لتغعيلة والحر والحديث-- والقادم اعجب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالستارالنعيمي
    أديب وكاتب
    • 26-10-2013
    • 1212

    لتغعيلة والحر والحديث-- والقادم اعجب


    التغعيلة والحر والحديث-- والقادم اعجب



    ألَيسَ عَجيباً أنّ بَينَ بَني أبٍ
    لنَجْلِ يَهوديٍّ تَدِبّ العَقارِبُ
    رحم الله المتنبي حين قالها قبل انتكاس الشعر العربي الاصيل وقبل ان يتغلغل بنو اليهود حتى في اشعارنا ليسمموه من الداخل وكما فعلوا اليوم بكل مقدرات الامة
    الشعر أدب مموسق منحوت بقالب ذهبي أوجده العرب قبل الاف السنين وتغنوا به وحفظوه وحفظ تأريخهم وحروبهم عبر فترة زمنية طويلة وهذه احدى ميزاته (الحفظ) حتى من قبل من يجهل القراءة والكتابة فكيف نساويه بكلام غير منسق تشمئز منه النفس الشاعرية لاخفاقه بتساوي عدد التفعيلات في كل شطر وعجز ؛اما الميزة الاخرى للشعر العربي الاصيل (العمودي)فهي قابليته اللينه على التغني فيه ولم نسمع الى الآن بطرب اصيل الا من خلال القصيدة العمودية والسؤال هنا :هل من طرب في غناء مثل هذه الاسطر التفعيلية(اراك--وقدلا اراك كيف اين لماذا----لم تسمع صوتي من هناك) قل لي بربك هل من ايقاع موسيقي غنائي في امثال هذه السطور!!!
    (ان العرب استفردوا في القوالب الذهبية للشعر عكس الغرب الذي يعاني من ركاكة القالب الموسيقي في اشعارهم )اقول في اللغة العربية التي حبانا الله بها امتداد واسع جدا للشعر المقولب وهذا ما ينعكس على الواقع حيث الاف الاف القصائد العربية قيلت في عصر بلوغ اللغة اوج ذروتها واليوم حيث تردي اللغة نتيجة اختلاطه بلغات الاعاجم وتلوثه بمفرداتها ما حدا ببعض المستغربين ونتيجة عجزهم- الى اللجوء للطريقة الغربية في نظم الشعر والتي هي اصل اشعارهم فلماذا لم يغير الشاعر الغربي نهجه !
    ان دعاة هذا النوع هم اعجز من ان يأتوا ببيت شعري متكامل وزنا وقافية ويزعمون انهم قد تحرروا نحوالتجديد ناسين بذلك ركسهم في مستنقع التقليد للشعرالغربي والدليل على هذا هو ظهورشلتهم بعد ترجمة قصائد غربية بلا شروط الشعرالعربي فمضوا في شأنهم بتقليب موازين الاصالة واللجوء الى التقليد (تقليد القصيدة المترجمة) هذا من ناحية والناحية الاخرى هي دس الافكار الغربية بين صفوف الشعراء الشباب آنذاك واغرائهم بالأموال والشهرة لتنفيذ ما رسموا له والدليل هو انتماء قادة شعراء التفعيلة للحركات والاحزاب الغربية او الشرقية والتي يتحكم بها اليهود في العالم كالماسونية والشيوعية وغيرها كثير
    لقد برز في عصرنا شعراء شباب لم ينجروا وراء شعر التفعيلة او الحر(الذي كان عبدا فأعتق) !!وابدعوا في نظم القصيدة العمودية ؛لكنهم اصطدموا بالواقع الهش لاستقبال اشعارهم وكأنهم غرباء على الشعر والشعراء حتى قيل لبعضهم بعد الالقاء(من قال هذه القصيدة)وكأنهم نسبوها لشاعر قديم!
    قلنا في صدر هذا البحث ان الشعر ادب موسيقي ولاحتواء معناه علينا التعرف الى -الموسيقى- قدر ما يهمنا هنا

    المازورة :

    المازورة الموسيقية هى جزء من الجملة اللحنية .. فالعمل اللحنى بأكمله يتكون من مجموعة من الموازير المتساوية حسب الزمن الموسيقى الذى يسير عليه اللحن .. فإذا قلنا مثلاً 1 ، 2 ، 3 ، 4 بطريقة متساوية .. فهذه مازورة مكونة من أربعة أضلاع .. وإذا قلنا ( تيت ، تيت ، تيت ، تيت ) بنفس طريقة نطق الأرقام .. فهذه مازورة لحنية مكونة من أربعة أضلاع .. أى أربعة أجزاء .. وبالطبع يمكننا نطق هذه المازورة بسرعة أو ببطء .. حسب سير الجملة اللحنية .. ولتقريب المسألة إلى أذهاننا .. سنقول مثلاً فى المازورة الأولى ( تيت ، تيت ، تيت ، تيت ) وفى المازورة الثانية ( تات ، تات ، تات ، تات ) وفى المازورة الثالثة ( توت ، توت ، توت ، توت ) .. وهكذا ... فسنجد لدينا جملة لحنية مختلفة فى كل مرة ..

    ويمكننا نطق المازورة إيقاعياً .. هكذا ( دم ، تك ، تك ، دم ) أى 1 ، 2 ، 3 ، 4 .. وهذه أيضاً مازورة إيقاعية مكونة من أربعة أضلاع .. ونقول عليها .. المازورة الرباعية ..

    نعالوا بنا الأن نتعرف على الأزمنة الموسيقية ..

    سنفترض أننا ننطق نغمة الدو أو المى أو السى .. أى نغمة .. وستكون تجاربنا على نغمة السى مثلاً ..

    فيمكننا نطقها هكذا ( س-ى ) .. ويمكننا نطقها هكذا ( س--ى ) وأيضاً هكذا ( س---ى ) وهكذا ( س----ى ) .. لعلنا لاحظنا أننا ننطقها فى كل مرة فى زمن أطول من سابقتها .. لماذا ؟ ..

    لأننا يمكننا نطق نغمة السى حسب أضلاع المازورة الأربعة وفى نفس الزمن .. أى نقول ( سى ، سى ، سى ، سى ) .. أى 1 ، 2 ، 3 ، 4 .. أى أن كل نغمة تساوى وحدة إيقاعية واحدة ..

    ويمكننا نطقها هكذا ( سى ، سى ) أى كل سى تساوى وحدتان إيقاعيتان

    قلنا العمل اللحنى بأكمله يتكون من مجموعة من الموازير المتساوية حسب الزمن الموسيقى الذى يسير عليه اللحن اي عدد الموازير في الجملة الموسيقية يعطينا الزمن المتساوي لسير اللحن وهذا التناسق الزمني ما يجعل تقبل الموسيقى مستساغا عند الكائنات او بالاحرى تناسق الخلايا بمجموعات منتظمة عند تعرضها لأمواج موسيقية ادهشت العلماء في مجالات التجربة الحية ما يثبت استجابة الكائنات غير الحية ايضا للموسيقى
    وهذا يفسر لنا اسباب راحة الانسان والحيوان والنبات عند سماع الموسيقى
    ان الموازير اللحنية اشبه ب(التفعيلة) في الشعر العمودي كلاهما مرتبط بوحدة زمنية خاصة وهذا الزمن يحدده في الشعر -البحر- اي عدد ونوع التفعيلات في كل من الشطر والعجز فاذا حذفت حركة واحدة اخلت بوحدة الزمن في كل من المازورة او التفعيلة
    ونحن بصدد الموسيقى العربية ارتأيت نقل هذه النصوص من بحث د. محمد علي الملاح

    أستاذ مساعد في كلية الفنون الجميلة- جامعة اليرموك

    اثر العولمة على الهوية الموسيقية العربية

    في الدراسة تبيان مسارات العولمة وكيفية الاستفادة منها. ويمكن قسمة مسار العولمة إلى مسارين:

    المسار الأول: وهو الاتجاه السلبي الذي يهدف إلى إفساد المجتمع من خلال معطيات سلبية، فهو شق قيمي كما سماه ليتشنر في كتابه(New course looks at meaning of globalization ) جاء نتيجة الطابع التوسعي التنافسي لنمط الإنتاج الفكري الذي يفرض ثقافته على العالم، وهذا الجانب هو الذي يثير كثيراً من المخاوف والشكوك. ويؤكد الباحث أن العولمة هي إضافة الفوضوية إلى حياة البشرية وتهديد للثقافة والهوية. حيث تفرض الدول الكبرى شروطها المجحفة على بقية الشعوب.

    إنَّ ما يسمى بالثقافة الشبابية الحديثة التي توحد أهواء الشباب اليوم حول العالم، إذ يمكن أن ترى فتياتٍ مسلماتٍ يلبسن الحجاب ، ولكنهن يتذوقن الموسيقى نفسها التي تتذوقها فتيات غربيات. أما انعكاساتها فقد تؤثر في الأذواق العربية، وتعمل على توجيهها إلى الثقافة الغربية وسلوكياتها وذلك بفعل وسائل الأعلام ذات النفوذ العالمي؛ مما يلغي الذوق المحلي لكل أصحاب الثقافة. وينبغي في هذه الحالة الإرشاد والتوجيه لجيل الشباب وتثقيفه نحو الاتجاه الأمثل .

