطيمة / بسباس عبد الرزاق

                              يحدث أحيانا أن نسقط تلقائيا في بحيرة الذكريات مرتاحين و مبتسمين، نعيد الساعة للخلف بهدوء، نعيد تصميم أحلامنا الساذجة، نستعيد مشاغباتنا البريئة و بطريقة سريالية.

                              الماضي شجرة تنمو بداخلنا، تنمو كلما تقدمنا نحو الشيخوخة، البعض يعتقد أن الشيخوخة فيروس تفرزه الطبيعة للتخلص من خطايانا. و البعض يعتبره سيجارة ماريجوانا ندخنها لنستطيع تجاهل الحاضر.

                              وحدي كنت ظاهرة ربما، و استثناءا بشريا، أنزلق فوق سطح المرآة، أنزلق دون أن أعير للماضي أية حركة، أخاف تعكير حاضري بترسبات الألم إن أنا سقطت في الألبوم، أنظر للمرآة، أراهم يبتعدون، لا يتكلمون فقط أصابعهم تشير نحو الماء. - ما الذي يجعلهم عطشى هكذا؟ صمتهم كفيل أن يجرح المرآة، الفراغ مزدحم بصمتهم حد السكون الصاخب بالحزن.

                              تزدحم الصور رغما عني أحيانا، تجبرني على الغرق، تقتلعني من حاضري، مثلما تقطف الورود.


                              كان ينادي علينا:

                              -هيا ليزونفو1

                              كنا نلاحق أحلامنا بجانبه، نحمل دلاء فارغة تماما من الماء، تكبرنا شكلا و نكبرها طموحا.

                              -هيا نجيبو الما2

                              هذا المساء الشمس حارة جدا، لا تشبه الأيام الماضية، كنا نمسك أيدينا نحن الثلاثة.

                              -يا لولاد


                              أذكر أنني كنت أمسكهم خوفا عليهم، كنت الملاك الحارس بالنسبة إليهم، قدوتهم في الشغب و العبث.

                              فطيمة التي تصغرني بسنتين، و التي أراها في وجه ابنتي و كأنهما شخص واحد، فراشة تستطيع الإمساك بقلبك، و لا تستطيع إلا أن تكون حديقة لأجلها، كانت هي حياة والدي، كنت أعرف ذلك و لم أعترض يوما على ذلك، كان يباهي أصدقائه بجمالها و فطنتها، كان الوحيد الذي لا يستحي بابنته.

                              كانت هي من تضئ دنياه، و كنت شريطا هامشيا معها. حضر جارنا في لحظات و أمسك ابنه و أختي فطيمة بيديه، لم أفهم كيف تنازل والدي عن صحبة ابنته ذلك اليوم بسهولة، و أمسكني و أخي عاشور، و توجهنا نحو عين*حنفية عمومية أقامتها الدولة* الماء.


                              القرية التي أسكنها صغيرة بحجمها و بأحلامها المائية، قرية تحيط بها غابة صنوبر في خطوط هندسية مصممة لتكون سدا في وجه الصحراء.

                              كانت تفصل العين عن قريتنا طريق وطني غاضب، كلما ثارت ثورته اغتصب عائلة، و في أفضل حالته كان يهدد شخصا بالموت. اقتربنا شيئا فشيئا من الطريق و هممنا بقطع الطريق، أمسكني والدي بقوة و ضغط بيديه الكبيرتين على يدي بشيء يشبه الخوف و الحب.

                              -عندما تمر تلك السيارات نعبر الطريق بسرعة.

                              و في حركة مفاجئة عبر جارنا الطريق و بين يديه فطيمة و إبنه .

                              صرخ والدي: ماذا تفعل؟

                              تنبه الجار لسيارة مسرعة نحوهم جهة اليمين و من اليسار سيارات كثيرة، توقف..

                              فطيمة مثل الفراشة لا تعرف لكلمة توقف معنى، ربما ترفضها بطبعها.

                              تابعت فطيمة سيرها بخوف أو هو التحليق طبع الفراش، يحلق بحرية لا يخاف من السقوط. فطيمة بثوبها الأبيض الذي زين بالورود كانت كأنها ترقص، لا تعبر طريقا.

                              الآلات لا تحس أبدا، تلتهم الناس بترف، لا تكتفي أبدا.

                              فطيمة تقع فريسة للطريق الغاضب جدا هذا اليوم. فطيمة قربان جميل للعين، أو ربما نذرت العين فطيمة قربانا للطريق.

                              فطيمة كانت سربا من الفراش ترميه السيارة في الهواء، أخيرا طارت فطيمة و حققت أمنيتها بالتحليق.

                              --------------------------------------------------
                              1(هيا ليزونفو):*الأولاد بالفرنسية هكذا ننطقها معربة لكلمة les enfants*
                              2(هيا نجيبو الماء):*نأتي بالماء*


                              أسماء لجنة ترشيح النصوص
                              عائده محمد نادر/ تم
                              قصي الشافعي/
                              صبيحة شبر\تم

                              أمينة اغتامي/



                              كم روضت لوعدها الربما
                              كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                              كم أحلت المساء لكحلها
                              و أقمت بشامتها للبين مأتما
                              كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                              و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                              https://www.facebook.com/mrmfq

                              تعليق

                              يعمل...
                              X