خاص بأعضاء لجنة ترشيح النصوص

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أبوقصي الشافعي
    رئيس ملتقى الخاطرة
    • 13-06-2011
    • 34905

    #46
    46

    عيسو / فوزي سليم بيترو

    لا تجزع . دَعْ قلبك يَزدَهِر بالثقة ويطمئن. إنَّهُ كابوس. افتح عينيك
    فيزول عنك لحظة تَعِي أنك كنت تحلم .

    أصبح هذا الكابوس رفيق نومي , حتى بِتُّ لا أكاد أغفو حتى يأتيني .
    فيُكبلني من رأسي حتى أصابع قدمي. يشل حركتي تماماً وكأني أغوص
    داخل حوض من الرمال المُتحركة , فيَنجَذِبُ جسدي نحو قعر لا حَدَّ لهُ .
    انطويتُ على عجزي راجيا الخلاص . فتسربلت بالنصيب , حتى ضاق
    حالي من حالي .
    أقصى ما أتمنّى , هو أن اُحَرِّك إصبعاً أو أن أرمش فِينصرف عني هذا
    الزائر ثقيل الظل .
    كنت ,ُ وبكل زيارة له أفتح عيني , فأستيقظ . أحمد ربي وأعود ثانية أكمل نومي .
    العجيب أن استحواذ هذا الكابوس على مشاعري وأحاسيسي وانجراري
    خلفه كالمضبوع . لم يؤثر على حواسي الأخرى . كنت أرى ما يدور حولي
    وكأني لست نائما ، لا بل كنت أصرخ مستغيثا بزوجتي ، أمد يدي نحوها
    أحاول ايقاظها كي تنتشلني مما أنا به . لكن بلا فائدة .
    ساور الشك قلبي ، فولّى اليقين بقدرتي على الحركة . ربما كنت أتخيّل
    فقط أنني أمارس شيئا ما . بينما أنا في واقع الأمر أكون متخشِّبا كاللوح .
    الحق أقول لكم , أنني مع بداية كل كابوس كنت افزَعْ وأرتعِبْ وبعد هنيهة
    أبدأ بالاسترخاء والاطمئنان , لِتيَقُّني أنه سيزول عندما أفتح عيني
    وأكتشف أني كنت بحالة حلم ليس إلاّ .
    يبدو أن هذه المرَّة تختلف عن سابقاتها , لقد طال سريان مفعول هذا الكابوس .
    كأني اسمع صوت آذان الفجر . كأني أرى أشعة الشمس تشق طريقها
    مُتجاوزة الأفق .
    ربي ألطُفْ بي . نبضي آخِذٌ بالتناقص ورئتاي مُتقلصتان لا تقويان على
    استيعاب الهواء أو شفطه. أشعرُ ببرودة بدأت تنخر أطرافي وتنفذ إلى نخاع
    عظمي وإلى ما تبَقَّى من دفء داخل ثنايا جسدي .
    الحمدُ لله, ها هي زوجتي تتململ. سوف تصحو وتنهرني كي أذهب لعملي.
    لقد نَهَرَتني بالفعل . ولكني لا استطيع , ولم أقو على الاستجابة لندائها .
    فهاتفتها بحماس وحرارة قائلاً لها :
    ــ هزّيني يا امرأة ، هِزِّيني يا امرأة , هِزِّيني بقُوّة .
    رَفَعَتْ الغطاء عن وجهي , وصَرَخَت صراخاً مُرّاً .
    فهاتفتها بحماس أشدّ , ثم مستدركا في رجاء :
    ــ أنا لست بميت . هِزِّيني يا بسمة, هِزِّيني .
    هرع أولادي إلى الغرفة . تسَيَّد الوجوم الموقف . تطلعوا في ذهول
    نحوي ونحو أمهم . أعادوا وضع الغطاء فوق رأسي بعد
    أن بحلقوا بي . ارتسمت فوق أساريرهم إشارات توحي بحزن شديد ,
    فأجهشوا بالبكاء , وربتوا فوق كتف أمهم يقبلونها ويُبعِدونها عنّي إلى
    خارج الغرفة .
    بدوت كالغريق , لا حول لي ولا قوة . فاجتاحني غضب ثم هتفت :
    ــ اللعنة على الغباء , أنا الذي يحتاج أن تُطبطبوا علية وتقبلوه. هيّا افعلوا
    قبل فوات الأوان , علني اصحو وينزاح عني وعنكم هذا الكابوس .
    أنا الآن بنظرهم مَيِّتْ , وسوف أدفنُ حياً .
    لكن مهلاً , حتماً سيحتاجون إلى شهادة وفاة . عندها سيكتشف الطبيب
    أني لستُ ميّتاً , وآمل أن يقوم بما يملك من خبرة بعمل ما يلزم فأصحو .
    قاموا باستدعاء جارنا الدكتور رمزي على عجل .
    سرعان ما تقهقرت حماسته في إنعاشي .
    طوى سمّاعة الفحص ودسّها داخل حقيبته ثم قال مستسلماً :
    ــ رحمة الله عليك يا عيسو . البركة فيكم وشِدّوا حيلكم .
    هتفتُ بلا وعي :
    ــ افحصني جيداً يا دكتور الغفلة ولا تتمادى بالثقة , قلبي لم يزل ينبض
    ويلعن اللحظة التي تَعَرَّفتُ بها عَلَيك .
    غادر أخي يعقوب شقته الملاصقة لشقتي وصوات بسمة زوجتي يلاحقه .
    واندفع نحوي مقاوما دموعه في كبرياء .
    اتجه أكبر أبنائي نحو عمه . همس بأذنه :
    ــ أنت الأقرب لأبي يا عمي , من فضلك انزع عنه ملابسه وهيّئهُ ببدله
    عرسه كي يُدفن بها , ولا تنس أن ترش عليه قليلا من عطره المفضل .
    مَنْ هذا الذي سيُكفنني ويُلقي بي في القبر ? ألا تعرف يا ولدي أن عمك يعقوب
    هو ألد أعدائي ، فكيف بالله تأتمنهُ على جسد أبيك ؟
    سامحك ألله يا رفقة . قمت بتدليل يعقوب على حسابي . ألستُ أنا ابنك البكر ؟
    لماذا زرعتِ الكره في قلبه فبات حقده عليّ أبديَّا ! أمن أجل أنني أحببت
    إبنة عمي إسماعيل الذي تحقدين عليه وعلى زوجته؟ ياه لكيد النساء !
    تمَهَّلْ يا رجل , تمَهَّل , ستكسر عظامي. لا, لا, ربطة العنق هذه لا أحبها,
    اني أمسح بها نِعالي .
    حتى وبهذا الموقف , ترغب في اذلالي يا يعقوب . قادتك أوهام الأم نحو
    كرهي ، فسرقتني حيّا ! وها أنت تقذف بي في القبر حيَّاً .
    لا بد أن أضع حداً لهذه المهزلة . أنا أعلم أن هذا الكابوس سيتلاشى سريعا
    لحظة أفتح عيني .
    لا فائدة , لم أزل مُتَيَبِّساً كقطعة جليد داخل ثلاّجة .
    واكفهرَّ وجه عيسو حتى بات يحاكى لون بدلة عرسه الزرقاء .
    تناهى إلى أذنيه هدير اناشيد مثقلة بالمعاناة :
    ــ " وين الملايين , الشعب العربي فين ؟ "
    إنه صوت مذياع المقهى المُلاصق للمقبرة . لقد دفنوه وانصرفوا عنهُ .
    ــ " وين الملايين , الشعب العربي فين ؟ "
    غشيتهُ كآبة ثقيلة . فهل يمتثل ويرضى بما قُسِم ؟
    تدفَّقَ الدم في عروقه كسيل جارف وصرخ بعد ان نفذ صبره :
    ــ إني قادم .
    فَتَحَ عينيه وأخذ نفسا عميقا من أنفه . ها هي ذي الحقيقة تنجلي . اكتشف
    أن الكابوس الذي حلَّ عليه لم يكن حلما بل كان واقعاً , وأنه قد دُفِنَ حقيقة .
    وها هم المُعَزّون يتسابقون لبيت العزاء يتناولون جسده ويشربون دمه .
    حملق في الظلام الدامس , فبدا يطالعه بوجه الموت . لملمَ قواه واندفعَ
    منطلقاً من القبر , اخترق خشب التابوت والتراب اللذي فوقهُ . وطارَ كقذيفة
    نحو السماء ثم هوى فوق الصليب الذي وضع كشاهدٍ لقبرِه.
    جالَ ببصره فإذا بالقبور حوله مُستباحةٌ , والموتى كلٌ عالقٌ فوق صليبه.
    صرخ صرخة مدويّة , ونهضْ . فنهضَ معهُ مَن كان مَيّتاً, وساروا خلفهُ
    نحو مصدر الصوت الآتي من المقهى .


































































    أسماء لجنة ترشيح النصوص
    عائده محمد نادر/ تم
    صبيحة شبر/ تم
    قصي الشافعي / تم
    أمينة اغتامي/تم



    كم روضت لوعدها الربما
    كلما شروقٌ بخدها ارتمى
    كم أحلت المساء لكحلها
    و أقمت بشامتها للبين مأتما
    كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
    و تقاسمنا سوياً ذات العمى



    https://www.facebook.com/mrmfq

    تعليق

    • أبوقصي الشافعي
      رئيس ملتقى الخاطرة
      • 13-06-2011
      • 34905

      #47
      47

      حالة اجهاض / روان شريف

      مدخل.
      من الجرح يولد الأدب فليذهب إلى الجحيم كل الذين أحبوك بتعقل دون أن ينزفوا أو يفقدوا وزنهم ولا اتزانهم.
      أحلام مستغانمي