    ومن النقاد من وصف العولمة بأنها هيمنة يقصد بها السيطرة الكاملة من قبل الدول العظمى ذات النفوذ التكنولوجي والسياسي والاقتصادي والعسكري على حضارات وثقافات الأمم الأقل نفوذاً في الجوانب كافة.كما وصُفت بأنها آلة عجيبة ، قادرة على الحصاد والتدمير متجاهلة الحدود الدولية المعروفة، وهي مخيفة بقدر ما هي منعشة، إذ لا يوجد من يمسك بدفة قيادتها، ومن ثم لا يمكن التحكم في سرعتها ولا في اتجاهاتها، وبقدر ما أنتجت من تقنيات حديثة فأنها بعثت البربرية من جديد .وبالتالي فقد يؤدي هذا النظام العالمي الجديد إلى هيمنة الدول المتقدّمة القوية على ثقافات الشعوب الضعيفة وتراثها.



    المسار الثاني : وهو الإيجابي أو الشق الواقعي أو المادي كما سماه محمد فائق والذي جاء نتيجة التطور العلمي والتكنولوجي الهائل وما ترتب عنه من ثورة في وسائل الاتصال والإعلام وانتشار المحطات الفضائية التي تبث برامجها لكل أنحاء العالم من دون حدود، بالإضافة إلى ثورة المعلومات الهائلة التي تجسدها شبكة الإنترنت .

    ولا خيار في هذا الجانب من العولمة. إذ إنه ليس مطروحاً للقبول أو الرفض، فهو واقع مكينٌ وظاهرة من ظواهر العصر الذي نعيشه، وليس أمامنا إلا أن نقبل به ، ولكن علينا أن نعرف آلية التعامل معه بمنتهى الحرص والحذر لنكون أكثر إيجابية في مجتمعنا وعالمنا، حيث تفتح الأبواب المنطقية للإفادة من الثقافات المتنوعة التي بواسطتها نستطيع أن نواكب الركب العلمي ، ونختصر عوامل الزمن والمسافة. ونسعي إلى نشر الثقافة والفنون العربية مع المحافظة على خصوصيتنا الحضارية بكلّ قوة وحزم أمام الثقافات المتعددة التي تغزو العالم.



    تعريف العولمة

    العولمة لفظة حديثة العهد، مشتقة من العالم والعالمي وتعني جعل الشيء عالمياً. وفي الاصطلاح الحديث أصبحت تعني اكتساب الموضوع صفة عالمية كالسياسة والاقتصاد والثقافة والفنون ، أي تعميم ونشر ثقافة العصر في كلّ مكان في العالم . لذا فهي توصف بأنها نظام يراد به توحيد العالم في إطار جديد موحّد؛ ومن هنا أطلق عليها البعض (النظام العالمي الجديد) ومع أن هذه التسمية تشير إلى النظام السياسي بشكل خاص، إلا أنها حديثاً تشمل: الدين والسياسة والاقتصاد والفكر والاجتماع والتربية والفنون والأعراف والتقاليد وغير ذلك حتى أنه قيل " إن العولمة ستجعل العالم يعيش في عصر القرية الكونية الموعودة " في حين اعتبرها آخرون " إمبراطورية جديدة " .

    والقرية تسمية تطلق على أصغر تجمع سكاني يمكن أن يتم التواصل بين أفراده ونقل الأخبار بين سكانه بسرعة ويسر وبشكل مباشر من دون استخدام الأجهزة والتقنيات الحديثة. لذلك تمّت استعارة مصطلح القرية الكونية للدلالة على صغر العالم أمام سرعة انتقال المعلومات عن طريق شبكة الإنترنت في أنحاء العالم كافة.

    والعولمة (Globalization) التي ظهرت أولاً في الولايات المتحدة تعني تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل الكلّ ، وبالمفهوم الأمريكي تعني توسعة النموذج الأمريكي ليشمل العالم كله، بحيث يكون مترابطاً من خلال وسائل الاتصال الحديثة التي تنشر فكراً وثقافة معينة. ولا يخرج المعنى الفرنسي(Mondialisation ) عن المفهوم الأمريكي حيث تعني تعميم الشيء على مستوىً عالمي ونقله من المحدّد المراقب إلى البعيد عن الرقابة.
    العولمة والموسيقى

    تواجه الثقافة العربية بعامة، والموسيقى منها بخاصةً، تصادم تياراتٍ متصارعة في ما بينها، على الرغم من مستوى جديَّة الطروحات التنظيرية والتطبيقية منها وهو ما يسمى صراع الحضارات من النواحي الثقافية والفنية في بلادنا .

    ويمكن أن نطرح تساؤلات لنستوضح منها ماهية الموسيقى التي نريد عولمتها . هل نريدها موسيقى عربية معولمة؟ وهل نريد أن نبعد سمات هذه الموسيقى وخصوصيتها عن الموسيقى الغربية واستبدال الموسيقى العربية بالموسيقى الغربية بكلّ ما فيها من قوالب وسلالم وإيقاعات ، والتي يسميها البعض تغريب الموسيقى العربية ام نعمل على مزجها بالموسيقى الغربية والإفادة من الآلات الموسيقية الغربية وطابعها الغربي في موسيقانا من دون المساس بنكهة الموسيقى العربية.

    أمّا من حيث عولمة موسيقانا وانتشارها لتصل إلى العالمية، فلا احد ينكر فوائد العولمة كونها من أحدث وأسرع الوسائل التي تهدف إلى نشر الموسيقى بشكل واسع. بحيث تظهر نكهة وجمال الموسيقى العربية في باقي أرجاء العالم بعامة وأمام المجتمع الغربي بخاصةً. من هنا علينا الدعوة إلى دراسة الموسيقى العربية وفهمها وعدم العبث في أساسياتها من المقامات وانتقالاتها والإيقاعات والقوالب الموسيقية العربية كالسماعي والموشح والتحميله وغير ذلك من الصيغ والأشكال والقوالب المتوارثة ، والدعوة إلى التمسك بهذه القواعد وتهيئة حوافز للإبداعات انطلاقاً من جماليات الموسيقى العربية ومكنونها الثمين، ويتأتى ذلك من خلال المؤسّسات التعليمية المتخصّصة بتدريس الموسيقى، من خلال القيام بمتابعة هذه النتاجات الجديدة ونشر ما هو جميل منها عبر شبكة الاتصالات لتوسيع رقعة نشرها في كلّ مكان .

    وعلى الرغم من أنَّ بعض الموسيقى العربية والغنائية منها على وجه التحديد يمكن أن تكون فاقده لهويتها، لكنها بالتالي هي موسيقى لا تمتلك قدرات التعبير عن وجدان الإنسان العربي . إلا أنه بمقدورنا مع الإمكانات العلمية والفنية المتطورة ومع هذه التقنيات الحديثة مجاراة ومواكبة هذا العصر المعولم، إذا كانت وجهتنا التواصل والانتشار ومجاراة الزحف العولمي عن طريق نشر الثقافة الموسيقية وتوعية المجتمع لتميز الجيد من الرديء ، وإدراك ما يبث من هذه الأغاني وهذه الموسيقى التي أخذت تهتم بعرض الأجساد والرقص، لتكون عاملاً لنجاحها ورواجها وانتشارها إعلامياً وجماهيرياً. من هنا يجب السعي لتنمية الذوق العربي بما يليق بهذه الأمة ذات الحضارة العريقة من خلال جمع موروثها الموسيقي وبالتالي تربية الأجيال على حبها والتمسك بها والعمل على نشر الوعي الثقافي الموسيقي في مناهجنا التربوية، وفي مؤسّسات البثّ التلفزيوني، وذلك عن طريق عرض برامج خاصة تهدف إلى رفع مستوى الذوق الموسيقي عند المجتمع العربي، وذلك عن طريق إعداد أصحاب الاختصاص والإشراف عليها.

    وبما أنه تم ملاحظة هذه الظاهرة ظاهرة ( العولمة) من النواحي السياسية والاقتصادية وغيرها من جوانب الحياة وبينت الدراسات ما فيها من الإيجابيات والسلبيات ، فهل ينبغي لنا أن نجعل من العولمة ظاهرة ملزمة للتدارس في علاقتها بالموسيقى وعلى وجه الخصوص الموسيقى العربية؟.

    إنه علينا الاعتراف بحقيقة وجودها وبأنها ملزمة لنا نتيجة انتشارها، وبالتالي علينا مسايرة الموجات الوافدة على الثقافة العربية والموسيقى من بينها، وفي كلّ حقبة زمنية.

    إنَّ التطور الحاصل على الموسيقى العربية الآلية في القرن العشرين ، ارتبط بالتأثر الكامل بتراث الغرب، وبشكل من أشكال العولمة، فحقّق قبولاً محدداً عند بعض الشرائح التي قبلت الموسيقى الغربية، إلا أن هذا القبول لم يشمل عناصر المجتمع كافة .

