بطاقة صفراء
عشر دقائق و تبدأ متعتي ...
لكن .. من يطرق بابي في هذا الوقت ؟ من يجرؤ ؟
أسرعت كي أفتح ، محاذرا أن أرتطم بالطاولة فيندلق كوب الشاي الساخن .
كنت ، كالعادة ، قد هيّأت للمتعة طقوسها . الشاي . علبة السجائر. / الموبايل .. تأكّدت من أنّه مغلق / . الوسائد . وسادتان عند رأسي ، و ثالثة عند قدمي /أحتاجها لأرفسها أو أضرب بها الحائط تعبيرا عن سخطي أو استيائي /
مضى وقت طويل مذ توقفت عن السفر و متابعة المباريات مباشرة من على المدرّجات . سنّي لم يعد يسمح و لا الوقت يسعفني . و ما عدت أحتمل الضّوضاء و الهرج و الزّحام .
أحنيت قامتي فارتطمت عيناي بوجهه المستدير ، شعره أسود كثيف متجمّع أكثره فوق جبهته الضيّقة . عيناه سوداوان واسعتان ، تبرقان بوميض لا نبصره سوى في عيون الأطفال .
- أهلا صابر .
- مساء الخير عمي . القناة عندنا لا تعمل . قالت لي أمي اذهب و شاهد المباراة عند عمك سليم .
تضايقت قليلا ، لكني أجبرت نفسي على الابتسام . أشرت له برأسي أن يدخل . أمرٌ غير متوقّع حقا . أكره الأمور المباغتة . لا أعرف كيف أتصرّف حيالها . اعتدت أن أكون وحيدا في بيتي . و عكس غيري لا أحب أن يشاركني أحد مشاهدة مباراة . لكن تخييب أمل طفل صغير يعدّ جريمة . ثم هو صابر الجميل ، المؤدب . يقيم مع والدته الأرملة الشابة و جدّته المسنّة في الشقة التي فوق شقّتي تماما .
كثيرا ما تجمعني الصدفة ، على السلالم ، بوالدته .. و كم كنت أخجل من التحديق فيها . أسرع خطاي مكتفيا برد التحية ، لكنها لا تدري بأني ما أن أدخل شقّتي حتى أجري صوب النافذة ، أراقبها منها و هي تعبر الشارع ، و شيء أحاول تجاهله يهز كياني لكل خطوة تخطوها . و مع ذلك لم أحاول الدنوّ منها . لم أفكر في ملاحقتها أو مغازلتها أو التواصل معها بأي شكل كان . لم تكن تلك عادتي حيال الجنس اللطيف . لكن ذلك كان و أنا شاب . تغيّرتُ مع الزمن . زواجي ثم تجربتي مع الطلاق غيّراني .
أدركني التعّقل أخيرا و أصبحت رجلا ناضجا يحسب للمغامرة ألف حساب .في الحقيقة لم أرد أن أتغير لكنه حصل . النضج أيضا نحن لا نصله بإرادتنا ، بل رغما عنا . لم يكن سهلا أن التزم و ألزم جانب العفة . كثيرا ما قلت لصديق لي ، أعزب ، بأنّ المطلّق أتعس من الأعزب و من المتزوّج . صعبٌ أن تعيش الجحيم و لكن الأصعب أن تتذوّق نعيم الجنة ثم تجبر على الهبوط منها .
مؤكد أنّ آدم كان أتعسنا جميعا .
في ما بين الشوطين ، قمت لكي أسخّن الشاي . حين عدت انتبهت إلى أنّ الصغير قد ذهب في نوم عميق . تدحرج رأسه فوق كتفه و ارتخت أطرافه . لم أدر ماذا أفعل . عدّلت من وضعه . نظرت إليه و ابتسمت . أجمل ما في الكون طفلٌ نائم . في مثل سنه تقريبا / عشر سنوات / كان ابني حليم حين دقّت بيني و بين والدته نواقيس الطلاق . لم نتفق . حاولنا لكننا لم نفلح . قرّرنا الانفصال . انفصلنا بهدوء غير مألوف . لم يحدث طلاقنا تلك الزوبعة المعهودة داخل الأسر . و الغريب أننا بعد انفصالنا اتفقنا بشكل عجيب ! اليوم نكاد نكون أصدقاء . تتصل بي باستمرار . تستشيرني في أمر حليم . أهاتفها أيضا . أسأل عنها و عن الولد . أذكر أنها مرة دعتني للعشاء بمناسبة عيد ميلاده .
