خاص بأعضاء لجنة ترشيح النصوص

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أبوقصي الشافعي
    رئيس ملتقى الخاطرة
    • 13-06-2011
    • 34905

    #31
    (31)

    متاهة الصَّمت
    صبري رسول




    ترسمُ المشهدَ بريشتها الصَّغيرة، وتظلّله بألوان الصَّمت. فتَظهر الحيويَّةُ بدونِ ضجيج كصورة فتوغرافية. لا تُظهِرُ ما يوحي بأنَّها ترسمُ بطلبٍ من أحدٍ، تُتقنُ عملها بمهارةٍ عالية، وتتّخذُ من الصَّمت مكاناً للمرسم ، وطقساً شخصياً لعملها الفنّي. دخلْنَا القرية صباحاً، كنَّا ثلاثة، نبحثُ عن أحوالِها التي باتت محيّرة للنَّاس، بين مصدّقٍ ومشكّكٍ بها؛ فمنهم من يراها صورة أسطورية، رغم ما بها من مظاهر الزَّمن الحالي المنفلت من قيود الحسابات، ومنهم من يراها حالةً مُنقَادة بفعل المسيِّرين لأحوالها. دخلْناها عند انصراف النَّاس لشؤونهم اليوميّة، فوجدْنَاها غارقةً في الصَّمتِ الضَّبابي الكثيف، لم نسمعَ صِياح الديوك، ولا خُوار الأبقار، ولا ثُغاء الأغنام، لم نسمع أصوات الأطفال؛ ومظاهرُ الحركة الطبيعية القويّة باديةٌ عليها. في البيادر الفسيحة كانت الحصاداتُ الخضراءُ تعمل نشيطةً، غبار التِّبن يرسمُ حزماً بيضاءَ خلفَها، والفلاحون يقدِّمون لها أكواماً من الحصيد، لكن لم نسمعْ لها هديراً ولا صوتَ أحدٍ ينادي الآخر، كلٌّ يؤدّي عمله بإتقانٍ؛ في الطريق التُّرابي بين القرية والنبع كانت الفتياتُ يتمايلْنَ بقاماتهن الرَّشيقة في طريقِهن إلى نبع القرية، ذاهباتٍ، عائداتٍ، حاملاتٍ جرارهن على أكتافهن، لم نسمع ما يجري بينهن من أحاديث ودردشات، ولا أغنياتٍ شعبية تنشدُها الرّيفيات في أعمالِهن. في مزارع الكروم كان الفلاحون يعملون بنشاط، منهم من يبني سياج المزرعة بأحجارٍ بازلتيَّة سوداء، ومنهم من يقطف عناقيدَ عنبٍ ويجمعُها في سلالٍ من قصب، ولم نلحظ بأنهم يتحدثون مع بعضهم، ولم نسمع لهم كلاماً وكأنَّ على رؤوسهم الطير. في الطّرف القصيّ من القرية وعلى الصخرة المنبطحة قرب النَّهر كانت النِّساء يغسلْنَ الصُّوف بضربات من العصي، وينشرنَه على أكياسِ الخيش وقصبِ البردي المفترش على حافة النّهر، والصّغار حولهن يقفزون ويسبحون في البرك الصغيرة، و لم نسمع شيئاً من هذه الحركة. وحده الصّمت سيد الموقف، وكأنَّ النَّاس قد ابتلعَوا ألسنتهم، أو كأنَّ الكلامَ باتَ محرَّماً عليهم؛ سحناتُهم معجنةٌ بتقاسيمِ بصماتِ الشَّمس. مظاهر العمل والحياة اليوميَّة تؤكِّد استمرارية طبيعيّة لنشاط النَّاس. وحدَها كانت تلك الفتاةُ الصّغيرةُ جالسةً على كرسيٍّ صغيرٍ أمامَ أحد البيوت الطينيَّة الواطئة، ترسمُ المشاهدَ القروية بألوانٍ زاهيَّةٍ، تلوّنُ سراويل الفلاحين بالرمادي الكالح، وتنشر غسيلَ الصُّوف بلون القطن اللامع، وتُصفِّف عناقيدَ العنب بالأحمر الدَّكن، وتتركُ البيوتَ متناثرةً بفوضويَّة على كلّ الجهات، لكنَّها كانت تعملُ وفقَ قانونَ فتنةِ الصَّمتِ الذي يغلّفُها بثقلِهِ الضَّبابي. ترسمُ المشهدَ، وتظلّله بألوان الصَّمت. لاحظنا قبل مغادرتنا القرية بأنَّنا ننتقلُ إلى عالمِ السُّكوت، فلم نعُدْ نتحدَّثُ مع بعضِنا، نكتفي بتسجيل عوالم النَّاس بصمت.



    أسماء لجنة ترشيح النصوص
    عائده محمد نادر/ تم
    صبيحة شبر/ تم
    قصي الشافعي / تم
    أمينة اغتامي/ تم




    كم روضت لوعدها الربما
    كلما شروقٌ بخدها ارتمى
    كم أحلت المساء لكحلها
    و أقمت بشامتها للبين مأتما
    كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
    و تقاسمنا سوياً ذات العمى



    https://www.facebook.com/mrmfq

    تعليق

    • أبوقصي الشافعي
      رئيس ملتقى الخاطرة
      • 13-06-2011
      • 34905

      #32
      (32)


      غبارُ البَرَارِي

      صبري رسول


      وضعْتُ قلبي على كفّ القلقِ، تركتُه يتمرَّغُ في ارتباكٍ لا يذعنُ لقراري، ثمَّ رسمتْ أصابعي توقيعاً بليداً كوجهي النّاعس على وثيقة سفرها. ثمَّ سافرتْ. قالَ ذلك لنفسه بحسرة. وقفَ أمام ذاك الرَّصيف متذكراً تلك الأيام التي كانتْ تزحفُ الصَّغيرة فيها في هذا المكان، تحبو مسرعةً لاستقباله كلما سمعَتْ صوت الباب، تصلُ أمام قدميه محاولة التّسلق فيهما، أو تطلبُ منه أن يحملها، تلفُّ يدَها الصَّغيرة على رقبته، تعانقه بحسّها الطّفولي المائي، بعد أن يُمطرها بقبلاته. تأمّل حديقةَ المنزل الصَّغيرة، حيث تُسوِّر أركانَها شجيراتُ (البُونْك المُزَهَّرة و هيرو) ذات الأزهار البنفسجية والصفراء، بقاماتها المتفرعة المليئة بكبرياء الأنوثة؛ الأنوثةُ زهراتٌ توقَّدَتْ مع شلالات الإحساسِ بوجودِ الكائناتِ الأبدية، فترقَّتْ بهبوبِ الضَّوء على بتلاتها؛ تجاورُها شجيراتُ الورد الجوري زاحفة بخصلاتٍ منها على عريشة العنب المتكبّر، ثمَّ قال لنفسه: هنا كانت تلعب في عامها الثاني، تلاحقُ الفراشات الملونة بزعيقها البنفسجي، طالبة منه الإمساك بها، تولّدَ لديها حبُّ الملاحقةِ لحشرات الربيع الطائرة، وكلّما حملَها في حضنه تؤشّرُ بيدها إلى الأشكال الملونة حيث تخضع لجاذبية جمالها، وفي أحيانٍ كثيرة تريدُهُ أنْ يركعَ على يديه ورجليه لتركب على ظهره، حيث متعة الفروسية أقوى من كلّ الألعاب. في عامها الثَّالث تطلبُ منه أن يلعبَ معها لعبة(توم وجيري) فتقفز بحركات سريعة هنا وهناك، حيث ترتّبُ مقالبَ لجيري، وهي يجب أن تفوز دائماً، لا ترضى أن تخسر في أدوارها، تمثّلُ أدوار الأذكياء والأقوياء. تحبّ قصصَ الحيوانات، ومغامرة السّمكة الشقيّة، وتسأل: لماذا لا يعيشُ السّمك إلا في الماء؟ لماذا لا تعيش العجول في البحر؟ لماذا لا نطير مثل العصافير؟ فتفوزُ هنا عليّ لتخسَرَ هناك في أرضِ الأدخنة. هناك، حيث المجهول يلفُّ مصير الإنسان، اختبأ وجهُهَا وراء الأدخنة المنبعثة من اختلاف اللغات الغائرة في مصائرها الدائرية، أعمدةُ من الأدخنة تصعدُ منذُ الأزل لتلحفَ الجبالَ العملاقةَ المصبوغة بثلج العمالقة، هناك، كانَ صوتها يعلو على الأدخنة المشتعلة من شرَرِ الشّوارب الكثَّة الشَّبيهة بلحية شجرةِ (قُولَقْ). زعيقُها البنفسجي يرنُّ أثناء ملاحقتها الفراشات المخنوقة من الدّخان، صوتُها، المكتسب الآن نغمة الأنوثة، يعلو بتساؤلاتها: لماذا لا يعيش السّمك تحت الدخان، لماذا لا يلعبُ المراهنون على الأدخنة لعبة( توم وجيري)؟ كان ذلك لعبةً، أنْ يسرقَ أحدٌ خَطْوَ توقيعِكَ، لتأخذَ فراشتَكَ الغضَّة إلى أرضٍ مشتعلةٍ بحرائق القادمين من وراء المحيط، لعبة من خيال شهرزاد. نسَجَتْ المرأةُ الأمُّ خيوطَها بذكاءٍ يصلُ إلى مرتبة الخديعة الكبرى، الخديعةُ الكبرى كجبالِ العمالقة تُمَرَّرُ بدهاءٍ من نفق الكيد، حتى تستقرَّ بأرض الأدخنة الأبدية الزرقاء، ثمَّ تُرَتَّبُ الحكايةُ بلسانِ شهرزاد، وتُلْقَى على مسامع شهريار بعد فقدانِهِ اللِّسانَ، والسّيفَ، ولون الفراشات الضّائعة. تخبَّأَتْ وراء وداعة الحَمَل، تقنَّعَتْ بأوراق هيرو الأليفة المتناثرة تحت عريشة العنب(بضعة أشهرٍ نقضيها في الرَّصافة على طرفِ دجلة الشّرقي، ودجلة شاهدٌ وفيٌّ على أمري) أتقَنَتْ التمثيلَ الذي أحبَّتْه الصَّغيرة، ونصبَتْ فخاخها الكثيرة، لتنزع منه ذاك التّوقيع الأبله، وتأخذَ الصغيرة إلى أرض الحرائق والأدخنة، إلى براري الرَّافدين. سأل نفسَه ببلادة التّائه: هل مازالَتْ تذكرُ ذاك الرَّصيف الذي يحتفظُ بشكلِ حبوها؟ هل مازالت تلاحقُ الحشرات الطَّائرة تحت أدخنة الحرائق؟ هل ستطلبُ منّي أنْ أحبو على يديّ ورجليّ لتمارس فروسية الفرح؟ وهل تتذكَّرُ وجهَهَا المطبوعَ على خصلاتِ النّعناعِ عندَ قطفِ وريقاتها التي تختلطُ أنفاسُها مع الشّاي السيلاني؟ مازال قلبي على كفِّ القلقِ، ومازال توقيعي البليد على وثيقةِ سفرِها يتألَّمُ لغيابها عشر سنوات.
      الرِّياض في 12/5/2009م