    وبالتالي فإنه عند إمعان النظر بهذه النتائج نجد الانعكاسات إيجابية وليس عكس ذلك،لأننا كأبناء لهذه الأمة من المفترض أن ندرك هذه الألوان والأساليب الموسيقية المختلفة والإيقاعات في طريقة الأداء في إرجاء هذا الوطن كافة. وهذا يشكل أيضاً نوعاً من العولمة التي نحن بصددها.

    ومن الجدير بالذكر أنَّ عولمة الموسيقى أمر متلازمٌ مع التطور أو التقدم التكنولوجي ، حيث أدى ذلك إلى تنبُّه بعض المخترعين لأداء بعض النماذج الموسيقية تكنولوجياً ، وأصبح الآن بمقدور الفنان إذا كانت لدية موهبة الإبداع أو التأليف الموسيقي أن يترجم ما يجول في أفكاره من جملٍ أو عباراتٍ موسيقية بوسائط تقنية حديثة، من دون الحاجة إلى إعداد الفِرقْ وتشكيلها وتدريبها.

    ولم تعد التكنولوجيا تقف سداً أمام الموسيقي (صاحب الفكرة الموسيقية ) بل أصبحت من الضروريات التي يعتمد عليها إذ إنها لم تخذل مستخدميها إذا أجادوا التصرف أو الاستعمال.

    ولقد أسهمت التكنولوجيا في تطوير العازف والآلة الموسيقية والأداء الموسيقي، مما أفرز إنتاجات جديدة من الأعمال الموسيقية التي قد لا يتناسب بعضها مع أذواق جميع الأجيال. لقد أثارت العولمة والتقنيات الحديثة استفزاز نفوس العديد من الموسيقيين المحافظين على نمط موسيقي اعتادوا على سماعه لفتراتٍ طويلة مرّت بها مراحل التطور بغاية البطء.

    ومما لاشك فيه أننا نعتبر هذا العصر المتمَيّز بالسرعة جيلَ ثورة الاتصالات والإنترنت، جيلَ العولمة والبحث السريع عن المعلومات الدقيقة، التي أصبح الإنسان بواسطتها يتعرف إلى ما هو جديد في هذا العالم من دون أن ينتقل من مكان إلى آخر وذلك بفضل التقنيات العالية في عالم الاتصالات وتبادل المعلومات، كما أنه يستطيع الحصول على أحدث المعلومات والاكتشافات والتحليلات العلمية من أنحاء العالم كافة عن طريق الإنترنت،وهي وسيلة حديثة من وسائل المرجعية العلمية المتطورة في البحث بالإضافة إلى المراجع والكتب والمجلات المتخصّصة. ومن الضروري لنا مواكبة التطورات وملاحقتها، لأننا جزء لا يتجزأ من هذا الكوكب المرتبط بحضارته وثقافته، فدخول عالم البرمجيات لا يقف عند مرحلة أو حد معيّن يكتفي بها المتلقّي بل هناك المزيدٌ من الإضافات والتقنيات المتطورة من حين إلى آخر ولا بدّ من المتابعة والبحث عن كلّ ما هو جديد.

    ----يتبع
  • عبدالستارالنعيمي
    أديب وكاتب
    • 26-10-2013
    • 1212

    #2
    التراث كما يفهمه رواد الشعر الحر!!
    إن تحديد مفهومي التراث والحداثة أساس مفهوم الشعر الحديث أداة وطبيعة ووظيفة. وما الخروج عن البحر إلى التفعيلة ونبذ مقولة القاموس الشعري والثورة على القافية الموحدة والبحث عن مقاييس جديدة للشعر الحديث إلا ترجمة لمفهوم جديد للشعر من خلال فهم معين للتراث والحداثة أولاً، وفهم معين للعلاقة بينهما ثانياً. فما هو مفهوم التراث عند رواد الشعر العربي الحر؟ وما هو موقفهم منه؟ وما هو مفهوم الحداثة عندهم وما هو موقفهم منها وما علاقة التراث بالحداثة في تأسيس مفهوم جديد للشعر؟‏
    لم يحدد هؤلاء التراث تحديداً دقيقاً إذ بقي مفهوماً عاماً يعني عند بعضهم الماضي بثقافته وعاداته وتقاليده، وقد حصره بعضهم الآخر في التراث الأدبي. والماضي عند معظم رواد الشعر العربي الحر ليس شيئاً منفصلاً عن الحاضر والمستقبل. إنه يحيا الحياة الجديدة والإنسان المعاصر، ينمو بنموه ويتطور بتطوره. فهو ليس كتلة جامدة أو مجرد كتاب أو مخطوط أو أثر محدد، بل جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان ومن واقعه المعيش. والقديم لا يبقى جامداً بل يتطور عبر التاريخ والبيئات. من هنا نجد عبد الوهاب البياتي يقرر أن ((التراث هو ما كان ويكون وسيكون)). فهو يتحول باستمرار بفعل عوامل الولادة والموت ولا يبقى ثابتاً. إنه ((عجينة لدنة قابلة للتشكل والتعين ولكن ليس بشكل نهائي)). فالتراث عنده شيء يتطور ويتغير بتغير الحياة والإنسان والظروف المحيطة ويتأثر بذلك كله. وهو لا يتشكل خارجنا بل فينا وفي ما حولنا لأنه جزء منا ومن واقعنا. والتراث بهذا غير محدد في ثقافة أو عادات معينة أو منجزات حضارية بعينها إنما هو عام وكل متكامل لا ينفصل بعضه عن بعض. إنه كل ما يتركه الأول للآخر مادياً ومعنوياً. وهذه نظرة شاملة للتراث باعتباره الماضي المؤثر في الحاضر والمستقبل.‏
    وعبد الوهاب البياتي لا ينظر إلى التراث مجرداً بل يراه من خلال الواقع الاجتماعي. على أن الواقع عنده أوسع من حيث أنه يشمل القديم والجديد معاً. فهو ينتظم التراث والمعاصرة معاً في تفاعلهما المستمر. وهو يرى أن في التراث جوانب سلبية تعرقل حركة الواقع من جهة، ويقبل من الآخر (الأجنبي) ما يمكن أن يوجه الحاضر إلى آفاق أرحب وأعمق من جهة ثانية. فالانفتاح على الآخر يعطي المجتمع قدرة على البقاء والصمود من جهة، وطاقة على المشاركة في بناء مجتمع إنساني من جهة أخرى. وبهذا فالتراث عند البياتي عنصر مكون إلى جانب كل من الجديد والمستجلب لا يرفض التفاعل معهما لبناء مجتمع أفضل. والتاريخ العربي الإسلامي شاهد على التفاعل الحضاري بين الأجناس المختلفة.‏
    وإذا كان التراث عند البياتي مفهوماً عاماً يتصل بالحياة والمجتمع فإن أدونيس حاول أن يضع تحديداً للتراث غير أنه كان يناقض نفسه باستمرار. فالتراث يرد عنده مرة بمعنى الأصول أي الشعر الجاهلي والقرآن والحديث، ذلك أنه يعد كلاً من الشعر العباسي والفكر الفلسفي والفقه قراءة للتراث لا ترانا في ذاته. على أنه يناقض نفسه فيرى في موضع آخر أن التراث هو الأصول والفروع معاً أي الثابت والمتحول في كتابه الموسوم بهذا الاسم. وهو يرى التراث مرة ثالثة متعدداً وكثيراً، أي هو تراثات لا تراث واحد. لقد انتقل أدونيس من الواحد (الأصول) إلى ثنائية (الثابت والمتحول) وكأن بين الاثنين علاقة تضاد لا تفاعل أو تداخل أو اتصال. وكأن المتحول متحول دائماً ليس فيه عناصر ثبات والثابت ثابت أبداً ليس فيه عناصر تحول. وهذا ما استدركه لاحقاً عندما قال: ((ففي الثابت ما يكون متحولاً وفي المتحول ما يكون ثابتاً)). على أنه لم يبين نوع العلاقة المرجوة بينهما وكأنهما قطبان لا يلتقيان. ثم انتقل إلى التعدد فخلط بينه وبين التنوع من حيث كونهما مصطلحين مختلفين. ذلك أن كون طرفة غير امرئ القيس وزهير غير عنترة مثلاً لا يعني التعدد وإنما التنوع في إطار تراث واحد، فالتعدد لا يتحدد بتتبع الجزئيات ولكن يتحدد بأخذ الكليات كما يقرر طراد الكبيسي. وهكذا يبدو أن مفهوم التراث غامض عند أدونيس بسبب عدم الدقة في استعمال المصطلحات أولاً وبسبب اضطراب الرؤية من مرحلة إلى أخرى ثانياً.‏
    وقد يخرج أدونيس أحياناً عن تحديد التراث من حيث أنه معطيات معينة إلى تحديده من حيث تأثيره في واقع الحياة المعاصرة. فالتراث عنده ((ليس الكتب والمحفوظات والإنجازات التي نرثها عن الماضي وإنما هو القوى الحية التي تدفعنا باتجاه المستقبل)). فهو ليس مادة محددة خارج الإنسان وإنما هو متصل بروحه. وبهذا فالتراث عنده هو العناصر الحية التي تؤثر في الحاضر والمستقبل، أي المتحول لا الثابت. وهذا يعني أن نظرة أدونيس إلى التراث جزئية لأنه يهمل ما يزعم أنه ثابت لا يتحول ولا يؤثر. على أن التراث كل متكامل يتطور عبر مراحل التاريخ المختلفة كما رأينا من قبل ولا يبقى كما هو. وهذا ما انتهى إليه أدونيس نفسه في (كلام البدايات) حيث أصبح يقول: ((ليس التراث كتلة موجودة في فضاء اسمه الماضي وعلينا العودة إليه والارتباط به وإنما هو حياتنا نفسه ونمونا نفسه وقد تمثلناه ليكون حضورنا نفسه واندفاعنا نفسه نحو المجهول)). لقد أصبح عنده حياة الإنسان في نموه وتطوره، ولم يعد كتلة جامدة منفصلة عنه. إن التراث ((عملية تطور بطيئة أحياناً عاثرة عارمة أحياناً أخرى. إنه عملية خلق مستمرة، وما دام كذلك فهو في تطور دائم)) كما يرى أحمد سليمان الأحمد. وهكذا نلاحظ أن مفهوم التراث عند أدونيس قد تطور من مرحلة إلى أخرى. وهذا ما انتبه إليه أحمد عبد المعطي حجازي عندما ذهب إلى أن أدونيس قد طور بعض آرائه في التراث مشيراً إلى قوله في (زمن الشعر): ((التراث ليس مركزنا وليس دائرة تحيط بنا)) ثم قوله بعد: ((إن الشاعر العربي أياً كان كلامه وأسلوبه وأياً كان اتجاهه إنما هو تموج في التراث، أي جزء عضوي فيه)).‏
    وإذا كان أدونيس لم يستطع الوصول إلى معنى محدد للتراث فإن بعض رواد الشعر الحر لم يحاول تحديد التراث بعامة وإنما اتجه إلى عالم الأدب بخاصة. فالتراث المهم عند الشاعر هو التراث الأدبي بالدرجة الأولى. من هنا نجد صلاح عبد الصبور يحدد التراث عند الشاعر فيقول ((وقد تكون كلمة التراث سهلة المفهوم عند معلمي اللغة والأدب، فالتراث عندهم هو كل ما خطه الأقدمون وحفظته الصفحات المسودة، أما الشاعر فالتراث عنده هو ما يحبه من هذذا الذي خطه الأقدمون وحفظته الصفحات.التراث عنده هو ما يجد فيه غذاء روحه ونبع إلهامه وما يتأثر به من النماذج. فهو مطالب بالاختيار دائماً، مطالب بأن يجد له سلسلة من الآباء والأجداد في أسرة الشعر)). وعبد الصبور هنا يضيق التراث أكثر عندما يحصره في الشعر وكأن الشاعر لا تهمه المعارف الإنسانية الأخرى، بل إن التراث عنده يضيق ليشمل النماذج التي يتأثر بها الشاعر دون غيرها. وما ذهب إليه عبد الصبور ليس تحديداً لمفهوم التراث الأدبي بقدر ما هو محاولة لتحديد مؤثراته في الشاعر أو القاعدة التي ينطلق منها في عملية الإبداع.‏
    وإذا كان رواد الشعر العربي الحر لم يتفقوا على مفهوم محدد للتراث فقد اتفق أغلبهم على ربط الشعر بالتراث. فالحركة الشعرية الحديثة ليست امتدادا للتراث فلا حاضر دون ماض ولا مستقبل دون حاضر. فهي عند يوسف الخال ((حركة تطورية تنبع من داخل تراث الأدب العربي لا من خارجه، وهي حقيقة تفرضها اللغة العربية وثقافتها)). فالشاعر إنما يتعلم هذه اللغة التي يكتب بها ويشكلها مثلما تشكله لأنها مرتبطة بثقافة معينة. وتعد اللغة عند عبد المعطي حجازي سبباً أول لارتباط القصيدة الجديدة بالتراث العربي، أما السبب الثاني فهو فني يكمن في أن هذه القصيدة امتداد للحساسية الشعرية العربية. فكل قصيدة هي امتداد لقصائد سابقة، وكل شاعر هو امتداد لأجداده الشعراء. ((فالمتنبي مخبوء في شوقي وأبو تمام في عمر بن أبي ربيعة . كل شاعر إنما يقف على أكتاف شعراء قبله ليصبح أطول منهم كما يعبر صلاح عبد الصبور---!