ربما يجب أن ينفصل كل الأزواج الذين لا يتّفقون كي يدركوا أنه بإمكانهم الاتفاق !
يا لغرابة الفكرة .
اللعب يسير بوتيرة بطيئة ، مملة . لم أستطع أن أصمت و رحت أعطي رأيي ، بصوت مسموع ، في ما كان يجب أن يكون عليه اللعب .
تذكرت والدتي ... " كل من هو خارج الملعب لعّاب " ، كانت تقول .
طرق آخر على الباب .
مباغتة أخرى .
الفتنة أمامي ..تقف على قدميها .
- أتيت لأصطحب صابر . أخشى أنّه أزعجك .
الذي يزعجني هو هذه المحرقة في صدري يا سيدتي .
أخبرتها أنه لم يفعل ... أنّه خلد للنوم و من الأفضل تركه ينام إلى الغد .
لا أدري كيف قلت ذلك و لا لماذا . كأنما أردت أن أحتفظ ببعضٍ منها عندي لمدّة أطول .
- حسنا . شكرا .. معذرة على الإزعاج . تصبح على خير .
ابتسمت . صعدت السلم و هي تحكم لفّ شالها على رأسها و نحرها .
كدت أقول لها "لا .. لا تذهبي . ابقي قليلا . " لكنني تماسكت .
شيّعتها بقلبي بينما عطرها يسافر في العمارة و في بيتي ... و في دمائي .
لم تغتسل مساحة بيتي بعطر أنثويّ منذ سبعة قرون .
عدت لأتابع المباراة . أخفضت صوت التلفاز كي لا يوقظ صابر . كأنّي صرت أحبه فجأة هذا الصغير . ماذا ؟ بطاقة حمراء ؟ لا .. لا .. صفراء . يا لثوبها ! مزيج من اللون الأصفر و الأخضر . لأول مرة أنتبه أنّ الأخضر و الأصفر يمكن أن ينسجما و بشكل جميل ...يا لشعرها و عينيها و قوامها و نهدها .. يا لرائحة الأنوثة حين تغشاك فتخدّر وعيك ،و تخلّفك مشدوه الروح ، مشوّش الذات ، مستلب الإرادة .
رأيتها بوضوح رغم الإنارة الضعيفة في سلالم العمارة . جميلة . تفاصيل أنوثتها صارخة . شفتاها ممتلئتان ، شهيتان ، كأنهما ما خلقتا سوى للتقبيل . بضع ثوان و هي تقف قبالتي عند عتبة الباب كانت كافية لقلب كياني ...لكني استغربت جرأتها .. ماذا لو رآها أحد الجيران ؟ أكره جرأتها . بل ..أخشاها .. لا لا .. الآن أنا أحبها أكثر ... لأنها جريئة . لمن البطاقة ؟ آه .. لاعب متهوّر هذا. لو كنت مكان المدرب لما ضممته للفريق .
لو أني طلبت منها أن تدخل لتحمل طفلها بين ذراعيها و تصعد به إلى الشقّة ؟ ترى هل كانت ستفعل ؟
و ما كنت فاعلا أنا لو أنّها أصبحت في قلب الغرفة ؟ و لكن ما الذي منعك عنها كل ذلك الوقت أيها الأبله ؟ لاشيء . لا أحد سواى . أنا تعمّدت أن أنشغل عنها و عن سواها .
نعتب على الحياة كونها لا تمنحنا الظروف الملائمة لاحتضان اللذات ، و حين تتوفر الظروف نتفنّن نحن في خلق ظروف أخرى / غير ملائمة / .
كنت أتعمد أن أشغل وقتي بأمور كثيرة ..لا يهم ما تكون . المهم أن لا أجد وقتا لأركب بحر الشهوات . حتى أنّني جرّبت السياسة . انخرطت في جمعية تنشط محليا . العمل السياسي يجعلك تتوهّم و توهم غيرك بأنك مهمّ جدا ، و مشغولٌ على الدّوام ، و أنّك لا تملك لنفسك ثانية واحدة ، و أنّ ما تقوم به خارقا للعادة ، مع أنّك في حقيقة الأمر لا تفعل شيئا ذا قيمة ، مطلقا ..كل الأشياء / غير ذات القيمة أيضا / تأتي من فوق !
تصبح على خير ، قالت . أي خير يا فاتنتي و قد أضرمت عيناك في دمي حرائق الحب و الرغبة ؟ أنا الذي حشرت جسدي في جلباب قديس و ألزمت شهواتي بحمية قاسية ..خشية أن يجرفني التيار إلى حيث لا رجوع .
