قصة ابو راجي .

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عواطف ابو حمود
    كاتبة .
    • 08-11-2013
    • 567

    قصة ابو راجي .



    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

    نشرت هذه النص في احد المواقع من قبل لكنه لم ينل النقد الكافي .. فاحببت ان اعرضه هنا كي ارى رايكم فيه .. انه نص اجتماعي تقليدي به بعض الفلسفة .. اتمنى ان تستمتعوا بقراءته .



    . بسم الله الرحمن الرحيم .




    _ ( 1 ) _

    عندما تقدم البلطجي المجرم العضو في عصابة ، والذي يقال انه ارتكب أكثر من جريمة قتل لخطبة ابنة ( أبو راجي ) ، سقط قلب الرجل العجوز الفقير المعدم بين قدميه .. وحدق في وجهه ذاهلا وكأنه لا يعي ما يقول ..

    فقال الشاب بصوت بارد أجش :- أنا سمعت أنه بقي لديك فتاة لم تتزوج بعد .. هل أنا مخطئ؟ .

    أجابه بصوت خافت : لا .

    وهو يتناول بيده المرتجفة كوب من الماء كان أمامه .

    رشف الشاب والذي كان اسمه ( هارون ) من كوب قهوته بدوره وهو يقول : - والدتي متوفاة ولا يوجد لدي شقيقات .. لذلك جئت بنفسي لخطبة ابنتكم.

    هز العجوز رأسه موافقا فتابع ( هارون ) حديثه قائلا : - أنا عندي بيت قريب منكم .. به طابقين .. تستطيعون السكن في الطابق الأرضي كي تظلون بالقرب من ابنتكم إذا حدث شي.

    ثم اخرج كيس بلاستيكي من جيبه وقال انه المهر .. وصفف رزم المبلغ الفلكي المكون من أربعة أصفار أمام عيني العجوز الذاهلتين .. وعزل الربع وقال انه من نصيب الأب .. ثم اخرج مجموعة من الأطقم الذهبية وعلبة أخرى تحوى خاتم الزواج .. ثم نادي على احد حراسه الذي يقف أمام الباب وطلب منه ان يحضر المأذون .

    وخلال نصف ساعة كتبوا العقد وقرئوا الفاتحة .. وأرسل ( هارون ) رجاله لإحضار عشاء من الخارج يكفي كل البيت .. وأكلوا وشبعوا .. ثم خرج الجميع ما عدا ( هارون ) الذي قال انه يرغب في رؤية الفتاة قبل ان يغادر .



    _ ( 2 ) _

    قال ( فلان ) : كيف توافق بهذه السهولة ؟ .

    ووافقه ( علان ) : هكذا تلقي ابنتك وكأنك وجدتها في الشارع ؟ .

    تساءل الخباز : هل هددك بشي ؟ .. هل أحاط بك حراسه وضربوك وأرغموك على الموافقة ؟ .

    قال الجار : شكرا لك على الحلوى والطعام الذي أرسلته لنا .. لم نفرح هكذا منذ وقت طويل .

    قال آخر : نعم .. أكثر الله خيرك .

    وذكر ثالث : دينك الذي رددته لي جاء في وقته .. ولدي الصغير كان يمشي حافيا منذ يومين .



    _ ( 3 ) _

    زف الأب ابنته الى زوجها بعد أسبوع .. وانتقل بعد أسبوع آخر الى الطابق الأرضي الذي جهزوه له ولزوجته وابنهما المتزوج وأبنائه الأربعة.. وتخلصا بذلك من البيت المتهالك ذو الإيجار المرتفع والرائحة الكريهة ..

    وترك ( أبو راجي ) أثاثه القديم أمام الباب كي يأخذه من يريد من الجيران .. لأن نسيبه (هارون ) جهز البيت الجديد بكل ما يلزم .. وتخاطف الجميع ما قدروا عليه وتركوا الحطام فقط .. وكان المستأجر الجديد يقف على رأسهم كي يذهبوا بسرعة حتى يسكن في المنزل .. وسار بعض الجيران خلف عائلة ( أبو راجي ) وحقائب ملابسهم في مظاهرة فضولية حتى وصلوا الى منزلهم الجديد ..


