الفلسفة التى احبها
**********
في تمام السابعة من ليلة باردة مقمرة إلتأم شمل النادي .. في خيمة الفلسفة توزعت الكراسي بين الرجال والنساء .. ودارت أقداح القهوة بين الحضور .. كانت المرة الاولى لي بينهم .. وجدتهم يستدعون الماضي .. مولعون بالتصنيف و بمصطلاحات غامضة تحتاج في تعريفها الى تعريف .. حاول المحاضر ان يضع ملامح لمنهج الفلسفة على انها علم مستقل .. شعرت بالملل وبومضات من امل .. انفض الجمع في تمام العاشرة.
لبست معطفي الاسود الطويل على الحلة السوداء الرسمية ذات الثلاث قطع تحتها قميص ابيض ناصع البياض دون ربطة عنق .. كانت ليلة سمائها صافية باردة يضيئها نور القمر رياحها خفيفة .. خلا الشارع الا قليلا .. كان علي ان امشي خمس دقائق الي محطة القطار ليأخذني الى منزلي على بعد ثلاث محطات شمالا.
على رصيف المحطة لم يكن هناك احد سواي .. وأعمدة المصابيح الخافتة .. جلست على الكرسي الخشبي .. وكما هي عادتي عندما يخيم الصمت على المكان وتخبو أنواره .. احدث نفسي بأصوات صامتة تتخللها شهاقات وزفرات متفرقة .. اتذوق الفكرة واعتصر لذة اللحظة.
بعد دقائق لمحت امرأة وقفت غير بعيد تحت مصباح المحطة الحزين .. لبست ثوبا أسودا و غطت راسها بوشاح اسود و على كتفيها شال احمر بلون العنب .. نظرتُ نظرةً الي السماء فغاب القمر .. حقا الاسود يليق بها ..
فجاءة ضج رصيف المحطة برهط من الرجال و النساء كنا معا في النادي .. تعالت أصواتهم واختلفت آراءهم بين الشك و اليقين والمنهج .. ضربت الارض واقفا .. فعم الصمت مرة اخرى قلت: يا سادتي الفلسفة التى احبها .. تبدأ من اليقين، ولا تبدأ من الشك، وتثبت ان الحواس هي قنوات المعرفة الى العقل، والعقل هنا هو الدماغ والقلب واشياءا اخرى لا اعرفها ، خبر اليقين لدي هو خبر السماء الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قطعي الثبوب وقطعي الدلالة، فاشعر أني آوي الي ركن شديد، وما دون ذلك أُعمل فيه ادوات الشك والسؤال والاستنباط والاستقراء، كما المنطق العقلي ونتائج التجربة.
الفلسفة التى احبها .. يا سادتي .. ليس لها منهج مؤطر ولا هي علم مستقل انما هى ادوات استخدمها ثلة من الاولين وثلة من الاخرين من أولي الالباب، يعتصرون المعارف من الظواهر والنصوص فيسيل شهد الحكمة، فأتذوق سكر السعادة بالمعرفة.
الفلسفة التي احبها .. هو ذلك الصوت الخفي الذي يتحدث الي في فترات العزلة الافتراضية والحقيقية، يحدثني عن العقل، ويبحث معي عن الحقيقة المطلقة، يحدثني عن الأخلاق والعدل، عن السعادة والالم .. يحدثني عن نفسي انا فقط .. تارة ابدأ انا واثبت وهو ينقض وتارة هو يثبت وانا انقض .. في نسق منطقي واقتراب حميم للحقيقة.
لماذا تريدون ان تمنهجوا الفلسفة؟ فجاءتني الاجابة باننا لا نستطيع ان نعرف دون منهج محدد!!فانكسر بذلك اول شروط التفكير الفلسفي الذي ولد حرا من المسلمات والافتراضات من قبل و من بعد.
ايتها السيدات .. أيها السادة .. هذه هي الفلسفة التي احبها .. و هذا انا ولا أدعوكم ان تكون مثلي وتنتهجوا نهجي، ابتكروا منهجكم، اقتبسوا من قطوف الحكمة اليانعة لونوها بألوانكم الخاصة ثم أعرضوها على الملأ يقتبس منها آخرون .
توقفت هنا وخيم الصمت الا من ضجيج أنفاسي .. من بينهم أمسكت بطرف ثوبها وهرولت نحوي .. اقتحمت محيط صدري .. عانقتني و طبعت علامة حبها على العنق قرب الأذن .. قلت: ويحك "أحلام" ما الذي أتى بك؟ قالت : احبك .. ثم شعرت بيد ثقيلة تهزني وصوت يقول سيدي عليك ان تغادر لقد تأخرت سيفوتك القطار !! .. نهضت من على الكرسي الخشبي .. ركبت القطار .. و ذهبت !! .