و لم أستطع النوم . بدا الليل طويلا جدا . أطول من كل الليالي . لابد أنّ أوسكار وايلد قد واجه ما واجهته لكي يخلص إلى قوله " أستطيع أن أقاوم كل شيء عدا الإغواء " .. و كانت مغرية حقا . حدّ الجنون ، و كل ما حولنا مغر .. المساء الربيعي ، صمت العمارة ، طفلها النائم ، رغبتي المستيقظة ، جوع السبع العجاف ، سريري الذي ملّ احتضاني منفردا كحصان موبوء أبعدوه عن القطيع ..
و ذلك الرجاء في عينيها و خلف ابتسامتها .
لا يحتاج الرجل لأن يكون عبقريا لكي يفكّ شفرة النداء أو يترجم لغة الرغبة في عيون أنثى .
نمت مع أواخر الليل ، بعد أن تكفّلت ريشة خيالي برسم كل معالم اللذة . نمت و هي في حضني ، غير أني لمحت ظل كفٍ تلوّح ببطاقة صفراء ..داخل رأسي .
في الصباح حضّرت لصابر كوب حليب . كانت هناك علبة بسكويت في الخزانة . وضعتها أمامه . لم يبد مستاءً من مبيته خارج حضن والدته . بالعكس . بدا مرتاحا جدا كأنه معتاد على المبيت عندي . قد يكون مردّ ذلك إلى حاجته للإحساس بوجود الأب . مسكين صابر .
في طريقي إلى العمل اتصلت بابني " ألو .. صباح الخير . كيف حالك .أتصل لأقول لك أنّه يمكنك أن تأتي للعيش معي ..أمازلت ترغب في ذلك ؟ حسنا .. أخبر والدتك و أجمع أغراضك . سأنتظرك " .
و قبل أن أنهي المكالمة " نسيت أن أقول لك .. لابد أن تكون هنا قبل يوم الأحد . "
الأحد مساءً هو موعد مباراة أخرى مهمة . أشعر بالقلق . لا أريد أن أكون لوحدي .
أكيد سوف يأتي صابر ليشاهد المباراة عندي ، و أكيد سوف يغرق في النوم ..
و أكيد سوف ...
مارس 2013 / آسيا رحاحليه /
عشر دقائق و تبدأ متعتي ...
لكن .. من يطرق بابي في هذا الوقت ؟ من يجرؤ ؟
أسرعت كي أفتح ، محاذرا أن أرتطم بالطاولة فيندلق كوب الشاي الساخن .
كنت ، كالعادة ، قد هيّأت للمتعة طقوسها . الشاي . علبة السجائر. / الموبايل .. تأكّدت من أنّه مغلق / . الوسائد . وسادتان عند رأسي ، و ثالثة عند قدمي /أحتاجها لأرفسها أو أضرب بها الحائط تعبيرا عن سخطي أو استيائي /
مضى وقت طويل مذ توقفت عن السفر و متابعة المباريات مباشرة من على المدرّجات . سنّي لم يعد يسمح و لا الوقت يسعفني . و ما عدت أحتمل الضّوضاء و الهرج و الزّحام .
أحنيت قامتي فارتطمت عيناي بوجهه المستدير ، شعره أسود كثيف متجمّع أكثره فوق جبهته الضيّقة . عيناه سوداوان واسعتان ، تبرقان بوميض لا نبصره سوى في عيون الأطفال .
- أهلا صابر .
- مساء الخير عمي . القناة عندنا لا تعمل . قالت لي أمي اذهب و شاهد المباراة عند عمك سليم .
تضايقت قليلا ، لكني أجبرت نفسي على الابتسام . أشرت له برأسي أن يدخل . أمرٌ غير متوقّع حقا . أكره الأمور المباغتة . لا أعرف كيف أتصرّف حيالها . اعتدت أن أكون وحيدا في بيتي . و عكس غيري لا أحب أن يشاركني أحد مشاهدة مباراة . لكن تخييب أمل طفل صغير يعدّ جريمة . ثم هو صابر الجميل ، المؤدب . يقيم مع والدته الأرملة الشابة و جدّته المسنّة في الشقة التي فوق شقّتي تماما .
