قراءة في ديوان =بين هدير البحر ...ولهاث الغاب
المشترك بين=الاستاذ الاديب ربيع عقب الباب ومالكة حبرشيد
القراءة للكاتب والشاعر والناقد والصحفي =المختار عيسى
المشترك بين=الاستاذ الاديب ربيع عقب الباب ومالكة حبرشيد
القراءة للكاتب والشاعر والناقد والصحفي =المختار عيسى
هي قفزة المغامر النزِق في هواء النص، متشحا بأمل في مقاربة لا تنفي ولا تثبت، بقدر ما تحاول مفاتحة الأعتاب ومنادمة الدواخل ومشاكسة اليقين.
هي غواية الناقد المولع بالسير على برق النصوص، مفتونا بلعبة الكشف، ورغبة الستر والفضح، هي ذلك النزق الذي لا يمنع من الانزلاق في أحواض زئبق الذوائق، هي ذلك الفرح بالاقتناص والأسى للإخفاق في الإمساك بغزال شارد، هي حكاية تتكرر، أبطالها نصٌّ أنفق فيه صاحبه وقتا ليس هينا، ويأتي الناقد / القارئ في زمن نحيف ـ غالبا ـ ليقدم ما يظنه استيعابا، وما يحسبه قراءة ونقدا.هي المحنة إذن.
اتساع العبارة والرؤية المؤطرة لا ضيقها، ذلك القلب المحدود لمقولة الإمام النفري الشهيرة، على ما في هذا من مخاطرة، قد لا تكون، بل هي ـ بالقطع ـ غير مأمونة العواقب.هذا مارأيته ـ بعـد منادمة للذات النقدية المتحفزة حبا وانجذابا صوفيا صرفا ـ صالحا لأن يستدخلني قراءة موضوعية لا تخلو من انحياز،مبرر نوعا ما، لتجربة ثرية جامعة لشاعرين كبيرين، أولهما ـ وليس الترتيب دليل أفضلية ـ الكاتب ربيع عقب الباب،الذي خبرته الأوساط الأدبية والنقدية قاصا وروائيا منذ أمد بعيد، وعرفته كاتبا مسرحيا متميزا، ومنشئا بإبداع وإخلاص نصوصا ذات طابع وطعم خاص للأطفال، لكنه آثر أن يسترد الشاعر داخله الذي اختبأ سنوات طوال بعد بدايات بالعامية المصرية كانت لها طزاجتها وجرأتها، ليعود بكم كبير من الشعر يكفي لأن يضعه على مائدة النقد واحد من «أتخم» الأطباق الفنية ـ إذا جاز التعبير ـ والذات المشاركة الأخرى في هذه التجربة هي الشاعرة المغربية الكبيرة مالكة حبرشيد، التي تعرفت إليها ذات مساء شعري عن طريق صديقي ربيع، حين قدم لي «زهرة النار» ديوانها الجميل، الذي لي ـ بالتأكيد ـ وقفة نقدية معه تليق بما طالعته فيه من إبداع ذي بصمة خاصة تفرد لصاحبتها مكانا مائزا على خارطة الشعر النسوي العربي، مع ميلي الدائم لتجنب الإسناد التوصيفي الجنسي للأدب حسب ذكورة صاحبه أو أنوثته.
محنة التباس
أعود إلى مقولة «النفري» الممتحنة هنا بالقلب في هذه النصوص لأؤكد أن ذلك لم يكن ليعنيني لولا أن الشاعرين المشتبكين في الهدير واللهاث وقعا كثيرا في محنة الالتباس، وهي دون شك، ليست انتقاصا من جدارة أي منهما بقدر ماهي تأكيد على ذلك الزخم اللغوي الفني الذي قدماه في نصهما ولا أقول ديوانهما المشترك، فهذا شأن آخر؛ فحقيقة الأمر أنني لم أقف على كثير تباين بين النصين: نص عقب الباب وحبرشيد، مادعاني إلى تأكيد صفة التماهي بين الذاتين المبدعتين، أو بالأحرى بين نصوصهما، رغم تشظيات خرجت بشذرات من تمرد كل منهما على الآخر في بعضها، وذلك ما دفعني أيضا إلى النظر إلى النص العام بين دفتي الكتاب على أنه ذو رؤية مؤطرة، مسيج الجدلية رغم اتساع العبارة وتمدد التشاكيل الفنية على رقعة التجربة.