      دخل المقهى واتخذ من ركن معتم مجلسا له.طلب قهوة من دون سكر واخرج من جيبه أوراق اصفر لونها أشرفت على التمزق.للتو تستيقظ في ذاكرته صور نائمة لخيول جموحة لم تعرف الأسر.
      جاء الموت من هناك كعادته يلقي نظرة أخيرة على إنجازه المعطل،وقف فوق رأسها ينتظر اللحظة المواتية ليضغط بأصابعه الباردة والرهيبة على أنابيب ظلت تربطها بالحياة.
      قال الجبلي محدثا نفسه هل حقا سيأخذها ؟لن ينتظر المستتر من الحوار بل استجاب لنداء الأشباح ةالاماكن المسكونة بالهوس والخراب.
      جاءت فطوم كقبس تنير دهاليز روحه المظلمة ، بخطى متعثرة طرقت أبواب الرغبة والدهشة.ألقت باللوم على حظها التعيس وبكونها امرأة في مجتمع لا يغفر للنساء.
      بحزن وتجوس قالت وهي تهذي.ها أنا فطوم أيها الجبلي، أجيئك من حيث لا تدري.جئتك اليوم من أعماق أرضنا الطيبة المضرجة بالدماء.مرة أخرى أقف على شواطئ الأراجيف وافتح لك شبابيك ذكرياتي الأليمة على مصراعيها.هو ذا عمي ((بوشلاغم)) ينتصب أمامي بين حقول القمح شامخا كجبال (( توا قس)) الجاثمة أمامنا.رأسه في موقع الشمس كشلال وشم ذاته في الكائنات.عيناه لا تنام،واحدة على المتوسط مستكشفة آفاقنا البعيدة وأخرى تعانق بيوت الطين المتناثرة هنا وهناك بين الأخاديد والتلال وفي تناسق وتناغم مع جغرافية المكان تتشكل لوحة فنان ويتشكل معها تاريخ أمة وملحمة أجيال.
      كان بيتنا كما تذكر أيها الجبلي في أسفل المنحدر، في مكان منعزل وعلى بعد أميال منه تمتد غابة ((مولاي إسماعيل)) نحو الشرق في خط متواز مع حقول الرمان والزيتون إلى أن تطل على مستنقعات المقطع البقعة الوحيدة التي تبرئنا من خيانة التراب.ما أعرفه كان البحر خلف تلك الربوة على مرمى حجر لكننا نحن الحريم لم نكن نعرفه.ما كنت متيقنة منه أن أبي مثله مثل عمي ((بوشلاغم)) كان مخلصا لأمي ولقطعة الأرض التي بنينا عليها بيتنا.كم من مرة كانت تلك الأرض أثناء توريدها تأخذه في أحضانها بشبقية لأوقات متأخرة من الليل وكان ذلك يقلق أمي المسكينة، غالبا ما يثير حفيظتها ، تستسلم للغيرة وتشعر بالإهمال.
      ألا تذكر أيها الجبلي، يومها كنا نحن الأطفال قبل أن يستوطن الرعب الغابة على مدار الأيام، خاصة في موسم الأمطار ننطلق إلى هناك بحثا عن الحطب والفطائر وكنا نصطاد صغار العصافير في أوكارها.كنا نتسلق أشجار الزبوج الهرمة إلى أن نصل القمة فتتراءى لنا مداخن شاهقة كتنانين واقفة تقذف من أفواهها ألسنة من اللهب وقتها سؤال وحيد كان يراودني ماذا كانت نية من شيدها ؟؟
      أحرار...جمهورية...اليوم.
      على رنات بائع الجرائد الذي اقتحم المقهى عاد الجبلي من بعيد من أمكنته المسكونة بالخراب، تلاشت فطوم من أمامه وبقى سؤالها معلقا إلى الأبد.
      وكأن الغلام أيقظ في نفسه شهية الكلام راح يهتف لنفسه.
      واليوم ..؟ اليوم فطوم ما عاد يربطها بالأرض شييء فهي وجه من أوجه المدينة.في لحظة انكسار أزاحت تاريخ عمر محافظ، اتخذت من سارة هوية لها وراحت تؤرخ لعهد جديد مليء بالتناقضات.عجيب أمر فطوم كيف تعتبر حياتها الخاصة لا شأن لي بها؟
      خير البلية ما يبكي ومن عوالم الشك تولد الافتراضات.صحيح أن الأحكام المسبقة خنجر مغروس في جسم الحقيقة لكن الحقيقة عملاق نائم على أطراف المدينة يحتقن غيضه المتنامي ولعنة المصير قدر محتوم يطاردنا.
      مدينتنا ككل المدن، مغرية وساحرة كعملة ذات وجهين.وجه شفاف، مشع وأنيق مرسوم على واجهاتها النظيفة وعلى محيا فتيات الاستقبال عند مداخل الفنادق والمحلات الكبرى يوزعن ببراءة الابتسامات المصطنعة بالمجان، يروجن الدعاية الكاذبة لسلع مغشوشة في الأصل هن جزء منها.
      ووجهها الآخر خفي وقذر كالنخاسة تفوح منه نتانة الأشياء والخديعة باسم الضرورة استمدت منه الجناية شرعيتها...
      فتح الجريدة وفي ركن المجتمع لفت انتباهه عنوان مميز أيقظ في نفسه شهية الكتابة بعد ما كان يظن نفسه قد انتهى.كم من مرة حاول كتابة قصته الأخيرة لكنه لم يفلح.كان دائما يحس بالوهن، تتزاحم الأفكار بذهنه.يتمرد الأبطال على قلمه ويفقد السيطرة أمام قدسية وطن في صورة امرأة مثال أخرج قلماا وورقة بيضاء وراح يؤسس لولادة قصة قيصرية سما ها حالة اجهاض.


      أسماء أعضاء لجنة ترشيح النصوص
      عائده محمد نادر/ تم
      صبيحة شبر/ تم
      قصي الشافعي / تم

      أمينة اغتامي/تم



      كم روضت لوعدها الربما
      كلما شروقٌ بخدها ارتمى
      كم أحلت المساء لكحلها
      و أقمت بشامتها للبين مأتما
      كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
      و تقاسمنا سوياً ذات العمى



      https://www.facebook.com/mrmfq

      تعليق

      • أبوقصي الشافعي
        رئيس ملتقى الخاطرة
        • 13-06-2011
        • 34905

        #48
        48
        بوابة الجحيم / روان شريف


        (( ليس كل الرجال خومة ولا الخيانة حتما امرأة ))

        أستيقظ غريب من نومه مفزوعا والعرق البارد يتصبب من جبينه كالمحموم الذي أصيب بنزلة برد ، تلازمه الرجفة وكأنه ورقة خريف في نهاية العمر تعبث بها الريح. ضغط على زر المصباح المتواجد على يمينه فعم النور الغرفة وانجلى الظلام ومعه الوحشة ، نظر إلى رفيقة لياليه الجليدية المعلقة على الجدار عقاربها تشير الى الثالثة صباحا ، لم يمر على غفوته الا الشيء القليل ، ساعة لا أكثر. التفت صوب قرينته نجاة ّ، رآها غارقة في نوم عميق منذ ساعات. ابتلع ريقه وتمتم ّ اللهم اجعله خيرا ّ ، نفث عن يسراه ثلاثا وتعوذ بالله من شر هذا الكابوس المزعج ومن شر الشيطان الرجيم .
        هرول نحوالمطبخ فاصطدمت رجلاه بدمية ملقاة على الأرض، صب نهرا من القهوة في فنجان يتسع لهمومه وأشعل سيجارة حرائقه وراح يتلذذ بها بعصبية ، هي الوحيدة التي تقاسمه همومه وسواد لياليه الرتيبة ، تحترق معه ومن أجله ، تموت بين شفتيه ثم تنبعث و ستظل على حالها إلى أن ينبلج الصبح وتشرق الشمس.
        جلس على الكرسي وراح يلملم شظايا حلمه المزعج ، قد رأى فيما يرى النائم صديقته ّمنارّ تغرق في البحر ومن بين الأمواج المتلاطمة ظهر طيف يدعى ّايروسّ يصرخ بكل قواه طالبا النجدة ويردد :ّ النجدة..النجدة..أفروديت تغرق.. ّ وفي لمحة بصر هب غريب لتلبية النداء، وفي محاولة منه لنجدتها كاد أن يغرق .اهتز جسده ، أفاق من نومه فوجد نفسه في فراشه.
        انه جد قلق لأنه يعلم بأن رؤية المؤمن جزء من أربعين جزءا من النبوءة ، لذا بدا منزعجا ومتشائما من الأيام المقبلة وما تخفيه في طياتها من مجهول ، هذا المجهول الذي غالبا ما نسميه قدرا ولا نعترف به كنتيجة لأخطاء قد نقوم بارتكابها في حق أنفسنا أوفي حق الآخرين ، هذا المجهول الذي أحيانا مانكون نحن صانعيه ونسميه قدرا قد يكون الطريق المأساوي المؤدي للجحيم كان غريب أول من حاد عن الطريق السوي حين مشى وراء عواطفه واعتقد أن الهروب نحو الأمام يمكن أن يغير من لياليه الحالكات .كان يعتقد أن ّ منارّ رماها القدر قي طريقه كواحة يلتجئ اليها كلما اعترضته العواصف، راح يتقرب إليها حتى كسب مودتها ونشأت بينهما صداقة قوية صداقة بين رجل وامرأة كليهما يبحث عن حلقته المفقودة ، رجل يبحث عن امرأة يهرب إليها من الحقيقة لتنسيه هموم الدنيا ويجد ذاته فيها وامرأة تبحث عن رجل قد ترتمي في أحضانه حين يشعرها بالأمان وبقيمتها كامرأة . ظلت تحاصره ويحاصرها كما يحاصر المتوسط مدينتهما حتى استردا ثقتهما المفقودة وبهذا يكونان قد وضعا الدعائم الأولى لمدينتهما الفاضلة التي كانا يحلمان بها ولكل منهما نظرته الخاصة فيها دون أن يطلع الطرف الأخر عليها.
        ومرت الأيام في تسلسل مثير إلى أن أحس غريب بقوة عجيبة تدفعه دفعا تحو منار لم يجد لها تفسيرا سوى أنها ساحرة كالبحر ، شقراء ذات عيون زيتية ، هادئة الطباع ، حزينة وجذابة ، تحب الورود ولحظات الغروب.

        ذات يوم أهدت إليه قلما وقالت مازحة: (( أكون سعيدة لو تتقبل هديتي المتواضعة ...
        كانت هدية مسمومة ، رسالة مشفرة لن يفك طلاسمها الا المحبون . تقبلها بانقباض وراح يناجي نفسه في صمت: ألا تعلمين بأن الأقلام رسائل حساسة ودعوة إلى اتخاذ القرارات الحاسمة ؟ ، أحقا انك تدركين حديث الأشياء وتودين إشعاري بخطورة الموقف أم ماذا ... ! ! ؟
        من يومها أحس غريب بتصدع مدينتهما التي كانا يهربان إليها من الواقع . انقطعت منار عن مواعيدها المعتادة وظل المكان مرارا له لوحده إلى أن التقيا ذات يوم دون سابق انذار.
        .. جاء إلى الشاطئ وجلس بالقرب منه ، وجاءت بعده وجلست قربه وظلا على حالهما إلى أن مزقت السكون.
        قالت : انه يوم حار.
        قال : انه شهر أغسطس .
        قالت : النباتات تحب الماء.
        قال : الماء نسغ الحياة.
        وأحس برغبة ملحة لمتابعة الحوار وأردف يقول :
        أنا أحب الورود لأنها مثلها مثل الانسان ، تحتاج للرعاية منذ أن تكون نبتة صغيرة..وعندما تمد جذورها في الأعماق..
        قاطعته وقالت : العروق الخضراء.. مثل الأطفال ..انها مشاريع للمستقبل ، ألا تشاطرني الرأي ؟.
        لحظتها تيقن غريب من مقصدها ، انه طموح كل امرأة ذكية وعاشقة تبحث عن شرعيتها دون أن تسقط في مخالب الرذيلة أو تنزلق نحو الخطيئة. لم يرد عليها بل راح يتذكر مشهد ابنته الوحيدة وهي تحتفل بعيد ميلادها السابع، أثناء تقطيعها التورتة قالت بشقاوة : ((القطعة الأولى لبابا أما الثانية فهي لماما..)) ثم واصلت حديثها بتهكم الكبار : (( لا تغضبي يا ما ما إني أحبكم جميعا ستكون أول قطعة لك في عيد ميلادي الثامن فما عليك الا الانتظار..)) وراحت تعانقهما وتقبلهما في حنان فياض حتى أحسا بأنهما أسعد زوج في الكون ونسيا خلافاتهما ، في هذه اللحظات هبط غريب من غيمته وحط على أسلاك الواقع كنورس أضناه التحليق فوجد نفسه بين نارين وأحس بأن المجهول يحاصره واللحظة مواتية للتخلص منه للأبد ، وان وجبت التضحية لا بد له أن يضحي...
        ا ستنتج بأنه أحيانا تبدأ مأساة الانسان بكلمة طائشة أو قرار خاطئ في لحظة غضب ولا شعور ، تبدأ من لا شئ من تفاهات طرف ما حتى يحس الطرف الأخر بالإهانة فتبدأ الهوة تتسع شيئا فشيا وتتصاعد كالدخان إلى أن تحتل مكانها عاليا بين النجوم ويبقى الانسان عاجزا عن حصرها إلى أن يتعطل عقله عن التفكير ويستوي الخطأ بالصواب و من جملة الأخطاء حين لا يعترف الرجل بجنونه لقرينته ويعترف لأخرى بحبه الجنوني معتقدا أن السعادة امرأة جميلة أخرى يفتح بابها على النعيم دون أن يعلم (أنه)بتصرفه هذا قد يفتح لنفسه بوابة الجحيم و ما منار إلا مدخل للنار لو أجابها بصدق عما يشعر به تجاهها لتعقدت الأمور، ، عمل كل ما بوسعه لكي يبدو متماسكا ورد عليها بهدوء وبرودة أعصاب:
        - لنبقى أصدقاء وباسم الاختلاف تستمر الحياة ، بالمناسبة عائشة تبلغك السلام.
        - انك لم تجب عن سؤالي بصراحة.
        - بصراحة …بصراحة يا ّمنارّ أنت لا تختلفين عن الذين لا يؤمنون بصداقة الجنسين أنك تطلبين المستحيل .. ،لا زلت شابة والمستقبل أمامك.
        - عندما أفقد اسمي في ذاكرة من أحب فلن أحاول البحث عن البديل لأن قوتي تكمن في انكساري وفي صمتي انهياري .أنتم الرجال سواسية..لن تراني منذ اليوم..الوداع..الوداع.
        أحمر وجهها وراحت تعدو والدموع تنهمر من عينيها دون أن تلتفت راءها ، أحس غريب بالندم الممزوج بالشفقة لكنه أيقن بأنه أفلت من المجهول الذي كان يطارده، لم يسقط في معركة الحياة بل سقطت عواطفه دفاعا عن وطنه الصغير وتغلب العقل على القلب والوقت كفيل بتضميد الجراح .
        مر أسبوع كامل على اختفاء منار دون أن يعرف لها أحد أثرا حتى جاء اليوم الذي فتح فيه كالمعتاد جريدته وإذا به يعثر على صورة لوجه ليس بغريب عليه وقد كتب تحته في ركن الحوادث :(( لقد عثر على فتاة في سن السابعة والعشرين من عمرها جثة هامدة على طريق الطنف المؤدي للميناء وحسب شهود عيان لقد رمت بنفسها من فوق جسر الحياة وفي انتظار التحقيق القضائي حول ملابسات القضية تبقى الأسباب مجهولة)).