    تعليق

    • عبدالستارالنعيمي
      أديب وكاتب
      • 26-10-2013
      • 1212

      #3
      لاحظنا آنفا مدى افتقار موروث التراث العربي عند زعماء شعر التفعيلة من خلال تعاريفهم للتراث او من خلال ادعاءااتهم الواهية للتجدد والتحرر من القيود وكأنهم طيور سجينة لا ملاذ لهم الا في التشبث بادب الغرب والغريب ان معظم الشعراء سلكوا ذلك المنحى دون التفاتة لادبنا وتراثنا العربي وهم يسبحون مع التيار كما زعم البعض متناسين ما يكمن فيه من مخاطر تهدد تراث امة عظيمة ؛بل الآغرب سلوك النقاد العرب الشاذ ازاء ذلك حيث لم نقرأ -الا القليل - لناقد عربي ومنذ بدأ الشعرالحر ينتقد ذلك سلبا ولا بد من الاستشهاد هنا بالآستاذ (علي صديقي) حيث يقول:

      تجاذبت أغلبَ مفكري النهضة العربية ونقادها نزعتان: نزعة التأثر المقرون بالإعجاب والانبهار بالغرب وحضارته وثقافته، ونزعة الإقرار بتخلف العرب. لذلك، دعا بعض رواد النهضة العربية الحديثة إلى محاكاة الغرب قصد تحقيق النهضة. ومن هاتين النزعتين، انبثق ذلك السؤال المعروف الفاسد: لماذا تقدم الغرب وتأخر الشرق؟ وهو فاسد لأنه ينطوي على إعجاب لا نظير له بما حققه الغرب من تقدم حضاري، وإقرار بتخلف حضارة «الأنا»، وهو إقرار لم يتم بناءً على مقاييس الذات ورؤاها وتصوراتها لمفهوم التقدم، وإنما باعتماد مقاييس الآخر وتصوراته. الأمر الذي يحصر غاية النهضة في اللحاق بالآخر «المتقدم»، وهذا اللحاق لا يمكن أن يتم، من وجهة النظر هاته، إلا بمحاكاة هذا الآخر، والأخذ بأسباب تقدمه وتحضره. وهذا ما جعل كثيراً من رواد النهضة العربية يتهافتون على الفكر الغربي ويدعون إليه. وبالمقابل، «يحتقرون» التراث النقدي العربي، إلا ما استجاب منه لمقاييس الفكر الغربي وانسجم معها. وهدف هذه الدراسة هو الكشف عن تحيز بعض أفراد تلك الحركة النقدية التي بدأت في التشكل مطلع القرن العشرين، وهي الحركة التي ينسب إليها، من قبل كثيرين، دور كبير في «تحديث» النقد العربي و «تجديده»، نتيجة «وعيها» بإشكالية المنهج في النقد العربي، بسبب اتصالها المباشر أو غير المباشر، بمناهج النقد الغربي، ولعل من أبرز روادها: عباس محمود العقاد (1889-1964)، وإبراهيم عبد القادر المازني (1890-1949)، وميخائيل نعيمة (1889-1988)، وطه حسين (1889-1973)، ومحمد مندور (1907-1965). وتمتد هذه الحركة إلى حدود منتصف العقد السادس من القرن الماضي، قبل أن نشهد، منتصف العقد السابع ومطلع العقد الثامن، ميلاد حركة نقدية جديدة يمكن تسميتها ب«المعاصرة»، حاولت الإفادة من المناهج النقدية الغربية الحديثة التي ظهرت نتيجة التطور الذي حصل في الدراسات اللسانية الغربية، وفي مقدمتها البنيوية. من هنا، فالفارق بين الحديث والمعاصر، في هذه الدراسة، فارق زمني فحسب، وليس فنيًّا.
      * أولاً: تحيُّز عباس محمود العقاد،
      وإبراهيم عبد القادر المازني، وميخائيل نعيمة