قد يكون العنوان بين «هدير البحر» و«لهاث الغاب» مدخلا للوقوف على تأرجحية بندولية شديدة البلوج بين «الهدير» و«اللهاث»، أو بين «البحر» و«الغاب»، ولعلنا ـ ابتداء ـ نتوقف أيضا عند الإهداء ومافيه
من إشارة وفرت كثيرا من الجهد لتأكيد ماذهبت إليه من تماهي الذاتين المبدعتين؛ حيث يقول الإهداء:
«ولأن المخاض واحد... والحبل السري الذي يربطنا واحد» إلى أن يقول إن هذه التجربة «توأمة بين الوجع الكناني والمغربي» «الصواب: الوجعين؛ مادام الكاتب أراد البينية، إلا أن هذا الخطأ العفوي يؤكد أيضا إيمان كاتب الإهداء بالتماهي الذي يجعل إحدى الذاتين تتوه وتتوارى في الأخرى، ويجعل أحد الوجعين يندمج بالآخر ليصبحا واحدا»
أسئلة عدة تقاطرت عليّ، ومن هذه الأسئلة:
هل النص العام بكل تجلياته التجزيئية متفق عليه قبلا؟ بمعنى هل هو نص تفاعلي اتفق الشاعران على إنتاجه في صورة محاورة شعرية أو مساجلة، أم أنه تم وفق ما يمكن تسميته بـ«الكشكلة» أي تجميع لنصوص مختلفة داخل كتاب واحد؟ وعلى أي أساس تم التجميع؟ وماذا عن المؤتلف والمختلف في تجربتي الشاعرين؟ ومن ثم كان لابد من البحث عن الخطاب والأداة والخصائص الأسلوبية لدى كل من «مالكة» و«ربيع» والخلوص باطمئنان نسبي إلى مايجمع أو يفرق التجربتين امتحانا لصحة مقولة الوجع الواحد والحبل السري الواحد التي صدرها لنا الإهداء.
مجمل الخطاب
ذلك وجع ممتد من أول الفردوس إلى آخر الجحيم، من «حديث الوطن» حتى «الموت من حيث ينبت القهر» هي رحلة الروح من منتصف الهزيمة إلى منتصف الانتصار، وهذه نزوف تهيأت في صورة قصائد، وحرائق ترتدي ثوب الشعر، هي ذات واحدة توزعت على شطرين، بينهما انتصبت المسافة، واستطالت الجغرافيا لتصنع تاريخا من الانثيال على حافتي الشهوة والفضيلة، الوفاء والغدر، المباغتة والانسحاب، الإقدام والإحجام.
ذلك مجمل الخطاب العام والرؤية التي تم تأخيرها حتى طافت حول محور واحد هو وجع الذات في مواجهة مرآتها من جهة والعالم من جهة أخرى، رغم ما قد يظنه قارئ عجول من التعدد والاتساع انخداعا بفساحة الصورة التشكيلية والزخم اللغوي.
الذاتان المتحاورتان ليستا سوى شطرين أو شظايا لذات واحدة بعثرتها محنة الالتباس ومشاكسة الوجود والتأرجح الإنساني بين الرغبة والرهبة، الفضيلة والتابو على رقعة البياض فسودت لنا ـ هذه الذات ـ عددا من الشكايات الشعرية والنفثات الشعورية المحملة بكم معرفي هائل بالفلسفة والتاريخ وموانع الجغرافيا وحصار البيولوجيا، وتضاريس المحنة العربية، وخرائط الوعي المحبورة حسب قياسات اجتماعية/ سياسية، ومتاريس العقل الشرقي وقوانينه العاطفية الجائرة الساجنة، المقيمة حدودها ومتاريسها على جسور التلاقي المنشود، فتحول بين المرء وذاته، بين الصورة وانعكاساتها.
طواحين الحب والكراهية، الإقبال والإدبار، الاستجابة والرفض، تأخذ» دون كيخوتة «من حافة المأساة إلى حافتها ومن طرف الحزن إلى طرفه».
سؤال يبدو منطقيا ـ أو هكذا تهيأ لي ـ حول العتبات النصية العامة وهو لماذا استأثرت «مالكة» بعنوان التجربة حيث عنوان الغلاف عنوان لإحدى قصائدها، وسؤال منطقي آخر فرض حضوره حين وقفت أمام عتبة نصية أخرى على الغلاف الخلفي للكتاب وهو ـ أي السؤال ـ عن كاتب النص عليه، والذي يشير إلى «اقتراف الشعر» و«اغتيال لحظات الفرح».