        ثم قال وكأنه يخاطب شخصا بذاته ((أيها المجهول..لو كنا نعلم..)) وظل يتأمل في صورتها وكأنه يكلمها قال مناجيا نفسه : (( ها هو برهان الجزء من الأربعين جزءا من النبوءة قد تحقق ، لكن هل لي دخل فيما أقدمت عليه؟ أم انه قدرك ؟ وانتحارك .. أكان قضاء وقدرا أم أنا المتسبب فيه؟))
        وبينما هو على حاله إذ بعائشة تقف فوق رأسه دون أن يشعر بها ، فتنتشله من غفوته بسؤالها :
        - بابا..بابا..أليست هذه صورة طاطا منار ؟
        نعم يا عزيزتي انها طاطاك منار.
        هل أصبحت من المشاهير؟ ولماذا تبدو عيناها ؟(مغلقتين
        - لأنها لم ترد أن ترى الحقيقة المجردة بعينين مفتوحتين.
        وفي محاولة منه للتهرب من أسئلة أخرى قد تحرجه ضمها لصدره هاتفا في أذنها :
        بلغي ما ما نجاة بأننا سنزور معا هذا المساء منتزه ّ جنة الأحلام ّ الذي لم نزره منذ مدة.



        أسماء أعضاء لجنة ترشيح النصوص
        عائده محمد نادر/ تم
        صبيحة شبر/ تم
        قصي الشافعي/ تم
        أمينة اغتامي/تم



        كم روضت لوعدها الربما
        كلما شروقٌ بخدها ارتمى
        كم أحلت المساء لكحلها
        و أقمت بشامتها للبين مأتما
        كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
        و تقاسمنا سوياً ذات العمى



        https://www.facebook.com/mrmfq

        تعليق

        • أبوقصي الشافعي
          رئيس ملتقى الخاطرة
          • 13-06-2011
          • 34905

          #49
          49

          أنت أغلى من الذهب / فلاح العيساوي


          دخل إلى بيته فسكنت نفسه واطمأنت ورمى خلف عتبة باب الدار كل همومه وإثقالها،، استقبلته عبير بذراعيها وضمته إليها حتى احتوته وغاب بحبها الواسع داخل قلبها الكبير...
          خطوات وأصبح في باحة الدار فحضرت عنده زهور الياسمين وارتمت في أحضانه ليشم عبيرها الفواح ...
          ( سلام ) لا يوجد في قلبه أغلى من حبيبته ( عبير ) وفلذات كبده ( إسلام ) و ( سها )،،
          ارتمى سلام على سرير النوم ليريح جسده المجهد من تعب العمل...
          دخلت عبير ولاحظت منذ دخول سلام إلى الدار آيات تلوح في قسمات وجهه...
          فجلست وقالت: حبيبي ونور عيني هل يوجد في خفايا روحك الجميلة ما تريد إن تبوح به لبئر إسرارك وحبك عبير ...
          حبيبتي أنت تعلمين إني عندما ادخل إلى جنتي وارى ثمرات قلبي وحب حياتي وروحي النابضة فكل همومي تنجلي كقطع الليل المظلم عند انبلاج الصباح فوجهك الشمس حين ترسل أشعتها كخصلة شعرك الذهبي..
          حبيبيتي لا أريد إن أزيدك تعبا وعناء فوق تعب العمل في البيت وتعب مداراة الأطفال ..
          نثرت عبيرها بيدها فوق وجهه وقالت: إن في الأمر سرا خطيرا وانأ قد خبرتك جيدا وعلمت مكنون قلبك الأبيض ...
          إن لم تفصح وتفضي لي سوف أخاصمك...
          كلمات عبير هزت مسامع سلام وقرر أن يشاطر همومه شطره الثاني
          فقال: غاليتي ونور عيني تهيئي لسماع الخبر... قد خسرت رأس مالي في العمل ولم يبق لي مال اعمل به!!!...
          عبير: فداك يا روحي وحياتي كل أموال الدنيا وما فيها..
          وجودك هو المهم ولا تحمل هما أو غما مصوغاتي الذهبية بين يديك...
          سلام: لا استطيع إن أبيع الذهب فهو غالي عليك جدا ...
          عبير: حبيبي سلام ( أنت أغلى من الذهب ) !!!...
          أنت أغلى من الذهب.


          أسماء أعضاء لجنة ترشيح النصوص
          عائده محمد نادر/ تم
          صبيحة شبر/ تم
          قصي الشافعي / تم
          أمينة اغتامي/ تم



          كم روضت لوعدها الربما
          كلما شروقٌ بخدها ارتمى
          كم أحلت المساء لكحلها
          و أقمت بشامتها للبين مأتما
          كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
          و تقاسمنا سوياً ذات العمى



          https://www.facebook.com/mrmfq

          تعليق

          • أبوقصي الشافعي
            رئيس ملتقى الخاطرة
            • 13-06-2011
            • 34905

            #50
            50
            وحوش الظلام / فلاح العيساوي

            بدأ القلق يتسرب إلى روحها الحانية، دقائق الانتظار تحولت إلى ساعات من الرهبة والخوف، لملمت أشلاءها المبعثرة، تبرقعت بها، وانطلقت تحث الخطى نحو المدرسة، فلم تجد ضالتها المفقودة، وقت الدوام انقضى وأمسى الأبناء في أحضان أمهاتهم، فأظلمت الدنيا في عينيها الشاحبتين، مع حلول الغسق، ومازالت (هاجر) زمانها تبحث في ذهاب وإياب عن ذلك السراب بين الصفا والمروة، طارقة أبواب الهجعة بالسؤال، والجواب سلب الآمال كما سلب الليل ضوء النهار، فأعدم القدر يد الحيلة، جلست تصارع الخوف والحزن والانكسار، غلبت وانهارت الدموع سواجم،،،
            طار النبأ إلى مسامع الأب المسكين، فدق ناقوس الخطر واجتمع كل حبيب وصديق، من أجل البحث عن ( فرقد المفقود )، وبات الجميع في حراك دائم إلى انبلاج الصباح، ولا أثر أو دليل يحيي الآمال في القلوب الوجلة والأرواح المبعثرة، يعيد الابتسامة الشاردة عنها،،
            جاءت رنة الهاتف تنبئ عن حدث رهيب ومخيف، فالمتصل طلب (فدية من المال) قبالة حياة فرقد !!..
            الأب صارع البكاء عند سماع صوت ولده الغالي، جمع الأموال لم يكن بالأمر الهين، والبيت والذهب يرخص لحياة (روحه) التي درجت بين يديه وترعرعت في أحضانه،،،
            كان الانتظار قاتلا ومرا، وحارقا للروح الرقيقة، والاتصال الثاني حدد مكان استلام وتسليم الفدية، دون تسليم ( المخطوف )!!،،،
            لا توجد خيارات متعددة أمام الأب المسكين، في الموادعة مسحة من الأمل اللامنطقي، فتلك الوحوش لا تحكمها القوانين الإلهية والوضعية، ولا منطق في تصرفاتها وأفعالها!
            جاء الاتصال الأخير بعد أن أصبحت الفدية بيد تلك الحيوانات المتوحشة، ينبئ بمكان الولد !
            وصل الأب لمكان الخبر وارتمى في أحضان الفاجعة، يلملم أشلاء ذلك (الكبد) المنحور !


            أسماء أعضاء لجنة ترشيح النصوص
            عائده محمد نادر/ تم
            صبيحة شبر/ تم
            قصي الشافعي / تم
            أمينة اغتامي/ تم



            كم روضت لوعدها الربما
            كلما شروقٌ بخدها ارتمى
            كم أحلت المساء لكحلها
            و أقمت بشامتها للبين مأتما
            كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
            و تقاسمنا سوياً ذات العمى



            https://www.facebook.com/mrmfq

            تعليق

            • صبيحة شبر
              أديبة وكاتبة
              • 24-06-2007
              • 361

              #51
              51
              متلازمة
              سالم وريوش الحميد

              لم تستطع أن تخترق حدود صمتها بغير أن تنتزع من داخلها آهة تأتي من أعماقها السحيقة كأنها تجتاز عددا من الموانع لتصل زفراتها حارة إلى وجه دنيا ، و كأنها تخرج من مرجل بخاري ، تلتفت نحو ابنتها الصغيرة التي تركت جسدها الصغير يغوص بحدود ضيقة احتوت جسديهما ، حوض الماء يثير في داخلها فرحا طفوليا ولغطا لا ينتهي تحسست أمها رأسها الصغير ، ندت من دنيا ابتسامة بلهاء ، أرادت أن تنهي كل معاناتها بأن تتركها لبضع دقائق تحت الماء تسد عليها كل طرق النجاة لبقائها شريكة لها في هذه الدنيا ، علاقة بدت غير عادلة ، هي رهينة محبس من القلق والخوف ، الحرية والرغبات تكاد أن تكون مخترقة بألف من المحظورات التي تخص دنيا وحدها ،و التي تربعت على عرش تفكيرها مذ أن انفصلت عنها فهي الرابط الوحيد الذي ظل من بقايا أب غادرها لحظة ولادتها بانفجار رهيب ، مرت بكفها على عينيها شعرت أن أسئلة لا تنتهي تختفي خلف تلك العينين ، لكنها توجست خيفة حتى أنها ضمت يديها إلى صدرها خافت أن تمسها بشيء ، وأن تسول لها هواجسها أمرا ما ، ضمتها إلى صدرها بقوة بكت ولم تعرف الفتاة سرا لهذا البكاء
              _ ماما
              المفردة الوحيدة التي لا تفارقها , في فرحها أو غضبها عند جوعها وعطشها عندما تريد قضاء حاجتها أو عندما تخشى ظلمة الليل أوحين تغيب عن عينيها لحظات ، أوامرها كلها مرفقة بهذه الكلمة
              _ حبيبتي أريدك أن تهدئي لأتفرغ لعملي
              رنت إلى وجهها الأبيض المستدير ، راحت تقبل خط كفها الوحيد الذي يميزها عن باقي الأطفال الأسوياء
              جعلتها أسيرة لحبل سري آخر رغم انفصالها عنها ، بقيت على ارتباط تام بها وكأنهما توأمان ، لا تأكل ولا تشرب لا تنام إلا بوجود أمها ،
              _ إنها لا ترغب بأن أكون بجنبها

              قالتها أكثر من مرة الخادمة
              تترك دنيا في بيت كبير مع دمية صغيرة الأم تذهب للجامعة فيما تخرج الخادمة ولا تأتي إلا قبل ساعة من مجيء الأم .متظاهرة بأنها ما فارقتها لحظة
              كتمت في نفسها غضبا شديدا وهي تسمع صراخها ماما
              لا غير هذه الكلمة ومفردات مبهمة هي كل ثروتها اللغوية ، كم أرتج على أمها الكلام وهي تحاضر في الجامعة وباتت لا تعرف من أين بدأت ولا كيف ستنهي محاضرتها ، أحضرت مصادرها وجلست قربها في الحمام ،
              راحت تضيع الكلمات المقروءة في رأسها وكأنما تيار جارف يأخذ بها بعيدا ، قلق راح ينتابها كلما خلت بابنتها حاولت أن تخرج من الحمام
              _لا أخاف أ لا أسيطر على هواجس تنتابني
              _ لا أريد أن أقترف عملا يؤذيك ،
              _ أخرجي كفى
              لكن ثمة عناد بدا مرسوما على قسمات وجه البنت ، راحت ترفض الخروج رغم إلحاح أمها التي بدت متوجسة من الاقتراب منها تخاف أن تفقد سيطرتها على نفسها أو مشاعرها العدائية تجاه تلك الصغيرة والتي لا تعرف لها سببا
              _لا أريدها .. بدت الكلمات وكأنها ترفض البقاء
              إنه لشيء مخيف إنه مقرف أن أِؤذيها
              راح الهاجس يبحث عن سبب مقنع يبرر تلك النوازع المهيمنة على رأسها