      1 - تحيز العقاد والمازني
      رغم أن البازعي يحمِّل أحمد ضيف مسؤولية التقابل بين التراث العربي القديم والفكر الغربي الحديث، لأنه بسبب كتاباته «ترسخت فكرة الارتباط، بل التماهي، بين مفهوم «الحديث» و«الأوروبي» أو «الغربي» في الثقافة العربية المعاصرة، ليغدو «النقد الحديث» مثل «الفكر الحديث» و«العلم الحديث» لا يحيل على شيء، سوى ما ينتجه الغرب من فكر ومناهج ومفاهيم» ، إلا أنه يمكن اعتبار كتاب «الديوان» للعقاد والمازني، الصادر عام 1921، أول محاولة بارزة في مسيرة النقد العربي الحديث؛ لأنه مع هذا الكتاب، تبدأ أولى محاولات التمرد على التراث النقدي العربي وإعلان القطيعة معه، والتحيز الكلي إلى الحضارة الغربية وتراثها. ولذلك تمثل هذه المحاولة «بداية أول قطيعة حادة مع التراث بوجه عام، ومن ثم، بداية تعويل الناقد العربي (الحديث) على أصول نقدية، ليست من صنعه، ولا من تراثه، بل من صنع الغرب (المتقدم) الذي أصبح اللحاق به منذ ذلك الوقت حلًّا لأزمة التخلف» .
      وهذا ما يتضح من خلال الهدف الذي يحدده العقاد والمازني لدراستهما، وهو «إقامة حد بين عهدين لم يبق ما يسوغ اتصالهما والاختلاط بينهما» ، الأمر الذي قادهما إلى رفض النموذج العربي القديم والحديث معاً، في الأدب والنقد، والدعوة إلى مذهب جديد، وهذا المذهب الجديد ليس إلَّا المذهب الغربي الذي يعبر العقاد والمازني عن انبهارهما به. يقول العقاد، في سياق حديثه عن الآداب الغربية: «إن المرء ليزهى بآدميته حين يُلقي بنفسه في غمار الآداب الغربية، وتجيش أعماق ضميره بتدافع تياراتها وتعارض مذاهبها ومتجهاتها وتجاوب أصدائها وأصواتها..». وبالمقابل، يزدري أحمد شوقي وأتباعه من أنصار المذهب القديم، ويرفض اعتبارهم قدوة الأمة وقوادها، لأن أدب هؤلاء وعالمهم، لا يشبه أدب أولئك وعالمهم، أدب الأدباء الغربيين، «معلمي الإنسانية» و «قدوتها»، فهم مجرد «صعاليك فكريين»، و«أميين عارفين بالكتابة»، و«جهلة متدثرين بلباس المعرفة»... ولذلك، فمن «الجناية على مصر والشين لها أن يُسمى هؤلاء النفر بعد اليوم أدباءها وتراجمة حياة الروح والفكر فيها» .
      وبرغم استعانة العقاد والمازني بكثير من المناهج التقليدية التي أعلنا القطيعة معها والثورة عليها، مما حال دون تحقق «القطيعة الإبستمولوجية والفلسفية بين النقد الوجداني والنقد التقليدي»، فإن هذه الاستعانة لا تلغي المسؤولية التاريخية لكتابهما في التمرد على الماضي الأهلي، والدعوة إلى الحاضر الأجنبي، بل وإلى ماضيه أيضاً؛ لأن هذه المحاولة «التوفيقية» بين معطيات النقد الغربي الحديث ومعطيات النقد العربي القديم، لا يمكن تفسيرها على أنها محاولة واعية من جانب الناقدين بتوظيف ما أعلنا التمرد عليه، بل هي تندرج في إطار ذلك «التناقض» الذي هو «خاصية المرحلة الأولى من مراحل نقدنا الحديث» .
      2- تحيز نعيمة
      أما المحاولة البارزة الثانية، فهي كتاب «الغربال» لميخائيل نعيمة، الذي صدر عام 1923. فمع هذه الدراسة لم يعد الهدف هو إقامة الحد بين الماضي والحاضر فحسب، بل تجاوزه إلى تصفية الحساب مع هذا الماضي.
      لقد كان ميخائيل نعيمة أكثر جرأة من سابقيه في احتقار التراث العربي وأعلامه، وإعلان القطيعة التامة معه؛ فهو يؤكد أن العقل العربي لم يقدم أي شيء للإنسانية، لم يقدم أدباً ولا فنًّا ولا فكراً ولا قائداً من قواد الإنسانية في أي مجال من مجالات الحياة، فهو عقل «جامد»، و«متخلف»، و«فقير». أما امرؤ القيس، والنابغة، وعنترة، والمتنبي، وابن رشد، وابن سينا، وغيرهم من القدماء والمحدثين، فإن «غثهم أكثر من سمينهم». ويتابع نعيمة قائلاً: «... وعلى كل لا أظنكم ظالمين إلى حد أن ترفعوا أحداً منهم إلى مصاف هوميروس وفرجيل ودانت وشكسبير وملتون... أولئك عاشوا وماتوا ليتغزلوا بظباء الفلاة ولمعان المشرفيات ووقع سنابك الخيل وسفك الدماء ومشي الإبل وأطلال المنازل ونار القرى ... إلخ» .
      ومقابل هذا الازدراء للتراث العربي وأعلامه، يبدي نعيمة انبهاره بتراث الغرب وأعلامه؛ فهؤلاء «اختارتهم السماء أصفياءها وأسكنتهم الأولمب ولمست شفاههم بجمرة الحق... هؤلاء شموع موقدة، في دياجير العالم لتهدي العالم إلى النور... هؤلاء معلمو الإنسانية وقوادها دعوهم في أعاليهم فنحن قاصرون عن إدراكهم..» .
      اتسائل هنا هل كان هؤلاء النقاد - العقاد والمازني ونعيمة - حقا من العرب !!!فان كان الجواب ايجابا هذا يعني تواطأهم المبين مع الغرب بكل اشكاله ,وكفرهم بمقدسات العرب الاسلامية اذ يطعن نعيمة حتى بالقائد العربي !!!


      --يتبع
      التعديل الأخير تم بواسطة عبدالستارالنعيمي; الساعة 08-11-2013, 12:50.