السؤال وجد إجابته بالتنقيب في صفحات الكتاب لأكتشف أن كاتب النص ليس إلا الشاعرة «مالكة» أيضا، الأمر الذي ألقى بي بين ذراعي سؤال جديد: لماذا و«الديوان» كما كتب على الغلاف الأمامي و«النص» كما أسميه أنا، مشترك.. لماذا تفردت «مالكة» بالدفتين؟ أثمة إشارة دالة؟ أم هو مجرد اختيار ممن قام على تجميع النصوص وطباعتها؟
سؤال فرعي تال ذو دلالة: هل تم الاتفاق على ترتيبية القصائد؟ وهل جاءت وفق تراتبية تفاعلية؟ أم أن الأمر خضع لهوى تنسيقي ما آثر أن يبدو الكتاب بهذه الصيغة، وماعلى القارئ أو الناقد سوى التعامل معه كمُخرَج عام؟
نفق الخداع
ترى «مالكة» أن العالم «زمنه غبي» و«مسافاته عاهرة» وأن «الشياطين اتشحت فيه بالطيبة» وتتساءل عن «ذنب إبليس» لتعلن أنها «ودت الكتابة فوق جسد الحلم آخر مرثيات آدم».. تفجر الأجساد الخرساء ««قصيدة» آخر مرثيات آدم «ص ص 5ـ 7»
هي ترى أيضا أنه «ما من حواجز تمنع من الانفلات خارج دائرة اليقين»، «فالأماني دخلت نفق الخداع» و«الطريق ضائع بين عثرات الرأس وزلات اللسان» ومن ثم فإننا «نحتاج شمسا تشرق من عين العبث» «رعدا يكسر ضلوع الصمت» «برقا يحرق النزوات الرعناء» «لنتجول وفق قانون الخلاص» ومن ثم فهي داعية إلى الغضب والثورة:
«فاحشدوا ما أوتيتم من بغضاء ـ ماتكلس من كظم، مافي كواليس الذاكرة من مسكوت عنه / وتعالوا.. نؤدي رقصة الثعالب «أنفاس الأرق ص ص 22ـ27»
مشكلتها مع الموروث، الماضي، التاريخ، فيما تبرئ السماء من دم الشموس والأنثى المهدورة، الخانعة «أحالوا الأرحام مفاعلات للخنوع» «قصيدة «عذرا أيها التاريخ» ص ص 45ـ49»
ورغم ماقد يلوح من رغبة موّارة في التحدي والمواجهة لتغيير العالم نكاد ندرك إحساسا ما بالعجز والعدمية واللاجدوى قد ينثر تباريحه على مساحات القصائد بتباينات رؤيوية وتشكيلية، لكن إصرارا على المجابهة وتحدي الماضي بكل حمولته التراثية يشخص في وسم أو وصم المتمسك بالتاريخ بـ«كيخوتة» في صورة رافضة ـ قطعا ـ يؤكدها المحمول الرؤيوي للدال الرمزي المنتزع من رائعة «سرفانتس» الروائية «دون كيخوتة» ومحاربته لطواحين الهواء.
وتلبس الشاعرة ثوب الحكمة حين تدعوه ناصحة موجهة في صرامة قائد إسبرطي أن «يقرأ على مسمع الغضب / أغنية الرصاص، وأن يتمهل حتى يبلغ جمل الشرط؛ كي لايعاني من وخز الضمير، وتتوالى نصائحها وتقاييمها لدوره»: تحتاج إلى ترداد شهادتك المشبوهة / لتغتسل من احتقارك / احتقارهم / من انهزامك وانهزامهم / هذا زمن الجهر بما تُسرُّ الأنفس»، وتدعوه في حكمة النساك إلى «استطلاع طوالع الانكسار للعثور على بذور الهزيمة واستئصالها»، وتحذره منبهة إلى «ظله المنهك على الجدار» قبل أن تأمره «لأن يمتطي قصبة ويتجه نحو الميدان «حيث نضجت الجلود في انتظار من يسلخها»»
هكذا.. وهذه بعض إشارات لمكامن الموقف الحبرشيدي من العالم والسعي لتغييره، وإعادة توجيه المكافحة؛ استنادا إلى متغيرات الألفية الثالثة.
وهج الصمت
ماذا عن الحب؟ عن الآخر؟ الذكر؟ الرجل؟
الحب لديها مشاكسة الروح للروح، أكبر من سدرة الجسد، والآخر ـ مناوئا كان أم مساوقا ـ سر ونظرة ونار وجنون وأغنية ووشم في الذاكرة، وابتسامة، وحلم، وموت وجرح دفين، ومخاض عسير، وحنين
«أحملك.. / ومازلت أحملك / حلما لا حدود له../أرويه بالدمع والبرد / أغذيه عذب النزيف / ليحيا حتى... بعث ما بعد البعث»
تخترق «مالكة» التابو بجرأة بالغة، ليس كما يفعل بعض الأدعياء في محاولتهم لفت الأنظار وادعاء البطولة، ولكن اشتباكا مع مداليل ومفاهيم ترسخت وترسبت كلسا على جدار الوعي، ولايعنيها تلك الأصوات القادمة من الماضي المتكلس، أو العائشة في «نهار تهالك دون اعتذار / بعدما كفن أغنياته في ثوب الغياب»
تقول «ماذنب إبليس؟ و «تدعوك.... خفاقة / وسط ظلمة شاسعة / أن نتخاتم بوهج الصمت / بصيغة الحضور / ننتفي ليترسب في القعر صوتي / على تلة الغربة»