              أنا خائفة
              تشلها ردات فعل تغرس قلقا مبهما

              تنتابها شتى المشاعر وهي قريبة منها ، ثم تحتضنها بقوة وتبكي بكاء مرا
              الماء دافئ ، التليفون يرن تنتفض من مكانها تحاول جلبه إلا أن بكاء دنيا تزامن ورناته ، جاء الصوت دافئا عبر سماعته ، الأم مضطربة المشاعر تحاول إسكاتها
              ـ أما آن الأوان لتلتفتي لنفسك
              دنيا تصر على أن تترك أمها (التليفون) وتتفرغ لها وباقتضاب قالت :
              -أرجوك لا تحاول
              رمت به بعصبية ، آخر يد تحسست هضاب جسدها يد علي ، وأخر من لثم فاها هو علي لم تشعر بدفء يشاركها
              أيكها غير أنفاس ابنتها التي أصبحت تضيق عليها الخناق وتحس باختناق كبير ما إن ترى صدرها يعلو وينخفض ، تثور تحاول أن تفجر براكين من الغضب المكبوت ، تصرخ بأعلى صوتها تكسر الأطباق ، لا أحد يخلصها من خطر نفسها غير انهيار مفاجئ يسقطها أرضا لا تفوق منه إلا بعد تبدد كل شحناتها ، ثمة صداع كبير في رأسها , ولكن راحة غريبة تتملكها ، تقوم من مكانها تحرك ملعقة الشاي ، تنظر إلى ابنتها وهي تغط في نوم عميق ، تمسك القدح بيدها بقوة مبالغ فيها تخاف أن ينسكب الشاي عليها ، تخاف أن تحطم رأسها الصغير به
              (التليفون) بالنسبة لها آلة معطلة لا تتصل بأحد ومن يتصل بها يعرف أن عليه ألا يسمع إلا كلام تضن به على أعز الناس ، رنته هذه المرة لم تكن متوقعة ، حملته من على سريرها صوت هامس ، ينفذ إلى أعماقها ، يحرك مشاعرها التي تجمدت ، ويثير في داخلها رغبة بأن يتمثل لها هذا الصوت بهيئة إنسان يقترب منها يطوق خصرها النحيل ، يداعب خصلات شعرها الفاحم ، يلثم جيدها ، راح الصوت يخترق طبلة أذنها دون استئذان
              -أحبك
              أو هكذا تخيلت
              لا لم يكن صوته بل كان صوت العميد الذي جاء كلطمة تلقتها على أم رأسها بغتة
              دكتورة رشحتك الوزارة لزمالة دراسية
              تشنج لسانها بدت يدها لا تستجيب للحركة غارت عيناها في اللا مكان لم تعد ترى غير خطوط من الضوء تتسارع أمام عينيها ، كل شيء تحجر حاولت الوصول إلى غرفة النوم وجدت أقدامها مكبلة بقيود من الجبس , الأرض تغوص بها لا أحد ينقذها من بركة الوحل هذه التي راحت تجذبها نحو الأعماق ، علي بعيد عنها يفصله عنها حاجز برزخي ، صوته يصل إلى أسماعها كأنه صدى (( لن أستطيع إنقاذك )) ، سقطت وكأنها تمثال رخامي ، دنيا تكتم صرخاتها ابتلعت دموعها ،أحاطت بجسد أمها حاولت أن ترفعها لكنها ثقيلة على جسد صغير ، كمن تحرك كتلة من الرخام
              أجهزة التنفس وتخطيط القلب تحيط بها ، ثمة ابتسامة لمحتها على وجه دنيا ، كم تمنت حينها أن تتخلص من تلك القيود لتحتضنها ..... وبقت د نيا تطوف في دنيا عالمها المكبل بمتلازمة داون وكأنهما قيدا في قيدٌ واحد ليس منه خلاص .
              أريد حلا .. ؟
              هكذا
              كتبت على متصفحها فيما راحت أناملها تداعب حروفا بيضاء ملصوقة على مربعات سود تكتب قصتها بإيجاز.



              أسماء أعضاء لجنة ترشيح النصوص
              عائده محمد نادر/ تم
              صبيحة شبر/ تم
              قصي الشافعي/ تم
              أمينة اغتامي/ تم




              تعليق

              • صبيحة شبر
                أديبة وكاتبة
                • 24-06-2007
                • 361

                #52
                52
                1. [*=center]
                  احتضار / قصة قصيرة
                  سالم وريوش الحميد

                  _ (أحنا مشينا للحرب .. عاشق يدافع عن محبو بته )
                  كم هي خادعة تلك الكلمات ، كم من البشر سحقوا على أنغام هذه الأغنيات السمجة التي ملتها الأسماع
                  (اليوم عرسك يا أحمد ) ... تعالت الزغاريد تحمل سحب قاتمة لمستقبل مجهول ، أُعدت كل تحضيرات العرس ، ومع الصباح ذهبت لحمام المدينة مع أصحابي تسبقنا ضحكات الفرح ، حلقت شعري ، لبست أجمل ثيابي ، تعطرت بعطر أبي ( ليت أباك حاضر لتكتمل فرحتنا )
                  قرأت ذلك في عيون أمي التي أذبلها البكاء
                  الحرب شرعت أبوابها لتختزل عمر الورود
                  لم أحضر مراسيم العرس ، ظلت عروسي تنتظر قدومي علني أكون واحدا من أولئك القادمين الناجين من الموت في غفلة من قاذفات الجحيم ...
                  كم من الأحلام حملت على ذراعي , واقتنصت من الطيف ومضة هي واحة أمل استكمل بها بقية ثمالة عمري بعدما نشرت كل الآلام على حبال ذاكرتي , خائف ألا يأتي ذاك الصباح ، أصوات ليست غريبة تطرق سمعي ، تأتي إلي محملة عبر الأثير ، تدق أبواب ذلك الرأس الذي يقتات الهموم والخوف ، أصوات ألفتها ، أسمعها بين الحين والحين ، غناء أشبه بالحداء ، وأنين المثخنين بالجراح ، رائحة البارود تنتشر على طول الطريق المصبوغ بعتمة الليل
                  الجزع يأبى أن يفارقني ، كنت أظن أن بكاء أمي هو الذي يفتح أشرعة المساء ويأتي به مغلفا بحلته السوداء، تظللنا وحشة القبور في طقوس غرائبية ، حالة من الكآبة تجثم على نفوسنا حتى تأخذنا سنة من النوم.. رغم أن الموت محيق بنا.
                  أبي غائب في مدافن الوديان السحيقة ، هناك عند خطوط النار القصية ، يأتينا طيفا كل مساء ، أنصت إلى أمي تحاكيه ، تعاتبه (لمَ لمْ تعد مثلما عاد بقية الجنود ....؟) ، سنوات مرت ولم ينقطع ذلك الصوت الحزين من العتاب ، ورائحة البخور التي راحت تشحذ بها ذاكرتي كلما جن هذا الزائر الثقيل .
                  أصواتا رحت أتخيلها ضجت بها كوة رأسي الصغير ، لم تفتر لحظة ، لم يصبها الوهن ، مهما حاولت أن أبعدها تخادعني ثم تتسمر برأسي ، تأبى أن تغادره ، حياة لم أفقه منها شيئا غير انتظار سقيم لعودة غائب من المجهول .
                  أصوات الانفجارات تحمل معها يافطات سود تعلق على الأبواب ( إن وعد الله حق ) ، ظلت ترسل إلينا كل يوم وفودها ، نعيق البوم يستفز فينا كل لحظات الخوف من الموت ، ساعة الوقوع تجتر آلاف الصرخات المكتومة من مدافنها ، بين حبيب وزوج وأخ وأم ثكلى نسمع نواحها وطفل يتيم ..
                  أنظر من مستطيل النافذة المطلة على الشارع فأرى جارنا عباس العائد من جبهة القتال توا يحمل أبنته الصغيرة إلى الدكان ، ليشتري لها قطعا من الحلوى ، تفتر ابتسامة على شفتيه فرحا بسلامته ، لأنه تستر بلباس الصدفة من الموت لحظة أن أتى بإجازة ، تجتاحني رغبة بالبكاء ، أتطلع إلى البعيد لعله يعود.. الشمس تتكيء بتؤودة على سطوح البيوت الجاثمة كالقبور.
                  ابتسمت وأنا أراه يحضن أمي بشوق يفوق حبه لي ، ويطول عناقهما وكأنهما في غيبوبة ، تتخلل رأسي ألحان موسيقى حزينة تعزف لهما لحن الوفاء ، و كأنها نذر ما بعد اللقاء ، وتطول ساعة العناق الحميمة وأنا أتوق لأن يحضنني.. أن يقبلني.. أن يرفعني على كتفيه ، تتصارع الرغبات في داخلي ، لا تفارقني أمي إلا ساعة أن يأتي إلينا .
                  كتبت آخر صفحة من رحم الماضي وعلقتها على جدران الحاضر ، أبي لم يعد يأتي إلينا ، لم أر وجهه الذي غادر حيث المجهول ، لم يعد غير صورة بوجه كئيب كأنه يرثي أياما عاشها في حرب الثمان العجاف.
                  أمي لازالت تمارس طقوسها اليومية ؛ انتظار مشوب بالقلق.. امتلأت ذاكرتي بآلاف الصور المشوشة وشل تفكيري.. أنا لا أفهم ما يحدث لي وأنا قابع هنا تحيط بي دياجير ليل بهيم بدا كقطعة سوداء ، تضيع في ظلمته كل الهياكل والأجساد الخائفة .
                  (بيت أم أحمد القابلة المأذونة) يافطة موضوعة عند الباب ، كم من النساء لفظن ما بأرحامهن على يد أمي وقودا لتلك الحروب... هكذا كانت تردد كلما تؤوب من رحلتها اليومية حاملة عدتها معها.. ومبلغا زهيدا ، كنت أرافقها كلما جاءت ساعة المخاض اللعين لامرأة تتوكأ على آلامها بأمل منقوص ، لا أحتمل أن أسمع صراخها .
                  لازلت أذكر آلام الختان وأتحسس نفسي ، أخاف ذلك الكابوس المخضب بالدماء ، أسمعها تصرخ ولا أستطيع أن أهرب . لزاما علي مرافقة أمي والعودة معها إلى البيت . أشعر بقلقها خلف الأبواب المغلقة وهي تحاول قدر الإمكان أن تستل ذلك الجنين الذي يأبى الخروج إلى عالم لا يرتجى منه خيرا ، رغم الصلوات والدعوات و بكاء الأم وهي تردد في حالة يأس يا... الله أمن أجل نزوة عابرة تتحملين كل هذه الآلام ..؟ ،
                  لم أفهم حينها أن هذه هي سنة الحياة ، أنظر إلى عيون أمها تتوسل إلى الله أن يكون ولدا لأب شهيد.
                  رنوت إلى ابنة جارنا ، تمنيت أن ألعب معها ، غالبني النعاس فشطبت من ذاكرتي كل الأماني ،
                  ( قدت حبال المودة منذ أن رحلوا وانقطع الأمل ) قالت أمي باكية.. كنت جالسا على حافة السرير وهي تمشط شعري تسترسل بالحديث عن أبي
                  أفقت من غيبوبتي على قصف بالقاذفات.. صراخ من بعيد : المكان مستهدف
                  حاولت الهروب لكن قدمي تسمرتا في مكانهما ، فقدت الإحساس بالاتجاه ، سقطت قربي قذيفة رمت بي في هوة سحيقة ، لم أستطع الخروج منها ، شيء أشبه بالملاك مد يده إلي محاولا إخراجي ، لكني خفت أن يكون هو الموت ، زحفت بعيدا عنه ، حاول أن يجرني لكني تكورت على نفسي لم أعطه يدي ، الجثث تتوزع على طول خطوط التلال الترابية ، ترمى حمم من النيران على السيارات المصفحة الهاربة من الجحيم ، الهروب مستحيل تلك الشظايا تتجه نحوي، السماء تنثرها كما تنثر الألوان في مهرجانات الفرح ..!
                  أين أنا من هذا العالم كله ..؟ ، قُطعت أحاديث المساء بعد أن كلت يدها من تمشيط شعري الأشعث، وكأن لا هدف لها إلا الحديث عن أبي وهو يواجه معارك البقاء ، رغم إن القدر خط كلماته ليؤبنه ( ترجل من عربة الحياة وغادر إلى محطته الأخيرة.. إنها إرادة الله ) ..
                  أنا وأمي أصبحنا حطام الحاضر ، أيقنت أن السيجارة هي حلم العاجز عن الوصول للحقيقة ، أخذت منها نفسا عميقا ، كتبت على الأرض خطوطا بيضاء بالطباشير ، حوارية غريبة (البعد الرابع هو الزمن ) أمي تحظر علي البكاء ، الرجال لا يبكون ترفض إعطائي جواز مرور للنسخة الثالثة من الحرب.
                  وجدت نفسي وحيدا لن أهرب من قدري المكتوب ( ألم تقولي يا أمي إنها إرادة الله.. ؟ زمت شفتيها وهي تحز م حقائب سفري (كل القوانين تموت أمام عاطفة الأم ياولدي)
                  سأعيش ، أنا باق ، تضطرني لحظات الموت أن أمزق كل ما يحيط بي من شرانق لأخرج من بين أطنان الركام التي أحاطت بي ، الأحلام ما عادت تصمد أمام عوامل التعرية , لازلت أحلم بابنة جارنا ... أراها ببدلة عرسها البيضاء تركض بخطوات واسعة في حقول تمتد وامتداد البصر ، شعرها يسافر معها ، تحمل بيديها بتلات الورد تتناثر على طول الطريق تسقط طرحتها تجرها وراءها فرحة بعودة الغائب ، يسبح جسدها بحزم من الأضواء البنفسجية ، أراقصها ندور وكأننا نسبح في الفضاء ، غريب لم تر رأسي المفصول عن جسدي.. فرحتها أنستها ما أنا عليه ،
                  _ أعرف إنها تحبك ..؟ يا أحمد .. سأزفكما بعد أن تنتهي مراسيم الحروب
                  جفت منابع الدموع لكثرة الراحلين .. البرق تتكسر خطوطه عند الأفق ، المطر نزف آخر قطراته
                  صورتان تقاسمتا الحائط الكئيب لي ولأبي ... وامرأة تجلس هناك قرب موقد النار متقوقعة ، أحنى الزمان ظهرها تنتظر عودة أحدنا ، ياترى من الذي سيعود..؟ لم أسأ لها أي منا ترغبين عودته.. ؟ أعرف أنها ستخادعني وتقول كلاكما ... تريد أن تفرح بعرسي ، تريد أن تعود بها الأيام إلى آخر مضجع جمعها بأبي ..
                  _ ها أنا يا أمي لا زلت أحمل بذرات الحياة .. لن أموت ، سأ عود أليك
                  رنت إلي وبعينيها عتاب
                  _ أنا لم أكن مذنبا ، أنا مجبر على البعاد ، ..
                  أشاحت بوجهها عني حين رأتني بهذا الانكسار، الجراح عميقة ، ولازالت الخناجر تغور في الأعماق ..
                  أنا عائد من ديار الموت القصية ، لا احتمل نظرات العتاب ولا إشارات الاتهام .
                  أمي لم تغادر مكانها ، شجرة قميئة تقوقعت في ذات المكان تنتظر يوم الخلاص ، منذ أن رحلت عنها وهي تراني طيفا يبدد وحشتها ، استقر بي المقام هنا على الحدود الجنوبية يغطيني تراب النسيان ، وركام من القنابل المخضبة باليوانيوم زرعت في جسدي تقتات منه فتبرعمت وأصبحت غيلان ، أمي تسجر كل يوم تنور حزنها الأبدي ، وأبي هناك على الحدود الشرقية جدث مسجى تنهب أشلاءه الوحوش .. بحثوا عمن يستلم تلك الرفات .. لا أحد يعرف عنا شيئا .. الكل ضاع في غياهب المجهول ..
                  وقبل أن أدفن.. .. هربت أحمل أشلائي فوق رأسي المقطوع عز علي أن أفارق دفء أحضان أمي فجئت أطوف بين ملايين الموتى لألقاها ..كم كانت فرحتي كبيرة حين رأيتها جالسة في ذات المكان لازالت تنتظر عودتي ، رأيت أقدامها متجذرة غائرة في أعماق الأرض كأشجار النخيل ركضت نحوها ، تدحرج رأسي قربها ، لم تأبه لي ، هالني أنها لم تفرح بمقدمي ، أشعلت عود البخور وقالت بأسى
                  أبوك لم يأت بعد ..؟





