لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك "عبد الحميد الغرباوي/ ج 2 محمد المهدي السقال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد المهدي السقال
    مستشار أدبي
    • 07-03-2008
    • 340

    لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك "عبد الحميد الغرباوي/ ج 2 محمد المهدي السقال


    من الإيهام بالواقع إلى الإيهام بالحلم

    أو

    القصة الذهنية

    في المجموعة القصصية الجديدة:


    " لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك "


    للسارد المغربي عبد الحميد الغرباوي.
    محمد المهدي السقال

    ج 2

    ليس الهدف من هذا الفرش ما يتصل باللغة طبعا، مادمنا بصدد قراءة نصوص نثرية إبداعية لها هويتها الفنية ضمن نوع سردي معلوم، لكن لأن الشيء بالشيء كما يقول الفقهاء، فقد سمح لفظ " قصص" من غير تعيين حركة القاف فيه، بمساءلة وجهة تلك النصوص، بين الرواية /الخبر على المصدرية، وبين الحكاية عن حدث على المرة بالمفرد، أي بين محاكاة الواقع بواقع وبين محاكاة الواقع بمتخيل
    .
    أما صفحة الغلاف الأخيرة، فقد أضافت لاستعادة العنوان و اسم الكاتب مع صورة حديثة له تتوازى مع عمر صدور المجموعة نفسها، فقرة من القصة الثانية في المجموعة بعنوان : " تلك اليد"، وهي بنصها في بين الصفحتين الرابعة والخامسة منها، عدا ما وقع من حذف طال حرف الجر (من ) في السطر الحادي عشر، أو جملة بعينها (عيناه كما لو كانتا مغمضتين) في السطر الخامس عشر، مما يمكن أن يكون من سقطات الطبع، غير أن عدم استدراكها يمكن أن يشوش على القارئ، ظنا بأن أحد النصين سابق على الآخر، فيذهب في تأويله للحذف على غير ما تكون عليه بنية الجملة في الأصل، في غياب أدنى إشارة و لو على سبيل التنبيه.
    و أزعم أن الاختيار لم يكن اعتباطيا، لاتصال الانتقاء ببؤرة محورية في اشتغال عبد الحميد الغرباوي السردي في هذه المجموعة، ويتعلق الأمر هنا، بما عبرت عنه بالمراوحة بين تيار الوعي الموضوعي و تيار التداعي الذاتي، في تنامي الخطاطة السردية عند الكاتب في جل النصوص، انطلاقا من تداخل جملة أسئلة تظل تهدر بها أصوات في أذن السارد، فتطفو حينا من عمق قلق الذات في محنتها الوجودية، بينما تصعد حينا آخر من فيض الانفعال الشخصي بتمظهره النفسي والمعرفي
    :
    " وتلك الأصواتلا يزال يتردد صداها في أذنه كهدير...لا يمكن أن يكون حدث كل هذا داخل شقة صغيرة...و اللحظة..أين يمكن أن يكون؟...هو الآن يسير ..وحيدابلى يسر وسط حشد من الناس...خلف دليل..إلى أين يمضي؟..و حوله وخلفه، من هنا و هناك،أصوات مألوفة و أخرى مجهولة، تهتف وتنشد..ويسمع صوتا من خارج الحشد، يصرخ:" عد ، عد ،..عد إلينا..."لكنه كالأصم، يواصل السير خلف الدليل،...كما لو كان مغمض العينين"
    الأسئلة نفسها ستتكرر على امتداد النصوص القصصية، ليجعل منها الكاتب ذلك الخيط الرفيع الناظم للعلاقة بين المتون أحداثا وقوى فاعلة، وهذا التصور نفسه، هو الذي قادني إلى التعليق بجدار الفيس البوك، بعد الشروع في نشر المجموعة منفصلة نصا نصا ، بقولي: أزعم أن نشر القصة منفصلة عن البنية الكلية للقصص المجموعة تحت عنوان: " لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك" للسارد المغربي عبد الحميد الغرباوي، ربما يضعف منسوب التلقي لأبعادها الدلالية والفنية، انطلاقا من تصور بسيط يذهب إلى ارتباط مجموع النصوص بخيط رفيع تحدد مساره حمولة فكرية و جمالية، تنحو بالنصوص في اتجاه بؤرة رؤيوية يراهن الكاتب على تجسيدها من خلال تنويعاته السردية.