كثيرا ما تجمعني الصدفة ، على السلالم ، بوالدته .. و كم كنت أخجل من التحديق فيها . أسرع خطاي مكتفيا برد التحية ، لكنها لا تدري بأني ما أن أدخل شقّتي حتى أجري صوب النافذة ، أراقبها منها و هي تعبر الشارع ، و شيء أحاول تجاهله يهز كياني لكل خطوة تخطوها . و مع ذلك لم أحاول الدنوّ منها . لم أفكر في ملاحقتها أو مغازلتها أو التواصل معها بأي شكل كان . لم تكن تلك عادتي حيال الجنس اللطيف . لكن ذلك كان و أنا شاب . تغيّرتُ مع الزمن . زواجي ثم تجربتي مع الطلاق غيّراني .
أدركني التعّقل أخيرا و أصبحت رجلا ناضجا يحسب للمغامرة ألف حساب .في الحقيقة لم أرد أن أتغير لكنه حصل . النضج أيضا نحن لا نصله بإرادتنا ، بل رغما عنا . لم يكن سهلا أن التزم و ألزم جانب العفة . كثيرا ما قلت لصديق لي ، أعزب ، بأنّ المطلّق أتعس من الأعزب و من المتزوّج . صعبٌ أن تعيش الجحيم و لكن الأصعب أن تتذوّق نعيم الجنة ثم تجبر على الهبوط منها .
مؤكد أنّ آدم كان أتعسنا جميعا .
في ما بين الشوطين ، قمت لكي أسخّن الشاي . حين عدت انتبهت إلى أنّ الصغير قد ذهب في نوم عميق . تدحرج رأسه فوق كتفه و ارتخت أطرافه . لم أدر ماذا أفعل . عدّلت من وضعه . نظرت إليه و ابتسمت . أجمل ما في الكون طفلٌ نائم . في مثل سنه تقريبا / عشر سنوات / كان ابني حليم حين دقّت بيني و بين والدته نواقيس الطلاق . لم نتفق . حاولنا لكننا لم نفلح . قرّرنا الانفصال . انفصلنا بهدوء غير مألوف . لم يحدث طلاقنا تلك الزوبعة المعهودة داخل الأسر . و الغريب أننا بعد انفصالنا اتفقنا بشكل عجيب ! اليوم نكاد نكون أصدقاء . تتصل بي باستمرار . تستشيرني في أمر حليم . أهاتفها أيضا . أسأل عنها و عن الولد . أذكر أنها مرة دعتني للعشاء بمناسبة عيد ميلاده .
ربما يجب أن ينفصل كل الأزواج الذين لا يتّفقون كي يدركوا أنه بإمكانهم الاتفاق !
يا لغرابة الفكرة .
اللعب يسير بوتيرة بطيئة ، مملة . لم أستطع أن أصمت و رحت أعطي رأيي ، بصوت مسموع ، في ما كان يجب أن يكون عليه اللعب .
تذكرت والدتي ... " كل من هو خارج الملعب لعّاب " ، كانت تقول .
طرق آخر على الباب .
مباغتة أخرى .
الفتنة أمامي ..تقف على قدميها .
- أتيت لأصطحب صابر . أخشى أنّه أزعجك .
الذي يزعجني هو هذه المحرقة في صدري يا سيدتي .
أخبرتها أنه لم يفعل ... أنّه خلد للنوم و من الأفضل تركه ينام إلى الغد .
لا أدري كيف قلت ذلك و لا لماذا . كأنما أردت أن أحتفظ ببعضٍ منها عندي لمدّة أطول .
- حسنا . شكرا .. معذرة على الإزعاج . تصبح على خير .
ابتسمت . صعدت السلم و هي تحكم لفّ شالها على رأسها و نحرها .
كدت أقول لها "لا .. لا تذهبي . ابقي قليلا . " لكنني تماسكت .
شيّعتها بقلبي بينما عطرها يسافر في العمارة و في بيتي ... و في دمائي .
لم تغتسل مساحة بيتي بعطر أنثويّ منذ سبعة قرون .
عدت لأتابع المباراة . أخفضت صوت التلفاز كي لا يوقظ صابر . كأنّي صرت أحبه فجأة هذا الصغير . ماذا ؟ بطاقة حمراء ؟ لا .. لا .. صفراء . يا لثوبها ! مزيج من اللون الأصفر و الأخضر . لأول مرة أنتبه أنّ الأخضر و الأصفر يمكن أن ينسجما و بشكل جميل ...يا لشعرها و عينيها و قوامها و نهدها .. يا لرائحة الأنوثة حين تغشاك فتخدّر وعيك ،و تخلّفك مشدوه الروح ، مشوّش الذات ، مستلب الإرادة .