    _ ( 4 ) _

    قال ( فلان ) : كبير المنزل .. انه يسع خمسين شخصا دفعة واحدة .

    قال ( علان ) : نعم .. وخمسين شخصا آخر في الطابق العلوي .

    تساءل بائع الأحذية : أين ذهبت الكلاب الذي تحرسه؟.

    أجاب بائع العطور : سمعت انها ماتت .. قامت عصابة بتسميمها كي تتسلل الى المنزل .


    _ ( 5 ) _

    فتح ( أبو راجي ) بقالة لبيع المواد الغذائية في الحارة .. ووضع فيها أصنافا منوعة من المأكولات وأشياء أخرى جميلة .. وكان يتساهل لأبعد حد من جيرانه في قبض الثمن .. ويوزع عليهم أحيانا بعض الهدايا الصغيرة .. ويجلب لهم كل ما يحتاجونه من أي مكان ، ويظل في مكانه طوال النهار وجزء من الليل حسب طلبهم.. ويقف حفيده الكبير معه بعد ان يأتي من المدرسة كي يساعد جده في العمل .. ويتركه كي يرتاح قليلا ويجدد نشاطه .


    _ ( 6 ) _

    علق احدهم : هذه ليست نقوده .. انها جزء من مهر ابنته .

    أجابه آخر : هذا واضح .. يرغب في غسل المال الحرام كي يصبح حلال .. يظن انه يخدع الله بفعلته.

    قال ثالث : كان غيره اشطر .

    أجاب الأول : حفظنا الله وسترنا .. الجنة تريد والنار تريد .. أنا سأذهب الى الدكان المجاور كي اشتري منه .


    _ ( 7 ) _

    مرت السنة .. وأنجبت ابنة ( أبو راجي ) ولدها البكر .. وأقام ( هارون ) احتفالا كبيرا بالمناسبة السعيدة .. ووضع مائدة خاصة لفقراء الحارة كي يأتوا ويأكلوا حتى يملئوا بطونهم ..

    وأكل الناس وشربوا .. وغنوا ورقصوا طوال الليل .. وجاءت الفرقة الموسيقية في اليوم التالي أيضا وغنت ورقصت الحارة مرة أخرى ..

    وترقبوا عودة الفرقة مرة أخرى في اليوم التالي لكنها لم تعد .. واليوم الآخر وكذلك لم تعد .. وظهر الغضب والضيق على وجوههم .. وعادوا الى منازلهم وهم ينفخون ويتشاجرون مع ذباب وجههم ، ويتلفظون بألفاظ يعاقب عليها القانون .


    _ ( 8 ) _

    متذمر رقم واحد : افسدوا مزاجنا .. افسد الله حياتهم .

    متذمر رقم اثنين : كنت أتوقع حضورهم اليوم .. لكن لا حياة لمن تنادي .

    متذمر نمبر ثري : لا اعرف كيف سأنام اليوم .. حتى تلفازي معطل.

    متذمر صوته لا يسمع بسبب بعد المسافة : اذهبوا الى منازلكم .. ستطلع الشمس وشمسهم لن تطلع .. نتفرج على وجوه بهائمنا أفضل .. حماري يحتاج الى حمام .



    _ ( 9 ) _

    مضى الزمان .. وانتقل ( هارون ) الى منزل آخر اكبر كي يسع أطفاله الذين بدأ عددهم بالزيادة .. وترك المنزل القديم لعمه .. فانتقل الابن المتزوج الى الطابق العلوي .. وترك الأرضي للأبوين العجوزين كي لا تتعبهم السلالم .. وقاموا بصيانة المنزل وإعادة طلائه من جديد .. وازدهرت مزروعات الحديقة أكثر فأكثر ، وكبرت الأشجار وبدأت في إخراج ثمارها الشهية .. وكان ( أبو راجي ) يسمح للأطفال بقطف ما يريدون ، ويسمح لهم أيضا بحمل المزيد لمنازلهم .. وفي المقابل كان يحمل ما يفيض عن حاجة منزله ويوزعه على الجيران .. وكل من جاء ودق بابه ورغب في المزيد أعطاه ما يريد بدون تفكير.. حتى وهو يعلم أنهم سيذهبون ويبيعونه في السوق بعد ذلك.