      أسماء لجنة ترشيح النصوص
      عائده محمد نادر/ تم
      صبيحة شبر/تم
      قصي الشافعي / تم
      أمينة اغتامي/تم



      كم روضت لوعدها الربما
      كلما شروقٌ بخدها ارتمى
      كم أحلت المساء لكحلها
      و أقمت بشامتها للبين مأتما
      كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
      و تقاسمنا سوياً ذات العمى



      https://www.facebook.com/mrmfq

      تعليق

      • أبوقصي الشافعي
        رئيس ملتقى الخاطرة
        • 13-06-2011
        • 34905

        #33
        (33)
        قسم القصة القصيرة
        نص رقم 6
        وغربت شمس اليوم الثامن/ حارس الصغير

        وغربت شمس اليوم الثامن
        =====
        قالت العرافة :
        - انتظروه عند غروب شمس اليوم الثامن..
        أدمعت عينا أمي،وأزاحت ثديها الفارغ من اللبن عن فم أخي ثم أسندت رأسها إلي ضلفة باب المنزل،وقالت بصوت متهدج :
        - أثق
        في كلامها،وتجاربها السابقة خير دليل .
        ونهضت العرافة مسرعة،وكانت ترتدي ثيابا زرقاء مزركشة،وتضع صرة كبيرةعلي رأسها،وأسرعت خلفها،وأمسكت طرف ثيابها،وسألتها بلهفة وإلحاح :
        - هل صحيح سيعود الغائب؟
        رمقتني بنظرة حادة،ومضت في طريقها دون أن تنطق.
        أقبل اليوم الأول،وقالت أمي محذرة :
        - لا تذهب بأخيك بعيدا،فهناك لص يخطف الأطفال الصغار .
        دارت في عقلي الصغيرأفكارمخيفة،وتخيلت اللص يذبحنا خلف صخرة نائية بسكين حادة،ثم يطهو لحمنا ويأكله،غيرأن طعم اللحم كان مرا.
        أمسكت يد أخي،وتسلقنا شجرةعجوزا خارج المنزل،وبحثنا عن أعشاش العصافير،فوجدناها ميتة،ويبست أغصان الشجرة،وذبلت أوراقها،وألقت بها بعيدا ثم قذفت بنا في أرض وحلة كانت نهراعذبا رحلت عنه الأسماك.
        تلطخت ثيابناالممزقة بالوحل،فألفيت وجه أمي غاضبا ينظرألينا بقسوة وينهرنا : "من أين أتي لكما بثياب أخري" ،ولابد إنها ستضربنا . أحدقت القرية بنظرة حانقة،فكانت ذابلة العروق،وفارقتها الحياة .
        وفي اليوم الثاني،قالت أمي بلهجة أمرة :
        - اذهبا
        لتعملا مع أبيكما .
        تذكرت
        وجه صاحب الأرض الغاضب،وشاربه الكث،وعصاه الصغيرة التي دوما ماتضع بصمتها فوق أجسادنا . وتذكرت ابنه السمين الذي دائما ما يتشاجرمعنا،ويسخر منا ويعايرنا بملابسه الجديدة ولعبه الكثيرة . فأقسمت بأني لو رأيته لأضربه ضربا مبرحا،ثم أقتل أباه . قلت لأخي :
        - هيا نتسابق .
        - أنت كبير،وأقدامك كبيرة وستسبقني مثل كل مرة .
        قلت له مداعبا :
        - سأبطئ
        من جري حتى تسبقني .
        صاح بسعادة شديدة :
        - صحيح
        !!
        - صحيح
        .
        وتسابقنا حتى وصلنا إلي الحقل،وقد سبقته كالعادة،فحزن مني،وقال بأنه لن يكلمني بعد اليوم .
        وجدنا
        صاحب الأرض وابنه جالسين يتابعان الأنفار،وقد اعتلت صيحاتهما بالتهديد والوعيد لمن لايعمل بجد. وكان أبونا منكباعلي فأسه يضرب بها في الأرض بقوة،وقد ربط خاصرته بقميص أزرق ممزق بانت له ساقاه الرفيعتان .
        ورآنا ابن صاحب الأرض،ونظر إلينا نظرة هازئة ثم نهض واقترب منا،وقال ساخرا :
        -
        لاعمل لكما هنا،وسأطرد أباكم .
        رمقته بنظرة حانقة،وودت لو أصفعه :
        - سأضرب أباكم .
        صفعته علي وجهه،فصرخ باكيا،ثم اندفع أبوه نحونا،وضربنا بقوة حتى أسال الدماء من وجهينا،بينما ظل أبونا ساكنا ينظر إلينا في حسرة وألم .
        قفزنا
        في الهواءغضبا،وضربنا الأرض بأقدامنا الصغيرة،فغضبت وأقسمت بأنها لن تثمر بعد اليوم .
        وفي اليوم الثالث،نادي ميكرفون الجامع :
        - مطلوب
        أنفارللعمل بالعراق .
        شددت أمي علي أبي :
        - بسرعة ...العدد المطلوب قليل .
        هرع أبي مسرعا،ولكزت أخي في قدمه،وأسرعنا خلفه .
        واكتظ
        الجامع بالمصلين علي غيرعادته،ففرحت وقلت لأخي :
        - النهاردة العيد!!
        رمقنا
        رجل يرتدي بالطو أصفر!ممسكا بعصى صغيرة تحت إبطه،وقال بصوت أجش :
        - أطفالأغبياء .
        خفنا منه،ثم جاءالقطار فركب الرجل صاحب البالطو الأصفر،وتبعه المصلين،ومضي القطاربعيدا.
        وفي اليوم الثالث،حملت كتبي وكراريسي وذهبت إلي المدرسة مليئا بالحماسة والنشاط.وقفت في الطابور منتظراً تحية العلم،بيد أن الناظر استقبلني بابتسامة صفراء،وقال بصوت حاد :
        - لم تدفع المصاريف.
        نظرت إلي الأرض وخرج صوتي واهنا:

        - أمي لا
        تستطيع دفع المصاريف .
        أوجعني بعصاه
        علي ظهري،وطردني من الطابور،وقال بصوت نزق:
        -
        لامكان هنا لأبناءالخادمات .
        غضبت
        ،وأمسكت بقلم رصاص جعلته مدية طعنت بها الناظر،فنظر لي هازئا دون أن ينزف .
        خرجت من المدرسة مسرعا،ونظرات التلاميذ تتابعني متألمة.
        وفي اليوم الرابع،نظرت أمي إلي وجه أختي الذابل،وقالت باكية :
        - أجرة
        الطبيب غالية،وإذا وجدنا أجرة الطبيب،فمن أين لنا بثمن الدواء؟!
        كانت أختي زهرة يافعة في بستان أخضرملئ بالورود،وكان وجهها أبيض مستديرا مختلطا بحمرة خجلة،وكانت حينما تنظرإلي نهديها الصغيرين خلففستان أصفرممزق تغني بصوت عذب أغنية حزينة،وكانت تشاركها العصافيرالغناء .
        وتطلعنا إلي أختي فصار وجهها أصفر ممتقعا. صرخت أمي صرخة مفزعة انطفأت لها أنوارالمنزل . وجاء أهل القرية وحملوا أختي في نعش خشبي،وذهبوا بها إلي أرض نائية،وأهالوا عليها التراب،ونبت فوق التراب زهرأحمر .
        وفي اليوم الخامس،تطلعنا إلي السماء،فوجدنا طائرة صغيرة تحلق بعيدا،فهتفنا :
        - ياطائرة أحضري لنا الغائب .. ولم تسمع الطائرة نداءنا،وتحولت غرابا أسود نعق بصوت قمئ،وأمسك لتوه بفأرصغير؛فتذكرنا الجوع،ورجعنا إلي البيت،وقلنا لأمي :
        - نريد طعام .
        نظرت أمي متجهمة،وأشاحت بيديها ثم أشارت إلي أواني فارغة،وذهبت إلي غرفتها وأغلقت خلفها الباب،وسمعنا نحيبا،وبتنا دون عشاء مثل ليال ماضية .
        وفي اليوم السادس،انطلقت الزغاريد في القرية،فسألت أمي :
        - ما
        الخبر؟
        لم تكترث أمي،وألححت عليها فأجابت ممتعضة :
        - زينب
        بنت احمد المنجد ستتزوج.
        طرقت كلماتها صدري،وأدركت أن الحياة لاتستحق،وتذكرت زينب،وتذكرتوجهها الندي،وفمها الأحمر،وعينيها الخضراوين،وتذكرت حديثها " أحبك،ولن أتزوج أحداغيرك "
        انطلق صوتي يائسا :
        - ومن ستتزوج؟
        أجابتني :
        - ابن
        رجل غني عنده بيت كبير،وتلفزيون وطبق دش وأجهزة كثيرة .
        وجدت نفسي أمسك سكينا أذبح بها شخصا مجهولا دائما ما يتربصبي .
        وفي اليوم السابع،سألت أمي جارتنا :
        - ألم
        تسمع أخبارا جديدة في التلفزيون .
        ثرثرت جارتنا كعادتها،وكانت مكتنزةيطفح لحمهامن تحت الثياب،وأجابت:
        - الحرب دائرة والموتى كثيرون.
        تضايقت أمي،وأردفت جارتنا :
        - قلبي
        معك،فالغائب عزيزعلينا .
        وجمت
        أمي،وأغلقت الباب،ونظرت إلي نفسها في المرآة،فوجدت شعرها صار لونه أبيض . وفي اليوم الثامن،جلست أمي القرفصاء علي أريكتها الملاصقة لباب المنزل،وأحنت وجهها إلي الأمام،وطقطقت بمسبحة في يدها،منتظرة تحقيق نبوءة العرافة عند غروب الشمس. وبعينين واهنتين فقدتا كثيرامن نورهما أخذت تبحث عنا، ثم قالت بصوت واهن ضعيف :
        - انتظرا الغائب عندغروب الشمس .
        اقتربت منها وأخذتها في حضني،وتذكرت وجوها كثيرة رأيناها نبحث فيها عنه مع كل قطار قادم جريا وراء خبر أو إشاعة دون فائدة . ومكثت في حضنها طويلا حتى غربت الشمس وغابت بعيدا..
        وما عاد
        الغائب.