وتقول: «يُعقدُ القران / أمام قداسة اللعنة / لننجب آيات تعسة/....نحو شمس تدغدغ أوصال الهروب / كل ما تستطيعه / استفزاز قشعريرة السماء»
تمرد أبجدية
الخطاب لدى «ربيع» لا يختلف كثيرا عن الخطاب والمحمول الرؤيوي لنص «مالكة»؛ ومن ثم فإن التأكيد على أن «الحبل السري واحد» يصبح ذا فاعلية عظمى في هذا الإطار؛ فهو ـ أي شاعرنا ـ ينطلق هو الآخر من رؤية ذاتية للعالم المستحق للمجابهة رافضا تلك السرمدية التي تمنح الآخر المناوئ حق التلاعب، هو أغنية ورسالة ««يضرب ضجره فيها بحصى الموت» إنه «في مزامير مصر الجديدة» الشبيه والغاية، الأغنية والرسالة، «الفرح بالثائرين / على درج مفخخ/ يستعيدون ماتعرى / من ثياب / من حديث/ من نعاج / ترتديها أسمال المتاهة»
إنه «الميدان يجأر بالثأر / الحشرُ ضحىً/ والنهار الذي أشرقتُه لم يكن ساحرا/ ليخضع / يركع / يسلم زنديه/ يعلن تمردا لأبجدية فرعون الهزيلة / النهار الذي أشرقتُه كان الرسالة / كان الشاعر في مزامير مصر الجديدة «قصيدة «أغنيتي .. والرسالة «ص ص 8ـ11»
إنه طاقة الوعى والتحدي بمداخيل الأزمة ومخاريجها «لن أبني على أشلاء ماكان بيتا لعنكبوت / ثم أدعو القبيلة لترى بيض اليمام على كف الريح»
يعنون إحدى قصائده صـ 28ـ35 بـ «لا تعاند الريح.. إذا ما أحكمت مسها»... ورغم أن هذا العنوان خنوعي استسلامي كما يبدو من السطح الأعلى للنص هنا، إلا أنه داخل النص يقول «مميت أن نتعكز على الريح / في غرف ملولبة القلب إسفنجية الضمير / لنتخاطف القبل / الأماني / عفيف الشعر / ساقط الحديث والرؤى / دون أن تلتهمنا الأنفاس الجائعة /
- للآخر الأنثى / المرأة حضور طاغ في النص العقب بابي، هي البدء والمنتهى، المحنة والمنحة / الدعوة والمقاومة: «أنا المسكون بك / المنذور للريح / المبتلي بالحزن إذا يتشقق / أتهاطل شعرا / مطرا سخينا أجاجا / ورقاً أخضر الطيب / يرش عالمك بفراشات / كجنيات الحكاية / لا تغادرك / ولن تغادرك.. لأنها..
يخاطبها كذلك: «أيتها المبعوثة من نبات جنوني / صعب مقايضة الروح بالعدم/ ويتابع «أفتش عنك في ثنايا وطنك / في قلبي / لك رائحتي وأنفاسي / مذاق حروفي وفرشاتي / وندى الفجر / كجنية أطلت من كأس / كأنها نبيذها / كنبت على كف الله» صـ 52-53
وحين تناديه «كيخوتة» في قصيدتها المعنونة بالاسم الأدبي الأسطوري هذا، يرد عليها مستنداً أيضاً إلى عمل أدبي معنونا قصيدته بـ «أرض... لا تنبت الزهور» لمحمود دياب.. وكأنه يجابه عدمية أو لا جدوية الرسالة الدونكيخوتية «بنفيية الإنبات عن أرض.
و يؤكد رؤيتها للفارس المحارب لطواحين الهواء خاتماً قصيدته «لتظل ياكيخوتة / في لعنة القيظ شهيداً / مجهول المصير»، ويدعوها في قصيدته نزف «سيحي بين أقانيم المجاز / وأفانين العجزة والحواة ـ على حد سواء ـ / وادخلي وريد الحلم..»
- التابو ـ مخترق حتماً ـ فربيع مذ كتاباته الأولى لا تحده قيود ولا تحول بينه وبين التعبير عن مكنوناته، أو مكنونات شخصياته موانع أو قيود «تدهم تابو الساكن/ طوطم المسكون/ الشاغل والمشغول / الواصل والموصول / تسلكه كلحن طائش أو فعل فاضح» صـ 28
وفي قصيدته «متى كنت بينك.. والمدي صهوتك» يقول: «لا تكن مابين جموح الشعر / وجموح التوقw/ لملائكه تجيد الحمد وتراتيل النجوى / وكلمات تروي ظمأ الخريف القادم/........
تصويري
في الأمر كما يبدو كثير من علامات التماهي ودلائله بين التجربتين، في ركائز الخطاب العام لكل منهما، وهذا يحيلنا، أو من المفترض أن يحيلنا إلى بحث هذا التماهي على مستوى التشكيل والأداء، وباستعراض نماذج من كل من التجربتين يمكن الوثوق بأن ثمة حضوراً تشكيلياً للمشترك البنائي بينهما على مستوى معمارية القصيدة التي ترتكز لدى كل منهما إلى السرود الشعرية، والانثيال التصويري المتتابع في لقطات تجنح إلى التشكيل الجزئي، فيما تشكل أحياناً كثيرة صوراً كلية / ومشهديه شعرية تستفيد من تقنيات السينما، واعتماد الديالوج المسرحي أحياناً.