      تعليق

      • عبدالستارالنعيمي
        أديب وكاتب
        • 26-10-2013
        • 1212

        #4
        * ثانياً: تحيز طه حسين
        يمكن اعتبار كتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي»، الصادر عام 1926، أخطر دراسة نقدية وتاريخية في تاريخ النقد العربي الحديث؛ لأنها ستمنح الشرعية لما سبقها من دراسات نقدية، من جهة. وستؤسس لنموذج جديد لما سيأتي بعدها من محاولات في تأريخ الأدب العربي ونقده، من جهة أخرى.
        يستهل طه حسين دراسته بقوله: «هذا نحو من البحث عن تاريخ الشعر العربي جديد، لم يألفه الناس عندنا من قبل. وأكاد أثق بأن فريقاً منهم سيلقونه ساخطين عليه، وبأن فريقاً آخر، سيزورون عنه ازوراراً، ولكني على سخط أولئك وازورار هؤلاء أريد أن أذيع هذا البحث» . ويضيف، مؤكداً اقتناعه بنتائج بحثه الجديد في الشعر الجاهلي: «ولقد اقتنعت بنتائج هذا البحث اقتناعاً ما أعرف أني شعرت بمثله في تلك المواقف المختلفة التي وقفتها من تاريخ الأدب العربي» . وبسبب هذا الاقتناع، فإنه يصر على تقييد هذا البحث ونشره، وتقديمه إلى تلك الفئة القليلة من «المستنيرين»، الذين هم «عدة المستقبل، وقوام النهضة الحديثة، وذخر الأدب الجديد» .
        ويؤكد بوثوقية تامة، رغم ادعائه اصطناع مذهب الشك الديكارتي، والتزامه بمعايير البحث العلمي «الصحيح»، أننا تجاه الأدب العربي وتاريخه بين أمرين اثنين لا ثالث لهما؛ فإما أن نقبل بما قاله القدماء في حق هذا الأدب، وإما أن نضع هذا الأدب وعلم المتقدمين كله موضع شك. يقول: «نحن بين اثنين: إما أن نقبل في الأدب وتاريخه ما قال القدماء... وإما أن نضع علم المتقدمين كله موضع البحث. لقد أنسيت، فلست أريد أن أقول البحث وإنما أريد أن أقول الشك» .
        وتبعاً لتقسيمه الأدب إلى قديم وجديد، يقسم أنصاره إلى قدماء ومحدثين، ويرى أن الطريق أمام أنصار القديم واضحة، والأمر عليهم سهل، فمذهبهم في الأدب هو مذهب الفقهاء في الفقه بعد إغلاق باب الاجتهاد. وأهم ما يتميز به هذا المذهب هو الاطمئنان إلى ما قاله القدماء في حق الأدب العربي وتاريخه. أما أنصار الجديد، فالطريق أمامهم، في نظره، معوجة ملتوية، ذلك أنهم لا يؤمنون بشيء، ولا يطمئنون إلى رأي، ويجدون في الشك لذة، وفي الاضطراب رضا، وهم لا يريدون أن يخطوا في الأدب خطوة حتى يتبينوا موضعها، «وهم لا يطمئنون إلى ما قال القدماء، وإنما يلقونه بالتحفظ والشك» . أما نتائج هذا المذهب الجديد، فهي «عظيمة جليلة الخطر، فهي إلى الثورة أقرب منها إلى أي شيء آخر» .
        ولا يتوقف طه حسين، في توضيحه لنتائج هذا المذهب، عند حدود ادعاء إحداث ثورة في الأدب وتاريخه، بل يتوقع من هذا المذهب «تغيير التاريخ» نفسه، و«الشك في المحظور». يقول: «وليس حظ هذا المذهب منتهياً عند هذا الحد، بل هو يتجاوزه إلى حدود أخرى أبعد منه مدى وأعظم أثراً. فهم قد ينتهون إلى تغيير التاريخ أو ما اتفق الناس على أنه تاريخ. وهم قد ينتهون إلى الشك في أشياء لم يكن يباح الشك فيها» .
        وإذا كان الشك مبدأ أنصار الجديد، فإن طه حسين ينطلق منه ليشك في أولى مراحل الشعر العربي؛ فشك في الشعر الجاهلي، أو ألحَّ عليه الشك كما يقول، لأن هذا الشعر لا يمثل حياة الجاهليين. أما تلك الأشعار التي تنسب إلى الجاهليين ف«ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منتحلة مختلقة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين» . ويذهب إلى «أن ما بقي من الشعر الجاهلي الصحيح قليل جدًّا لا يمثل شيئاً ولا يدل على شيء، ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي» . أما الذي يصور هذا العصر تصويراً صحيحاً وواضحاً، ويمكن الوثوق به والاعتماد عليه، فهو «القرآن من ناحية، والتاريخ والأساطير من ناحية أخرى» .
        وبعد توضيح مذهبه الجديد، وعرض مبادئه التي يعد الشك أهمها، ينتقل إلى توضيح منهجه في البحث. يقول طه حسين: «أريد أن أصطنع في الأدب هذا المنهج الفلسفي الذي استحدثه (ديكارت) للبحث عن حقائق الأشياء في أول هذا العصر الحديث» . ويمضي موضحاً المبدأ الأول والأساس في هذا المنهج، وهو مبدأ التجرد من كل الأحكام السابقة، والشك في كل الآراء الموجودة؛ إذ يجب على الباحث أن يتجرد «من كل شيء كان يعلمه من قبل، وأن يستقبل موضوع بحثه خالي الذهن مما قيل فيه خلوًّا تامًّا» .
        وعملاً بهذا المبدأ الديكارتي، يدعونا، عند البحث في الأدب العربي وتاريخه، إلى التجرد من كل شيء قد يؤثر علينا فنتسرع أو نتحيز في أحكامنا، فيجب أن «ننسى قوميتنا وكل مشخصاتها، وأن ننسى ديننا وكل ما يتصل به، وأن ننسى ما يضاد هذه القومية وما يضاد هذا الدين، يجب ألَّا نتقيد بشيء ولا نذعن لشيء إلا مناهج البحث العلمي الصحيح» .
        ويرى أن إخلاص المسلمين القدماء في حبهم للإسلام، وتأثرهم به في مباحثهم العلمية قد أفسد علمهم، ولو أنهم استطاعوا أن يتجردوا من عواطفهم وأهوائهم، «وأن يفرقوا بين عقولهم وقلوبهم وأن يتناولوا العلم على نحو ما يتناوله المحدثون لا يتأثرون في ذلك بقومية ولا عصبية ولا دين ولا ما يتصل بهذا كله من الأهواء، لتركوا لنا أدباً غير الأدب الذي نجده بين أيدينا، ولأراحونا من هذا العناء الذي نتكلفه الآن... وأنت تستطيع أن تقول هذا الذي نقوله في كل شيء. فلو أن الفلاسفة ذهبوا في الفلسفة مذهب (ديكارت) منذ العصور الأولى، لما احتاج (ديكارت) إلى أن يستحدث منهجه الجديد» .
        وانطلاقاً من هذه الفوائد «الجليلة» لمنهج ديكارت، الذي «جدد» فلسفة العصر الحديث وعلمه وفنه وأدبه، حتى صار «الطابع الذي يمتاز به هذا العصر» ، لا يترك طه حسين أمامنا أي خيار سوى خيار التأثر بهذا المنهج، «سواء رضينا أو كرهنا». وهل هناك من مسوغ للتأثر بهذا المنهج في دراساتنا العلمية والأدبية أكثر من تأثر أهل الغرب به من قبلنا؟ لا خيار أمامنا، إذاً، إلَّا اصطناع هذا المنهج «في نقد آدابنا وتاريخنا كما اصطنعه أهل الغرب في نقد آدابهم وتاريخهم» .
        ويسارع إلى رد أي اعتراض قد يرد عليه بدعوى عدم مراعاة خصوصية الأدبين الغربي والعربي، نافياً كل خصوصية أو تميّز للعقلية العربية عن نظيرتها الغربية، ومؤكداً تقارب العقليتين، بل ونزوعهما نحو الاتحاد، إن «عقليتنا نفسها -يؤكد طه حسين- قد أخذت منذ عشرات من السنين تتغير وتصبح غربية، أو قل أقرب إلى الغربية منها إلى الشرقية، وهي كلما مضى عليها الزمن جدت في التغيير وأسرعت في الاتصال بأهل الغرب» .
        وإذا كان أنصار القديم في مصر ما زالوا يعيقون هذا التقارب بين العقليتين، بسبب عدم اصطباغ عقليتهم بهذه الصبغة الغربية، فإن انتشار العلم الغربي وتعميمه، «سيقضي غداً أو بعد غد بأن يصبح عقلنا غربيًّا، وبأن ندرس آداب العرب وتاريخهم متأثرين بمنهج (ديكارت) كما فعل أهل الغرب في درس آدابهم وآداب اليونان والرومان» .
        ويختم حديثه عن مبادئ منهجه في البحث وفوائده بقوله: «فالمستقبل لمنهج (ديكارت) لا لمناهج القدماء»! .
        وإذا كان طه حسين قد قسم الأدب والنقد العربيين إلى قديم وجديد، والأدباء العرب إلى قدماء ومحدثين، فإن هذا التقسيم لا ينطبق على الآداب الأوروبية وأعلامها، فصفة القديم يبدو أنها لازمة لما هو عربي فقط، أما ما هو يوناني أو غربي حديث فهو «إنساني» و«خالد»، ولا يمكن أن يكون قديماً. وهذا ما يؤكده في سياق رده على أولئك الذين يتغنون بالجديد فقط لأنه جديد، ويرفضون القديم فقط لأنه قديم: «.. قل لهم: إن فلسفة اليونان وآدابهم وفنونهم ليست قديمة ولا يمكن أن تكون قديمة، وإنما هي أشياء أراد الله لها أن تحتفظ بقوتها ونضرتها وشبابها ما بقي من الدهر وما كان للإنسان عقل وشعور» .
        ولذلك، فهو لا يضع علوم المتقدمين الغربيين موضع الشك كما يفعل مع الأدب العربي، ويكفي أن نلقي نظرة على ما يقوله في حق أرسطو وفلسفته، وفي حق أدب اليونان وفنه، بل وفي أعلام الأدب والفكر الغربي الحديث، لنقف على مقدار تحيزه للحضارة الغربية. يقول عن أرسطو، في سياق إشادته بترجمة لطفي السيد لكتاب «الأخلاق» لأرسطو: «أريد أن أعلم إلى أي مؤلف أو إلى أي عالم أو إلى أي فيلسوف نستطيع أن نقرن أرسطا طاليس! أما أنا فلست أعرف له نظيراً منذ ظهرت الفلسفة الإنسانية، وما أعتقد أن أحداً غيري يستطيع أن يجد له نظيراً. ومهما يكن من شيء فأرسطا طاليس هو المعلم الأول حقًّا كما سماه العرب، وهو أبو الفلاسفة حقًّا، وهو زعيم الفلاسفة حقًّا وأبقاهم سلطاناً وأرفعهم مكاناً وأشدهم ثباتاً للدهر وقوةً على الأيام» .
        ويضيف، في نبرة تكشف بوضوح عن انبهاره بالحضارة الغربية ومصادرها اليونانية، انبهاراً أعماه عن رؤية نقائصها وإدراك تحيزاتها، وجعله يصف كل ما أنتجه الغرب ب«الكوني» و«الإنساني» و«الخالد»، قائلاً: «كانت تلك المذاهب في المنطق والأخلاق والسياسة والبيان مذاهب شخصية تضاف إلى أصحابها وتطبع بطابعهم. فلما جاء أرسطا طاليس أصبحت هذه العلوم علوماً إنسانية لا فردية ولا مذهبية، وأصبحت تمتاز بشيئين متناقضين، فهي شخصية من جهة، ولا شخصية من جهة أخرى: شخصية لأن شخص أرسطا طاليس أقوى وأظهر من أن يخفى... وهي في الوقت نفسه لا شخصية، لأن أرسطا طاليس لم يكن يريد أن يسلك في الفلسفة مسلك الذين تقدموه، وإنما كان يريد أن ينظم جهود العقل الإنساني ونتائج هذه الجهود، وأن يرسم لهذا العقل سبيله إلى الرقي العلمي والأدبي، وقد وفق أرسطا طاليس فأصبحت فلسفته فلسفة الإنسانية» .
        ويواصل تمجيده لأرسطو، وبيان آثاره على الإنسانية، وتأكيد كونية فلسفته الخالدة التي لا تنالها يد الاندثار، ولا تخضع لمنطق التاريخ، لأنها متجاوزة له، ومتعالية عليه وعلى أي خصوصية حضارية أو تحيز معرفي، إلى أن يصل إلى الحديث عن فضله في النهضة العربية الأولى، وفي النهضة الأوروبية الحديثة، ليخلص إلى القول بأن «كل شيء من آثار أرسطا طاليس غريب؛ فإنك لا تسلك مذهباً من مذاهبه الفلسفية إلا أحسست فيه شيئين: الأول أن هذا المذهب ملائم للعصر الذي نشأ فيه، والثاني أنه ملائم للعصور الإنسانية على اختلافها» . ويدعم رأيه بشهادة بعض الفرنسيين الذين يرون أن فلسفة أرسطو تشكل أساساً لكل حضارة جديدة يمكن أن تقوم، إلى أن يقول: «وفي الحق أن اليونان والرومان عاشوا في العصر القديم على فلسفة أرسطا طاليس وأن الشرق والغرب عاشا في القرون الوسطى على فلسفة أرسطا طاليس، وأن أوروبا الحديثة تعيش الآن وستعيش غداً على فلسفة أرسطا طاليس» .
        غير أنه إذا أمكننا تجاوز تناقض طه حسين مع نفسه بين ما يقوله هنا في حق أرسطو، وبين ما قرره في حق منهج ديكارت حين رأى أن هذا المنهج قد جدد العلم والفلسفة تجديداً، فإنه لا يمكن تجاوز ما تنطوي عليه هذه الآراء من مغالطات تاريخية يدركها كل من لديه أدنى اطلاع على أسس النهضتين العربية الأولى والأوروبية الحديثة. ذلك أن فلسفة أرسطو، لم تكن، في أي يوم من الأيام، من مواجهات النهضة العربية الأولى، بل كانت على العكس من ذلك تماماً، من أكبر عوائقها التي ساهمت في تعثرها. وهذا ما يؤكده ابن تيمية حين يقرر أن الأمة الإسلامية في القرون الثلاثة الأولى، كانت أعلم الأمم في العلوم والمعارف، ولكن بعد ترجمة كتب أرسطو صار الاختلاف والجهل أهم سماتها. يقول ابن تيمية: «فإن القرون الثلاثة من هذه الأمة -الذين كانوا أعلم بني آدم علوماً ومعارف- لم يكن تكلف هذه الحدود من عادتهم، فإنهم لم يبتدعوها، ولم تكن الكتب الأعجمية الرومية عُرِّبت لهم. وإنما حدثت بعدهم من مبتدعة المتكلمين والفلاسفة ومن حين حدثت صار بينهم من الاختلاف والجهل ما لا يعلمه إلا الله» .
        ويعبر أبو يعرب المرزوقي عن الرأي نفسه حين يربط تعثر النهضة العربية الأولى بالفلسفة الأرسطية، لأن هذه النهضة «لم تقدر فعل التفلسف حق قدره»، فحصرت إياه «في مجرد استيراد النظريات الحاصلة بدلاً من تعلم فعل التنظير، وقد حصل أمر عجب جعل معارضي الفلسفة أكثر فهماً لها بصفتها فعل تنظير من الذين تبنوها» .
        أما النهضة الغربية الحديثة، فلا جدال في أنها قد قامت أساساً على التخلص من فلسفة أرسطو وشروحها.
        فكيف يسمح طه حسين لنفسه بالوقوع في التناقض من جهة، وتجاوز الحقائق التاريخية من جهة أخرى، ليحتفي بترجمة كتاب من كتب أرسطو، ويدعي بعد ذلك تجرده من كل الأهواء والعواطف، والتزامه بمناهج البحث العلمي الصحيح؟ ثم نتساءل: ما هي مناهج البحث العلمي الصحيح هذه؟
        إن القارئ لكتب طه حسين النقدية سيكتشف، منذ الوهلة الأولى، أن هذه المناهج ليست إلا تلك المناهج الغربية التي تلقاها عن المستشرقين، أساتذته في الجامعات المصرية والغربية، والتي يدعونا إلى استيرادها وتوظيفها دون أدنى مساءلة أو نقد، ودون أدنى فحص لمدى ملاءمتها لطبيعة موضوعه، بل ودون أن يكلف نفسه أدنى عناء لتقريبها إلى القارئ العربي، بشرح عناصرها وبسطها، وكشف خلفياتها التاريخية والمعرفية، حتى يكون هذا القارئ على بينة من أمره في قبول هذه المناهج أو رفضها.