        أسماء أعضاء لجنة ترشيح النصوص
        عائده محمد نادر/ تم
        صبيحة شبر/ تم
        قصي الشافعي / تم

        أمينة اغتامي/تم



        كم روضت لوعدها الربما
        كلما شروقٌ بخدها ارتمى
        كم أحلت المساء لكحلها
        و أقمت بشامتها للبين مأتما
        كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
        و تقاسمنا سوياً ذات العمى



        https://www.facebook.com/mrmfq

        تعليق

        • أبوقصي الشافعي
          رئيس ملتقى الخاطرة
          • 13-06-2011
          • 34905

          #34
          (34)

          فلأنتظر ليلة أخري!
          حارس الصغير


          =======
          قالوا لها بأنه سيغرد في حضنك الليلة. كفكفت دموعها وأحزانها، ولملمت ثوبها الأسود. بحثت في دولابها الخشبي المهترئ عن ثوبها المزركش الألوان. دغدغ جسدها الحلم الجميل منذ البارحة، وابتسامة واسعة غلفت شفتيها لا تغيب عن ناظرها، امتزجت بقلق مبهم كعروس في مخدعها أول ليلة. لا تتذكر آخر مرة اعتلت شفتيها! ربما مذ أن فارقها ذلك اليافع بحثا عن لقمة العيش في الأراضي البعيدة. تركها في خرابتها تئن وحيدة، تعاني جفاف الأيام وقهر الليالي. جلست القرفصاء أمام عتبة دارها، وأخذت تراقب بعينيها الواهنتين غروب الشمس. أمسكت في يدها عودا من القش، وخطت به خطوطا متعرجة على الأرض، قطعتها بخطوط أخرى بعدد سنوات غيابه. هطل عليها الليل بظلمته الكئيبة كخيوط مطر؛ فأغرقها في أحزانها. دائما ما يأتي، فينبش جراحها وآلامها. سكون مخيف يرتع في محيط حياتها منذ أن فارقها، لا يحركه سوي طيف ذكرى له تومض في عقلها، وسرعان ما تخبو وتنطفئ. صمت مهيب يزورها كل مساء لا يقطعه إلا نقيق الضفادع وعواء الذئاب ونباح الكلاب.. صمت يدفعها إلى الجنون.. كل شيء في دنياها كان ينبض بحركته بعد وفاة أبيه.كان كل مالها في الدنيا. كانت تتدثر به في ليل الشتاء القارص، وكان لها نسمة الهواء في نهار الصيف القائظ. استماتت معه، وحاولت أن تثنيه. لكن إرادته العنيدة المختلطة بذراعيه الفولاذيتين أبت؛ وأصر علي الرحيل.أشارت إلى أرضه الخضراء، وقالت له: - وهذه من لها؟! أجابها بغضب وغيظ: - هذه أرض تكره أبناءها! ولولت، وانتحبت قائلة: - ياويلي! ليس لك غيرها! ثم أشارت إلى نفسها، وتوسلت إليه باكية: - أبق إذن من أجلي! لكن أي قوة تقف أمام رغبته الجامحة. كان كثور هائج لا يصد ريح غضبه و لا عواصف ثورته شيء. شد أدوات الرحيل ولم ينتظر. مع أول إطلالة للفجر فارقها.. تركها تبكي وتندب حظها. لم يخبرها إلى أين رحل. كل ما قاله بأنه سيعمل في بلاد بعيدة.. راسلها بعد ذلك مدة شهرين، ثم انقطع مطر أخباره.. جفت ينابيع حياتها مع توقف رسائله.. ظامئ قلبها إلى أي خبر يطمئنها عليه. لا حديث يأتيها عنه سوي غزو محتمل للأراضي التي يعمل بها. حلمت به وحيدا مضطرما وجهه بالخوف، ومحاصرا بجبال من الأحزان! نادته بأن يعود؛ ولكن أنّي له أن يسمع نداءها. - ما كان له أن يرحل، ويترك أرضه! هكذا قالت لنفسها، وهي ترنو إلى السماء، وتحدق في دائرة القمر المكتملة. أطلت ذات نهار حارق من الباب؛ لفحها وجه الأرض اليابس؛ فعمق الجراح في صدرها. وجمت عندما رأت الأشجار الوارفة حول أرضها، وقد تخلت عن وقارها، خلعت عنها أوراقها، صارت عارية يابسة تنتظر من يقتلعها. همست بحزن، وكأنه يسمعها: (عقرت أرضك ولن تنجب بعد اليوم. تمردت ولم يعد أحد بعدك يستطيع ترويضها.. فأسك صامت واجم يجاري صمته صمتي، وحمارك البائس هزلت أضلاعه بعد السمنة. أغنامك رحلت مرعاها؛ فاختارت الرحيل بلا رجعة. آه يا وليدي! حلمت بالبيت ذي الطابقين، وثملت بأجهزة حديثة أجهل أسماءها. أغراك من سبقوك حين عادوا من الغربة بأحمالهم الكثيرة. حلمت بالزوجة والحياة الرغيدة. رحلت وتركت الغراب ينعق حولي منذرا بخراب يركض حولي في كل لحظة! غابت شقاوتك المحببة إلى قلبي! أما كان يكفيك حب أمك! أما كان يكفيك عشق أرضك التي كانت تغازلك! دوما كنت أسمعها تغازلك.. هي الآن مثلي حزينة. تئن وتبكي دون أن يسمعها أحد! كل من رحلوا عادوا إلا أنت!) تكاثف الظلام حولها بعد اختفاء القمر خلف غيمة داكنة السواد. غابت الرؤية أمام عينيها تماما، حتى صارت لا تري أبعد من خطوتها. الدقائق والساعات تمضي برتم بطئ وثقيل وكأنها عاجزة عن الدوران، وهي تواصل جلوسها في انتظار مجيئه. تراءي لها شبح يقترب منها، تهللت أساريرها، وقفزت من مكانها لتستقبله بإحضانها. انطلقت كريح نحوه، لكن خيبتها ارتدت إليها نصل سكين، حينما وقعت عيناها علي عمود الطين الذي كان ينتصب فوقه سقف العشة، التي كان يستظل به حماره وبقرته. عادت خائبة إلى جلستها. غلبتها سنة نوم؛ فاستيقظت مذعورة خشية مجيئه دون أن تستقبله بقلبها وعينيها منذ أول لحظة تدوس فيها قدماه الطريق المترب أمام دارها. لاحت لها بشائر خيوط الفجر، فقالت بحزن: - اقترب الفجر يا ولدي، فمتى تعود!؟ تراك هل تعود عنده مثلما رحلت عند!؟ نهار جديد بدأت بشائره تطل في الأفق، فمتى تطلني بشارتك؟! رحل الفجر، و رحلت كل الأشياء حولها، ولم يأت. قالت: - لا بأس ..فلأنتظر فربما يأتي في ليلة جديدة!


          أسماء لجنة ترشيح النصوص
          عائده محمد نادر/ تم
          صبيحة شبر/ تم
          أمينة اغتامي/ تم



          كم روضت لوعدها الربما
          كلما شروقٌ بخدها ارتمى
          كم أحلت المساء لكحلها
          و أقمت بشامتها للبين مأتما
          كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
          و تقاسمنا سوياً ذات العمى



          https://www.facebook.com/mrmfq

          تعليق

          • أبوقصي الشافعي
            رئيس ملتقى الخاطرة
            • 13-06-2011
            • 34905

            #35
            (35)
            انكسار الدهشة//خديجة راشدي



            ....يَوْمَها أصيب بحالة من الذهول، انكمش تحت مظلة الكمد معتنقا الصمت، دخل في فوضى من التغيير، بُغية تكسير نمطيته المعتادة، غيَّر الأمكنة وامتطى الأزمنة حتى نكهة قهوته ...أقلامه... دفاتره...يستجديها بكل السبل وهي في دلال وعناد حارق، توقف هطول نُدفها فجأة، لم تعد تصافحه، باردة مدفأة فكره، يهدهد جذوة الروح لكي ينفجر زخمها المُتدار تحت معطف الغياب...
            تتمايل أطيافا أمام وجْدِه، لم يستطع الإمساك بها فجلس قرب أصُصَه التي تُراقص الجلنارعلى ترانيم الفراشات، حزينا يردد بصوت خافت أبيات أبي الوليد الأندلسي وهو يتغنى بروعة الجلنار



            *وجلنــــــــــــــــــــار تبدى يختال في جل نارِ
            أحلى حلى من جميع ال أنوار والأزهــــــــارِ
            حكى خــــــدود العـذارى قد شربت باحمرارِ
            وخمشت بأكــــــــــف ال ألحاظ والأبصــــــارِ





            ترتعش أنامله في ضيافة الإصرار، فتطل بَنات فكره طيفا تشْتمُّ عبق البياض من رحم المرافئ المكتظة، بدون خدوش تغفو على خصر الحكاية الحافية، تنهشه الفرحة، فتغوص تنْهيدَته
            مُتَلعْثِمة، تطفئ عطشها من غدير التجلي، تتطلع إليه تحْدجه بنظرة
            تنْشب مخالبها في عَقيرته فينساب الرُّضاب من اليراع، متفاديا عثرة بعد عثرة إلى أن توقف عند محرابها...

            عندها انتفظ مبتهجا، لملم الحطب وأمسك قبضة دخان و باقة ضباب، وانطلق بشغف يعدو ... يعدو ... نحو الغيمة البيضاء، حيث سطع بريق الزهر
            على كفه... ابتسمَ مُتْعبا، مُرْهَقا، لكن خفيفا كالريشة .

            و قف على الجسر يتأمل البساط الرقراق المُستلقي على وجه النهر
            و في مَهبِّ النشوة و بريق وليدتِه الجديدة بين يديه ..
            انفجرت ريح قوية من بطن الهواء، و رمت بالقصيدة نحو النهر، صرخ مُفتَرِشا أجنحته
            و شرْشف فؤاده على أكتاف خيْبته ... بكى ... نعم بكى ...بحرقة ٍ...فلم يَبْق بين يديه
            سوى عبير عطر من بُكاء بحيرة



            ... !


            أسماء لجنة ترشيح النصوص
            عائده محمد نادر/ تم
            صبيحة شبر/ تم
            قصي الشافعي / تم

            أمينة اغتامي/ تم



            كم روضت لوعدها الربما
            كلما شروقٌ بخدها ارتمى
            كم أحلت المساء لكحلها
            و أقمت بشامتها للبين مأتما
            كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
            و تقاسمنا سوياً ذات العمى



            https://www.facebook.com/mrmfq

            تعليق

            • أبوقصي الشافعي
              رئيس ملتقى الخاطرة
              • 13-06-2011
              • 34905

              #36
              (36)
              أرصفة المدينة //خديجة راشدي



              برموش ذابلة مهترية يتصفح الجرائد ...يرشف فنجان القهوة


              المتحدث بلغة الرموز ...سأله صوت رخيم إن كان في حاجة


              لشيء ....يومئ برأسه ....يمطط صفحات الجريدة المنكمشة


              على نفسها ....الخجولة من أحداثها المُجْهضة للبهجة ...فجأة


              تجتاح مسامعه ضجة وجلبة ...يحمل هيكله وبقايا أزمنته


              المهترئة ...يُطل بحذر من الشرفة ...لتصطدم نظراته بهول


              الحادث ...لقد تمزقت أوصال المدينة ...وافترشت الأسى ...


