الصعود ... ( قصيصة ) .

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ابراهيم ابويه
    قاص وباحث لغوي
    مستشار أدبي
    • 14-11-2008
    • 200

    الصعود ... ( قصيصة ) .


    الصعود ... ( قصيصة ) .

    تدفع بابا حديديا بتثاقل واضح ، تدفعه دائما منذ اخترت هذا المكان . تظهر أدراج كثيرة متشابهة ، قديمة ، تجبرك على تسلقها كل يوم . قدماك الآن لا تحتاج لكل هذا الأدراج الرتيبة الصاعدة إلى قبة السماء ، لكنك ستركبها مرغما لأنها ستفضي بك إلى سرير قديم . سريرك أصبح يعرف رائحتك جيدا ، فقد تعلم كيف يستقبل جسدك المتشقق . أصبح السرير مقبرة لأحلامك التي وأدتها الذكريات البعيدة ، وصديقتك التي لا تخونك أبدا .
    تحمل ما تبقى من قوتك لأنك تؤمن أن بداية الدرب خطوة . لكن الخطوة أصبحت ثقيلة مع مرور الوقت ، ورغم ذلك ستجبرها على البداية ، وستتوكأ على حائطك الصغير وتصعد هناك ... رائحة الغرفة ، رائحة الكتب ، رائحة الرطوبة ورائحة الماضي ، كلها تفوح عند انفتاح الباب الخشبي . ها أنت تحس بشرايينك تهتز من جديد ، تحس بأن الغرفة تستنسخك بأشكال كثيرة ، وكأنك لست وحدك ، فتبتسم للجميع وتدعوهم لكأس شاي من مطبخك الصغير .
    ها أنت تعود إلى محرابك ، تبتهل لحكاياتك المعلقة على الرفوف ، ترحب بالنسخ الجالسة في زوايا الغرفة ، وتفتح كتابك للصلاة . لم تكن أبدا ، أيها الرجل البديع ، سقط زند ولا خريطة للضياع ، لم تكن إلا ما تريد ، وما نريد . كنت تمر من أزقة تسكنها أشباح جميلة ، فاتنة ، لا تظهر للجميع ، كنت تعرف أن الطريق الذي زينته المصابيح سينتهي عند حافة الموت ، وكنت دائما تهرب إلى تلك الأزقة حيث تنام أميرة وحيدة ، تحرسها أطياف ملونة ، فتفك طلاسم نومها ، وتحملها إلى سريرك الدافئ لتحولها إلى حكاية أخيرة تساعدك على ركوب أدراج أخرى ستحملك إلى أعلى ، إلى الأعلى ، وهناك فقط ، ستعرف أن اللوحة التي كنت بداخلها قد تحولت إلى سرب من الحكايا التي سينام على وقع لذتها أطفال ولدوا ليعيشوا هناك .


    3

  • حسن لختام
    أديب وكاتب
    • 26-08-2011
    • 2603

    #2
    المشاركة الأصلية بواسطة ابراهيم ابويه مشاهدة المشاركة

    الصعود ... ( قصيصة ) .

    تدفع بابا حديديا بتثاقل واضح ، تدفعه دائما منذ اخترت هذا المكان . تظهر أدراج كثيرة متشابهة ، قديمة ، تجبرك على تسلقها كل يوم . قدماك الآن لا تحتاج لكل هذا الأدراج الرتيبة الصاعدة إلى قبة السماء ، لكنك ستركبها مرغما لأنها ستفضي بك إلى سرير قديم . سريرك أصبح يعرف رائحتك جيدا ، فقد تعلم كيف يستقبل جسدك المتشقق . أصبح السرير مقبرة لأحلامك التي وأدتها الذكريات البعيدة ، وصديقتك التي لا تخونك أبدا .
    تحمل ما تبقى من قوتك لأنك تؤمن أن بداية الدرب خطوة . لكن الخطوة أصبحت ثقيلة مع مرور الوقت ، ورغم ذلك ستجبرها على البداية ، وستتوكأ على حائطك الصغير وتصعد هناك ... رائحة الغرفة ، رائحة الكتب ، رائحة الرطوبة ورائحة الماضي ، كلها تفوح عند انفتاح الباب الخشبي . ها أنت تحس بشرايينك تهتز من جديد ، تحس بأن الغرفة تستنسخك بأشكال كثيرة ، وكأنك لست وحدك ، فتبتسم للجميع وتدعوهم لكأس شاي من مطبخك الصغير .
    ها أنت تعود إلى محرابك ، تبتهل لحكاياتك المعلقة على الرفوف ، ترحب بالنسخ الجالسة في زوايا الغرفة ، وتفتح كتابك للصلاة . لم تكن أبدا ، أيها الرجل البديع ، سقط زند ولا خريطة للضياع ، لم تكن إلا ما تريد ، وما نريد . كنت تمر من أزقة تسكنها أشباح جميلة ، فاتنة ، لا تظهر للجميع ، كنت تعرف أن الطريق الذي زينته المصابيح سينتهي عند حافة الموت ، وكنت دائما تهرب إلى تلك الأزقة حيث تنام أميرة وحيدة ، تحرسها أطياف ملونة ، فتفك طلاسم نومها ، وتحملها إلى سريرك الدافئ لتحولها إلى حكاية أخيرة تساعدك على ركوب أدراج أخرى ستحملك إلى أعلى ، إلى الأعلى ، وهناك فقط ، ستعرف أن اللوحة التي كنت بداخلها قد تحولت إلى سرب من الحكايا التي سينام على وقع لذتها أطفال ولدوا ليعيشوا هناك .