هناك غرام واضح لدى كل منهما بالصورة وغوايتها للناص أولاً قبل أن تكون على الدرجة ذاتها من الأهمية؛ بالنسبة للنص، أعني هنا الولع بالقدرة التشكيلية في تتابع تصويري قد ينجح في تكوين الصورة الكلية، وقد تحس ـ في أوقات محدودة ـ أن ثمة حشواً تصويرياً أو تقريرياً أحياناً يعوق تدفق الرؤية.
هي غواية الناقد المولع بالسير على برق النصوص، مفتونا بلعبة الكشف، ورغبة الستر والفضح، هي ذلك النزق الذي لا يمنع من الانزلاق في أحواض زئبق الذوائق، هي ذلك الفرح بالاقتناص والأسى للإخفاق في الإمساك بغزال شارد، هي حكاية تتكرر، أبطالها نصٌّ أنفق فيه صاحبه وقتا ليس هينا، ويأتي الناقد / القارئ في زمن نحيف ـ غالبا ـ ليقدم ما يظنه استيعابا، وما يحسبه قراءة ونقدا.هي المحنة إذن.
اتساع العبارة والرؤية المؤطرة لا ضيقها، ذلك القلب المحدود لمقولة الإمام النفري الشهيرة، على ما في هذا من مخاطرة، قد لا تكون، بل هي ـ بالقطع ـ غير مأمونة العواقب.هذا مارأيته ـ بعـد منادمة للذات النقدية المتحفزة حبا وانجذابا صوفيا صرفا ـ صالحا لأن يستدخلني قراءة موضوعية لا تخلو من انحياز،مبرر نوعا ما، لتجربة ثرية جامعة لشاعرين كبيرين، أولهما ـ وليس الترتيب دليل أفضلية ـ الكاتب ربيع عقب الباب،الذي خبرته الأوساط الأدبية والنقدية قاصا وروائيا منذ أمد بعيد، وعرفته كاتبا مسرحيا متميزا، ومنشئا بإبداع وإخلاص نصوصا ذات طابع وطعم خاص للأطفال، لكنه آثر أن يسترد الشاعر داخله الذي اختبأ سنوات طوال بعد بدايات بالعامية المصرية كانت لها طزاجتها وجرأتها، ليعود بكم كبير من الشعر يكفي لأن يضعه على مائدة النقد واحد من «أتخم» الأطباق الفنية ـ إذا جاز التعبير ـ والذات المشاركة الأخرى في هذه التجربة هي الشاعرة المغربية الكبيرة مالكة حبرشيد، التي تعرفت إليها ذات مساء شعري عن طريق صديقي ربيع، حين قدم لي «زهرة النار» ديوانها الجميل، الذي لي ـ بالتأكيد ـ وقفة نقدية معه تليق بما طالعته فيه من إبداع ذي بصمة خاصة تفرد لصاحبتها مكانا مائزا على خارطة الشعر النسوي العربي، مع ميلي الدائم لتجنب الإسناد التوصيفي الجنسي للأدب حسب ذكورة صاحبه أو أنوثته.
محنة التباس
أعود إلى مقولة «النفري» الممتحنة هنا بالقلب في هذه النصوص لأؤكد أن ذلك لم يكن ليعنيني لولا أن الشاعرين المشتبكين في الهدير واللهاث وقعا كثيرا في محنة الالتباس، وهي دون شك، ليست انتقاصا من جدارة أي منهما بقدر ماهي تأكيد على ذلك الزخم اللغوي الفني الذي قدماه في نصهما ولا أقول ديوانهما المشترك، فهذا شأن آخر؛ فحقيقة الأمر أنني لم أقف على كثير تباين بين النصين: نص عقب الباب وحبرشيد، مادعاني إلى تأكيد صفة التماهي بين الذاتين المبدعتين، أو بالأحرى بين نصوصهما، رغم تشظيات خرجت بشذرات من تمرد كل منهما على الآخر في بعضها، وذلك ما دفعني أيضا إلى النظر إلى النص العام بين دفتي الكتاب على أنه ذو رؤية مؤطرة، مسيج الجدلية رغم اتساع العبارة وتمدد التشاكيل الفنية على رقعة التجربة.
قد يكون العنوان بين «هدير البحر» و«لهاث الغاب» مدخلا للوقوف على تأرجحية بندولية شديدة البلوج بين «الهدير» و«اللهاث»، أو بين «البحر» و«الغاب»، ولعلنا ـ ابتداء ـ نتوقف أيضا عند الإهداء ومافيه

«ولأن المخاض واحد... والحبل السري الذي يربطنا واحد» إلى أن يقول إن هذه التجربة «توأمة بين الوجع الكناني والمغربي» «الصواب: الوجعين؛ مادام الكاتب أراد البينية، إلا أن هذا الخطأ العفوي يؤكد أيضا إيمان كاتب الإهداء بالتماهي الذي يجعل إحدى الذاتين تتوه وتتوارى في الأخرى، ويجعل أحد الوجعين يندمج بالآخر ليصبحا واحدا»
أسئلة عدة تقاطرت عليّ، ومن هذه الأسئلة:
هل النص العام بكل تجلياته التجزيئية متفق عليه قبلا؟ بمعنى هل هو نص تفاعلي اتفق الشاعران على إنتاجه في صورة محاورة شعرية أو مساجلة، أم أنه تم وفق ما يمكن تسميته بـ«الكشكلة» أي تجميع لنصوص مختلفة داخل كتاب واحد؟ وعلى أي أساس تم التجميع؟ وماذا عن المؤتلف والمختلف في تجربتي الشاعرين؟ ومن ثم كان لابد من البحث عن الخطاب والأداة والخصائص الأسلوبية لدى كل من «مالكة» و«ربيع» والخلوص باطمئنان نسبي إلى مايجمع أو يفرق التجربتين امتحانا لصحة مقولة الوجع الواحد والحبل السري الواحد التي صدرها لنا الإهداء.