              واجتمعت الأرصفة الباكية حولها حزينة ....


              أوصيكم بلملمة شظايا ملامحي القديمة وإعادة نسج وجه


              جديد لي ....!!!


              هكذا قالت المدينة ثم انتحرت .


              ارتجفت أنامله سقطت الجريدة من بين يديه مستغيثة من هول


              العلو ...تطايرت صفحاتها على أرصفة المدينة ...توالت الأيام


              وهو في حيرة من أمر الجرائد التي أصبحت مصرة على


              الطيران والتسكع في أجواء المدينة الجديدة...


              بعد عدة أيام ....جلس في الشرفة كالعادة ...وإذا بالدهشة تزلزل


              كيانه ....لقد أصبحت الأرصفة تكتسي وجها جديدا ألوانه


              وملامحه من أحداث الجرائد!!!.......






              أسماء لجنة ترشيح النصوص
              عائده محمد نادر/ تم
              صبيحة شبر/ تم
              قصي الشافعي/ تم

              أمينة اغتامي/تم



              كم روضت لوعدها الربما
              كلما شروقٌ بخدها ارتمى
              كم أحلت المساء لكحلها
              و أقمت بشامتها للبين مأتما
              كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
              و تقاسمنا سوياً ذات العمى



              https://www.facebook.com/mrmfq

              تعليق

              • أبوقصي الشافعي
                رئيس ملتقى الخاطرة
                • 13-06-2011
                • 34905

                #37
                (37)

                وعبر.... جدار الليل

                أمين خير الدين


                اصطبغت الشمس بلون العيون التي أتعبها البكاء، ونزف هذا الأحمرالباهت ، فتلقاه الأفق واصطبغ هو الآخر بلون الخدود التي أربكها الخجل، وتعرّت الشمس من وقارها، إلاّ بعض بُقع تحاول التستر على ضعفها وعلى عُريّها، فبدت باهتة مُنهَكة هرمة، تسير نحو قَدَرِها بخطىّ وئيدة، وتَحرّك ستارٌ سميك يمحي الشفافية ويتقدم كما تتقدم جيوش الاحتلال، حين تلاحق الراغبين في الحياة، ليبتلع السهول والجبال وما بينهما بستار لا يكره شيئا كما يكره النور، وأخذ نبض الحياة بالتلاشي أمام زحف الصمت،وانتشار الكآبة.
                لجأ الناس إلى عُلبهم، يُفرغون نطاقات نهارهم المخزونة، والمشتعلة بالحر الذي خلّفته الشمس الغاربة وهو ينقش الألم على الأبدان، فتمنوا لو تُمطر الدنيا بَرَدا وثلجا ليخرجوا بأقلّ ما يمكنهم من الملابس هربا وتحديا معا لهذا الحرّ الذي لم يحدّثهم عن مثله الآباء والأجداد.
                واحتمى الناس في غرفهم الحمراء والزرقاء بعد أن شملهم صمت الليل، وناموا على خيبات أحلامهم ونكساتهم وعلى شقائهم وعلى الأخبار التي تسرُ الأعداء والمتشفين، عمّا يجري خلف الحدود الشمالية الشرقية، أو الجنوبية الغربية، من قتل وتشريد ونزوح إلى الشمال أو أقصى الجنوب هربا من الموت الذي يلاحقهم كالطاعون.
                وفي الصباح عندما استيقظوا كانت لا زالت الكآبة تلفّ الجبال، وتملأ الوديان، وتضج بها الشوارع والطرقات، وكانت أجهزة الإعلام المرئية أو المسموعة أو المكتوبة تنفث الأخبار التي تسمم الأبدان، تنطلق كالإشاعات، تكبر مع كل خطوة ليكبر معها الألم وينشلّ النبض..
                ومع انقشاع آخر ظلام ظهر غريب في الشارع!!
                أمّا كيف ظهر ؟ ومن أين جاء؟؟ لاأحد يعلم! كأنه ولد من رحم الليل!
                لم يسأله أحد عن ذلك!!
                ولمّا أحسَّ بعدم المبالاة وبالصمت المطل من العيون.سأل هو عن شيخ القرية أو عن بيت المختار.
                ضحك الناس من سؤاله واستهجنوا،لأن البلدة مليئة بالشيوخ، ولا أحد منهم يقبل بأقلّ من شيخ القرية، وعهد المخترة عهد باد وانتهى كالأنظمة البائدة .
                ظلّ يتنقل من شارع إلى آخر حتى وصل ساحة شبه مستديرة، تحيط بها البنايات من كل الجوانب، وتخرج منها الشوارع إلى كل الاتجاهات... أخذ يتأمل البنايات بشهوة غريبة أحرجت النساء التي تطلّ من الشبابيك التي تفتح صدرها لنسيم الصباح ،وأحرجت الحيطان الخارجية التي لا تُحرج، فبدت له وكأنها محمرة الخدود، خجلى من نظراته التي يغرزها كما تُغْرز الإبرة في الجسم الحيّ، وبدت كأنها تتضايق من نظراته وتخيّل أنها ستثور كالبركان احتجاجا على هذه الوقفة وهذه النظرات، وتخيّل أن البناية المقابلة له تقول لجارتها "إنه ابن ليل..والليل ستار العيوب" وتردّ جارتها قائلة " إنه عميل للموساد والمخابرات .. إياكم أن تبصقوا حتى في وجه الريح أمامه.." وقالت ثالثة "إنه موظف صغير يعمل لصالح لجنة التنظيم، يقدم لها التقارير عن الأبنية غير المُرخّصة مقابل أجر بسيط" وقالت رابعة" إنه عميل سريّ لمؤسسة التامين الاجتماعي ، يترصد الذين يتوجهون إلى مؤسسة التامين كالمعاقين، بعضهم يمشي على ثلاث، ومتفرعة، وحين يعودون إلى بيوتهم يتحركون كراقصي الباليه، ويقفزون كشغوفي الوثوب، ويمشون كما تمشي الخيول الأصيلة، ورمته امرأة من شباك في الطابق الثالث بما في طشت الغسيل من ماء، فانتفض كمن باغتته أفعى، واستيقظ من حلم لا احد غيره يعلم كيف عاشه.
                وحينها فقط أدرك انه غير مرغوب به، فغادر الساحة لكنه لم يغادر القرية.
                وكعادة الزمن، تكفل بإسقاط حكايته عن ألسنة الناس، وذابت في كأس روتين الأيام ، وانصهرت في آتون الحياة، وشرب الناس ألكاس حتى آخره بهدوء، وعبر غريب حدود الليل، وصار واحدا منهم، وقبلوه رغم نظراته التي لم تتغيّر، كمن يقبل أمرا على علّاته، وصار مثلهم يصوم ويصلّي ويعظ ويُفْتي ويفتخر بانتمائه إلى القرية ، وبتاريخه الطويل فيها، ولما سأله أحد أصدقائه أن يحدثهم عن تاريخه البعيد، اغرورقت عيناه، وانسابت الدموع في خطّين متوازيين متباهيا بماضيه ونَسَبِه الذي لا يعرف عنهما أحد شيئا... واختنقت الكلمات قبل أن تولد، ولم يقل شيئا..وبقي غريبا .... كأنه ولد من رحم الليل !!!!



                أسماء لجنة ترشيح النصوص
                عائده محمد نادر/ تم
                صبيحة شبر/ تم
                قصي الشافعي/ تم
                أمينة اغتامي/ تم



                كم روضت لوعدها الربما
                كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                كم أحلت المساء لكحلها
                و أقمت بشامتها للبين مأتما
                كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                https://www.facebook.com/mrmfq

                تعليق

                • أبوقصي الشافعي
                  رئيس ملتقى الخاطرة
                  • 13-06-2011
                  • 34905

                  #38
                  (38)
                  لا تنس

                  أنك إنسان
                  أمين خير الدين



                  البس من الأقنعة ما شئت

                  بزة عسكرية

                  أو حلّة مخملية

                  أو ربطة عنق حريرية


                  واكتب بأقلام حبر

                  ذهبية

                  أو فضية

                  ما شئت

                  شعرا

                  أو نثرا

                  أو عمليات حسابية


                  لكن لا تنس

                  أنك إنسان


                  ***


                  صلّ لمن شئت

                  لله أو للحجر

                  وأدر وجهك حيث شئت

                  للشرق

                  أو للغرب

                  عصرا

                  أو عند السحر

                  وصم

                  واركع

                  لكن

                  وأنت تخشع

                  لا تنس


                  أنني إنسان

                  وأنك مثلي

                  إنسان


                  ***

                  إلبس عمة

                  إلبس جِبّة

                  أو عباءة

                  وامش إن شئت بلا حذاء

                  لكن

                  لا تنس

                  أنك لست

                  إله هذا الزمن

                  ولا الذي قبله

                  او بعده

                  لأنك مثلي

                  إنسان


                  ****


                  إركب سيارة

                  أو طيارة

                  أو قمراً صناعيّا

                  أو كوكبا سيّاراً

                  وحلِّقْ

                  فوق الكواكب

                  وبين النجومِ

                  وانظر من علٍ

                  على الشمس

                  على القمر

                  أو على البشر


                  ولا تنس

                  مهما ارتفعت

                  أنَّكَ من طين

                  وانك مثلي

                  ومثله

                  وإنسان





                  أسماء لجنة ترشيح النصوص
                  عائده محمد نادر/ تم
                  صبيحة شبر/ تم
                  قصي الشافعي / تم
                  أمينة اغتامي/ تم



                  كم روضت لوعدها الربما
                  كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                  كم أحلت المساء لكحلها
                  و أقمت بشامتها للبين مأتما
                  كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                  و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                  https://www.facebook.com/mrmfq

                  تعليق

                  • أبوقصي الشافعي
                    رئيس ملتقى الخاطرة
                    • 13-06-2011
                    • 34905

                    #39
                    (39)