                أسماء أعضاء لجنة ترشيح النصوص
                عائده محمد نادر/ تم
                صبيحة شبر/ تم
                قصي الشافعي/ تم

                تعليق

                • صبيحة شبر
                  أديبة وكاتبة
                  • 24-06-2007
                  • 361

                  #53
                  53
                  ارتحال
                  سالم وريوش الحميد
                  من يوصلني إلى بحر الصمت, لازالت ثرثرة الأيام تحملني إلى صحار و متاهات العمر في غياهب الشعور بالضياع
                  تغرقني في عتمة رياح ترابية تعصف بي ، تسد علي كل الطرق والمنافذ .
                  العودة للربيع جاء من باب الهذيان ، وضرب من المستحيل ،
                  والحقيقة باتت تقارع بقايا أحلام، تجبرها على أن تخرج من كوة رأسي المثقل بالهموم .
                  لا أمل لي بالخلاص, فالعالم موغل بالجريمة ، ولحوم البشر أطعم اللحوم, يقدمونها لفافات (ساندويج ) ،
                  في( كرنفالات) مذابح العقائد القرمزية . لازال الموت فاغرا فاه ، لا يتمثل برجل حتى أجهز عليه.
                  رائحة الشواء لا تقاوم ، تحترق الأجساد كقطع فحم ، كتب الأطفال تذروها الرياح ، الدم يسيح يمتزج بكتاب القراءة الخلدونية ، يريد أن يكمل الدرس المسفوح عند بوابة المدرسة.أصوات تردد وراء المعلمة ، أبجدية الحرف العربي المقهور، والمسلوب رداءه :
                  دار دوّرٌ دورانا
                  رأيته أحمر ، يزحف فارا من سجون الأجساد الغضة المعفرة بالتراب .
                  رامي المسجى على قارعة الطريق ، عبر مدارج الحصى ، يلوذ بصمت ، بدا وكأنه أبدي ، ليس كعادته ؛ فهو مجبول على الهذيان والضحك.
                  ( إلى اللقاء .. غدا ألقاك)
                  آخر كلمة سمعتها ، ونحن نغادر معا الصف ، بعد أن عاقبتنا معلمتنا .
                  كنا نحاول كتم ضحكاتنا في أعماقنا . نظرت إلينا المعلمة نظرة عتاب وتأنيب :
                  - كفاكما ضحكا .
                  ولم نأبه لإنذاراتها وتحذيراتها ، بقينا نضحك ، دونما سبب . طلبت ألا نحضر إلا ومعنا وليا أمرينا .
                  :( الضحك بلا سبب من قلة الأدب ) قال رامي ، وهو ينفجر بنوبة ضحك هستيري ؛ ليستفز غريزة الضحك عندي.
                  جلسنا عند عتبة الباب ، ننظر إلى الحركة الدائبة ، للأطفال بين رواح ومجيء .
                  في لحظة .. ومن غير سابق إنذار،
                  اجتاحتنا حالة من اكتئاب ، لفنا السكون بجناحيه . لن ترحمني والدتي إذا ما علمت بطردي من المدرسة . دارت في خلدي تلك الكلمات .
                  كل يوم يأتي رامي بدراجته الهوائية للمدرسة . كم حلمت أن أمتطيها مثله ، أنطلق بها في هذا الخلاء !
                  : السفر المحتوم للمجهول ، يجب أن نعد عدته . هكذا قالت جدتي ، وهي تضع على جسدي المرتعش بطانيتها الوحيدة . قفزت لذهني فكرة : ماذا لو هربنا منه ؟!
                  نظرت إليها ، وهي تتغطى بكفنها، تمنيت أن تلفني بحضنها؛ لولا هذا الشيء البغيض .
                  أردت أن أبكي كما يبكي الأطفال . اليوم صار الكفن رداءً لرامي . سألتها :
                  (لم رامي يموت ...؟)
                  : إنها إرادة الله .
                  قالتها وهي تربت على كتفي ، لتصبرني على بلوى ، ما كانت تخطر على بالي .أشعلت مدفأة قربتها مني ، أحسست ببعض الدفء.
                  الظلام يثير مشاعر الخوف لدي ، أشباح تطاردني ، حاولت الهروب منها ، أبحث عن ملاذ آمن. نهض رامي والدماء تغطيه ، مد يده إليّ ، جاهدت سحبه بقوة .كاد يجرني إلى هوة سحيقة .كان صدى ضحكاته يمتد عبر الأثير بلا حدود ، لا تحجبه حجبٌ عن رجوم الشياطين .
                  المعلمة تركض ورائي, تطاردني ، تحظر عليّ الابتسام ، تتقدم جدتي لتنقذني ؛ لكن الكفن ينفرني منها .
                  أمي تنادي ، تصرخ بأعلى صوتها ، تلهج باسمي ،لازالت تبحث عني في غابات الصنوبر العتيقة . رؤوس بشرية مقطوعة متناثرة في هذا اليباب ، وأنا أطوف بجسدي كسحابة ، أرى حشودا من الناس تسير خلفي ، سمعت بكاء صراخ مهول ، رأيت رامي خلفي يسير ، رأيته يبكي هذه المرة ، سألت نفسي : ( هل الموتى يبكون..؟) .
                  وأنا أطوف في عالم هلامي ، كل ما يحيط بي أشبه بكابوس جاثم . عريني أُعد لي سلفا ، سأظل رابضا فيه إلى يوم النشور ، هكذا سمعتهم يقولون .
                  محوت أمالي المكتوبة على جدران المدرسة ، مزقت كراريس واجباتي ، ما عادت تستهويني لعبة الأحلام ، و الاستيقاظ الجبري ، ومغادرة فراشي كل يوم ، ما عاد يستهويني التسكع بالطرقات ،
                  شظى ألواح صفراء يتمزق . لقد رأيت هذا المنظر، أعيد مرارا وتكرارا ، كنت أسمع به ، لكني اليوم
                  رأيته بعيني ، واحتضنته بجسدي الذي صار مقبرة لهذه الألواح . لا .. لم أكن أنا ؛ رامي من أودعوه تلك الأمانة .
                  ما عاد للفجر لون, رحلتي تعدت المعقول ، أعادوني مكبلا بلفافات بيضاء . بصيص من الضوء اخترق عدسة عيني ، تراقص يبحث عن مهرجان ألوان الطيف ، رائحة غريبة شممتها ، رائحة معقمات تفوح ،
                  أشباح بملابس بيضاء تتحلقني ، أحسست بحرقة تخترق وريدي
                  :( أعطه كلافوران) . أول جملة سمعتها تحط على مدارج واقعي المعاد بنسخة أخرى ، راحت الصورة تنجلي بوضوح . رأيت أمي تمسك بيدي ، وثمة تهاليل من الفرح ، ارتسمت على صفحات وجهها المؤرق ، وعينيها اللتين أثقلهما الكرى تحتضناني بحنان ، جدتي تقف عند رأسها ، ترنو إلي بفتور .
                  : أين رامي ؟!
                  قلتها ، ورحت أبحث عنه بنظراتي, لم أجد غير أسرة ، يضطجع عليها أناس ، لا أعرف عنهم
                  شيئا ، محاطين بذويهم : ( أين رامي ....؟)
                  لم أجد جوابا . عرفت إن الحيرة تلفهم ، لا جواب لديهم .
                  : نحن في بغداد .. ورامي في دمشق ...؟
                  قالت أمي لتقتل كل حيرة في داخلي :
                  لقد رأيت رامي .( قلت مصرا...!)
                  رن جرس التلفون ، لم أتبين من كلامها إلا كلمة : (انفجار في دمشق).
                  صرخت أمي بأعلى صوتها : لا لن أدعك تلحق به .
                  لكني في هذه اللحظة رأيته .
                  أمسك بيدي ، وسرنا بذات الطريق الطويل.