    3
    في أحايين كثيرة نقرأ نصوصا ممتعة، حتى ولو كانت غامضة..ولا نستطيع اقتحام عوالمها ، وتفكيك ألغازها، والوصول إلى معانيها المضمرة .لكن المتعة ..متعة القراءة تظل حاضرة..نستمتع بها..وهذا هو الجميل في الأدب
    محبتي وكل التقدير، للمبدع الجميل ابراهيم ابويه

    تعليق

    • ريما ريماوي
      عضو الملتقى
      • 07-05-2011
      • 8501

      #3
      نبدأ في مرحلة الذكريات من عند فهمنا للحياة عندما كان لها لذة
      خاصة..

      وليس شرطا أن نتدرج فيها هي مراحل مختلطة، تستدعي مواقف
      استمتعنا بها،حتى الحرمان له لذة خاصة عندنا .. وسنبقى نصعد
      الأدراج حتى اللحظات الأخيرة لما نسجى ويحين موعد الصعود
      الأخير..

      هكذا أخذني نصك القصير النفسي الممتع..

      شكرا جزيلا لك، تحيتي وتقديري.


      أنين ناي
      يبث الحنين لأصله
      غصن مورّق صغير.

      تعليق

      • ابراهيم ابويه
        قاص وباحث لغوي
        مستشار أدبي
        • 14-11-2008
        • 200

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة حسن لختام مشاهدة المشاركة
        في أحايين كثيرة نقرأ نصوصا ممتعة، حتى ولو كانت غامضة..ولا نستطيع اقتحام عوالمها ، وتفكيك ألغازها، والوصول إلى معانيها المضمرة .لكن المتعة ..متعة القراءة تظل حاضرة..نستمتع بها..وهذا هو الجميل في الأدب
        محبتي وكل التقدير، للمبدع الجميل ابراهيم ابويه
        حضورك وحده متعة عندما تصل الى مشارف الحكاية لتأخذك الى عوالمها الخفية ...دمت زائرا تفوح منه رائحة الجمال .

        تعليق

        • ابراهيم ابويه
          قاص وباحث لغوي
          مستشار أدبي
          • 14-11-2008
          • 200

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
          نبدأ في مرحلة الذكريات من عند فهمنا للحياة عندما كان لها لذة
          خاصة..

          وليس شرطا أن نتدرج فيها هي مراحل مختلطة، تستدعي مواقف
          استمتعنا بها،حتى الحرمان له لذة خاصة عندنا .. وسنبقى نصعد
          الأدراج حتى اللحظات الأخيرة لما نسجى ويحين موعد الصعود
          الأخير..

          هكذا أخذني نصك القصير النفسي الممتع..

          شكرا جزيلا لك، تحيتي وتقديري.
          مرور بطعم القرنفل البري ، ترك عطره على صفحتي المتواضة , تقديري مبدعتنا ريما

          تعليق

          • عائده محمد نادر
            عضو الملتقى
            • 18-10-2008
            • 12843

            #6
            الزميل القدير
            ابراهيم ابويه
            حضر القص الجميل هنا
            تكثيف واضح المعالم أعطى النص جمالية أكثر
            سرد سلس وسهل ممتنع
            أحببته كثيرا
            تحياتي ومحبتي
            الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

            تعليق

            • ابراهيم ابويه
              قاص وباحث لغوي
              مستشار أدبي
              • 14-11-2008
              • 200

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
              الزميل القدير
              ابراهيم ابويه
              حضر القص الجميل هنا
              تكثيف واضح المعالم أعطى النص جمالية أكثر
              سرد سلس وسهل ممتنع
              أحببته كثيرا
              تحياتي ومحبتي
              لك مني أجمل التحايا مبدعتنا الرقيقة عائده , سعيد أني استطعت إمتاعك .

              تعليق

              يعمل...
              X