                    مغامرة في شارع يافا

                    بهائي راغب شراب
                    7/12/2009


                    كنا ثلاثة أشخاص
                    "هو"
                    و"أنا"
                    و"هو الآخر".
                    *
                    "هو" كان أكبرنا
                    دعانا لجولة في شارع يافا الكبير في مدينة القدس
                    وافقنا فورا ..
                    فليس أجمل من السير في شوارع مدينتك الأسيرة ..
                    *
                    طويل شارع يافا
                    يسكنه اليهود
                    أبراج ، مطاعم ، أسواق ،
                    ومدارس دينية في الليل تمارس طقوس التعبد والجريمة ،
                    و.. تعلم الأطفال كيف يقتلوننا .. ببرود .
                    *
                    مشينا ومشينا ، لم نشعر بأنفسنا ..
                    فجأة وقفنا أمام عمارة "شالوم "
                    مدخلها واسع جدا
                    لكنه مسكون باليهود
                    الداخلون والخارجون .. يهود
                    لماذا نحن هنا ؟
                    لماذا توقفنا .. ؟
                    لماذا ؟
                    سألت .. ولا جواب ..!
                    *
                    "هو .."
                    استأذن منا للدخول قليلا
                    لديه موعد عمل مهم مع صاحب العمل ،
                    لم نمانع
                    دخل ..
                    لم اعرف إلي أين ..ولا ماذا يريد هناك
                    اختفى فيها ..
                    وعندما تأخر ..
                    تململت ..
                    وسألت "هو الآخر" ..
                    أين "هو" ؟
                    قال بتعجب : ألا تعرف ؟!
                    أجبت : لا
                    أتعلم أنت ؟!
                    قال : دخل ليضاجع يهودية
                    لكنه تحدث عن موعد ..
                    قال غامزا : هي الموعد المقصود ؟!!
                    *
                    صعقت ..
                    ماذا تقول كان فدائيا في الكرامة ، كان يجتاز الحدود ،
                    كان يضرب ويتصيد اليهود
                    ابتسم " هو الآخر"
                    لعلك لم تعرف بقية الحكاية ..
                    لا أريد حكاية ..أحتاج أن أغادر المكان ..
                    هل تصحبني
                    أجاب : لا سأنتظره ..
                    قلت : بعد الذي فعل بنا ..؟
                    قال : دعنا نر لماذا فعل ذلك ؟
                    قلت ..: لا .. فلن احتاج لجوابه ..
                    سأذهب وحدي إذن ..
                    *
                    أدرت ظهري عائدا من حيث أتيت
                    "هو" كان دليلنا ، نادى "هو الآخر"
                    قلت : لا يهمني , لن انتظره أبدا , لن أسمح بان يلوثنا معه
                    حاول " هو الآخر" منعي
                    صممت ..
                    ومضيت فوق الطريق
                    *
                    انتابني بعض الخوف
                    أنا لا أعرف تفاصيل المكان
                    لقد صار غريبا عني
                    أنفاسه النتنة أصابت انفي بالزكام ،
                    أضواء مصابيحه .. شوهت الرؤية الصافية لعيني
                    و... لقد ... تهت ..
                    *
                    دخلت شوارع كثيرة ..
                    تجولت أكثر ..بحرية تامة
                    كنت وحدي ..
                    وبثقة سرت مطمئنا استكشف الطريق
                    من بعيد رأيته مشعا بالبهاء
                    من بعيد ناداني للاقتراب
                    من بعيد اتخذ الأقصى شكله ..كجوهرة السماء
                    *
                    حددت بوصلتي
                    ولبيت النداء ..
                    ومضيت رافعا راسي بعز وإباء
                    وكنت وحدي أسير
                    لم ألتفت أبدا للوراء
                    ووصلت إلى باب العمود
                    وما أجمل اللقاء .
                    *
                    كنت وحدي
                    وعقارب الساعة تشير إلى منتصف الليل
                    والشوارع فارغة
                    أسرعت لموقف السيارات ..
                    استجدي سيارة مغادرة
                    تنقذني من لعنة " هو " ...الحيوان
                    *
                    كانت السيارة الأخيرة لهذا المساء
                    وكنت الراكب الأخير ..
                    وعدت إلى البيت ..
                    كانت أمي واقفة على الباب
                    عندما وصلت وحدي
                    سألتني ؟ : أين الآخران ؟
                    هززت رأسي باشمئزاز
                    سكتت ؟؟
                    وقالت : الم أقل لك
                    أنت لا تعرفهم ..
                    لقد جبلوا هناك .
                    ***




                    أسماء لجنة ترشيح النصوص
                    عائده محمد نادر/ تم
                    صبيحة شبر/تم
                    قصي الشافعي
                    أمينة اغتامي/ تم



                    كم روضت لوعدها الربما
                    كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                    كم أحلت المساء لكحلها
                    و أقمت بشامتها للبين مأتما
                    كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                    و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                    https://www.facebook.com/mrmfq

                    تعليق

                    • أبوقصي الشافعي
                      رئيس ملتقى الخاطرة
                      • 13-06-2011
                      • 34905

                      #40
                      (40)
                      العميل
                      بهائي راغب



                      في كل مرة يقتحم الجنود الصهاينة المنزل، يقلبونه ويبعثرون محتوياته ويدمرون أبوابه وخزائنه ..
                      ورغم ذلك لم يعثروا عليه أبدا ..
                      وقبل أن يغادروا يضربون الأم التي تدافعهم بكل ما تملك من قوة وثبات ، ويركلون ببصاطيرهم الثقيلة الأب المقعد المتمدد على فراشه الصغير في زاوية الغرفة لا حول له ولا قوة ..
                      في المرة الأخيرة ..
                      كان الأمر مختلفا ..
                      جاءوا بصحبة ملثم يرشدهم ..
                      قلبوا محتويات المنزل كعادتهم قبل أن يشير إليهم مرشدُهم الملثم نحو الثلاجة،
                      أزاحوها ..
                      واستمر المرشد في توجيههم ..
                      رفعوا السجادة الصغيرة .. انكشف لهم باب خشبي .. رفعوه .. ونظروا للأسفل ..
                      كان المجاهد الذي يبحثون .. يجلس متربعا مطمئنا يتلو آيات القرآن ..
                      جُنَتْ أمه .. !!
                      كيف عرفوا مكانه، من دلَّهم على سرِّه ..
                      ومن هو هذا الملثم الخائن، وكيف عرف بأمر المخبأ ..
                      وبيتت في نفسها أمراً ..
                      دخلت غاضبة بين الجنود وكأنها تحاول تخليص ولدها،
                      فجأة .. عندما اقتربت كثيرا من الملثم ، وصار بامكانها لمسه ..
                      وبكل ما حملت من عزم، وما أوتيت من قوة جبارة، مدت يدها ونزعت اللثام ..
                      وكانت المفاجأة الصاعقة ..!!!
                      ...
                      لالالالالالالالالا ...
                      صرخت من أعماقها ..
                      وهي تغطي عينيها بكفيها ،
                      ليتني لم أعرف ، ليتني لم أرفع اللثام ..
                      ....
                      لقد رأت وجه ولدها الثاني ..!؟



                      أسماء لجنة ترشيح النصوص
                      عائده محمد نادر/ تم
                      صبيحة شبر/ تم
                      قصي الشافعي/ تم
                      أمينة اغتامي/ تم



                      كم روضت لوعدها الربما
                      كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                      كم أحلت المساء لكحلها
                      و أقمت بشامتها للبين مأتما
                      كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                      و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                      https://www.facebook.com/mrmfq

                      تعليق

                      • أبوقصي الشافعي
                        رئيس ملتقى الخاطرة
                        • 13-06-2011
                        • 34905

                        #41
                        (41)


                        على طاولة الاحتراق/ ليندة كامل

                        حازت هذه القصة على المرتبة الثانية بالتصويت في مسابقة يسري راغب بمنتدى الأدباء المبدعين العرب
                        دوما في الجهة المقابلة للشوق تحترق انتظارا؟.
                        تتردد على ذات المكان منذ زمن ؟ تتفحص ملامحها على المرآة كل صباح ، أكثر من مرة لترسم وجه الفرح ، تمشط شعرها المنسدل كشلال ماء منهمر
                        ترسم بأحمر شفاه خطين منحنيين فوق شفتيها لتعطي لهما نظارة بهية ، تزرع شقائق النعمان على وجنتيها ، تبخ جسدها الماسيّ بعطر باريسي أهداه لها ذات ردهة ؟
                        على الدوام يقول لها "هذا العطر يجعلك تشبهين أميرة في أحلام الطفولة"
                        تحس كأنها حمامة تحلق فوق الغيم، تعانق طيفه المتغلغل ، المنحدر إلى صهاريج روحها .
                        تمد الخطى على عجل ، علها تغترف من ترياق الروح بلسما .
                        على طاولة الانتظار في الجهة المقابلة للأمل، تستفرد به؟ المكان لن يخلو مهما كان من همسه ؟.
                        يطل عليها فجأة خلف باب الحلم، يطلبان قهوة لتنطلق رحلة الإبحار في سفينة تيتنيك سارحة هي بكل وجد وحنان تضحك مرة ، تبتسم ، تمد يديها تحت الطاولة وأصابعها تتعانقان في خجل تطأطيء رأسها ، وبصرها ينحني تماما بمحاذاتها، ما يزالان يتلامسان وكأنهما يتبادلان القبل ... ينتهي نهارهما واللحظة الحلوة ما تزال تسري بداخلها، وكأنها خدر لذيذ استوطن روحها، تغترف منها ترياق شحنات تورق صدر راحتها وراحة بالها،
                        ذات الحركات والأشياء تقوم بها، وكأنها طقوس مقدسة لامرأة تعرف كيف تمارس العبادة.
                        الشمس تودع نهارها ترتمي بين أحضان الأرض، يقترب النادل بعد أن فرغ المكان من محتواه " قد حان موعد الإقفال "
                        - حسنا وهي ترتب شعرها وتعاود ترتيب أفكارها
                        - الحساب من فضلك
                        - خمسون دينارا
                        - تعطيه مائة دينار
                        يتشدق فمه في ذهول، تغلفه حيرة فلا ينبس بهمسة ، يدس المائة دينار في جيبه وينسحب بهدوء، تقف مكانها والبسمة تفضح تفاصيل وجهها ، وكأنها في رحم حلم تتغذى من وريده لا تريد الانفصام عنه ، ينسحب النادل نحو صاحب المقهى وعيناه ملتصقتان بها، والذهول يخنق الكلمات في حلقه يهمس له صاحب المقهى " هذا حالها منذ أن افترقت عنه ..؟





                        أسماء لجنة ترشيح النصوص
                        عائده محمد نادر/ تم
                        صبيحة شبر/ تم
                        قصي الشافعي / تم

                        أمينة اغتامي/تم



                        كم روضت لوعدها الربما
                        كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                        كم أحلت المساء لكحلها
                        و أقمت بشامتها للبين مأتما
                        كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                        و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                        https://www.facebook.com/mrmfq

                        تعليق

                        • أبوقصي الشافعي
                          رئيس ملتقى الخاطرة
                          • 13-06-2011
                          • 34905

                          #42
                          (42)