رأيتها بوضوح رغم الإنارة الضعيفة في سلالم العمارة . جميلة . تفاصيل أنوثتها صارخة . شفتاها ممتلئتان ، شهيتان ، كأنهما ما خلقتا سوى للتقبيل . بضع ثوان و هي تقف قبالتي عند عتبة الباب كانت كافية لقلب كياني ...لكني استغربت جرأتها .. ماذا لو رآها أحد الجيران ؟ أكره جرأتها . بل ..أخشاها .. لا لا .. الآن أنا أحبها أكثر ... لأنها جريئة . لمن البطاقة ؟ آه .. لاعب متهوّر هذا. لو كنت مكان المدرب لما ضممته للفريق .
لو أني طلبت منها أن تدخل لتحمل طفلها بين ذراعيها و تصعد به إلى الشقّة ؟ ترى هل كانت ستفعل ؟
و ما كنت فاعلا أنا لو أنّها أصبحت في قلب الغرفة ؟ و لكن ما الذي منعك عنها كل ذلك الوقت أيها الأبله ؟ لاشيء . لا أحد سواى . أنا تعمّدت أن أنشغل عنها و عن سواها .
نعتب على الحياة كونها لا تمنحنا الظروف الملائمة لاحتضان اللذات ، و حين تتوفر الظروف نتفنّن نحن في خلق ظروف أخرى / غير ملائمة / .
كنت أتعمد أن أشغل وقتي بأمور كثيرة ..لا يهم ما تكون . المهم أن لا أجد وقتا لأركب بحر الشهوات . حتى أنّني جرّبت السياسة . انخرطت في جمعية تنشط محليا . العمل السياسي يجعلك تتوهّم و توهم غيرك بأنك مهمّ جدا ، و مشغولٌ على الدّوام ، و أنّك لا تملك لنفسك ثانية واحدة ، و أنّ ما تقوم به خارقا للعادة ، مع أنّك في حقيقة الأمر لا تفعل شيئا ذا قيمة ، مطلقا ..كل الأشياء / غير ذات القيمة أيضا / تأتي من فوق !
تصبح على خير ، قالت . أي خير يا فاتنتي و قد أضرمت عيناك في دمي حرائق الحب و الرغبة ؟ أنا الذي حشرت جسدي في جلباب قديس و ألزمت شهواتي بحمية قاسية ..خشية أن يجرفني التيار إلى حيث لا رجوع .
و لم أستطع النوم . بدا الليل طويلا جدا . أطول من كل الليالي . لابد أنّ أوسكار وايلد قد واجه ما واجهته لكي يخلص إلى قوله " أستطيع أن أقاوم كل شيء عدا الإغواء " .. و كانت مغرية حقا . حدّ الجنون ، و كل ما حولنا مغر .. المساء الربيعي ، صمت العمارة ، طفلها النائم ، رغبتي المستيقظة ، جوع السبع العجاف ، سريري الذي ملّ احتضاني منفردا كحصان موبوء أبعدوه عن القطيع ..
و ذلك الرجاء في عينيها و خلف ابتسامتها .
لا يحتاج الرجل لأن يكون عبقريا لكي يفكّ شفرة النداء أو يترجم لغة الرغبة في عيون أنثى .
نمت مع أواخر الليل ، بعد أن تكفّلت ريشة خيالي برسم كل معالم اللذة . نمت و هي في حضني ، غير أني لمحت ظل كفٍ تلوّح ببطاقة صفراء ..داخل رأسي .
في الصباح حضّرت لصابر كوب حليب . كانت هناك علبة بسكويت في الخزانة . وضعتها أمامه . لم يبد مستاءً من مبيته خارج حضن والدته . بالعكس . بدا مرتاحا جدا كأنه معتاد على المبيت عندي . قد يكون مردّ ذلك إلى حاجته للإحساس بوجود الأب . مسكين صابر .
في طريقي إلى العمل اتصلت بابني " ألو .. صباح الخير . كيف حالك .أتصل لأقول لك أنّه يمكنك أن تأتي للعيش معي ..أمازلت ترغب في ذلك ؟ حسنا .. أخبر والدتك و أجمع أغراضك . سأنتظرك " .
و قبل أن أنهي المكالمة " نسيت أن أقول لك .. لابد أن تكون هنا قبل يوم الأحد . "
الأحد مساءً هو موعد مباراة أخرى مهمة . أشعر بالقلق . لا أريد أن أكون لوحدي .
أكيد سوف يأتي صابر ليشاهد المباراة عندي ، و أكيد سوف يغرق في النوم ..
و أكيد سوف ...
مارس 2013 / آسيا رحاحليه /
تعليق