انتهت ..
**********
في تمام السابعة من ليلة باردة مقمرة إلتأم شمل النادي .. في خيمة الفلسفة توزعت الكراسي بين الرجال والنساء .. ودارت أقداح القهوة بين الحضور .. كانت المرة الاولى لي بينهم .. وجدتهم يستدعون الماضي .. مولعون بالتصنيف و بمصطلاحات غامضة تحتاج في تعريفها الى تعريف .. حاول المحاضر ان يضع ملامح لمنهج الفلسفة على انها علم مستقل .. شعرت بالملل وبومضات من امل .. انفض الجمع في تمام العاشرة.
لبست معطفي الاسود الطويل على الحلة السوداء الرسمية ذات الثلاث قطع تحتها قميص ابيض ناصع البياض دون ربطة عنق .. كانت ليلة سمائها صافية باردة يضيئها نور القمر رياحها خفيفة .. خلا الشارع الا قليلا .. كان علي ان امشي خمس دقائق الي محطة القطار ليأخذني الى منزلي على بعد ثلاث محطات شمالا.
على رصيف المحطة لم يكن هناك احد سواي .. وأعمدة المصابيح الخافتة .. جلست على الكرسي الخشبي .. وكما هي عادتي عندما يخيم الصمت على المكان وتخبو أنواره .. احدث نفسي بأصوات صامتة تتخللها شهاقات وزفرات متفرقة .. اتذوق الفكرة واعتصر لذة اللحظة.
بعد دقائق لمحت امرأة وقفت غير بعيد تحت مصباح المحطة الحزين .. لبست ثوبا أسودا و غطت راسها بوشاح اسود و على كتفيها شال احمر بلون العنب .. نظرتُ نظرةً الي السماء فغاب القمر .. حقا الاسود يليق بها ..
فجاءة ضج رصيف المحطة برهط من الرجال و النساء كنا معا في النادي .. تعالت أصواتهم واختلفت آراءهم بين الشك و اليقين والمنهج .. ضربت الارض واقفا .. فعم الصمت مرة اخرى قلت: يا سادتي الفلسفة التى احبها .. تبدأ من اليقين، ولا تبدأ من الشك، وتثبت ان الحواس هي قنوات المعرفة الى العقل، والعقل هنا هو الدماغ والقلب واشياءا اخرى لا اعرفها ، خبر اليقين لدي هو خبر السماء الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قطعي الثبوب وقطعي الدلالة، فاشعر أني آوي الي ركن شديد، وما دون ذلك أُعمل فيه ادوات الشك والسؤال والاستنباط والاستقراء، كما المنطق العقلي ونتائج التجربة.
الفلسفة التى احبها .. يا سادتي .. ليس لها منهج مؤطر ولا هي علم مستقل انما هى ادوات استخدمها ثلة من الاولين وثلة من الاخرين من أولي الالباب، يعتصرون المعارف من الظواهر والنصوص فيسيل شهد الحكمة، فأتذوق سكر السعادة بالمعرفة.
الفلسفة التي احبها .. هو ذلك الصوت الخفي الذي يتحدث الي في فترات العزلة الافتراضية والحقيقية، يحدثني عن العقل، ويبحث معي عن الحقيقة المطلقة، يحدثني عن الأخلاق والعدل، عن السعادة والالم .. يحدثني عن نفسي انا فقط .. تارة ابدأ انا واثبت وهو ينقض وتارة هو يثبت وانا انقض .. في نسق منطقي واقتراب حميم للحقيقة.
لماذا تريدون ان تمنهجوا الفلسفة؟ فجاءتني الاجابة باننا لا نستطيع ان نعرف دون منهج محدد!!فانكسر بذلك اول شروط التفكير الفلسفي الذي ولد حرا من المسلمات والافتراضات من قبل و من بعد.
ايتها السيدات .. أيها السادة .. هذه هي الفلسفة التي احبها .. و هذا انا ولا أدعوكم ان تكون مثلي وتنتهجوا نهجي، ابتكروا منهجكم، اقتبسوا من قطوف الحكمة اليانعة لونوها بألوانكم الخاصة ثم أعرضوها على الملأ يقتبس منها آخرون .
توقفت هنا وخيم الصمت الا من ضجيج أنفاسي .. من بينهم أمسكت بطرف ثوبها وهرولت نحوي .. اقتحمت محيط صدري .. عانقتني و طبعت علامة حبها على العنق قرب الأذن .. قلت: ويحك "أحلام" ما الذي أتى بك؟ قالت : احبك .. ثم شعرت بيد ثقيلة تهزني وصوت يقول سيدي عليك ان تغادر لقد تأخرت سيفوتك القطار !! .. نهضت من على الكرسي الخشبي .. ركبت القطار .. و ذهبت !! .
انتهت ..
تعليق