                          هذه القصة لم انشرها من قبل المطارد
                          لمطارد / ليندة كامل
                          تلك المرأة التي ودعتها ذات يوم باكيا، حيث اخترت أن تكون مطاردا من القوات الخاصة ، إذ بإرادتك وحدك شئت أن تكون مختلفا عن رجال، الدشرة تلك الدشرة القابعة
                          تحت الظلال والظلام؟ قلت لها في وحشة الليل يوما، أن هذا الوضع لم يعد يروق حتى للحيوانات الضالة، إما أن تعيش بكرامتك أو تموت بشرفك هذا الإقصاء يدمي القلب لم تجد حينها غير تسربات من نور في تلك الطريق، ،الطريق التي اخترتها برفع السلاح ضد من لا ينتهي السلاح عندهم؟.
                          كانت آخر ليلة لك معها ،حين مسحت دموعها الغارقة في وحل الحزن
                          دسست لها بعض القروش كفاف أيام قلائل قبل أن يستيقظ الفجر وتفضحك أنواره ستزج حينها كما يزج كلاب الحراسة عند انتهاء صلاحياتهم، فتموت ميتة لا توجد في سجلّ ملك الموت ؟
                          في جنح الليل تلتحف بعض الذكرى، تملأ عينيك اللتين تخونان شجاعتك الفولاذية، لتغرق في البكاء،وأنت تودع حضن امرأة لتعانق حضن الوطن، وعدتك حينها أنها لن تكون لغيرك، حتى وإن كانت لقمة بين فكّي الفقر، والحرمان، وتبادل الأحضان عندها لن تكون إلا بحضن الوطن.
                          هكذا انطلقت وسرت في دهاليز تلك الدشرة الجبلية القاسية بتضاريسها، وفقرها وتهميشها، كنت دوما تحلم أن تكون رجلا مهما، بعد أن تخرجت من "معهد العلوم السياسية" تلك التي لا تجلب إلا التعاسة لرّوادها، منذ أن اعتنقت تلك الأفكار وأنت تعربد ليتمخض عنك شييء اسمه الوهم.
                          في حمأة الطرب.. شققت مشوارك الطويل اقتنعت بعد رزمة من الإحباطات، وقوافل من الفشل أن السلاح أقوى تعبير عن الذات عن الصوت المخنوق في غياهب جب الانتظار؟. صرت شبحا تتوارى عن الأضواء
                          تسلل من سور القرية ، وإحساس الشوق يجرك جرا، بدت لك الأشجار التي كانت قبلة للعاشقين، وصدرا مفتوحا يدوّنون فيه أسماءهم، مختلفة، تغير شكلها، بدت غيلان منتفضة تتنقل في وحشة الليل، لقد طال زمن هروبك، حتى الدشرة نسيت هويتك، هوية صاحب مبدأ "الموت بالكرامة ولا العيش ذليلا"
                          كثيرون رحلوا، هذا هو بيتك تشمّ رائحة الذكريات تلك القهوة واللمه ودقات أمك على الباب صباحا قبل أن تذهب إلى الجامعة تتذكر رائحة" البراج "في يناير ورائحة "البليري" الذي يعبق به بيتكم الصغير.
                          والدك الذي يعشق العلم منذ أن حرم منه ذات يوم، حين حطمت الطائرات الفرنسية الكتاتيب...، المكان الوحيد الذي يقتاتون منه رغيف العلم، ،كل شيء يشوبه الهدوء.. هدوء يوشي بخوف غريب يتسلل أوداجك، غربة في الحلق كخيط ينغص عليك لهفتك، قدماك تطئان بعد كل تلك السنين ذاك البيت الذي بات مهجورا، كبيت أشباح لم تجد به إلا وعود تلك المرأة التي وضعت رفات رجل قدمته لها السلطة على أنه زوجها الذي قتل في معركة وهمية؟.
                          اسمك يتوسط قمة اللحد وخاتمك الذي أهديته لها كمهّر زواجكما، أنت غريب الآن في دشرتك، في وطنك، حتى الحضن الذي خلته ما زال يفتح ذراعه لك قد غادر، تاركا خلفه ذكريات عفّنها الزمن، أنت من رمته الأقدار، بل من جعل الأقدار ترميه في هذه الفوهة، بحثا عن الكرامة التي أصبحت كالأخلاق تباع في أكياس بلاستكية خوفا عليها من الانصهار في وحل عفن هذا الزمن .
                          ذكرى والدك تطبطب على أكتافك المرتجفة كان يقول لك دوما " الكرامة لها ثمن باهض يفوق إزهاق روح بل إزهاق أرواح"
                          ها أنت ما تزال تحتفظ ، بروحك بحثا عن كرامتك التي لن تكون إلا بإزهاق نفسك.
                          لماذا هربت من السجن، لماذا لم تبق مع الرفاق حتى تنال الحرية، لماذا اخترت الهروب؟ هل كان دفاعا عن أفكارك التي زجتك في ذلك المعتقل؟
                          حين خرجت في مظاهرة منددا مرددا ما جاء في القوانين الدولية حول حقوق كائن اسمه" الإنسان "ذاك الضابط الذي ما كان يوما يقتنع برأيك كيف له أن تركك تفّر من السجن دون أن يراك احد؟
                          هو الذي يعرف قصتك، مع تلك المرأة التي كان يتلهف
                          عليها قبل أن يرميها القدر بين أحضانك، لتتركها وتحتضن الوطن .
                          الوطن باتساعه بدا موغلا موحشا لا يسمعك لا يراك تطبطب على ثراه، ولكنه يتجاهلك. كيف ترمى بنفسك في هذا المستنقع، وأنت الرجل النظيف دوما؟ ها أنت الآن أمام قبرك لقد فتحت لك الدنيا مرة أخرى ذراعيها، بعد أن رمتك في شخص، واسم، ووجه آخر؟
                          كل الطرق الطويلة التي عبرت منها صارت معروفة، الجدران التي لطمت وجهك دلتك على طريق مختصرة للعيش.. ذاك الضابط يعرف مكانك أين تذهب
                          -والآن هل ستواصل اللعب
                          - اللعب ؟
                          -أمامك فرصة
                          أن أكون غيري؟
                          أن أموت في نظر زوجتي وأمي
                          لقد دفنوك بأنفسهم
                          أن اخرج من السجن وادخل إلى سجن أكبر،
                          بعدما وجدت ظالتي
                          نفسك أو الكرامة
                          وزوجتي وو
                          لم تخلع ثوبها الأسود منذ أن غادرت الدشرة
                          هي ترقص مع من كنت ضدهم
                          تجيد الرقص على إيقاع موتك؟
                          ها أنت الآن أمامها، تراقصها بعد أن خلعت جلدك، وغيرت اسمك وبعض ملامح وجهك، كي تبدو مختلفا، كي تقترب منها فلا تهرب منك مرة ثانية؟ هل ستتذكرك أم أنها سترفضك كما رفضت رجالا من بعدك فقد كنت أنت الرجل الوحيد الذي يملا غرورها
                          تلك المرأة التي دائما ما نست حضنك، ورغيف الحب الذي كنتما تتقاسماه معا
                          لقد جعلت منك بطلا في إحدى رواياتها، كي تتخلي عن حضنك وتحتضن الفرح، فكيف أمكنها التواجد في هذه القاعة الفخمة مع هؤلاء الحشود من السلطات العليا؟..هي الآن في موعد مع الفرح، حين ذهبت لتلك الجائزة، إذ وجدت اسمها ممحوا من القائمة بعد أن كانت تتوسطها
                          "لم أنجح إذا ليس لضعفي بل لأخلاقي "كغريق يتعلق بقشة كي لا يقع في وحل إبليس، ذلك الرجل الذي رفض أن يمنحك صك الفوز حين رفضت مقابلته في الفندق
                          عرضه المغري ما كان يغري امرأة مثلها تسطر دربها، تتقن التخلص واللعب ادوار مختلفة في رواية ..... لكنها عجزت أن ترتدي أقنعة أخرى تختلف عنها؟.
                          لقد بحثت في خزانتها عن قناع مناسب ، كل الأقنعة التي استعملتها حتى اللحظة لم تكن تكفي للهروب من واقع يفرضُ فرضا
                          مسامات من الشفافية تخونها خلف ذلك الوجه، والآن هل ستدلها عليك ؟
                          حتما سترفضك لأنك تخليت عنها يوم كانت بحاجة إليك؟ حين تأبطت أفكارك، وشققت دربك لأنك تخليت عن ذاتك لترتدي وجها آخر كي تكون مختلفا ومطاردا دئما.



                          أسماء لجنة ترشيح النصوص
                          عائده محمد نادر/ تم
                          صبيحة شبر/ تم
                          قصي الشافعي / تم
                          أمينة اغتامي/ تم



                          كم روضت لوعدها الربما
                          كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                          كم أحلت المساء لكحلها
                          و أقمت بشامتها للبين مأتما
                          كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                          و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                          https://www.facebook.com/mrmfq

                          تعليق

                          • أبوقصي الشافعي
                            رئيس ملتقى الخاطرة
                            • 13-06-2011
                            • 34905

                            #43
                            (43)
                            ممنوع من الولادة
                            ليندة كامل



                            ذلك الهاتف الأخرس، منذ أن اشتريته لم يرقص لي رقصة على إيقاع الدفوف القسنطنية إيقاعاته على الدوام تتقاطع مع الفجيعة ؟ وكأن العالم تجرد من الضحك والسعادة ؟
                            اليوم عكس الأيام المنصرفة من عمره معي ؟رقص لي أخيرا و يالها من رقصة؟ هزت أوداجي وصفقت له الورود المزروعة على وجنتي، وتفتحت البتلات الحمراء على شفتيّ، وخفق قلبي شوقا
                            صوت امتد من ثغره الآلي ّ
                            -أنت السيد عدنان
                            - بشحمه ولحمه ونبرات صوته
                            - تقدمت إلى الدارنا
                            - نعم
                            والفرحة تقفز من عينيه
                            كان الصوت ناعما بما يكفي ليروي قلبي العطش من شلاله المنعش .
                            مديرة الدار بذاتها وجلالة قدرها تهاتفني ؟؟يالحظي ؟ لقد أصبح لك شأن والله يا عدنان؟ وهذا الهاتف الحزين بدأ يدخل إليك نسمات الفرح ،والسعادة .
                            من غبطتي المشدوهة لم تحتفظ ذاكرتي مما قالت شيئا ؟من شروحات معقدة حول كيفية إخراج مولود إلى الحياة، سوى نبرات صوت عذب شجي تعلق بنياط قلبي، لم تهمنِي التفاصيل فأنا مذبوح مذبوح بخروجه إلى الدنيا؟ هنا أو هناك الكل يتقن الذبح على طريقته ووأد الاستمرارية على شاكلتها أفضل الذبح على الطريقة الفرعونية هي في كل الأحوال أفخر وأبهى ؟
                            كلام ناعم يخبئ سكينا حادا ،وقد وضعت جيدي وجيبي رهن أناملها الناعمة، المهم أن "يشقوا"حلمي ويستخرجو ا مولودي، ليدرك العصر؟ لم تهمّنيِ الترتيبات المكلفة بقدّر ما يهمني صحته وعافيته .
                            ما زلت حتى اللحظة لم أشفَ تماما من ذلك الذي نهرني ، وأنا أضع بين يديه أوراقا ثبوتية إبني رد علي ّ بنبرات جافة كالصحراء
                            "انه غير مربح"
                            ليفجر ماء مغليا على وجه السعادة التي اعتلتني، بعد سنوات من التنقيب ،عن بيت يحتضنه ها أنا أمام الحلم الذي تزاوج مع الثورة كنت أمقتها فنعتني البعض بالخائن، والآخرون بالجبان
                            صدقا ورغم كلامي اللبق مع الذين يعتلون الكراسي، فقد قدمت بين أيديهم الأشعار والقصص قرابين للاعتراف بي أو به لقد اعتبروه لقيطا جاء من فراغ ؟.
                            والحق أنه ولد من ضياع؟ لقد تدفق دم الحقارة إلى أوردته، والإقصاء والتهميش إلى عقله وشرب حليب الجفا ،وبعد أن اكتمل بعون الإرادة المبثوثة، والرغبة المعطوبة بسكاكين الإحباط يمنعون خروجه إلى الدنيا ،التي هي في الحق ملكهم ،وأحمد الله كثيرا في أن جعل الهواء حرا فلو كان عبدا لوضعوه في صناديق ،وباعوه كما يبيعون كل شيء فلا تستغربوا وقوفي ضدهم، وانحيازي مع الثورة لقد شممت، رائحة الاستقلال بمجرد التقرب منها بعد خمسين سنة من استقلال الوطن
                            حين رن هاتفي وأعطتني تلك السيدة الحسناء أملا في الولادة الطبيعية لا القيصرية ؟أحسست أن الدنيا تضحك لى، وأن يدا ساحرة تمتد نحوى لتنقلني إلى عالم السعادة الجميل .
                            لقد غاب الأجداد وضاع الأولاد في البحث عن الحرية، وضعت أنا في البحث عن رحم يولد ابني ؟
                            نعم لقد انضممت إلى الثورة التي ستزيل الغشاوة عن مولودي، ومواليد أخرى ضاعت تحت رحمتهم وبريشها الناعم ترفع ترسبات الاستقلال الماضي الصدأ حتى هاتفي البائس ثارت ثورته حين رن لي رنته، ورقصت لها أحلامي الوردية، وصار له شأن هو الآخر ستقطع تلك الثورة العربه التي كنا نجرها، ونصبح نحن من نقودها فما أروع القيادة ؟.وما أجمل أن تولد الثورة لتوّلد معها مواليد سئمت الكبت،وسئمت العيش في الظلام كالخفافيش وأن تنطلق إلى النور لتتحول بفعلها إلى درب جديد يزرع التاريخ إبداعا.