مجمل الخطاب
ذلك وجع ممتد من أول الفردوس إلى آخر الجحيم، من «حديث الوطن» حتى «الموت من حيث ينبت القهر» هي رحلة الروح من منتصف الهزيمة إلى منتصف الانتصار، وهذه نزوف تهيأت في صورة قصائد، وحرائق ترتدي ثوب الشعر، هي ذات واحدة توزعت على شطرين، بينهما انتصبت المسافة، واستطالت الجغرافيا لتصنع تاريخا من الانثيال على حافتي الشهوة والفضيلة، الوفاء والغدر، المباغتة والانسحاب، الإقدام والإحجام.
ذلك مجمل الخطاب العام والرؤية التي تم تأخيرها حتى طافت حول محور واحد هو وجع الذات في مواجهة مرآتها من جهة والعالم من جهة أخرى، رغم ما قد يظنه قارئ عجول من التعدد والاتساع انخداعا بفساحة الصورة التشكيلية والزخم اللغوي.
الذاتان المتحاورتان ليستا سوى شطرين أو شظايا لذات واحدة بعثرتها محنة الالتباس ومشاكسة الوجود والتأرجح الإنساني بين الرغبة والرهبة، الفضيلة والتابو على رقعة البياض فسودت لنا ـ هذه الذات ـ عددا من الشكايات الشعرية والنفثات الشعورية المحملة بكم معرفي هائل بالفلسفة والتاريخ وموانع الجغرافيا وحصار البيولوجيا، وتضاريس المحنة العربية، وخرائط الوعي المحبورة حسب قياسات اجتماعية/ سياسية، ومتاريس العقل الشرقي وقوانينه العاطفية الجائرة الساجنة، المقيمة حدودها ومتاريسها على جسور التلاقي المنشود، فتحول بين المرء وذاته، بين الصورة وانعكاساتها.
طواحين الحب والكراهية، الإقبال والإدبار، الاستجابة والرفض، تأخذ» دون كيخوتة «من حافة المأساة إلى حافتها ومن طرف الحزن إلى طرفه».
سؤال يبدو منطقيا ـ أو هكذا تهيأ لي ـ حول العتبات النصية العامة وهو لماذا استأثرت «مالكة» بعنوان التجربة حيث عنوان الغلاف عنوان لإحدى قصائدها، وسؤال منطقي آخر فرض حضوره حين وقفت أمام عتبة نصية أخرى على الغلاف الخلفي للكتاب وهو ـ أي السؤال ـ عن كاتب النص عليه، والذي يشير إلى «اقتراف الشعر» و«اغتيال لحظات الفرح».
السؤال وجد إجابته بالتنقيب في صفحات الكتاب لأكتشف أن كاتب النص ليس إلا الشاعرة «مالكة» أيضا، الأمر الذي ألقى بي بين ذراعي سؤال جديد: لماذا و«الديوان» كما كتب على الغلاف الأمامي و«النص» كما أسميه أنا، مشترك.. لماذا تفردت «مالكة» بالدفتين؟ أثمة إشارة دالة؟ أم هو مجرد اختيار ممن قام على تجميع النصوص وطباعتها؟
سؤال فرعي تال ذو دلالة: هل تم الاتفاق على ترتيبية القصائد؟ وهل جاءت وفق تراتبية تفاعلية؟ أم أن الأمر خضع لهوى تنسيقي ما آثر أن يبدو الكتاب بهذه الصيغة، وماعلى القارئ أو الناقد سوى التعامل معه كمُخرَج عام؟

نفق الخداع
ترى «مالكة» أن العالم «زمنه غبي» و«مسافاته عاهرة» وأن «الشياطين اتشحت فيه بالطيبة» وتتساءل عن «ذنب إبليس» لتعلن أنها «ودت الكتابة فوق جسد الحلم آخر مرثيات آدم».. تفجر الأجساد الخرساء ««قصيدة» آخر مرثيات آدم «ص ص 5ـ 7»
هي ترى أيضا أنه «ما من حواجز تمنع من الانفلات خارج دائرة اليقين»، «فالأماني دخلت نفق الخداع» و«الطريق ضائع بين عثرات الرأس وزلات اللسان» ومن ثم فإننا «نحتاج شمسا تشرق من عين العبث» «رعدا يكسر ضلوع الصمت» «برقا يحرق النزوات الرعناء» «لنتجول وفق قانون الخلاص» ومن ثم فهي داعية إلى الغضب والثورة:
«فاحشدوا ما أوتيتم من بغضاء ـ ماتكلس من كظم، مافي كواليس الذاكرة من مسكوت عنه / وتعالوا.. نؤدي رقصة الثعالب «أنفاس الأرق ص ص 22ـ27»
مشكلتها مع الموروث، الماضي، التاريخ، فيما تبرئ السماء من دم الشموس والأنثى المهدورة، الخانعة «أحالوا الأرحام مفاعلات للخنوع» «قصيدة «عذرا أيها التاريخ» ص ص 45ـ49»
ورغم ماقد يلوح من رغبة موّارة في التحدي والمواجهة لتغيير العالم نكاد ندرك إحساسا ما بالعجز والعدمية واللاجدوى قد ينثر تباريحه على مساحات القصائد بتباينات رؤيوية وتشكيلية، لكن إصرارا على المجابهة وتحدي الماضي بكل حمولته التراثية يشخص في وسم أو وصم المتمسك بالتاريخ بـ«كيخوتة» في صورة رافضة ـ قطعا ـ يؤكدها المحمول الرؤيوي للدال الرمزي المنتزع من رائعة «سرفانتس» الروائية «دون كيخوتة» ومحاربته لطواحين الهواء.