    قبل الانطلاق في القراءة السردية، تستوقف المتلقي عتبة، أورد فيها الكاتب مأثورين من القول لأديبين أمريكيي الأصل: الأول مستقطع شعري من القصيدة المطولة للشاعر والناقد ت س إليوت، بعنوان الرباعيات الأربع،جاء فيه : " وما لا تعرفه هو الشيء الوحيد الذي تعرفهوما تملكه هو الشيء الوحيد لا تملكه و المكان الذي أنت فيه هو المكان الذي لست فيه."أما الثاني، فقد عاد إلى السارد الوجودي رائد القصة القصيرة إدغار الان بو، من غير تعيين للمصدر أو السياق، يقول فيه:"كل ما نراه أو يبدو لنا ليس سوى حلم داخل حلم."(مات في الأربعين بالشارع العام ولا يعرف سبب موته ولا مكان قبره عدا ما قيل عن عزلته وإدمانه واضطراب نفسيته بعد موت زوجته قبله بعامين).
    و انطلاقا من تصوّر قبلي لما تحمله العتبات من قيمة دلالية، يمكن أن تسعف في وضع فرضية أو فرضيات للقراءة، فإن القارئ يتأمل محتوياتها باعتبار إمكانية التأشير على ما سيشغل أو ينشغل به فضاء قصص مجموعة " لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك
    ".
    يحيل المكون الأول في العتبة على الشاعر ت س إليوت، فنستحضر مكانته الإبداعية باعتباره بوصلة التحول بالشعر الحديث وعنوان المنحى الذي سيأخذه على مستوى الرؤيا تفكيرا وتعبيرا باللغة، وقد شكلت"الرباعيات الأربع"، بعد " الأرض اليباب"إحدى فلتات الشعر العالمي بعمق تأملاتها الفلسفية والإنسانية، لما تضمنته من رؤى تعيد بشكل فني طرح أسئلة الوجود والكينونة، صدورا عن تصورات حول الإنسان والحياة، وما يتصل بهما من قضايا المعنى والحقيقة في الوعي والإدراك بين المطلق والنسبي، وقد شغلت جدلية النفي والإثبات كينونة الشاعر، لدرجة وجد فيها البعض من النقاد، مقدمة لمنطق العبث واللامعقول في كل التناولات الأدبية التي طبعت الإبداع المعاصر.
    ولا يبدو مقول الكاتب إدغار ألان بو، بعيدا عن مضمون الرؤية للعالم عند ت س إليوت، حين يعلن بصيغة الخبر عن حقيقة يعتقدها بخصوص ما نتوهم أنه حقيقة، بينما "كل ما نراه أو يبدو لنا ليس سوى حلم داخل حلم
    ".
    هل يشكل مضمون العتبتين بدلالته العميقة على مدى الصراع داخل الذات الإنسانية، في مواجهتها لسؤال المعرفة بين الحس والتجريب، خلاصة القناعة الوجودية الموجهة للوعي بالحياة والعالم عند الكاتب؟
    قد يوحي السؤال باتجاه أحادي البعد في قراءة قصص مجموعة " لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك "، من خلال التركيز على محتوى البنية الذهنية الواعية و اللاواعية، لتلمس طبيعة الرؤية للعالم عند الكاتب، ومدى توجيهها لمسار المادة الحدثية بمختلف تلوينات شخوصها و ديناميكية حراكها في الزمكان، و هو ما لم تراهن عليه القراءة بمرجعيتها الانطباعية، إذ انشغلت بتتبع جل مكونات النص السردي، لرصد ما يمكن أن يكون من إضافة للمجموعة ضمن النوع الذي تنتمي إليه أدبيا وفنيا، على خلفية ما يمكن استحضاره من عموم المتداول النقدي حول السرد القصصي.
    ماذا أقرأ؟
    ظل هذا السؤال بوصلة التأملات في نصوص المجموعة، بعدما أعلنت عن انتمائها لنوع سردي مخصوص هو القصة، من غير ذهاب إلى تصيفها بين قصيرة أو قصيرة جدا، وقد حضر بقوة ذلك الانشغال بما يمكن أن يكون مؤشرات على نفي التجديد لإثبات التقليد، أو علامات على إثبات التجديد لنفي التقليد، دون كبير اهتمام بالسعي نحو الانتهاء إلى حكم قيمي صارم وجازم.