                  أسماء أعضاء لجنة ترشيح النصوص
                  عائده محمد نادر/ تم
                  قصي الشافعي/ تم
                  صبيحة شبر/ تم
                  أمينة اغتامي/ تم

                  تعليق

                  • عائده محمد نادر
                    عضو الملتقى
                    • 18-10-2008
                    • 12843

                    #54
                    هائل الصرمي

                    حديث القمر

                    كان السكون يملأ المكان والسماء صافية كصفاء السرائر الطيبة التي لا تعرف الالتواء ولا الختل.
                    انسكب الأنس والجمال.. فتلقفته المشاعر النقية واستقبلته الحنايا الظامئة بحفاوةٍ وترحاب ... على كوة في ذروة منزلنا الصغير , أصبنا منه حظا وافرا , يوم كنت وشريكة عمري نرى من خلالها المدينة الحالمة , التي يعشقها الأدباء ويتغنى بها الشعراء , ويهرع إليها السياح من كل مكان إنها مدينة الحب والنقاء , والبهجة والصفاء (تعز) الجميلة , جميلة بجمال أهلها , طيبة بطيبتهم , حالمة بحلمهم الكبير, وسُميتْ حالمة لأنها (معلقة في الفضاء) فهي تفوق مدينة البندقية العائمة في الماء , سحراً وجمالا. وشتان بين الصعود في الفضاء والغوص في الماء.
                    بسطنا مخمل الحب على صهوة الفناء المِمْراح , في السطح المبتسم كابتسامة النجوم في الليلة الحالكة الظلام , ونسجنا خيوط المسرة بالمسامرة والبوح الشجي , الموشى بنغم الوجدان , الطائر في الفضاء كالفضاء نفسه , تحمله أجنحة الشوق المفعمة بالكلمات المعبرة عن صدق المشاعر والعاطفة... ولكل عاشقين نغم خاص و لغة خاصة لا تروى ولا تقال...
                    اتخذ كل منا متكئا يتكئ عليه بعد حديث الحب , ليبدأ حديث الجمال كان الجو يبعث على الراحة, والمكان معد للاسترواح , بدأنا نقلب البصر ونتملى السماء.. نراقب فيها ومضات الشهب الباهتة , وتلؤلؤ النجوم الخافتة , التي حجبها الضوء المنساب من شفاه القمر , وقد كان قاب قوسين من تمام اكتماله بدرا ... وكان يدعونا لمناجاته ومجاراته, فهو للعاشقين كما هو للغرباء الواجدين , وللحائرين كما هو المدنفين , التائهين في أزقة الحب بحثا عن ناكص مهاجر أو هائم زائغ ؛ نكبه الدهر بكلكله فلم يقر له قرار... لسان شعاعه حفيٌ نجي !وأنيس شجي , ودليل وحادي , يا لروعة المساء في رحابه .
                    على رفرف هذا الجمال البديع كنا نتبادل أطراف الحديث مستمتعينَ بحديث القمر ونسيم الصيف ودفئه ؛ .فقد وضع خطواته الأولى على ربوعنا , منذ أيام قلائل , نعم جاء الصيف على فاقة , بعد شتاء قارس ذقنا حلاوته ومره!! كنا مسرورين بقدوم الصيف كأنما غائب عزيز علينا قادمٌ من بعيد بعد طول افتراق, محمل بالهدايا الثمينة التي تنشرح لها الصدور, وتهفو إليها القلوب, ويحثو السير خطاه نحوها, طلبا للمسرة ومظنة في امتلاك ناصية السعادة .
                    قالت أسماء: وهي تنفضُ عن كتفي بعض الغبار وترنو ببصرها نحو السماء , وقد تنهدت تنهيدة خفيفة أحسستُ أنها مَمزوجة بلوعة وحرقة شدت إليها انتباهي.
                    ألا ترى كيف يسحرنا الصيف بجماله, ويأسرنا بصفائه وحسن بهائه, وكم يطربنا السمر بين أحضان مسائه وعنفوان ظلامه وانهيال ظلاله.
                    قلتُ: بلى .
                    قالت وهي تُسلمْ ظهرها على المتكئ: لو كان لنا سيارة لخرجنا في رحلة مع الأولاد نستمتع بنهاره , كما نستمتع بليله الجميل. وها هي العطلة تقرع الأبواب.. كيف نستغلها ونستثمر أوقاتها بما يعود بالخير والبركة.!!
                    سحبتُ الغطاء الناعم وأسدلته على قَدَمييَّ حتى لا تلثمها زخات الهواء المتقطعة بين الفينة والفينة , ثم نطق لساني وقال: هذا بُعد نظر عهدتُهُ فيكِ , لكني أشتم يا حبيبتي رائحة أمرٍ آخر ترمين إليه لم تفصحي عنه بعد , وأجدني مشتاقا لسماعه.!!
                    وأخذتُ بأطراف ثوبها بلطف ووضعتُ يدي على يدها برفق وحنان أفصحي يا قرة العين ونور البصر فكلي آذان صاغية.
                    آه.. يا (كريم) : كم تحدثني جارتي عن رحلاتها المتكررة مع زوجها وأولادها وعن نفقاتها الفارهة ومقتنياتها من الملابس والهدايا مالا أستطيع أن أرويه ولا أصفه لك , من كثرته , حتى يداهمني الضيق مما تقول , فكأنها تُعرِّض بنا لضيق اليد , ولا أتمنى أن تكون أشرعتي مثل أشرعتها ولا مركبي مثل مركبها , فكل حسب سعته , لكني أتمنى الحياة الكريمة التي لا نحتاج معها لأحد , أقصد ما يفي بالغرض المأمول , دون اسراف ولا تقتير.
                    أطرقتُ هنيهة :ثم قلتُ مُحقة أنتِ: هذا أمر يزحفُ في مسامات أوردتي منذ دهرٍ بعيد , لكنه كما يزحف الرضيع نحو الكبر , فدونه أودية ومفاوز يقطعها؛ كي يبلغ الشباب لديه أجله , وقد أرقني كما أرقك وشغل بالي كما شغل بالك , لكني أطمئنك بأنه في البال وأني أبحث السبل التي يتوسع دخلنا في سبرها , ويتحسن حالنا بعد خوضها , وإن أعيتني الحيلة , فلا يأس ولا قنوط مع الإصرار, ولعلي عن قريبٍ أصل.
                    انحنتْ وأخذت بعض الحلوى من طبق بجوارنا, ووضعتها في فمي ثم قالت :نحن ولله الحمد نتقلب بين نِعمٍ لا تحصى وفضائل لا تُعّد ,لا نجحد فضله علينا , لكن لا يمنع , أن نوسع من دائرة نشاطنا, لنمتلك زمام الكرامة و العيش الكريم... ولو من أطرافه لا من أوسعه , (حده الأدنى).
                    ثم توقفت وصبتْ كأساً من الحليب وناولتني , واستمرت في حديثها:
                    وما معضلة النزهة إلا غيض من فيض, رغم أنها ليست من الأشياء الكمالية كما يظنها البعض ...انها تُذهب الملل وتشحذ الهمة وتجدد الطاقة والحيوية والنشاط للأولاد, فيعودون بنفسية راضية , مستقبلين الحياة بقلب مُنفتح وصدر مُنشرح , فالنفوس تمل كما تمل الأبدان مع طول البقاء ولا بد لها من طرائق التغيير, ومسالك التجديد ليذهب كدها وكدرها.
                    بالأمس زينب تقول لي: نريد جائزة النجاح يا أمي رحلة على شط البحر الأحمر وفي خمائل عروسه حيث: النخيل ترمينا برطبها كل صباح وحيث الجمال الطبيعي الذي لم تتدخل يد الإنسان فيه لتخدشه أو تغير معالمه ألا يستحق هذا الطلب أن يلبى؟! ثم التفتتْ نحوي والبسمة في ثغرها والنظرات ترتعش بين محاجرها كأنما خلخل الخجل استرسالها بالحديث حياء... توقفتْ برهة فلما رأتني منبسطا لحديثها , مصغيا لمرادها, وقد رمقتني أهز رأسي , وسمعت شفيف نفسي: وأنا أقول لها: معك يا ابنة العم فيما ذكرت.
                    انشرحتْ وأردفت قائلة: ما أجمل أن نجوب القفار ونتسلق الجبال ونستروح بين مروج الحدائق والروابي والتلال... ألا ترها أغنية جميلة؟! ثم صمتت كأنها تنتظر ما أقول!
                    ـ بلى بلى.. إنها لوحة فنية فارهة الجمال , مدهشة الروعة والتصوير باهية الحسن والمنظر , وإني لأشعر بما تشعرين.
                    ماذا أفعل والخرق في جيبي , وحرقة تسدُّ فوهةَ انطلاقي, كيف أبادر وأحقق أزهار آمالها الحاضرة , وأحلام صغيرتها الناظرة ورغبات نفسي الشاعرة ؟! يا لقسوة الظروف حين تمنع الحلم الشفيف أن يتنفس وتحرم القلب الرفيف أن يتبسم والحنايا الوارفة أن تتنسم... فما تزال بها بشاشة من بقايا طموح كادت تطمره الأحداث بكلكلها, فأنهضته الآمال الملحة , والمقاصد النبيلة, والعزة التي ترفض الذل وتكره الاستكانة , كما ترفض الكفر وتكره النفاق سواء بسواء , من الجمال خلقتْ , لتعشق الجمال والرحابه ,التي تنثرها الطبيعة الخلابة في القلوب الحية.!
                    نسيت نفسي وخشيت أن تسألني فيمَ أفكر , لكني سرعان ما استجمعت مقالي وغيرت بسرعة البديهة وجوم حيرتي وفرط اعتلالي , فخرجت من مدار شرودي , وفلك جمودي بعد أن لاحت لي فكرة وخطر في بالي حل, يمكن معه تحقيق ما نصبو إليه ونأمل إذا تم.
                    ــ بالإمكان تحقيق كل طموحنا يا جميلتي _. فكوني مطمئنة !! سنبدأ بالتفكير والعمل الجاد للوصول إلى تحسين وضعنا من الغد.
                    تعلمين أني وأخواتي ورثنا قطعة أرض, فيمكن بيعها واستثمار قيمتها في مشروع, خصوصا وقد عرضَ علي صديقي ماجد مشروعا رائعا يدر ربحا لا بأس به , يكون العمل فيه بيني وبينه, , لقد استحسنته وأبديت تحمسي له , لكني لم أعطِ نفسي فرصة أفاتح إخواني ببيع القطعة من أجله.
                    أمَّا الآن فقد قويتْ الفكرة وشُحذتْ الهمة واستبان الطريق, وعزمتُ على المضي , وهذا بفضل الله ثم بفضل حديثك الرقراق العذب الذي يذيب الصخور ويحرك الشعور.
                    من الغد إن شاء الله سأتحدث معهم وأحاول إقناعهم بشأنها ,وبنصيبي سأشتري مركبة النهوض ولولب الصعود , وبمقابل عملي , سأنفض الفاقة كما ينفض الحديدُ صداهُ إذا اضرم , فأعيينني بقوة الدعاء فإني أخشى ألا يقبلوا فهم كما تعلمين يعدونها رأس مالهم , ومِعْقَدُ آمالهم وبوابة الوصول إلى طموحاتهم.
                    ارتسمت أسارير الفرح على جبينها وانثالت بسمة الرضا من بين شفتيها كما ينثال الغيث عند ابتسام الأفق الذي خلخل البرق غيماته حال تلبُّده به.
                    ثم استدارت وأخذتْ قبلة من فمها بأطراف بنانها و ألقت بها إلي فتلقفتها مداعبا كأنما هي حبة لؤلؤ يجب التقاطها , ثم رددت بمثلها.
                    وحان موعد الخلود إلى النوم فأوينا إلى المنزل والسعادة تغمرنا والحنين يحث خطا عقارب الساعة مستعجلا , كي يأتي الغد لننظر ما يصنع الله لنا فيه.
                    ما غبت عني أنتَ في أحداقي وأراك في ليلي وفي إشراقي
                    ما غبت يا قمري ونوركِ ساطع يمتد في روحي وفي آفاقي
                    ما أنتِ إلا الشمس مبسمُ ضوئها يفتر في قربي وعند فراقي
                    وبريق ألوان الجمال حلاوة تسري بأوردتي كحلو مذاق
                    ما غبت يوما والفؤاد مولعٌ بهواك دون معارفي ورفاقي
                    لو غبت كيف أراك بين خواطري وعلى عيون الحبر والأوراق
                    إن كنت تذكرني وأنت بنشوةٍ فأنا على ذكرٍ بغير رواق
                    أو كنت تأنس بي إذا لاقيتني فأنا بأنسك دون أي تلاقي
                    ولأن ذكرت إذا نسيتَ فإنني من غير نسيانٍ بذكرك باقي
                    أعرفت قدركِ والقلوب عيونها تتجاوز الأزمان بالأشواقِ
                    [1]


                    أسماء أعضاء لجنة ترشيح النصوص
                    عائده محمد نادر/ تم
                    قصي الشافعي/ تم
                    صبيحة شبر/ تم

                    أمينة اغتامي/تم
                    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                    تعليق

                    • عائده محمد نادر
                      عضو الملتقى
                      • 18-10-2008
                      • 12843

                      #55
                      هائل الصرمي 2

                      وينشر الحقد طلاله

                      كلما اقترب موعد الزفاف ازدادت فرحة سمية وصفوان, وفاضت فرحتهما فلم تسعهما الأرض فاحتضنتهما السماء, حتى جاء اليوم الذي جمعهما في قفص ذهبي جميل, طُرِّزَ بجواهر الأشواق, وزُيِّنَ بألماس الحب, وبعد أن استراحت مواكب الأفراح, وأناخ في ربوعهما الانشراح, غادر العريسان موطنهما نحو مدينة الأحلام.