وتلبس الشاعرة ثوب الحكمة حين تدعوه ناصحة موجهة في صرامة قائد إسبرطي أن «يقرأ على مسمع الغضب / أغنية الرصاص، وأن يتمهل حتى يبلغ جمل الشرط؛ كي لايعاني من وخز الضمير، وتتوالى نصائحها وتقاييمها لدوره»: تحتاج إلى ترداد شهادتك المشبوهة / لتغتسل من احتقارك / احتقارهم / من انهزامك وانهزامهم / هذا زمن الجهر بما تُسرُّ الأنفس»، وتدعوه في حكمة النساك إلى «استطلاع طوالع الانكسار للعثور على بذور الهزيمة واستئصالها»، وتحذره منبهة إلى «ظله المنهك على الجدار» قبل أن تأمره «لأن يمتطي قصبة ويتجه نحو الميدان «حيث نضجت الجلود في انتظار من يسلخها»»
هكذا.. وهذه بعض إشارات لمكامن الموقف الحبرشيدي من العالم والسعي لتغييره، وإعادة توجيه المكافحة؛ استنادا إلى متغيرات الألفية الثالثة.
وهج الصمت
ماذا عن الحب؟ عن الآخر؟ الذكر؟ الرجل؟
الحب لديها مشاكسة الروح للروح، أكبر من سدرة الجسد، والآخر ـ مناوئا كان أم مساوقا ـ سر ونظرة ونار وجنون وأغنية ووشم في الذاكرة، وابتسامة، وحلم، وموت وجرح دفين، ومخاض عسير، وحنين
«أحملك.. / ومازلت أحملك / حلما لا حدود له../أرويه بالدمع والبرد / أغذيه عذب النزيف / ليحيا حتى... بعث ما بعد البعث»
تخترق «مالكة» التابو بجرأة بالغة، ليس كما يفعل بعض الأدعياء في محاولتهم لفت الأنظار وادعاء البطولة، ولكن اشتباكا مع مداليل ومفاهيم ترسخت وترسبت كلسا على جدار الوعي، ولايعنيها تلك الأصوات القادمة من الماضي المتكلس، أو العائشة في «نهار تهالك دون اعتذار / بعدما كفن أغنياته في ثوب الغياب»
تقول «ماذنب إبليس؟ و «تدعوك.... خفاقة / وسط ظلمة شاسعة / أن نتخاتم بوهج الصمت / بصيغة الحضور / ننتفي ليترسب في القعر صوتي / على تلة الغربة»
وتقول: «يُعقدُ القران / أمام قداسة اللعنة / لننجب آيات تعسة/....نحو شمس تدغدغ أوصال الهروب / كل ما تستطيعه / استفزاز قشعريرة السماء»
تمرد أبجدية
الخطاب لدى «ربيع» لا يختلف كثيرا عن الخطاب والمحمول الرؤيوي لنص «مالكة»؛ ومن ثم فإن التأكيد على أن «الحبل السري واحد» يصبح ذا فاعلية عظمى في هذا الإطار؛ فهو ـ أي شاعرنا ـ ينطلق هو الآخر من رؤية ذاتية للعالم المستحق للمجابهة رافضا تلك السرمدية التي تمنح الآخر المناوئ حق التلاعب، هو أغنية ورسالة ««يضرب ضجره فيها بحصى الموت» إنه «في مزامير مصر الجديدة» الشبيه والغاية، الأغنية والرسالة، «الفرح بالثائرين / على درج مفخخ/ يستعيدون ماتعرى / من ثياب / من حديث/ من نعاج / ترتديها أسمال المتاهة»
إنه «الميدان يجأر بالثأر / الحشرُ ضحىً/ والنهار الذي أشرقتُه لم يكن ساحرا/ ليخضع / يركع / يسلم زنديه/ يعلن تمردا لأبجدية فرعون الهزيلة / النهار الذي أشرقتُه كان الرسالة / كان الشاعر في مزامير مصر الجديدة «قصيدة «أغنيتي .. والرسالة «ص ص 8ـ11»
إنه طاقة الوعى والتحدي بمداخيل الأزمة ومخاريجها «لن أبني على أشلاء ماكان بيتا لعنكبوت / ثم أدعو القبيلة لترى بيض اليمام على كف الريح»