    ولصياغة تلك الانطباعات بشكل قريب من المنهجي، كان لا بد من الاستئناس بتساؤلات موضوعية تثيرها مجموعة " لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك"، للوقوف على ما تقدمه القصص التسع من إجابات، يمكن أن يسعف في تلمس ما يوحي باتباع أو يحيل على إبداع، فإذا بالقارئ بين قبول أو رفض لها، يعيد سؤال القراءة، و يساهم في فتح كوى مضافة تضيئ المجموعة أمام قارئ آخر.
    - كيف تعاملت القصة الغرباوية مع البناء الهرمي بمثلثه الأرسطي في السرد الكلاسيكي، والقائم على التعاقب المنطقي في تنامي القصة بداية و وسطا ونهاية ؟
    - هل استوفت القصة في المجموعة مكونات تعتبر جوهرية في النمط القصصي، من قبيل حضور الحكاية و ما تستدعيه من حدث و شخصية و زمكان، مع ما يستحضر ضمن سياق السرد من حوار بمستوييه الأحادي أو الثنائي؟
    - لمن أسند شأن الحكاية ساردا أو راويا، بالنظر للموقع الذي يتخذه متأرجحا بين ضمائر السرد المعروفة؟- كيف تعاملت مع اللغة في تعبيراتها السردية؟
    - ما هي مساحة المعين الذي استقت منه المجموعة شخوص مادتها الحكائية واقعيا أو تخيليا ؟
    أثناء متابعتي لحضور الشخصية في قصص مجموعة " لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك"، باعتبارها المهيمنة الرئيسة، كقوة فاعلة محورية صانعة للحدث أو منخرطة فيه بالقوة وبالفعل على امتداد الأمكنة والأزمنة التي شغلتها،( تجاوز الشخصيات التأثيثية غير الفاعلة و غير المؤثرة في تنامي الحكاية)، تبدى لي أن الكاتب، يمتح مما تستحضره الذاكرة أو تلتقطه العين ، قبل الاشتغال على وجودها بحركتها في الواقع أو تحركها في المتخيل، لدرجة لم تبد معها تلك الشخوص، أكثر من قوى فاعلة واقعية تعيش حياتها اليومية عادية و بسيطة، لا يفرقها عن الآخرين سوى هذا التعلق بالنبش في الذاكرة، لتصعيد رغبتها في تجاوز ظروفها من خلال مواصلة الحلم صاحية ونائمة.
    غير أن معاودة قراءة وضعيات الشخوص في المجموعة، ستدفع بالتأمل في اتجاه آخر، يمكن أن يقدم تفسيرا لما اعتبرته واقعية جديدة في كتابة عبد الحميد الغرباوي القصصية، اعتمادا على توظيف إمكانيات السرد لتقنية الإيهام بالواقع وما اتصل به من وساطة معادلات موضوعية، تعيد بعث الحياة في شخوص آدمية ليست إنسانية بالضرورة، لتنطق بالممكن عبر تيار الوعي الفردي أو الجمعي، بعدما أخذت في التبلور فكرة استبعاد محاكاة الواقع على النقل الموضوعي بالوصف التقريري الواضح، بموازاة استبعاد التخيل المجنح في التصوير من زاوية الذاتي المجرد
    .
    ستحضر الشخصية مختلفة عن وجودها في القص التقليدي، بحيث يصعب تلمس هيئاتها و وضعياتها النفسية والاجتماعية في ظل شروطها و ظروفها المعيشة، في مقابل التركيز على الشخصية في مواقفها ورؤاها للعالم بما تتكئ عليه من وعي بالذات خارج الزمكان الاجتماعي، لدرجة تصبح معها الشخصية في القصة، تمثلا لحالة فردية تعاني في حمولتها الذهنية قلق الوجود الإنساني، أكثر منها شخصيات ملتبسة بواقع معلوم، يمكن ضبطها من خلاله بوصف أو مواصفات تميزها في الهيأة أو التفكير.