                      كانت سعادتهما لا توصف...لقد مرت الأيام كأنها حلم جميل سرعان ما انقضى, ولولا انتهاء فترة إجازتهما, لاستمرا في متعتهما يسبحان بين أنهار الغبطة, وبحار الأنس.
                      عادا وهما يصطحبان كأسا مترعا بالآمال؛ ليرشفا منه الحياة السعيدة الآمنة المطمئنة, عادا والأحلام تندفع من بين عينيهما, وقد عزما أن لا يسمحا لشيء من المنغصات بأن يعكر صفوهما, هكذا كانا يأملان..
                      فهل يدرك المتمني ما يأمله أم يعترض سير الحياة بلاءُ؟.
                      ما إن سمعتْ ناهد بعودتهما حتى انتفضت كانتفاضة الممسوس من الجن.. عاد وحش الاكتئاب من جديد ينهش قلبها, فقد كانت حديثة عهد به؛ حيث أصيبت بصدمة نفسية بعد أن علمتْ بزفافهما, وظلت فترة لا يعرف الأطباء سببا لمرضها.
                      لكنها هذه المرة تماسكت؛ لأنها قد نسجت أحقادها في خطة مدبرة عزمت عليها, كانت بمثابة المسكن الذي يخفف ألم الاكتئاب الموحش, فلم تذهب إلى الأطباء كما فعلت سابقا, إنه وحش كاسر مؤذٍ يدهمها كلما نبا إليها أريج سعادة, أو وميض هناء يمر بصفوان وسمية.
                      كيف تهدأ بالاً وهي تراهما يرفلان اليوم بسندس الحبور, وأثواب الهناء؟ إنها لا تستطيع أن تراهما ينعمان في بساتين السعادة! ولا قدرة لها على تقبل ذلك.
                      يا لمصيبتها!!, لقد انهارت مرات عديدة قبل أن يسعفها الشيطان بما ألقاه في روعها من خطة وتدبيرٍ مقيت, ولعلها قد طابت بما ألقى, واطمأنت إليه بل وعزمت عليه عزمة من دونها مفاوز الموت وقطع الرقاب.
                      يا الله كم أكل الحقد قلوب أصحابه ؟! وقتل الحسد حياة أربابه ؟!!.
                      في اليوم الثاني حملتْ نفسها بعد أن تزينت وأخذتْ من سوق النفاق هدية متكلفة وذهبت إليهما في شقتهما المستأجرة, وقدمت لهما التهنئة, متصنعة البسمة الصفراء على وجهها, متكلفة حسن الحديث ولهيب الغيرة يلسعها كلسع الحية الرقطاء, لتسري في دمائها سموم المكر, كما يسري النفاق على لسانها المعسول.
                      لم يهدأ لها بال, ولم يقر لها قرار منذ ذلك الحين, وظلت تزور سمية وتحاول استمالتها بالكلام الجميل والهدايا الجذابة, حتى بدأت سمية تشك بهذا الاهتمام الزائد وتتخوف مما وراءه إلا أنها بدأت مع مرور الأيام تتأثر بحديثها, وقد تسلل إلى سمية الظن الحسن بها, خصوصاً بعد أن أخبرتها بأنها تغيرت وشعرت بالندم لطيش أيامها السالفة.
                      هكذا صدقت سمية ما تنسجه ناهد من معسول القول، ومع مرور الأيام استأنست بها وبادلتها الهدايا والمشاعر وأصبحت من أحب صديقاتها, وكان زوجها يحذّرها من ناهد مرارا فلم تلتفت إليه واستمرت في صحبتها.. وعندما بلغت الثقة بينهما حدا لا يختلجه ريب شرعت ناهد في تنفيذ ما زين الشيطان لها من مكر.
                      ففي أحد الأيام دخلتْ ناهد على سمية في مكتبها وهي تحملُ كأسين من الفراولة الطازج, وبعد أن ألقت التحية، وضعتهما على الطاولة, ثم تناولت أحدهما وقعدت متكئة على كنبة بجوارها, وبدتْ عليها علامات الارتباك, وهي تقاوم رعشة القلق التي ظهرت في اهتزاز الكأس بين يديها, حاولت إخفاء الارتباك الذي ظهر بين عينيها لتمنعه بابتسامة خفيفة .
                      ثم قالت: تفضلي اشربي كأسك فإن للفراولة أثراً في حيوية الجسم ونشاطه, كما أنها تساعد على صفاء الذهن, والتفكير الجيد.
                      وقبل أن تتناوله سمية شكرتها, وبدأت تشرب رويدا رويدا...حتى أتمته، فخرجت زفرة من صدر ناهد كأنها حطت حملا ثقيلا من على صدرها...
                      أثارَتْ زفرتها انتباه سمية مما جعلها تقول: يبدو أنك لم تنامي بالأمس جيدا فالأرق والقلق ظاهران عليك.
                      ـ هو ذاك... واستمرتا بالحديث كعادتهما ثم صمتتا, وبعدها قطعت ناهد سلاسل الصمت وبدأت تُلمحُ بأن لديها عملا وترغب بالانصراف, و قبل مغادرتها ظهر عليها انبساط ٌ كأنها تعانق نشوة نصر, أوعودة فقيد بعد يأس وطول انقطاع, لذلك جاء الارتباك مصبوغاً بهذه النشوة...
                      ساورسمية بعض الشك من ارتباك ناهد, وتساءلت: عن سبب ذلك الارتباك, لكن سرعان ما استدركته بالنفي وسكنت نفسها وذهب خوفها, وانشغلت بما في يديها من عمل وفجأة داهمها نعاس شديد فلم تستطع أن ترفع رأسها وغابت عن الوعي في مكانها .
                      مرت الأيام ... وتراجع إقبال ناهد على سمية, فلم تعد تتردد عليها ولا تلاطفها كما كانت تفعل, وأثارهذا استغراب سمية
                      وفي أحد الأيام أصيب أحد أبناء أخت صفوان، وأسعف إلى المستشفى وتم الاتصال بوالديه فاصطحبا معهما خاله صفوان فلما وصلوا وجدوا الفتى في غيبوبة، لقد نزف كثيرا وهو بحاجة إلى دم، أسرع صفوان للتبرع بالدم, وبعد أخذ عينه من دمه للتأكد من تطابق فصيلتيهما وكمية الدم وسلامته...كانت الطامة والمفاجأة المروعة التي لم تكن في الحسبان, ولم تخطر على بال, يا لهول الصدمة التي تلقاها صفوان, فاجأه الدكتور معتذرا له بقوله: أنتَ مصاب لن نستطيع أن نأخذ منك الدم، أنت مريض بفيروس الإيدز وأشك أنك تجهل مرضك!.
                      لم يصدق صفوان ما سمع !! وقهقه ضاحكا بهستيرية مجنونة قائلا: لا تتهمني أيها الرجل!! لقد خانتك معرفتك, ليس بي شيء, لقد أخطأت لقد أخطأتُ تأكد مما تقول!!.
                      أخذ صفوان ورقة الفحص وذهب إلى الإدارة ليشكو الطبيب إليها، دخل على المدير وهو يلهث وقد تغير لونه, والعرق يتصبب من جبينه كأنه خرج مهزوما من معركة ضارية.
                      ـ لقد صدقك المختص ولم يسخر منك أنت مصاب بفيروس الإيدز فعلاً!!. سقط صفوان مغشياً عليه!! ثم أفاق بعد أن أراقوا عليه دلوا من ماء!!
                      انتفض من سريرٍ- كان قد وضع عليه بعد وقوعه ـ كالأسد متجها نحو غرفة الفحص يطلب إعادته, وبعد الإعادة كانت النتيجة كسابقتها..!
                      صعق وذاب كيانه وازدحمتْ صور الخيانة في مخيلته !! فانهارت قواه وشعر بانتكاسةٍ أطاحت به أرضا !!, انهار كل شيء في حياته ... كل ما بناه طوال عمره تهاوى أمام عينيه في لحظة, يا لحمقه وخيبته، كيف يصنع بمن ملَّكها عمره ووهبها حياته, فخانته وقتلته أبشع قتله, لقد أعماه الحب أن يراها على حقيقتها!!. هكذا حدث نفسه وسكب الشيطان بعقله سمومه حتى أصبحت وساوسه يقينا في مخيلته.
                      وفجأة انتفض انتفاضة المغبون نحو باب المستشفى..
                      واستمر لاهثا يسابق خطا الريح في شوارع المدينة متجها نحو منزله, لا يلتفت لشيء, كأنما يلاحقه الموتُ.
                      دخل البيت مسرعا وهرع إلى غرفة النوم ليأخذ مسدسا كان موضوعا في أحد الأدراج، وفجأة وثب أمام باب المطبخ كالوحش المفترس، عندها تسمرت سمية في مكانها، وتغير لونها وخنقت الفجيعة والعبرة أنفاسها، وكلماته تنهال عليها كأنها صواعق من السماء, فلم تسمع غلظة موحشة بهذه الصورة! هل هذا صفوان، ما الذي حصل؟!!.
                      كان صفوان يزبد ويرعد قابضا على مسدسه خلف ظهره، والزناد على إصبعه, لم يمهلها !! وسرعان ما وجه إليها فوهة المسدس وأطلق على الفور ثلاث رصاصات في صدرها النحيل, أردتها أرضا تتخبط في دمائها, وهي تقول: ماذا صنعتُ وماذا جنيت؟! وكانت آخر كلماتها: لمَ قتلتني؟! ما هي جنايتي يا... ؟! ولم تستطع إتمام الجملة.
                      سقطت بين دمائها وكانت تمد يدها كأنها تستغيثُ به لينقذها من صراع مرير, والموت يشظيها لينزع روحها من جسدها...خرجت روحها الطاهرة خرجت أنفاسها وعضت نواجذها العليا على شفتها السفلى وهمد الجسد وسكن فوق دمائها التي ملأت المكان.
                      خر صفوان جاثيا على ركبتيه مذهولاً غير مصدق أما يراه حقيقة أم كابوسٌ مفزعٌ؟
                      أخذ يقلَّب المسدس بين يديه ووضعه على رأسه ثم ضغط الزناد لكن المسدس أبى, فلم يعد فيه رصاص, لم يتمالك نفسه فانهار بجوارها كأنه ميت!.
                      وبعد هنيهة كأنما اهتدى لأمر... أدخل يده في جيب معطفه وأخرج التلفون وبصعوبة شديدة تلمس رقم الشرطة واتصل بهم يطلب حضورهم إليه.
                      هرَعتْ الشُّرطة إلى مكان الحادث, فوجدت ضحيتين، سمية وبجانبها زوجها صفوان، قام الضابط بتحريكه يمينا وشمالا؛ ظنا بأن به طلق ناري من شدة ما رأى عليه من إعياء، ثم أخذ إلى المشفى .
                      ظل الضابط عمر يتردد على المشفى يوميا تقريبا ليعرف من صفوان تفاصيل الحادث.
                      ــ أخبرني بكل ما حدث؟.
                      ظل صفوان مصدوما حائرا, تبين الضابط ذلك في امتقاع لونه وتغير ملامح وجهه, فتركه برهة ولم يثقل عليه بتكرار السؤال, حتى بدأ يسترسل بالقصة من بداية تعرفه على سمية وما صاحب ذلك من خشيته وخوفه من غواية ناهد لها, وعقب بقوله: و يا للأسف فكل ما كنُتُ أخافه حدث.
                      واستمر الضابط عمر بالتحقيق يريد أن يرسو على شاطئٍ، كأنه لم يقتنع بما اتهم به صفوان زوجته.
                      لذلك قرر التحقيق بعمق ليعرف أبعاد القضية وبدأ بناهد التي اتهمها صفوان بأنها هي التي أفسدت سمية وأغوتها.
                      تم استدعاؤها للتحقيق ومواجهتها بما اتهمت به لكنها أنكرت, وزكت نفسها بالطهر والعفة.
                      ـ صمت الضابط برهة, وهو يتحرك في أرجاء الغرفة يمينا وشمالا, ثم قال: أنت تنفين ما ادعاه صفوان، إذن لا بد من الفحص.
                      ـ أنا لا أسمح بمثل هذا الهراء الذي تقول، ولكن الضابط لم يعطها وجها, وأشار برأسه بأخذها, فتثاقلت وهي تصيح أريد محامياً هذا افتراء وظلم وعبث, لا أقبل هذا السفه, لن أذهب أبدا ..لا بد أن تحاسبوا على هذا التصرف غير القانوني .
                      حاصرتها الأدلة, وأرهقها التحقيق، فاعترفت بكل شيء, اعترفت بأنها هي من وضعتْ المخدر في كوب الفراولة, ثم حقنتها في وريدها بالفيروس، وانصرفت دون أن يشعر بها أحد, وأقرت بأن سمية أعف من عرفت في حياتها وهذا أحد أسباب غيرتها منها وجنايتها عليها.
                      أخذ الضابط عمر التسجيل, وأسمعه صفوان وقبل أن ينتهي التسجيل دارت بصفوان الدنيا وأظلمت في عينيه.. وقد تحركت كل ذرات جسمه وارتعش كالمحموم, وهو يستعرض مشاهد زوجته ورقتها وحسن توددها له, ومشاهد أخرى مفزعة كان آخرها وهي تستغيثه وتسأله بأي ذنب قتلها !.
                      ظلت الغرفة تدور به، وفجأة شعر باختناق شديد سقط من سريره على الأرض, ثم صاح صيحة مدوية, وشهق شهقة خرجت معها أنفاسه وفارق الحياة .
                      أمَّا ناهد فقد نالتْ جزاء جريمتها النكراء بما تستحقه, لقد أقيم عليها الجزاء العادل لفتكها بضحيتين.