يعنون إحدى قصائده صـ 28ـ35 بـ «لا تعاند الريح.. إذا ما أحكمت مسها»... ورغم أن هذا العنوان خنوعي استسلامي كما يبدو من السطح الأعلى للنص هنا، إلا أنه داخل النص يقول «مميت أن نتعكز على الريح / في غرف ملولبة القلب إسفنجية الضمير / لنتخاطف القبل / الأماني / عفيف الشعر / ساقط الحديث والرؤى / دون أن تلتهمنا الأنفاس الجائعة /
- للآخر الأنثى / المرأة حضور طاغ في النص العقب بابي، هي البدء والمنتهى، المحنة والمنحة / الدعوة والمقاومة: «أنا المسكون بك / المنذور للريح / المبتلي بالحزن إذا يتشقق / أتهاطل شعرا / مطرا سخينا أجاجا / ورقاً أخضر الطيب / يرش عالمك بفراشات / كجنيات الحكاية / لا تغادرك / ولن تغادرك.. لأنها..
يخاطبها كذلك: «أيتها المبعوثة من نبات جنوني / صعب مقايضة الروح بالعدم/ ويتابع «أفتش عنك في ثنايا وطنك / في قلبي / لك رائحتي وأنفاسي / مذاق حروفي وفرشاتي / وندى الفجر / كجنية أطلت من كأس / كأنها نبيذها / كنبت على كف الله» صـ 52-53
وحين تناديه «كيخوتة» في قصيدتها المعنونة بالاسم الأدبي الأسطوري هذا، يرد عليها مستنداً أيضاً إلى عمل أدبي معنونا قصيدته بـ «أرض... لا تنبت الزهور» لمحمود دياب.. وكأنه يجابه عدمية أو لا جدوية الرسالة الدونكيخوتية «بنفيية الإنبات عن أرض.
و يؤكد رؤيتها للفارس المحارب لطواحين الهواء خاتماً قصيدته «لتظل ياكيخوتة / في لعنة القيظ شهيداً / مجهول المصير»، ويدعوها في قصيدته نزف «سيحي بين أقانيم المجاز / وأفانين العجزة والحواة ـ على حد سواء ـ / وادخلي وريد الحلم..»
- التابو ـ مخترق حتماً ـ فربيع مذ كتاباته الأولى لا تحده قيود ولا تحول بينه وبين التعبير عن مكنوناته، أو مكنونات شخصياته موانع أو قيود «تدهم تابو الساكن/ طوطم المسكون/ الشاغل والمشغول / الواصل والموصول / تسلكه كلحن طائش أو فعل فاضح» صـ 28
وفي قصيدته «متى كنت بينك.. والمدي صهوتك» يقول: «لا تكن مابين جموح الشعر / وجموح التوقw/ لملائكه تجيد الحمد وتراتيل النجوى / وكلمات تروي ظمأ الخريف القادم/........
تصويري
في الأمر كما يبدو كثير من علامات التماهي ودلائله بين التجربتين، في ركائز الخطاب العام لكل منهما، وهذا يحيلنا، أو من المفترض أن يحيلنا إلى بحث هذا التماهي على مستوى التشكيل والأداء، وباستعراض نماذج من كل من التجربتين يمكن الوثوق بأن ثمة حضوراً تشكيلياً للمشترك البنائي بينهما على مستوى معمارية القصيدة التي ترتكز لدى كل منهما إلى السرود الشعرية، والانثيال التصويري المتتابع في لقطات تجنح إلى التشكيل الجزئي، فيما تشكل أحياناً كثيرة صوراً كلية / ومشهديه شعرية تستفيد من تقنيات السينما، واعتماد الديالوج المسرحي أحياناً.
هناك غرام واضح لدى كل منهما بالصورة وغوايتها للناص أولاً قبل أن تكون على الدرجة ذاتها من الأهمية؛ بالنسبة للنص، أعني هنا الولع بالقدرة التشكيلية في تتابع تصويري قد ينجح في تكوين الصورة الكلية، وقد تحس ـ في أوقات محدودة ـ أن ثمة حشواً تصويرياً أو تقريرياً أحياناً يعوق تدفق الرؤية.
الحق أن لدى الشاعرين قدرة فائقة على الإبداع التشكيلي وتقديم الصور الطازجة رغم الوقوع أحياناً في براثن العادة التي قد تفرض حضورها ارتكازاً إلى بنية السرد. >
تعليق