    وللتمثيل على الشخصية المراد تجسيدها، اختار الكاتب نماذج من معيش اليقظة أو من متخيل الحلم، ليحمَّلَها ثقل أسئلته الوجودية من صميم صراعه مع الحياة، بحثاً عن مقاربة تلك الحقيقة الغائبة، والتي تتمظهر في الحضور بصور و أشكال شتى عبر الحلم وتماهياته خارج رقابة الوعي الشقي، أو ما يمكن وصفه بالتمزق الوجودي، حين يدرك الإنسان أنه في النهاية، ليس أكثر من مجهول في معادلة الحياة / الكينونة بين الحقيقة والحلم، فحرَّكت النصوصَ التسعة هواجسُ الانشغال بالإنسان في حالات إحباطه وإخفاقه، فرصدت وجود الشخصية ببعديها النفسي والاجتماعي، من خلال انفعالها أو تفاعلها مع محيطها المتعدد المستويات والمتشابك العلاقات حد التعقيد، دون أن يعني ذلك، انفراد شخوص العوالم القصصية في مجموعة / "لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك"، بصفات أو مواصفات ليست في غيرها، بحيث تصنفُ وحدَها المؤهلةَ للتمثيل والاعتبار بتجاربها في الحياة المعيشية داخل محيط سوسيو اجتماعي وثقافي واقتصادي، محمول على قابلية التحول والتغيير، استجابة لما يحبل به ذلك المحيط من مفارقات وتناقضات، فلم تبتعد كثيرا عن عالم الواقع من حيث مصدر استلهامها وإحالتها على معادلات موضوعية يؤطر امتداها في الواقع نفسه تيار الوعي، رغم اعتماد جل النصوص على توظيف الحلم، لتمرير خطاب الكاتب على لسان السراد في القصص، سواء كانوا يروون عن أنفسهم أو كانوا يحكون عن غيرهم، مما خطر على البال في حالتي النوم واليقظة، اتصالا بالمتخيل من رافد التصور الذهني و خلفياته في الثقافة والتاريخ والأساطير والأديان مثلا..
    تقدم القصة الأولى بعنوان " ولا يزال يضحك"، صورة للشخصية التي تجد صداها المادي في مرآة حياة الناس اليومية، ممثلة في " عبد الله الساكت "، إذ استقاها الكاتب مما له وجود نمطي في مرجعية الواقع، بوصفه رجلا ، " لا يشتكي كما لو أن لا شيء يعنيه سوى كسب قوت يومه، و " كل ما يبتغيه أن يعيش في سلام" فهو" بارد "، " لا يتأفف "، " حتى إنه سمي بالساكت من طول السكات ".ويبدو توظيف شخصية "عبد الله الساكت" ممعنا في الإيهام بالواقع، من خلال تمثيليته لنموذج معاناة الإنسان الهامشي مع مؤسسة الاستخبار السرية، حين يقع بين فكيها لغير ذنب أتاه، سوى تقدير عبثي لحالته من طرف "العين الراصدة"، بعدما " لفت نظرها صمته و ابتسامته الشفيفة التي لا تفارق وجهه"، علما بأنه لا يشكل أدنى خطر على النظام السياسي أو الاجتماعي، ما دام " لا ينتمي إلى حزب ولا إلى منظمة و لا يشارك في مظاهرات ولا في مسيرات احتجاج ".
    بالرغم من هذه السلبية المفترض محاسبة "عبد الله الساكت" عليها من طرف مجتمعه، سنجده ضحية استجواب أمني، بحثا عن تفسير كينونة الرجل على تلك الحال، مغرقا في السكوت والابتسام، لأنهما يؤولان ضد المتهم بعدم الرضاء والسخرية من واقع يرفضه، حتى إذا ضاقت" الدوائر المختصة "بما يظهر عليه من " وجه جامد لا يفصح عن شيء "، منتهية إلى عجزها عن فهم أو تبرير يكون سيد الأدلة فيهما الاعتراف، لجأت إلى الإغراء بإخلاء سبيله ونسيان الجميع للموضوع، تحت عنوان" لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك"، بمجرد الجواب عن السؤال المؤرق بخصوص دوام سكوته وابتسامه، إلا أن " عبد الله الساكت " الذي بدا على طول القصة منفصلا عن وعيه بالتفاصيل التي يعيشها، إذ ليس له منها غير ما يحكيه السارد أو ما سيقال " له فيما بعد"، سيخيب أملهم برد فعل غير متناسب مع الموقف، حين اجتاحته " هستيريا ضحك.... يشبه النحيب... هزت غرفة الاستنطاق إلى أن أغمي عليه.. و حين استفاق من غيبوبته، نسي نفسه.. وكان لا يزال يضحك".
    تظل النهاية المفتوحة على المصير المجهول بعد استفاقة " عبد الله الساكت" من غيبوبته، منفتحة على سؤال الما بعد، إلا أن فرضيات القارئ لن تطول في الاستغراق بمجرد الانتقال إلى القصة الثانية " تلك اليد "، لأنه سيجد في بدايتها المحيلة على وضعية الشخصية في حال استجوابها من طرف الأجهزة نفسها، ما يسوغ إمكانية الاتصال بنهاية القصة الأولى
    .