                            أسماء لجنة ترشيح النصوص
                            عائده محمد نادر/ تم
                            صبيحة شبر/ تم
                            قصي الشافعي / تم
                            أمينة اغتامي/ تم



                            كم روضت لوعدها الربما
                            كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                            كم أحلت المساء لكحلها
                            و أقمت بشامتها للبين مأتما
                            كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                            و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                            https://www.facebook.com/mrmfq

                            تعليق

                            • أبوقصي الشافعي
                              رئيس ملتقى الخاطرة
                              • 13-06-2011
                              • 34905

                              #44
                              44
                              الخـبر المغـرور
                              بوبكر الأوراس


                              الخبر المغرور

                              ها قد حلَّ فصل الربيع، والأرضُ قد لبست بساطًا أخضرَ يسرُّ الناظرين، وكانت الشمس مشرقةً، والسماء صافية، والعصافير تُزَقزق، وها هي الطُّيور تَفِد من أقاصي البلاد، محلِّقةً في السماء، مكوِّنة أشكالاً هندسيَّة رائعة، وها هو الراعي ومِن حوله غُنَيماته وعَنْزاته، ترعى... وبينما كان "المبتدأ" يتجوَّل رفقةَ صديقه "الخبر" في بَساتينَ وحدائِقَ غَنَّاء، ومزارع واسعةٍ حيث كانا يتبادلانِ أطراف الحديث الشَّائق، فجأةً توقَّف "الخبر"، ونظر إلى السماء، واستغرق نظره طويلاً، وحدَّثته نفسُه أنه يَمْلِك القوة والرِّفعة والعلو. نظر "المبتدأ" إلى "الخبر"، وقال: ما بك يا خبَر؟ هل أصابك شيء لا قدَّر الله؟ "الخبر": ألا تدري أنَّني صاحبُ شأنٍ عظيم، وهِمَّة كبيرة، ومقامي رفيع؟! ثم راح "الخبَرُ" ينظر إلى السَّماء، ويشرئبُّ بعنقه كأنَّه يتطلَّع إلى أمرٍ مهم. "المبتدأ" سائلاً "الخبر": وما ذاك الشأن والهمَّة؟ "الخبر": ها ها ها -: أأنتَ ساذج وغبِي إلى هذه الدَّرجة؟! "المبتدأ": لقد فهمت يا خبر ما تقصده... قاطعه "الخبر" ثم قال: يَجِب أن تفهم يا مبتدأ أنَّني أكون مرفوعًا دائمًا، سواء كنت مفردًا أو جملة اسميَّة، أو جملة فعليَّة، أو شبه جملة، ولك هذه الأمثلة؛ لِتَفهم أكثر يا صديقي المغفَّل: "الشَّمس مشرقة": خبَرٌ مرفوع. "العصافير تزقزق": الخبر جملةٌ فعليَّة في محلِّ رفع. "العصفور فوق الشجرة": الخبر شبه جملة في محلِّ رفع. وراح "الخبر" يضحك، ويَسخر من "المبتدأ". "المبتدأ": لا تغترَّ كثيرًا بنفسك، احمد الله على نِعَمِه وفضله أنْ جعلك مرفوعَ الرأس في كلِّ الأحوال، ولكن لِتَعلمْ يا خبر أنَّ النِّعمة تزول إذا لم تَشكُرها. "الخبر" ضاحكًا: لن يستطيع أحدٌ أن يزيل هذه النِّعمة، وهذا الفضل، وسأبقى مرفوعَ الرأس، ولن ينخفض أبدًا، أفهمتَ يا هذا؟ "المبتدأ": ألَم تسمع بـ"كان" وأخواتِها؟ "الخبر" في استهزاء وسخرية: لا علم لي مَن تكون "كان" وأخواتها؟ ها ها ها! "المبتدأ": إنَّ لها شأنًا عظيمًا، وفضلاً كبيرًا عليك، وتستطيع أن تغيِّر وظيفتك الإعرابيَّة. "الخبر": ألَم أقل لك: إنك لا تفكِّر، وأنك ساذج، ليس لأحدٍ فضلٌ عليَّ. وراح "الخبر" يسخر كعادته رافعًا رأسه، حتَّى كاد أن يسقط، وفجأةً توقَّف.. "المبتدأ": ما لك؟ ما أصابَك؟ كاد "الخبر" يسقط أرضًا، وكان العرَقُ يتصبَّب، لقد اصفرَّ وجهه، وارتعدَتْ فرائصه، كاد أن يُغشَى عليه، وبدأ يصرخ:- يا للهول، يا للمصيبة! أنقِذْني يا مبتدأ أنقذني. "المبتدأ": ما بك يا خبر؟ هل بك وجَع؟ سأحملك حالاً إلى الطبيب! "الخبر" ما زال يصرخ، كان منظره يُثير الضحك والسُّخرية، ويدعو إلى الشفقة، لقد خارَتْ قُواه، لقد فقد توازُنَه. "المبتدأ" لَم يصدِّق ما حدث للخبر، وراح يقول له: لا بأس عليك، لا بأس عليك، تَمالَكْ يا أخي تمالَك. "الخبر": لا تتركني يا مبتدأ، دافِعْ عنِّي، لا تجعلني أضحوكة أمام... لَم يستطع "الخبَرُ" أن يُتِمَّ حديثه. وفي هذه اللَّحظات الحَرِجة والصَّعبة، ظهرَتْ "كان" وأخواتها، والغضبُ بادٍ عليهنَّ. "كان": أنعمت مساءً يا مبتدأ. "المبتدأ": أنعمتي مساء يا سيدتي كان، ومرحبًا بأخواتك الفُضْليات. "كان": أنت دائمًا لطيف ومؤدَّب. ثم تقدَّمت كان، وأخواتُها: (أصبح، ظلَّ، أمسى، بات، ما زال...) من الخبر. كان "الخبَرُ" في حالةٍ سيِّئة للغاية؛ كيف سيُواجه هذا الموقف الصعب؟ ماذا سيقول لـ"كان" وأخواتها؟ "كان" تقترب أكثر من "الخبر" قائلةً له:- لقد سمعت كلَّ ما دار بينك وبين المبتدأ، لقد أصابكَ الغرور وأنت تزهو بنفسك، وتسخر منَّا جميعًا، ألَم تعلم وظيفتي الإعرابيَّة؟ أراد "الخبَرُ" أن يبرِّر ما صدرَ منه، لكن "كان" لَم تمنح له فرصةً للحديث، ثم قالت له:- أنت من اليوم ستكون منصوبًا بالفتحة؛ سواء كنتَ مفرَدًا أو جملة فعليَّة، أو اسمية، أو شبْهَ جملة، وتكون مجرورًا بالكسرة نيابةً عن الفَتْحة، إذا كنتَ جمع مؤنثٍ سالِمًا؛ نحو: كانت المعلماتُ مجتمعاتٍ، أمَّا أنت يا مبتدأ فستكون اسمًا لنا، وتبقى مرفوعَ الرَّأس، ولك شأن ورِفْعة، وهِمَّة وعُلو. "المبتدأ" في استحياءٍ: جزاكِ الله خيرًا يا سيِّدتي كان. شعر "الخبَر" بالخزي والنَّدامة، وقرَّر أن يستقيم، وأن يسلك طريق الصَّالحين، وألا يغترَّ بنفسه، وأن يشكر النِّعمة؛ حتَّى لا تزول. (انتهت القصة).