    _ ( 10 ) _

    وتحدث معه احدهم في هذا الأمر ، وعرض عليه ان يبيع المحصول بسعر جيد لأنه من النوعية الممتازة .. وسمح له ( أبو راجي ) بفعل ما يريد .. وأصبح الرجل يتردد عليه بانتظام ويحمل اغلب المحصول .. لأن الباقي كان العجوز ما يزال يعطيه للفقراء .. وتحسنت أحوال الرجل وبدأ الثراء يعرف طريقه إليه ..

    ونجح في شراء قطعة ارض ثم بناها بالتدريج وتخلص من بيته الإيجار الى الأبد .. وقام كذلك بإدخال ابنه الوحيد الى جامعة خاصة لأن مجموعه لم يدخله الى الجامعات الحكومية .. وتقدم له كذلك عريس مرموق لابنته المتخرجة حديثا .. وتكفل بكل شي ولم يرهقهم أبدا بالمصاريف .. حيث سافرا بعد الزواج وسكنا خارج البلاد في مكان عمله .. وأثار ذلك حسد الكثيرين والكثيرات من داخل الحارة وخارجها .. وتحدثوا طويلا حتى تعبت ألسنتهم ، وجفت حلقوهم، ومل الناس منهم ومن تكرارهم لنفس القصة.


    _ ( 11 ) _

    مات ( أبو راجي ) ..

    سقط العجوز بوقار على كرسيه الشهير الذي يجلس عليه أمام الدكان .. وحاول حفيده إسعافه لكن كان الأوان قد فات ..
    وامتلأت الحارة كلها بالمعزين ..

    ( هارون ) وحده جاءه أكثر من ألف شخص سواء في منزل العزاء أو في منزله الخاص .. واغلبهم مجهولي الهوية ومن كبار الشخصيات الذين يدل ثرائهم عليهم .. ولكن لا يعرفهم احد في الحارة .. ولم يروهم قبلا في التلفاز ..


    _ ( 12 ) _

    وبدأ يخف توافد الناس مع انتهاء أيام العزاء .. وظل ( هارون ) هناك مع عائلته لبضعة أيام حتى اطمئنوا على صحة ( أم راجي ) ، والتي كانت ضعيفة وتدهورت أكثر من شدة الحزن .. ثم حملوها معهم الى منزلهم الكبير كي يقوموا برعايتها عند أفضل الأطباء .. وظلت تسكن عندهم حتى بعد تحسن صحتها ..

    وظل ابنها وبناتها يزورونها بانتظام .. ثم اقترحت على واحدة منهم تسكن في بيت أهل زوجها ، ان تنتقل الى شقتها المغلقة حتى تتخلص من الزحام والمشاكل .. واستأذنوا ( هارون ) في ذلك فوافق على الفور .. وقاموا بإجراء صيانة مرة أخرى للمكان .. وغيروا ما يلزم تغيره .. ثم استقروا في المكان .. ولم تتغير معاملتهم مع الجيران والأطفال الذين يأتون لقطف الثمار .. وحتى تاجر الخضار الذي كبر وتوسعت تجارته ما زال يأتي الى منزلهم لأخذ اغلب المحصول كالعادة .


    _ ( 13 ) _

    طفل رقم واحد : هذه الثمرة لم تزل خضراء .. لقد تسرعت حين قطفتها .

    طفل رقم اثنين : وأنا أيضا .. كلها خضراء وسيئة الطعم .

    طفل رقم واحد : هل نتركها في الأرض ؟ .. أم ماذا نفعل ؟ .


    طفل رقم اثنين : الأحسن ان نلقيها بجانب الشجرة .. ونأتي بعد عدة أيام لنقطف المزيد .


    * تمت قصة أبو راجي وبقية سكان الحارة *

    .
    .



    .
يعمل...
X