        تعليق

        • عبدالستارالنعيمي
          أديب وكاتب
          • 26-10-2013
          • 1212

          #5
          ان النظرة الدونية للنفس تمثلت ب(عميد الادب العربي) كما وصفه الغرب -طه حسين- الذي نفى الوجود الادبي في تأريخ العرب وانكر عليهم قول الشعر والخطابة في العصر الجاهلي وهو العصر الذهبي للشعر والنثر مشيحا بذلك وجهه عن العرب ومسلما فكره المخذول للآدب الغربي بكل اشكاله حتى في قرون بالغة في القدم
          وجزا الله الدكتور ابراهيم عوض خيرا حين يبين لنا انكار طه حسين للنثر والشعر الجاهليين فيقول:
          على كل حال، فطه حسين إنما يسير في إنكاره للنثر الجاهلي على ذات الدَّرب المُتخبِّط الأهوج الذي سار عليه في نفْيه للشعر الجاهلي كله تقريبًا، مشايعًا المحترق مرجليوث في خَرَقه وضلاله، وعَمى منطقه وبصيرته!
          وفوق ذلك، فمن الصعب على العرب - كما يلاحظ بحق عبدالله عبدالجبار، ود. محمد عبدالمنعم خفاجي - أن يرتقوا فجأةً في ميدان الخطابة هذا الارتقاء الذي يُقِر هو به بعد الإسلام، لو كانوا لا يعرفون الخطابة في الجاهلية، أو كانت خطابتهم على الأقل من التفاهة وعدم الغناء بالموضع الذي يَزعم طه حسين، وانظر في ذلك كتابهما: "قصة الأدب في الحجاز في العصر الجاهلي"، كذلك "قَفَشه" د. محمد عبدالعزيز الموافي في كتابه: "قراءة في الأدب الجاهلي" قفشةً بارعةً بحقٍّ، حين لفت الانتباه إلى أن طه حسين عندما أنكر وجود الخطابة الجاهلية، إنما كان اعتماده في ذلك الإنكار على خُلو العصر الجاهلي من الحضارة والحياة المدنية الراقية، مع أنه سبَق أن أقام إنكاره لصحة الشعر الجاهلي على القول بأن ذلك الشعر لا يمثِّل الحياة العقلية الراقية لدى الجاهليين، ونُضيف نحن أنه - رغم نفْيه هنا وجود أي نشاط ديني عملي للجاهلين - كان قد أقام إنكاره للشعر الجاهلي على عدة أُسس، من بينها أن هذا الشعر لا يعكس حياتهم الدينية، فأي حياة دينية يعكسها إذا لم تكن لهم حياة دينية عملية أصلاً كما يقول هو بعظمة لسانه؟
          أي: إنه يقول بالشيء ونقيضه؛ لتقرير ما يريد تقريره، دون مُبالاة باعتبارات المنطق أو حقائق التاريخ، مع الاستعانة بالسَّفسطة التي لا تُحِق حقًّا، ولا تُبطل باطلاً!
          ولقد فات د. طه أن هناك نصوصًا شعرية جاهلية، تَذكر الخطابة والخطباء في ذلك العصر، وهو دليل آخر على وجود الخطابة والخطباء أوانئذ، ومن هذه الأشعار قول ربيعة بن مقروم الضبي:
          ومتى تَقُم عند اجتماع عشيرةٍ
          خُطَباؤنا بين العَشيرة يُفْصَلِ


          وقول أبي زبيد الطائي:
          وخطيبٌ إذا تَمعَّرت الأَوْ
          جُه يومًا في مَأْقِطٍ مَشهودِ


          وقول بلعاء بن قيس الكناني:
          ألاَ أبْلِغْ سُراقةَ يا ابْنَ مالٍ
          فبِئْس مَقالةُ الرجل الخطيبِ


          وقول أوس بن حجر:
          أم مَن يكون خطيبَ القوم إذ حفَلوا
          لدى الملوك ذَوِي أيدٍ وإفْضالِ؟



          وقول عامر المحاربي:
          يَقوم فلا يَعيا الكلام خطيبُنا
          إذا الكَرْبُ أنسى الجِبْسَ أن يتكلَّما



          وقول زبَّان بن سيار الفزاري:

          كلُّ خطيبٍ منهم مَؤْوفُ



          ومعروف أن كلَّ وفد من الوفود القبلية التي قدِمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة في العام التاسع للهجرة، كان يضم بين أفراده خطباءَ يتكلمون باسم الوفد، ويتبادلون الخطابة مع الرسول - عليه السلام - ومن حوله من الصحابة، وهذا أيضًا من الأدلة التي لا يمكن نقْضها مهما سَفْسَط الدكتور طه، وقد تعرَّض لذلك د. جواد علي في المجلد الرابع من كتابه: "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، (في الفصل الخاص ب"النثر"، تحت عنوان "الخطابة")، إذ قال: "والخطابة عند الجاهليين حقيقة لا يستطيع أحد أن يجادل في وجودها؛ ودليل ذلك خطب الوفود التي وفَدت على الرسول، وهي لا تختلف في أسلوب صياغتها وطريقة إلقائها عن أسلوب الجاهليين في الصياغة، وفي طرق الإلقاء، ثم إن خُطب الرسول في الوفود وفي الناس وأجوبته للخطباء، هي دليل أيضًا على وجود الخطابة بهذا الأسلوب وبهذه الطريقة عند الجاهليين"، وإن كان من رأيه أن هناك خُطبًا جاهليةً منحولة، وأن نصوص الخطب الصحيحة، لم تصل إلينا كما قيلت، بل دخَلها التغيير بفعْل الزمن وضَعْف الذاكرة البشرية، وبخاصة أن الخُطب ليست كالشعر؛ أي: ليس فيها وزن وقافية يُساعدان على حفظها.
          وعلى عكس ما يَهرِف به طه حسين هنا على النحو الذي كان معروفًا عنه عند عودته من أوربا، مُتصورًا أنه قد حاز العلم كله، وأن القول ما قال المستشرقون، الذين كان يردِّد كلام من يشككون منهم في تاريخ العرب وأمجادهم بعُجره وبُجره، دون أن يتريَّث لحظةً واحدةً؛ للتثبت مما يقوله هذا الصِّنف الموتور منهم، على عكس ذلك يؤكد أحمد حسن الزيات في كتابه: "تاريخ الأدب العربي" أن العرب - بنفوسهم الحسَّاسة، ونزوعهم إلى الحرية والاستقلال، ومَيلهم إلى الفخار، وما كانوا يتَّسِمون به من غَيرة ومسارعة للنجدة، وبلاغة في القول، وذَلاقة في اللسان، وما عرَفوه من الوفود والسفارات - كانوا مُهَيَّئِين للتفوق في ميدان الخطابة، مبينًا أن خُطبهم كانت تتَّسم بالقِصَر والسجع؛ حتى تَعلَق بالذهن عُلوقًا سهلاً، وبالمثل يقرِّر د. علي الجندي في كتابه: "في تاريخ الأدب الجاهلي" أنه قد "ثبت أن (العرب) كانوا يخطبون في مناسبات شتَّى، فبالخطابة كانوا يُحرِّضون على القتال؛ استثارةً للهِمم، وشَحذًا للعزائم، وبها كانوا يحثون على شنِّ الغارات؛ حبًّا للغنيمة، أو بثًّا للحميَّة؛ رَغبةً في الأخْذ بالثأر، وبالخطابة كانوا يدعون للسِّلم؛ حَقنًا للدماء، ومحافظةً على أواصر القربى أو المودة والصِّلة، ويحببون في الخير والتصافي والتآخي، ويبغضون في الشر والتباغض والتنابُذ، وبالخطابة كانوا يقومون بواجب الصلح بين المتنافرين أو المتنازعين، ويؤدون مهام السفارات؛ جَلبًا لمنفعة، أو درءًا لبلاء، أو تهنئةً بنعمة، أو تَعزية أو مُواساةً في مصيبة، فوق ما كانت الخطابة تؤديه في المصاهرات، فتُلقى الخُطب؛ رَبطًا لأواصر الصلة بين العشائر، وتَحبيب المتصاهرين بعضهم في بعض"، وعلى هذا الرأي أيضًا نجد د. أحمد الحوفي، الذي يسارع في كتابه: "فن الخطابة" إلى الاستدراك بأن العرب - بخلاف ما كان الحال عليه لدى الرومان واليونان - لم يكونوا يعدون خُطبهم قبل إلقائها، بل كانوا يعتمدون على الارتجال والبديهة، ومن هنا جاءت خُطبهم لُمَعًا بارقةً، دون تفصيل أو تخطيطٍ، أما السباعي بيومي في كتابه عن الأدب العربي في العصر الجاهلي، فيرى أن خطباء العرب كانوا يَحفلون بخُطبهم أيَّما حفولٍ، "فيتخيَّرون لها من المعاني أشرفها، ومن الألفاظ أفصحها؛ لتكون أشد وَقْعًا على النفوس، وأبعد تأثيرًا في القلوب، وأيقَظ للهِمم، وأحَثَّ على العمل"، ومن قبلُ سرَد ابن وهب في كتابه: "البرهان في وجوه البيان"، الموضوعات التي كانت تدور عليها الخطب آنذاك قائلاً: إن "الخطب تستعمل في إصلاح ذات البين، وإطفاء نائرة الحرب - أي: نارها وشرها - وحَمَالة الدماء، والتسديد للملك، والتأكيد للعهد، وفي عقد الإملاك - أي: الزواج - وفي الدعاء إلى الله - عز وجل - وفي الإشادة بالمناقب (الأعمال الجليلة)، ولكل ما أريد ذِكره ونشْره، وشهرته بين الناس".

          تعليق

          • عبدالستارالنعيمي
            أديب وكاتب
            • 26-10-2013
            • 1212

            #6
            قلنا في اول المقال ان دس الافكار الغربية بين صفوف الشعراء الشباب آنذاك واغرائهم بالأموال والشهرة كان لتنفيذ ما رسموا له دهاقنة الغرب والدليل هو انتماء قادة شعراء الحر للحركات والاحزاب الغربية او الشرقية والتي يتحكم بها اليهود في العالم كالماسونية والشيوعية وغيرها كثير
            لننظر الآن الى نماذج من شعرهم وما فيه من انكار لمبادئ الإسلام وتخديش للدين فشوّهوا لغة الأدب – وهي وعاؤه وقرينه – بما سمّوه الشعر الحرّ ، وأكثره أقرب إلى نقيق الضفادع وبغام الدوابّ ، ليس فيه سبك العربية ولا رونقها ، أمّا محتواه فهو موضوعنا:
            1-نزار قباني:يقول مخاطبا عبد الناصر بعد وفاته:

            قتلناك يا آخر الأنبياء

            قتلناك،ليس جديدا علينا قتل الصحابة والأولياء .

            ويقول في الديوان نفسه " لا " : من بعد موت الله مشنوقا على باب المدينة لم يبق للصلاة قيمة،لم يبق للكفر أو الإيمان قيمة.

            ويقول في ديوان " الرسم بالكلمات " :

            أنا أرفض الإحسان من يد خالقي

            قد يأخذ شكلا مفجعا .

            ويقول في ديوان 100رسالة حب:

            حين وزّع الله النساء على الرجال..وأعطاني إياك،،شعرت أنّه انحاز بصورة مكشوفة إلي وخالف كل الكتب السماوية التي ألّفها.

            وختم بهذا الكفر البواح من الديوان نفسه بقوله :

            لأنني أحبّك،يحدث شيء غير عادي في تقاليد السماء،يصبح الملائكة أحرارا في ممارسة الحبّ،ويتزوج الله حبيبته.
            2-محمود درويش:

            هل نستطيع الموت في ميلادنا الكحلي؟

            أم نحتلّ مئذنة ونعلن في القبائل أن يثرب أجرت قرآنها ليهود خيبر

            الله أكبر

            هذه آياتنا فاقرأ باسم الفدائي الذي خلقا

            من حرمة أفقا

            3-صلاح عبد الصبور: وهو رجل جمع في شعره من الضلال ألوانا فيتغنىّ بالعبث والوجودية وتأليه الإنسان في تقليد غبيّ للفكر الغربي الوافد ، يقول مثلا:

            إن السأم هو جوهر إنسان هذا العصر

            إنسان هذا العصر سيد الحياة

            لأنه يعيشها سأما

            يزني بها سأما

            يموتها سأما ( من ديوان أقول لكم)

            واسمع إليه يجمع بين النبوّة والسحر في تخريف غريب (ديوان الناس في بلادي):

            وقالت لي الأرض الملك لك

            تموت الظلال ويحيا الوهج(...)

            فيا صيحة لم يقلها نبي

            ولا ساحر همجي..

            وفي الكلام الآتي تلخيص لرؤية الشاعر عن الله تعالى والإنسان:
            ما غاية الإنسان من أتعابه؟ما غاية الحياة؟

            يا أيها الإله كم أنت قاس موحش

            يا أيها الإله (الديوانالسابق)

            فانظر كم يعاني شاعر (الحر) من غربة حضارية وانحراف عقيدي وأخلاقي و من غبش في التصوّر،ولعلّ ذلك ما جلب لهم الشهرة التي صنعتها لهم الأوساط الغربية المستحوذة على ساحة الأدب ووسائل الإعلام ، وقد تصدّى لعبثهم أصحاب الأيدي المتوضئة والأقلام النزيهة ، فأنتجوا أشعارا رائدة يجلجل صداها في نفوس مؤمنة ،لكنهم مازالوا قلّة مهمّشة يحتاجون إلى تنام ورعاية وتشجيع لينشروا عبر القصيدة التصور الصحيح عن الله والإنسان والحياة، ويحاربوا القبح ويقيموا صرحا للجمال.

            تعليق

            يعمل...
            X