                              أسماء أعضاء لجنة ترشيح النصوص
                              عائده محمد نادر/ تم
                              صبيحة شبر/ تم
                              قصي الشافعي / تم
                              أمينة اغتامي/ تم



                              كم روضت لوعدها الربما
                              كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                              كم أحلت المساء لكحلها
                              و أقمت بشامتها للبين مأتما
                              كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                              و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                              https://www.facebook.com/mrmfq

                              تعليق

                              • أبوقصي الشافعي
                                رئيس ملتقى الخاطرة
                                • 13-06-2011
                                • 34905

                                #45
                                45
                                تُومَا / فوزي سليم بيترو

                                بدأ أصحاب ألمحلات بإدخال بضاعتهم ألمعروضة فوق ألرصيف إلى داخل دكاكينهم
                                تهَيُّوءا للأغلاق . كما فعَلَ مِثلهُمْ أيضاً أصحاب البَسْطات والباعة المتجولون , فها هم
                                يلملمون حاجاتهم المتناثرة هنا وهناك ويرصونها فوق بعضها البعض بلا أدنى ترتيب .
                                فالغد آت , وهو كالأيام التي مضت برتابتها ألمعهودة .
                                كان تُجّار ألصاغة والصيارفة , أول من أغلقوا محالَّهم . تبعهم بذلك باعة ألمواد
                                ألغذائية والخضار , فهُمْ بالعادة يتريثون حتى يحين موعد إنصراف الناس إلى بيوتهم
                                قبيل بدء توقيت منع ألتجول الذي فرضه جيش الأحتلال على هذه ألمدينة فيتخلصون
                                من بضاعتهم قبل أن يصيبها التلف , أمّا ببيعها بأرخص الأثمان , أو بالتصدُّق بها لمن
                                لا يملك قوت يومه .
                                ألأطباء والصيادلة غالباً ما يَبيتُون داخل عياداتهم وصيدلياتهم وذلك تحسُّباً لأيّ طاريء
                                إذ أن التَنَقُّلْ خلال منع التجول ولأي سبب , يُعَرِّض صاحبه لخطر القتل . وغالبا يُقدِّمونَ
                                خدماتهم لمن يحتاج دون مقابل مساهمة منهم في رفع ألمعاناة عن أهلهم .
                                ها هي الساعة تقترب من الثامنة مساء , وهو موعد بدء مَنعْ التجوُّلْ .
                                مُعظم المحلات مُغلقة والسابلة بالطرقات يتناقصون مع مرور الوقت .
                                كانت مريم تجلس فوق دِكّة معدنية بالقرب من محل والدها , تنتظرة لحين الأنتهاء
                                من عمله فترافقه بطريق ألعودة إلى ألمنزل .
                                دنا ألسمكري من إبنته وقال لها بحنان :
                                ــ مريم , لا تنتظريني اليوم وانصرفي الى المنزل الآن , سوف اتأخرقليلاً حتى أنجز
                                ما بيَدي .
                                أجابته وهي تنظر نحوه :
                                ــ لا بل سوف أنتظرك يا ابي .
                                هزَّ رأسهُ بالإيجاب قائلاً :
                                ــ حسناً , لكن إبقي هنا بجانبي .
                                استرسلت مريم في الدلال قائلة :
                                ــ أبي ,هل تسمح لي بزيارة الكنيسة ريثما تُنهي الشغل الذي بيدك ؟
                                تردد بين القبول والرفض , حتى آنس منها رغبة جامحة لزيارة الكنيسة .
                                فقال برجاء :
                                ــ افعلي ولا تغادريها حتى آتي إليك .
                                ألكنيسة مقابل محل السَمْكري , وعلى بعد خطوات منه , كثيرا ما كان يتأملها وقد إستأثرَ
                                به ظل تمثال السيّدة العذراء الواقف بأعلاها وهو يموج مع حركة يده ألقابضة على فرد
                                الأكسجين المشتعل , وكأنها مريم العذراء حقيقةً .
                                خاطب السمكري صَبِيَّهُ آمراً :
                                ــ أشعِلْ فرد الأكسجين بسرعة حتى أنتهي من لَحْمْ هذين البرميلين قبل موعد منع التجول .
                                عَصَّبَ السمكري عينيه بالنظارات الواقية وبدأ يلحم البرميل الأول . أنهى لحمهُ بوقت
                                أقصر مِمّا توقع . جال ببَصَرِه يبحثُ عن صبيه كي يُجهِّز له البرميل الثاني . فشاهده على
                                بعد أمتار وكأنه خال الذهن عن الواجبات المنوطة به فصرخ به غاضباً :
                                ــ ناولني البرميل الثاني يا ولد .
                                وقف الصبي أمام معلمه وهو يلهث ككلب حراسة , أشار بيده نحو الكنيسة وهو يقول :
                                ــ معلمي , الناس يتراكضون بالشوارع ويهرولون نحو الكنيسة .
                                صفع المعلم صبيه برفق قائلاً له :
                                ــ لم يأزف موعد منع التجول بعد . ماذا دهاهم ؟ هل يُلاحقهم الجنود ؟
                                ــ سمعتُهم يقولون ان العذراء قد ظهَرَتْ فوق سطح الكنيسة .
                                لم يُفاجأ المعلم بما تقوَّلَ به صبيه , كما أدرك حاجة هؤلاء الناس للهذيان في بعض الأحيان
                                فقال لصبيه وهو يُشير نحوهم :
                                ــ مساكين هؤلاء الناس , من شدّة الظلم الواقع عليهم بدأوا يخلطون الواقع بالتمنيات .
                                ــ ولكن يا معلمي الكُلْ رآها تتحرك وقد حيَّتهم , الجميع قال ذلك , المسلمون قبل
                                المسيحيين .
                                طرقع صوت الصفعة على خد الغلام حتى ظنَّهُ أحد المارّة صدى طلق سلاح ناري .
                                لم يكتف السمكري بالصفعة فقط , بل أخذ اذن صبيه وفركها بين أصابع يده قائلاً له :
                                ــ وهل للظُلم ديانة كي يُفرق بين مسيحي ومسلم وكأنه يُنَقِّي عدس ؟ بالأيمان يستظل الكُلّ
                                يا ولد المسيحي والمسلم وحتى اليهودي . دعْكَ منهم وأشعل فرد الأكسجين كي ألحم البرميل
                                الثاني .
                                تعصَّبَ ثانيةً بنظارته الواقية , وبدأ يلحم البرميل الثاني .
                                هاج الجمع فتخالطوا مثل ذرات الغبار . هَلَّلَ بعضهم منشداً " السلامُ عليكِ يا مريم ... "
                                في حين هَلَّلَ آخرون " ألله أكبر ... "
                                رفع المعلم النظارة الواقية عن عينيه , فرآهُم وقد إختلط المسيحي بالمسلم , والمُصدِّق
                                بالمتشكَّك يركعون ويقبلون الأرض ويرشمون الصليب فوق صدورهِم .
                                إنتابته فرحة ما بعدها فرحة , فتساءل وقد ساور الشك قلبه: ربما , ولِما لا ؟
                                ألقى نظره نحو تمثال العذراء وما حوله , فلم يلحظ سوى السكون وقد تسيَّدَ الموقف .
                                عاد كي يُتمّ ما بدأه قبل قليل , توهّجَ المكان بالنور المنبعث من شعلة فرد الأكسجين ,
                                فهاج الناس وماجوا مرة أخرى , رأى ظل تمثال السيدة العذراء يتحرك فعلاً على برج
                                الكنيسة المرتفع شامخاً فوقها كلما توهّجَت نار فرده وهذا الأمر ليس غريباً عليه فهو
                                يراه يومياً . ولكن الشك كان قد صار له طبعاً .
                                ضحكَ في سرّه وأنجزَ عملهُ بين صيحات التهليل والتكبير . وإذا بجنود الأحتلال يهرولون
                                نحو ساحة الكنيسة يفرقون تجمع الناس بغلظة وقسوة لا مبرر لهما .
                                تذكَرَّ إبنتهُ مريم , فارتعد قلبة وهو يتسائل: أين هي يا تُرى ؟
                                أخذ يركض كالمجنون يبحث عنها بلا فائدة .
                                كانت مريم بين الجموع عندما حضر جنود الأحتلال .
                                ــ أين أهرب ؟ سألت نفسها .
                                كان الطريق سالكاً الى الكنيسة , عَبَرَتْ باحتها وصَعَدَتْ السلم المؤدي الى السطح .
                                وجدت نفسها قرب تمثال السيدة العذراء , فتوارَتْ خلفه لحين إنصراف الجنود .
                                أسْبَلَتْ جفنيها من التعب حتى غلبها النوم , تناهى الى أذنيها هاتف وكأنه صوت من السماء
                                قائلاً :
                                ــ "هنيئاً لمن يروم الأمان ويستظل بي " .
                                إنتفضت الصبية وكأن كائناً سماوياً قد حلَّ في جسدها .
                                مسكين السمكري, انه في حالة يُرثى لها, ويبدو كما لو أنه بركان على وشك الأنفجار.
                                مهما فعل السمكري الآن , فهو على حق , تمتمَ بصوتٍ مسموع قائلاً :
                                ــ لن أغادر المكان حتى أجد مريم .
                                كانت نبرة صوته تلائم الموقف , فقد كانت تلعلع من بلعومه كعاصفة مدوية .
                                وبينما كان يُحَدِّق في تمثال العذراء , بدت عيناه كما لو أنها تحرق الأرض فتُشِع نوراً
                                يُنبيء عمَّا عُرِفَ عنه من حزم .
                                أشعل فردة وهو لم يزل يحدِّقُ في التمثال , إنه على يقين أن الناس سوف تعود للتجمهر أمام
                                الكنيسة حين يتمَوَّج ظل التمثال من فِعْل تَوَهُّج شعاع فرد اللحم الذي بيده .
                                وحتماً , مريم سوف تكون بينهم , هكذا كان يهذي , ويهمس لنفسه وهو يلوِّح بالفرد
                                المشتعل وكأنه يشير لأحدهم بالخروج من مخبأه .
                                تدفقت الجماهير كسيل جارف مُهلّلين مُكبِّرين , واذا بالجنود يطلقون الرصاص بكل إتجاه ,
                                وصوب إي شيء يتحرك , فوقع نظرهم على تمثال السيدة العذراء , فبدا لهم وكأنهُ يتحرك
                                أطلقوا عليه وابلا من الرصاص , فنفر الدم من التمثال وسط تعجب وخشوع الجماهير,
                                ووسط رعب الجنود الذين فروا مذعورين .
                                وعلى مرأى من الجماهير بدا التمثال وكأنه يسقط فوق ارض الكنيسة , فهرولوا نحوه
                                مذهولون . صرخ أحدهم :
                                ــ هذه مريم بنت السمكري توما .
                                هرع توما يشق صفوف الجماهير فبدا كمن يصارع الموج بيديه العاريتين حتى إقترب من
                                موقع سقوط إبنته . رفعها بين يديه ونظر نحو ألسماء , فتراءت له السيدة العذراء فوق
                                سطح الكنيسة . شاهد وهو يرنو اليها بتوسل , نقطة من دم إبنته تنفلت من عين التمثال
                                وكأنها دمعة تسقط . تَتَبَّعَهَا بنظره حتى إسْتَقَرَّتْ فوق جسد الصبية . فَدَبَّتْ بها الحياة ثانية .
                                لاحت في عيني توما نظرة إمتنان وشكر. بسط راحتيه وركع بخشوع قائلاً :
                                ــ " آمَنْتُ بِكَ يا ربّي "
                                وتَجَسَّدَ إمتنانهُ وإيمانه في ظل تراتيل المنشدين داخل الكنيسة وهم يترنمون :
                                ــ طُوبَى للَّذينَ يؤمنون دون يَروْا .




                                أسماء لجنة ترشيح النصوص
                                عائده محمد نادر/ تم
                                صبيحة شبر/ تم
                                قصي الشافعي / تم
                                أمينة اغتامي/تم



                                كم روضت لوعدها الربما
                                كلما شروقٌ بخدها ارتمى
                                كم أحلت المساء لكحلها
                                و أقمت بشامتها للبين مأتما
                                كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
                                و تقاسمنا سوياً ذات العمى



                                https://www.facebook.com/mrmfq

                                تعليق

                                يعمل...
                                X