                      أسماء أعضاء لجنة ترشيح النصوص
                      عائده محمد نادر/ تم
                      قصي الشافعي / تم
                      صبيحة شبر/ تم
                      أمينة اغتامي/تم
                      الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                      تعليق

                      • عائده محمد نادر
                        عضو الملتقى
                        • 18-10-2008
                        • 12843

                        #56
                        رويده العاني ..
                        طالبه السادس العلمي (بكلوريا) ..
                        كابتن كرة طائرة ..
                        لي مشاركات في ق ق ج وفي القصة القصيرة ..
                        احب الكتابة وهذه مشاركتي الاولى (1)

                        يليق بي الحزن

                        خانتني عيناه!
                        أول عبارة كتبتها، في دفتري
                        دفتر قررت أن أكتب فيه قصة، أجعل قارئيها يسمونه.. ملعونا، جاحدا
                        أتحدث إلى نفسي
                        ماذا أريد من قصتي؟!
                        أريدها قصيرة
                        رغم كمية الخذلان فيها، سأبقى جميلة وأبتسم
                        مممم
                        لم أك أعرف من أين أبدأ فيها، فذاك الشرقي، كالأمنيات المستحيلة، تشبهه كأنه إياها!
                        رجل أحببته حد الغرق عشقا، ليطرحني أرضا في ساحات الخذلان ويعلن فوزه.. بالجولة
                        أعلم جيدا كم هي سخيفة فكرة الحزن على ماض لن يعود
                        لكني تغيرت
                        تبدلت ملامحي
                        أصبحت لا أشبهني
                        كأني كبرت دهورا
                        بات لا يليق بي، لا الحلم، ولا الحب
                        فتاة يليق بي الحزن.. فقط
                        وأشتهي نسيانا يربطني بي، ينسيني بعثرتي، أتناساه وأقصده بكتاباتي
                        فأقضي أيامي، منهمكة ومنتهكة، حزينة، ومتوحدة مثل الكآبة
                        أكتب على جدران غرفتي.. لو أننا نلتقي!
                        أخطها بقلم عريض وأضحك بمرارة
                        أليس جنونا أن أتحدث إلى نفسي عنه!؟
                        جنونا أن أكتب رسائل لغائبي.. وقلبي يعلم كم هي بعيدة ..مدن النسيان
                        ههه مايضحك أكثر.. بريدها ، معطل
                        غباء أن أتحدث عنك دائما.. وأنا على قيد الوجع، أترنح
                        أخذني بحر الكتابة بعيدا
                        خطفني لغابة ذكرياتي، لأكمل قصتي وأهمس لذاتي..
                        لا تخافي شمس النسيان ستشرق غدا.. حتى لو متنا!


                        أسماء أعضاء لجنة ترشيح النصوص
                        عائده محمد نادر/ تم
                        قصي الشافعي / تم
                        صبيحة شبر/ تم

                        أمينة اغتامي/ تم
                        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                        تعليق

                        • عائده محمد نادر
                          عضو الملتقى
                          • 18-10-2008
                          • 12843

                          #57
                          (2) لعنة الغرباء

                          آه كم أخبرتنا أمي, عن حكايات أخواتنا اللواتي اختطفن منها, في صباحات شمس نيسانية , حين أخرجن رؤوسهن يتلمسن الدفء , و تنصحنا بعدم مفارقة إحدانا للأخرى.

                          اليوم جاء دور بيتي, وحديقة بستاني
                          أحسست بأنه هنا.. في كل مكان, يتربصني, لم أستطع نسيان صورته, ونظراته المخيفة, ترقبني من بعيد , كأنه يبحث عن ضالته!!
                          نزل السلالم بلمح البصر,ومشيته غير المنتظمة , جعلتني أرتعب.. حاولت أن أغطي نفسي, بيديّ الخضراوتين اللتين لا تقويان على أن ترتفعا, من شدة خوفي!
                          اختارني, لأني نجمه أخواتي وأميرتهن المشعة,
                          فشلت بإخفاء وجودي, اقتطفني من يديّ أمي , وعناقيد الألم انفرطت بداخلي, بعد أن حاولت جاهدة أن أبقى, بكل إصراري وأشواكي الناعمة.

                          شعرت بأني ظلمت, واسودت الدنيا في عيني .. فقدت وعي, وأحسني أصبت بلعنة الغرباء ، وماضيهم!!
                          فتحت عيني وارتويت من سجن كأس وضعت فيه , ارتحت قليلا من هم يد القاتل ..
                          وقفت لساعات ذابلة أمام الشباك , أدعو ربي كي يرحمني ,وأن لا أقع بين يدي مجرمين أكثر.

                          مرت الأيام مثقلة بالهموم.. وأنا منسية بين طيات تواريخ الأيام.
                          شعرت بحركه تهز كياني الذابل, رفعت رأسي لأرى ما حدث, فوجدت أختي بجانبي, تنظر لي بعين, وبالأخرى ندت قطرة ندى, على وريقة عمرها .. شعرت بأن نهايتي قد اقتربت..همست في أذنها:
                          - أتجيئي أخيتي بعد فوات الآوان.. أتجيئين بعد نضوب عمري!!؟



                          أسماء أعضاء لجنة ترشيح النصوص
                          عائده محمد نادر/ تم
                          صبيحة شبر/ تم
                          أمينة اغتامي/ تم
                          الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                          تعليق

                          • عائده محمد نادر
                            عضو الملتقى
                            • 18-10-2008
                            • 12843

                            #58
                            (3) جزء من ذاكرتي

                            لم تكن ذاكرتي قوية, لأنني كنت صغيرة .. ولكن!
                            هناك أشياء مازالت عالقة .. لم أستطع نسيانها
                            ذات ليلة شتاء باردة , ينهمر فيها المطر مدرارا , ونحن متحلقون حول نار المدفأة نتلمس الدفء, وصدى ضحكاتنا يعم أرجاء الصالة
                            استرعى انتباه أمي صوت ارتطام جسم حديدي بباب المنزل الخارجية, ولمحت شخصا يعبر سياج الحديقة,اتسعت عيناها وأبرقت بوهج غريب, وارتعد جسمها للحظة!
                            أسرعت خطاها متلهفة!

                            فتراكضنا خلفها أنا وأخي ، نتلفع مناشف المنزل كي نتقي زخات المطر, ورهبة من المجهول تغمرنا!
                            ويالدهشتنا, حين وجدنا مظروفا ملقى على الأرض قرب السيارة , حملته أمي بيد مرتجفة!

                            فتحته بسرعة يشوبها الحذر ونظرة هلعى تطغى على مقلتيها ، قرأته ، ثم شهقت وضربت بيدها على صدرها ، وبيدها الأخرى تعتصر عدة رصاصات أخرجتها من المغلف, دون أن تنبس ببنت شفة, وكأن الطير على رأسها.
                            أسبوع مر، اختفت فيه البسمة من وجوهنا ، وحل محلها الخوف والترقب ، وأمي تحضرنا كي نغادر الوطن في أية لحظة, قالت وبلهجة جازمة:
                            - تجهزوا .. سنسافر إلى بلاد الشام, بعد غد.
                            لم تخبرنا أمي عن سبب سفرنا المفاجيء وما سر هذا الخوف الذي داهمها من البقاء في العراق ، و سر منعي من الخروج حتى لمدرستي القريبة!
                            لم تبح لنا بالكثير, لكن نظرات الخوف على وجوه إخوتي زادتني التصاقا بهم ونوبة من البكاء الدائم لم تبارح مقلتيّ.
                            حنى سافرنا


                            والطريق بطوله تحتضنني والدتي وتتمتم بآيات من القرآن الكريم .تغرق عينيها دموعٌ مدرارة.
                            استبدلت ملامحنا بسمة كنا نتلقف صباحاتنا بها, بوجوم لم نكن نعرفه قبل ذاك اليوم.

                            أيام قليلة مرت على وجودنا في سورية, حتى ضاق بي الشوق .. وكم كنت أحن لحديقة بيتنا, لسريري.. ومكتبتي الصغيرة الجميلة التي ضمنتها كل مجلاتي الطفولية وكتبي الحبيبة, وتلك الصور الملونة عن أفلام كارتونية كنت أتابعها مشغوفة بها.
                            صار وجهي كئيبا يشبه المومياءات المحنطة, بلا ملامح أو أسارير, وصرت أسيرة الحزن.. حزني.. وحزن أمي.. وإخوتي.
                            من يومها عرفت معنى أن تكون غريبا عن وطنك.. غريبا عن أرضك وأصحابك وأهلك.
                            أحسست بالرهبة, وحنيني إلى وطني يجتاحني,
                            فذهبت جزعة إلى إخواني وأنا أبكي سنين عمري الصغيرة
                            أجهشنا جميعا بالبكاءعلى أحوالنا ، كيف أصبحنا مهجرين بين بلدان العرب والغرب
                            وهاهو اليوم 16 /2 / 2010 الذي يشهد وجودي لسبع سنوات في سورية..
                            ولا أعرف كم سأمضي من الوقت.. هنا بعد !!؟


                            رويده العاني
                            16/2/2010


                            أسماء أعضاء لجنة ترشيح النصوص
                            عائده محمد نادر/ تم
                            قصي الشافعي / تم
                            صبيحة شبر/ تم
                            أمينة اغتامي/ تم

                            الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                            تعليق

                            يعمل...
                            X