    سيتواصل الإيهام بالواقع في اليقظة مع مطلع القصة الثانية، ارتباطا بما يبدو أنه امتداد لما توقفت عنده القصة الأولى، من خلال الإخبار عن طريق السارد دائما، بما سمعته الشخصية من أمر" بصوت متشنج بأن يعتدل"، يلتزم مكانه، لا يتحرك، لا يفتح فمه، كي تلتقط له صورة ناصعة لا تشويش فيها"، إلا أن الرجل ما زال غير واع بما يحدث له، إذ " هذا كل ما بقي عالقا بذهنه... أما مكان و زمان حدوث ذلك، فلا يستطيع تحديدهما بدقة أو بتقريب حتى
    .."
    و سينتظر القارئ تفاصيل " الما بعد" بين يدي الاستجواب، من قبيل الاحتمالات الواردة في مثل تلك الوضعية، غير أنه سيفاجأ بتحويل اتجاه السرد من ذلك الإيهام بالواقع، إلى الانخراط في تجربة حلمية تشكل مصدر الحكاية هذه المرة، انطلاقا من ذلك الاستدراك بسؤال مفصلي يطرحه السارد: " لكن هل ما وقع، كان داخل شقته أم خارجها؟ "، على اعتبار أن ما وقع، لا يجد صداه في وعي الشخصية بوجودها المادي، و إنما في لاوعيها عبر تصعيد التداعيات التي يطفو بها حوار الحلم على لسان السارد، و ليس جديدا بناء النص السردي عند الكاتب المغربي عبد الحميد الغرباوي، على خلفية معاناة الوعي بالذات في عالم متغير، لكن الجديد بناؤه من منطلق تناسل السؤال الوجودي في عمقه الفلسفي، حيث سؤال المعرفة بالذات وبالعالم ما زال موضوع تشكيك فيما يراهن البعض على نهاية طرحه بمنطق اليقين في ثبات مطلق ما، وأورد أسفله تمثيلا على تلك الأسئلة الوجودية، والتي تدل على القصد رغم انفصالها عن سياقاتها في القصة:
    "
    داخل شقته؟...
    كيف؟..وهل فعلا تم تخديره؟..خارج شقته؟أين؟...لا يدري سببا لذلك...أذاته؟..أم ذات شخص آخر..لكنه لا يتذكر ما رآه في الحلم..أ يمكن أن يحدث هذا؟..أن يعيش الجسد حالتينأن يكون مثلا في الشقة وخارجها في ذات الوقت !هل صحيح أن حياة الشخص تكون أيضا في مكان آخر؟..و اللحظة..أ يمكن أن يكون؟..هو الآن يسير..وحيدا، بلى وسط حشد من الناس يسير...خلف دليل..إلى أين يمضي؟..

    يتبع 3

    " مُـجَـرَّدُ كَـلاَمِ عَـجُـوزٍ لَـمْ يُـدْرِكْـهُ الْـبُـلُـوغ "
يعمل...
X